في سيكولوجيا العصاب والدين والوسواس القهري الديني وآثاره في الممارسة العملية !!!!
اعتقد من المفيد قبل الدخول في التفاصيل, الحديث عن بعض المفاهيم التي ترد في المقال, وهي مفاهيم أساسية ترد في علم النفس المعاصر ذات العلاقة بمفهوم العصاب النفسي, وما ذا يعني وما هي ابرز مظاهر التعبير عنه, ثم الإشارة إلى العصاب القهري باعتباره احد أنواع الاعصبة والتركيز على العصاب القهري الديني باعتباره احد أنواع الاعصبة القهرية, ومن ثم تبيان اثر ذلك وتداعياته في الممارسة اليومية !!!.
قبل ذلك نقول أن الحديث عن العصاب الديني القهري هو غير الحديث عن الدين تماما, فالأديان وعلى سنة نشأتها الأولى ومغزاها للبشرية جسدت الحاجة والطاقة الروحية والعقلية النفسية للإنسان, ولعبت دورا ايجابيا محفزا على التطور, وكانت تجسد الشخصية العامة المشتركة للجماعة وتلخص إرادتها وكرامتها وتصوراتها وقيمها وتاريخها وذاكرتها وعاداتها وتقاليدها وطموحاتها ومواقفها ويوضح الالتزامات المشتركة لأفرادها, كما ولا تزال الأديان احد المصادر المهمة في المنظومة الأخلاقية والسلوكية لأفراد المجتمعات المختلفة ودالته في التعامل اليومي من خلال ضبط سلوك الأفراد والجماعات, بشكل مباشر أو غير مباشر, وتستطيع الأديان لعب مزيدا من الأدوار الايجابية والمنشطة بقدر انسجامها مع الواقع ومتطلبات الفطرة الإنسانية, والانفتاح والإقبال على الحياة وتسهيلها وتيسير أسبابها والتكيف مع ظروف العصر الراهن ومتغيراته الأساسية في الحرية والديمقراطية والتقدم العلمي والتكنولوجي والمعلوماتي !!!.
قد لا يبدو اليوم مقبولا في الوسط العلمي السيكولوجي تفسير بعض جزئيات نظرية فرويد في التحليل النفسي والخاصة بتفسير ظاهرة الدين, حيث يرى أن الدين يقوم على المزج بين الحس الديني وبين الحاجة إلى الإله المشخص الذي يقوم مقام الأب, وهذه الحاجة حسب فرويد نمت منذ الطفولة, وتحت تأثير شعور الطفل بالضعف وما يستتبع ذلك من نظرة إلى الأب بما هو الكائن القوي القادر على كل شيء. وهذه الحالة الطفلية تتعدى عنده مرحلة الطفولة الفردية لتشمل طفولة الجنس البشري. فالمعتقدات الدينية القائمة اليوم وفقا لهذا التفسير تحمل معها طابع الأزمنة الأولى التي أنتجتها عندما كانت الحضارة " طفلا يحبو " . مما يعني أن الدين لديه هو " مرحلة في تطور الحضارة " يمكن تجاوزها في المستقبل إذا أحسن الإنسان تدبير حياته المشتركة مع الآخرين تدبيرا محكما, وهي شبيهة تماما مثلما يتجاوز الفرد أحوال " طفولته العصابية " في طريقه نحو النضج. فالدين لدى فرويد " ظاهرة عصابية " على المستوى العام تعادل الظاهرة العصابية على المستوى الخاص. انه نوع من " العصاب الاستحواذي " الذي يصيب الجماعة. وقد أثارت مفاهيم فرويد بهذا الخصوص الكثير من الجدل العلمي تراوح بين الرفض والقبول أو المزاوجة بين آراءه والآراء العلمية المعاصرة !!!!.
