في حارتنا ديكٌ.. إنقلب إلى دجاجة!!
g_hasado@yahoo.comرغم كل ما قيل ويقال عن الحكام المستبدين الذين يمتهنون كرامة شعوبهم ويتلاعبون بمقدرات بلدانهم ويتشبثون بالسلطة مهما كلفهم ذلك من أموال وأرواح، ورغم كل ما أشيد بحركات الشعوب وإنتفاضتها لكرامتها ورزقها ومطالبتها الشرعية بالتغيير والإصلاح بعد طول إنتظار.. يبقى أن ما يجرى في دول المنطقة اليوم يعد إنعطافاً محورياً وسابقة تاريخية تتم لأول مرة، حيث لم تشهد الدول العربية سابقاً سوى الإنقلابات العسكرية أو الهبّات الشعبية التي سميت إن خطأً أو تزويقاً بالثورات، وأن الأمر لم يعد يقتصر على بلد معين دون غيره فالكل مهدد بالإصابة بعدوى التغيير إن عاجلاً أم آجلاً.. وقد يختلف المعيار الزمني بحيث يصيب الأقل ترشيحاً أولاً، لكن برأينا المتواضع ومن خلال متابعتنا المتواصلة لمجريات الأحداث فأنه من الصعب أن نشهد إنتفاضتين في آن واحد، أي سوف تشهد كل بقعة سيناريو مضاف ومختلف بجزئياته عن سابقتها مع الإحتفاظ بالعامل المشترك وهو المطالبة بالتغيير.
من ناحية ثانية نرى بأن المطالبة بالتغيير لن تقتصر على الدول فقط، بل ستتطور مع تطور ثقة الجماهير بقدرتها وستطال شيئاً فشيئاً الإدارات الأصغر وحتى المؤسسات المدنية والأحزاب السياسية، فالحال هو واحد في معظم التجارب، فئة صغيرة إنتهازية ومستنفعة تحتكر القرار وتتسلط على المنافع العامة ولا تعير إهتماماً للمطالبات المتكررة بالإصلاح.. وإذا ما إستمر الحال على ما هو عليه في إقليمنا المشرقي وبقيت النخب الحاكمة بعيدة عن نبض الشارع وغير مبالية بمطالبه في القيام بالإصلاحات السياسية وتحسين أوضاعه الإقتصادية، فأننا سنشهد أكثر من فرار أو تنحي رئيس دولة.. إذ قد نرى أيضاً محاكمة وسجن رؤساء وقادة هذا إذا لم يتطور الأمر ليصل إلى سحلهم في الشوارع وتصفية بطانتهم، أو المطالبة بإعدام كل من شارك في قمع الجماهير أو الإغتناء على حسابها وهنا لن يوجد إستثناء حتى لأفراد العائلة الحاكمة.
أما ما يروج من قبل مناصري الأنظمة الحاكمة عن وجود أجندات خارجية ودور أجنبي في ما يحصل فأنه الغباء بعينه، إذ ما هو الفرق عند المتابع وهو يشاهد الملايين تخرج للعلن وتلعن رأس النظام أن يكون محركهم داخلي أو خارجي؟!، وما يعني لمن ذاق الأمرين وتلظى بنار الحرمان لعقود طوال أن يتم تغيير واقعه المزري إلى آخر أفضل يضمن له العيش الكريم أن يكون بأيادي خارجية أو بأقدام داخلية؟!.. كما أن ما يتم من ترويع للعموم من أن زوال النظام الشمولي الموجود سيؤدي إلى إعتلاء نظام يميني للسلطة مما سيخلق نوع من الإنحسار في الحريات الفردية وتضييق الخناق على تياري الوسط واليسار فهو الإفلاس ولاشيء غيره، فمن يريد أن يقنع نظام أكد بلمس اليد بأنه عبارة عن مزيج من الدكتاتورية والفساد بأن المستقبل غير المنظور سيكون أسوأ؟!.. أو كيف يمكن لعاقل أن يقتنع أن القادم سيكون حكراً لجهة واحدة مهما كانت تمتلك من مقومات النزاهة والتأييد في الوقت الذي إن عبرت فيه الجماهير المنتفضة عن شيء فهو رفضها للإحتكار والتشبث بالسلطة؟!.
وأنا أتابع ما يجري الآن في مصر وقبلها في تونس وما أتوقعه أن يحصل قريباً في لبنان وسوريا واليمن أو لاحقاً في ليبيا والجزائر والسودان وبتوقع أقل السعودية والأردن والكويت، تذكرت قصيدة (الديك) للكبير الراحل نزار قباني، حيث يقول في مطلعها:
في حارتنا ديكٌ ساديٌ سفاح
ينتف ريش دجاج الحارة كل صباح
ينقرهن.. يطاردهن.. يضاجعهن.. ويهجرهن
ولا يتذكر أسماء الصيصان
ويقيناً أنها كانت تعبر عن رفض شاعرنا المبدع لممارسات الحكام المستبدين، وقد يكون يقصد بها أحدهم بعينه، أما أنا فسمحت لنفسي بأن أتصرف بنقلها بعد الذي يحدث الآن، وأقول:
في حارتنا ديكٌ إنقلب إلى دجاجة
يخاف أن يخرج من وكره حتى لقضاء حاجة
يتذاكى.. يتباكى.. حيران مهان
بعد أن نتفت ريشه الصيصان