في أقليم كردستان الدين لله والوطن للجميع
كم هو جميل ان يعم الأستقرار والأمان " كردستان " هذه المنطقة الطيبة من الوطن العراقي ، وكم هو مؤلم ان يسود الدمار والعنف والخراب جزء كبير من هذا الوطن . ولابد أن نسأل أين يكمن الخلل في هذه الهوة الفاصلة بين عموم العراق ومنطقة أقليم كردستان ، علماً انه وطن واحد له تاريخ مشترك وهي ارض واحدة اشترك شعبها في الحلوة والمرة على مدى التاريخ .في يوم 18 / 6 / 2007 اجتمع رئيس اقليم كردستان الأستاذ مسعود البارزاني مع وجهاء ورجال الدين من اليزيدية والمسيحيين ، وكان زبدة ما صرح به الأستاذ مسعود البارزاني للوفدين ، أن كردستان فخورة بثقافة التسامح التي يزدهر بها مشهد أقليم كردستان إن كان على الصعيد الرسمي الحكومي او على الصعيد المجتمعي بتنوع نسيجه الديني والأثني .
وقد أشار رئيس أقليم كردستان الى ان القانون ينبغي ان يكون فوق الجميع ، وأن يأخذ مجراه وهذا هو الطريق الأسلم لتحقيق العدالة في المجتمع .
ومن النقاط الهامة التي أثارها الأستاذ مسعود البارزاني هو تأكيده على وجوب فصل الدين عن الدولة والكل حر في تفكيره الديني الذي يعتقد به .
قبل أسطر في هذا المقال كان السؤال عن السر الذي اوجد هوة سحيقة بين أقليم كردستان وعموم العراق . لماذا يسبح العراق في أنهار من الدم والفوضى والخراب ؟
ولماذا تنعم كردستان بالأمن والأستقرار ، وتواكب الركب الحضاري في مسيرة البناء والتنمية والتقدم ؟
إن الواقع المأسوي العراقي كان نتيجة الخلط بين السياسة ( الدولة ) وبين الدين ( الأسلام ) . لقد كان الجواب على هذا السؤال يبدو واضحاً من جملة واحدة قالها الأستاذ مسعود البارزاني بانه (( يجب فصل الدين عن الدولة )) . إن القيادة الكردية قد وضعت اصبعها على مكمن الداء ، وفي مقدورها ان توصف الدواء بلجوئها الى طريق الأنتعاش الأقتصادي ، وغرسها شتائل ثقافة التسامح والمحبة والتفاهم بين التنوع المجتمعي الفارض لكينونته على مساحة المجتمعات الأنسانية في شتى الأقطار والدول . ان هذه الثقافة التسامحية هي التي تقطع دابر الحياة عن جذور المد الأصولي الرافض للتقدم العلمي ، والداعي الى السادية والعنف بحق الآخر .
في أقليم كردستان كانت النقلة الكبرى ، من أقليم متأخر تتفشى فيه الأمية والفقر والمرض ، وهو ساحة مشرّعة للمعارك والحروب لعقود متوالية ، ثم ميداناً وحقلاً لتجارب الأسلحة وسماءً مفتوحة لرش الغازات السامة ، وشعب يحطمه الظلم والقسوة والتشرد والتهجير القسري ووو .. الخ
بعد هذه المآسي والمظالم والتأخر .. كان الوصول الى واحة العمل والزراعة والصناعة والتجارة والبناء والتنمية والأستقرار ، وكان غرس قيم الأحساس بالواجب والألتزام بالقانون وزرع التسامح الديني والأثني بين مكونات المجتمع . إن هذه النقلة جاءت مع الأخذ بأسباب العقلنة ، ونبذ الخرافات التي تعمل على تقييد الفكر عن العمل والأبداع . أضف الى ذلك نبذ الكراهية والثأر والعدوان رغم ما طال الأمة الكردية من الظلم والقهر على مدى العقود الماضية على يد الحكومات المتعاقبة .
لقد ولج الأكراد الى العمل من الباب الواقعي الموضوعي ، ودخلت الحكومة العراقية اليه من باب الطائفية وتسييس الدين ، فأوقعت الحكومة العراقية نفسها في مسلسل العنف بيسر وسهولة ولكن من المتعذر عليها الخروج منه بتلك السهولة .
يقول الأستاذ نوري المالكي للصحفيين يوم ذكرى تأسيس جريدة الزوراء وهي اول صحيفة عراقية صدرت قبل 138 سنة يقول : " لا نهضة في العراق بدون صحافة نابذة لثقافة الكراهية " حقاً انه كلام جميل مريح يبرد الأعصاب والقلب بقالب من الثلج في حر الصيف العراقي . لكن كم هو هذا الكلام بعيد عن الواقع ؟
إذا كانت الحكومة العراقية هي نفسها تزرع ثقافة " الطائفية والعنصرية الدينية والكراهية " ماذا يجدي الصحافة ان تقول ما تقول ؟
إن الحكومة العراقية بأحزابها الدينية ، إن كانت تريد ان تسير بالعراق بطريق التقدم والأستقرار عليها ان تقتدي وتتعلم من كردستان ومن قيادتها ، نستطيع ان نزعم ان كردستان تقود اصلاح سياسي وأمني وتخلق نموذجاً يمكن ان يحتذى به في المنطقة . لقد كان حصر السلاح بيد الحكومة التي تدير قوات اليبشمركة المنظمة الملتزمة ، هو سر الهيمنة على الوضع الأمني لأشاعة حالة من الأمن والأستقرار وهي ضرورية لعملية البناء والتنمية ، وهناك الوقوف ضد قوى الفساد الأداري والمالي إنها عمليات متكاملة لخلق نموذج مثالي لأقليم كردستان الذي يسوده التآخي . وبعد ذلك نستطيع الزعم أن في أقليم كردستان يطبق الشعار الرائع بأن " الدين لله والوطن للجميع " .
حبيب تومي / اوسلو
habeebtomi@yahoo.com