ولكن العديد من الأبحاث العلمية المعاصرة ترينا وجه آخر للعلاقة بين العصاب والدين, فليست الدين بحد ذاته هو عصاب, سواء كان على المستوى الفردي أو المجتمعي, لا بل أن بعض من أشكال الإيمان الديني وغير الديني تشكل مصدرا للشفاء أكثر مما تكون مسببة للعصاب, وربما يعود ذلك لأن المؤمنين يشعرون بما اسماه باحث الصحة أرون انتونوفسكي " الشعور بالتماسك ", أي إن من يشعر بأن حياته غنية بالمعنى, بأنه جزء من كل اكبر يكون أكثر مقاومة من الناحية النفسية والجسدية. كما ودرس " كينت بارغامينت" أستاذ علم النفس في جامعة المرج الأخضر الحكومية في أوهايو الآثار الصحية للإيمان لدى مئات المؤمنين من مختلف الاعتقادات وأستنتج أن بأنه لابد من التميز بدقة كبيرة بأن التأثير الايجابي أو الأقرب للسلبي للتدين يتعلق بشكل قاطع بنوع الإيمان. فالناس الذين يعيشون على رعب معاقبتهم من إله صارم على خطاياهم والذين يعيشون هذه الصرامة في طائفتهم الدينية أيضا على شكل " جو انفعالي " يميلون للاكتئاب والقلق والاضطرابات النفسية الجسدية بشكل اشد من غير المؤمنين. وعلى العكس ينمي الإيمان بإله خير ورحيم يقدر الضعف الإنساني بتسامح بالارتباط مع الاطمئنان الانفعالي ضمن مجموعة أو طائفة دينية الصحة النفسية والجسدية !!!!.
ولعل في ذلك تميز ضمني بين فكرة التشدد الديني وآثارها السلوكية الضارة على الشخصية وما تنتجه من أنماط من السلوك المضطرب أو التخريبي اتجاه المجتمع, وبين الاعتدال الديني وما يترتب عليه من سلوك ايجابي على مستوى التكيف الفردي والاجتماعي. أما التقنيات الدينية المختلفة, من صلاة وأدعية واستغراق وتأمل فيمكن الاستفادة منها عند استحسان تقنينها وفقا لحاجات العلاج كتمرينات لبعث الطاقة الروحية حتى في أوساط غير المؤمنين. فقد أكد هربرت بينسون من هاوارد المتخصص بالقلب ومكتشف " منعكس الاسترخاء " الكيفية التي يمكن فيها أن ينشأ " الشعور الروحي " بالطاقة والأمان والارتباط مع قوة أو طاقة " عليا " حتى لدى غير المؤمنين, فكثير من هذه التمرينات ما يؤدي إلى استرخاء جسدي عميق, وفراغ داخلي منعش وتحرر للنفس من زخم الأفكار والمخاوف والمشاغل اليومية, طبعا إلى جانب ما يزخر به علم النفس والعلاج النفسي من تقنيات واسعة في مجال الاسترخاء لتجديد الطاقة والنشاط العقلي والفكري. إلى جانب التأثير الكبير للتدين على الحياة الاجتماعية للمسنين وحمايتهم من مشكلة " العشوائية " كفقدان للمعنى وتداعي القيم. فالإيمان يساعد المسنين في تنمية نوعية حياتهم بعمق ومنح حياتهم معنى والتغلب على التفكير بالموت أو التعامل مع الخسائر والأحزان في الوجود بشكل أفضل. وهنا تستخدم الطقوس الدينية كدعم علاجي وليس كبديل للعلاج النفسي أو الطبي, وليس من المفاجئة أن لا يحقق العلاج الديني أعجوبة الشفاء الكامل, وذلك لأن أسباب نشوء الاضطرابات النفسية أم علاجها يتعلق بعوامل متنوعة, ولا يشكل الإيمان أو العامل الديني إلا واحد منها. وعلى العموم يجب احترام القيم الدينية والثقافية للمرضى واستثمارها لأغراض العلاج. وعلى خلفية ذلك نشأت بعض من الروابط الايجابية بين الدين وعلم النفس بعد أن كان العداء بينهما مستفحلا !!!!.
في عودة لمفهوم العصاب النفسي: هو اضطراب وظيفي في الشخصية, وهو حالة مرضية تجعل حياة الشخص العادي اقل سعادة. وأعراض العصاب تمثل رد فعل الشخصية أمام وضع لا تجد له حلا بأسلوب آخر, أي انه يمثل المظهر الخارجي للصراع والتوتر النفسي والخلل الجزئي في الشخصية. والعصاب ليست صنفا واحدا من الاضطرابات, بل يشمل عدة أصناف, منها: القلق, وتوهم المرض, والضعف العصبي" النيورستينيا", والخواف, والهستيريا, وعصاب الوسواس والقهر, والاكتئاب التفاعلي, والتفكك. ويضاف إلى ذلك أنواع أخرى من العصاب مثل: عصاب الحرب, وعصاب الحوادث والصدمات, وعصاب السجن, وعصاب القدر وغيرها.
وتتسم الشخصية العصابية في العديد من الخصائص أهمها: نقص النضج, وعدم الكفاءة والضعف, وعدم تحمل الضغوط, والتقليل من شأن الذات, والقلق, والخوف, والتوتر وسرعة التهيج والإعياء, والتمركز حول الذات والأنانية, نقص البصيرة, اضطراب العلاقات الاجتماعية, عدم الرضا والسعادة, والحساسية النفسية خاصة في مواقف النقد والإحباط, والشخصية العصابية تؤدي بصاحبها إلى سوء التوافق, مما يؤثر تأثيرا سيئا على قدرة الشخص على ممارسة حياة طبيعية مفيدة ويعوقه عن أداء واجبه كاملا, ويعوقه عن الاستمتاع بالحياة. ورغم ذلك تظل الشخصية العصابية في الحدود العادية من حيث الاهتمام بالمظهر العام وبالنفس وبالبيئة ويشعر بمرضه و يعترف به ويرغب في العلاج والشفاء !!!!.
وتلعب العوامل النفسية والتربوية والبيئية دورا مهما في إحداث العصاب, إلى جانب العوامل الأخرى كالتهيئة المسبقة والعيوب الوراثية, والتسمم, والأمراض المعدية, واضطرابات الغدد الصماء, واضطرابات في وظائف الكبد, أو المعدة والأمعاء, ولكن دورها ضئيل جدا في تشكيل ظاهرة العصاب. ولكن على الأرجح يبقى العصاب نفسي المنشأ وتلعب فيه البيئة دورا كبيرا, وابرز هذه الأسباب هي:
ـ مشاكل الحياة اليومية عبر مراحل العمر المختلفة منذ الطفولة وعبر المراهقة وأثناء الرشد وحتى الشيخوخة, وخاصة المشكلات والحوادث والصدمات التي تعمقت جذورها منذ الطفولة المبكرة بسبب اضطراب العلاقة بين الوالدين والطفل والحرمان والخوف والعدوان وعدم حل هذه المشاكل.
ـ وكذلك يلعب الصراع بين الدوافع الشعورية واللاشعورية أو بين الرغبات والحاجات المتعارضة والإحباط والكبت والتوتر الداخلي وضعف دفاعات الشخصية ضد الصراعات المختلفة دورا هاما في إحداث العصاب, وكذلك تؤدي البيئة المنزلية العصابية والعدوى النفسية إلى العصاب وكذلك الحساسية الزائدة تجعل الفرد أكثر قابلية واستعدادا للإصابة بالعصاب.
ويشترك العصاب بمختلف أصنافه التي تم ذكرها بمجموعة أعراض مشتركة أو متداخلة أو ما يسمى " بالمتلازمة المرضية " وهي ضرورية جدا لتشخيص العصاب دون غيره من الاضطرابات النفسية, ولعل ابرز هذه الأعراض هي:
ـ القلق الظاهر أو الخفي والخوف والشعور بعدم الأمان, وزيادة الحساسية والتوتر والتهيج والمبالغة في ردود الأفعال السلوكية, وعدم النضج الانفعالي والاعتماد على الآخرين ومحاولة جذب انتباه الآخرين والاستجابة الطفلية في مواقف الإحباط, والشعور بعدم السعادة والحزن والاكتئاب.
ـ اضطراب التفكير والفهم بدرجة بسيطة, وعدم القدرة على الأداء الوظيفي الكامل, ونقص الانجاز, وعدم القدرة على استغلال الطاقات إلى الحد الأقصى, ومن ثم عدم القدرة على تحقيق أهداف الحياة.
ـ الجمود والسلوك التكراري وقصور الحيل الدفاعية والأساليب التوافقية والسلوك ذو الدافع اللاشعوري. التمركز حول الذات والانانية واضطراب العلاقات الشخصية والاجتماعية. وكذلك نشوء بعض الاضطرابات الجسمية المصاحبة ذات المنشأ النفسي.
أما بالنسبة لعصاب الوسواس القهري وهو احد أنواع هذه الاعصبة التي تم ذكرها سابقا’ ويشكل مدخلا لحديثنا عن عصاب ألوسواس القهري الديني, فهو الاضطراب أو المرض الذي يعلم فيه المريض علم اليقين بعدم صحة أفكاره. ويأتي المرض عادة في هيئة أفكار أو اندفاعات أو مخاوف, وقد يكون في هيئة طقوس حركية مستمرة أو دورية مع يقين المريض بتفاهة هذه الوساوس ولا معقوليتها, وعلمه الأكيد أنها لا تستحق منه هذا الاهتمام ومحاولة المريض المستمرة لمقاومة هذه الوساوس وعدم الاستسلام, ولكن مع طول مدة المرض قد تضعف درجة مقاومته, وقد يترتب على إحساس المريض بسيطرة هذه الوساوس وقوتها القهرية مشاكل اجتماعية والآم نفسية وعقلية.
ويتضمن مرض الوسواس القهري عادة أن تكون هناك وساوس وأفعال قهرية, على الرغم من أن المصاب بمرض الوسواس القهري قد يعاني في بعض الأحيان من احد العرضين دون الآخر. ومن الممكن أن يصيب هذا المرض الأشخاص في جميع الأعمار. فالوساوس هي الأفكار والصور والدوافع الغريزية التي قد تحدث بشكل متكرر وتحس بأنها خارجة عن إرادتك. وعادة لا يريد الشخص أن يفكر بهذه الأفكار ويجدها مضايقة له ويجد نفسه مرغما عليها ويحس عادة بان هذه الأفكار لا معنى لها في الحقيقة. وقد يقلق الأشخاص المصابون بمرض الوسواس القهري بشكل زائد عن الحد من الجراثيم والأتربة وقد يحسون أنهم مرغمين على التفكير بشكل مستمر في فكرة أنهم قد التقطوا عدوى أو أنهم سيعدون الآخرين. وقد يفكر هؤلاء الأشخاص بشكل متكرر في إنهم قد آذوا شخصا ما أثناء تصرفاتهم وأنشطتهم اليومية, أو سيطرة فكرة أنهم سيقومون بعمل منافي للدين أثناء ممارستهم للطقوس الدينية. ويرافق الوساوس أحاسيس غير مريحة مثل الخوف والاشمئزاز والشك !!!.
أما الأفعال القهرية فأن الأشخاص المصابون بمرض الوسواس القهري يحاولون أن يخففوا من الوساوس التي تسبب لهم القلق عن طريق القيام بأعمال قهرية يحسون بأن عليهم القيام بها. والأعمال القهرية هي أعمال يقوم المريض بعملها بشكل تكراري وعادة ما يتم القيام بهذه الأفعال طبقا لسياق روتيني محدد. فقد يقوم الأشخاص المصابين بوسواس العدوى بالاغتسال عشرات المرات يوميا وبشكل مستمر حتى تبدو أياديهم متسلخة وملتهبة من كثرة الاغتسال. وقد يقوم الشخص بالتأكد مرات عديدة من انه أغلق الموقد أو المكواة, ويحصل ذلك, على سبيل المثال وليست الحصر, لدى الأشخاص ذوي الوسواس القهرية المتعلقة بالخوف من احتراق المنزل .
أما بالنسبة للأعراض والتصرفات السلوكية المرتبطة بمرض الوسواس القهري فهي مختلفة وتشمل مجالات حياتية مختلفة, والشيء المشترك بين هذه الأعراض هو السلوك العام الغير مرغوب أو الأفكار التي تحدث بشكل غالب متكرر عدة مرات في اليوم, وإذا استمرت الأعراض بدون علاج فقد تتطور إلى درجة إنها تستنزف كل ساعات الصحو الخاصة بالمريض. أما ابرز ملامح الأعراض والتصرفات الخاصة بذلك فهي:
ـ الأفكار المتسلطة ويكون معظمها تشككيه أو فلسفية أو أتهامية أو عدوانية أو جنسية ( مثل الشك في الخلق والتفكير في الموت والبعث والاعتقاد في الخيانة الزوجية ... الخ ) والانشغال بفكرة ثابتة تتسلط وتحرض على القيام بسلوك قهري, أو ثبات صورة معينة لمنظر حميد أو كريه يشغل الفرد ويقلقه.
ـ هاجس التلوث بالقاذورات أو التعرض للجراثيم والأمراض يدفع المريض لكي يبالغ في الاغتسال أو تنظيف الملابس أو أوعية الطعام والشراب. أو الامتناع عن مصافحة الآخرين أو استعمال أشيائهم أو مشاركتهم طعامهم أو شرابهم, ويتجنب زيارة المستشفيات أو المرضى خوفا من التعرض للعدوى.
ـ هاجس التشكيك حيث يندفع المريض للتكرار والمراجعة والتدقيق مرات, مثلا إعادة التدقيق عند القيام بعمليات حسابية أو التأكد من أحكام الأقفال في المنزل أو أزرار الكهرباء والغاز وكذلك تكرار عمليات الغسل والنظافة والوضوء والصلاة وترتيب وتنظيم الأغراض مما يكون سببا في التأخير وإضاعة الوقت.
ـ هاجس فقدان الأشياء حيث يلجأ المريض إلى الاحتفاظ أو تخزين ممتلكاته لفترات طويلة بالرغم من عدم أهميتها أو انتفاء قيمتها, ويعترض أي شخص يحاول الخلص من هذه الأشياء أو أبعادها من مكانها.
ـ التفكير الخرافي البدائي والإيمان بالسحر والشعوذة والأحجية, والأفكار السوداء , والتشاؤم وتوقع الشر وتوقع أسوء الاحتمالات والكوارث.
ـ السلوك القهري المضاد للمجتمع أي الاندفاع السلوكي للقيام بسلوك مرضي مثل هوس إشعال النار وهوس شرب الخمور والهوس الجنسي. وهناك الكثير من الأعراض الأخرى التي لا يتسع المجال لذكرها هنا.
أما بالنسبة لعصاب الوسواس القهري الديني فهو لا يخرج عن المظاهر والأعراض العامة للوساوس القهرية التي تم ذكرها. وبغض النظر عن أسباب نشأته إن كانت استعدادات وراثية أم بيئية مكتسبة ومتعلمة من المحيط الأسري, فأن الوقوع في أسر هذا المرض يشكل عبئا نفسيا وعقليا ثقيلا على المريض نفسه وعلى محيطه الأسري والاجتماعي, وخاصة في مرحلة الشباب, حيث تصاحب هذه المرحلة من الناحية الطبيعية حالة الاهتمام والتدقيق بالمعايير والقيم الأخلاقية والمعنوية, وخاصة أذا اقترن بتربية دينية متشددة تفصل الخطاب الديني عن ملموسيته وواقعيته للحاجة النفسية أو" الروحية " لممارسيه, مما يزرع نواة القلق والهواجس, التي تدفع الشباب وغيرهم وعلى المستوى الشخصي إلى المبالغة في التأكد من أداء الالتزامات الدينية, والتشدد غير اللازم والمرغوب بالأحكام والطقوس الشرعية, فينساق " المؤمن " إلى تكريس وإعادة الطقوس الدينية اليومية وتكرارها بشكل ممل, من صلاة وأدعية ووضوء واغتسال وقراءة الكتاب المقدس لمرات ومرات على طول اليوم, إلى درجة تعيق صاحبها في ممارسة أعماله اليومية, والى درجة يثقل قيها دائرته القريبة من العلاقات الأسرية والاجتماعية ويثير حنقها وغضبها المتواصل, بل ويضغط عليها لتبني طابع ممارساته, وتتحول الممارسات الدينية إلى غضب متواصل ضد الذات الفردية واتهامها المستمر بالتقصير اتجاه الخالق وسوء الأداء الديني مما يدفعها إلى إعادة دورة الوسواس القهري بمزيد من الإفراط في الطقوس الدينية وهكذا في دائرة مغلقة من دوامة الطقوس التي لا يمكن اختراقها !!!.
أما بالنسبة للوساوس القهرية ذات الطابع الجمعي والتي تجسده التجمعات الدينية أو الأحزاب السياسية ـ الدينية المتطرفة فيتحول العصاب الديني ألوسواسي القهري موجها ضد الآخرين المغايرين في المسحة الدينية والسياسية, حيث يتخذ العصاب الديني القهري لنفسه نظاما واليات خاصة تمنعه من التكيف السليم مع الواقع ومع المحيط المغاير له, ويصبح معوقا وكابحا للتطور الطبيعي للإنسان, وعلى خلفية التجريد المطلق للخطاب الديني مقطوع الصلة بظروف نشأته وبعيدا عن تكيفه للظروف المتغيرة فهو لا يقوى على مواجهة المنطق والعقلانية والواقعية, ويتحول إلى فعل عصابي مدمر تجسده عمليات الإرهاب والعنف والقتل وإشاعة الفوضى والفساد وإعاقة التأسيس للديمقراطية وانطلاق الحياة على أسس عادلة !!!!.