في كنيستنا،،باطل يتعب البناؤون
مذ وعيت عقولنا الى ما يدور حولنا.. وبدانا نتعرف الى ما نحن عليه من شعب له خصوصية دينية وقومية في بلدنا، ونحن نمر بقضايا واحداث ورؤى تدور في اروقة كنيستنا العريقة، كنيسة المشرق الكلدانية وشقيقتها الاثورية.ففي صغرنا سمعنا عن كاهن إستبسل، ووقف وقفة رجل.. شامخ شموخ الجبل، رافضاً ان تتعرض جواهر رعيته لان تدعسها اقدام الخنازير..مضحيا بوطنه، وبحياته ربما، لولا قرار صائب في وقت صعب حافظ به على حياته وكرامته وشموخه..
وايضا سمعنا عن كاهن فيلسوف، حاول ان ينمي روح الشباب المسيحي، وان يزرع بذورا في حقل الكنيسة، فقوبل جهده وفكره بالرفض، فهو قد "كفر" في وقت كان المجتمع فيه يرفض كل جديد..
وايضا سمعنا عن كاهن هرب من صوت المدافع، ودوي الصواريخ، تاركا وراءه رعية الى مصير مجهول في حقل مظلم...
وسمعنا عن كاهن استقتل من اجل ان لا تتغير كلمة واحدة في طقس القداس الالهي، من الارامية الى اللغة السوادية المحكية، فهو يرفض التجديد، فلما التجديد، ولما يفهم الناس ما يقولون في صلاتهم، انه يعلم ما يقول وهذا يكفي!!
وايضا سمعنا عن كاهن خُطف، واخر قُتل، واخر عُذّب.. وعن الفدية..وما جمعته الكنيسة من اجل ذلك، وما صرفته مما جمعته لانقاذ المخطوفين ومعالجة المتضررين..وما تبقى !!
وايضا سمعنا عن محاولات هنا وهناك..في الوطن والمهجر.. لاصوات حاولت وتحاول ان تغير شيئا من القوانين "الواهنة " في الادراة الكنسية، حيث الاموال التي سال الكثير من اللعاب امامها.. والملايين الضائعة..والملايين الاخرى المهدورة..دون رقيب !!
ومذ وعينا على كل هذه الاحداث، ونحن نؤمن في دواخلنا بأن نهاية صراع الخير والشر هذا سينتهي بأن ينتصر الخير كما في المسلسلات والافلام العربية منها والهندية..
ولكن.. يبدو ان الاصوات القليلة المبعثرة، لا تحدث اي صدى..في الجدران الخرسانية المتينة.. فهي كصوت شاة تحتضر..يضيع في وادي يملأه عواء الذئاب..فما نفع مقالة نشرها كاهن وقور في زمن تفرض فيه دكتاتوريات الكنيسة ان تحذف من على المواقع الالكترونية بسرعة البرق!! ..وما نفع صوت طالب بتحرير الكنيسة من عبودية الكراسي..وما نفع رأس شامخ رفض ان ينحني امام كرسي عال وصلاحيات مثيرة للجدل !! ما نفع كل هذا ونحن نشهد احداثا تتلاعب بخيوطها وبنتائجها جلسات مساومة واجتماعات لتصفية حسابات..ومبدأ "انصر اخاك ظالما اومظلوما" !!
ما نفع من يحاول ان يبني؟؟
فأنه باطل يتعب البناؤون..ان لم يحظو ببركات الكرسي المذهب..
ان كنيستنا اليوم، ان كانت بحق تضع نصب اعينها المستقبل المسيحي لرعيتها في المهجر خصوصا، فهي بحاجة الى اصلاح فعلي، يتجاوز اوراق ومقررات السنهادوسات..بحاجة الى ان تنظر الى مشاكل رعيتها، وتحكم ضميرها، وتنظر الى رغبات ابناءها احيانا، بعيدا عن ثغرة قانونية هنا، ومادة قانونية هناك، ومساومات على حساب رعيتها..ورغبتها..!!
ان ما حدث ويحدث، وما وصل الى مسامعنا عن وجود مساومات، ودلائل صوتية وصورية، وثبوتات، وتصرفات لا تليق بشخص كاهن او مطران، انما يعد وليمة دسمة لوسائل الاعلام، ولولا تحفظات الضحايا من ان يُنشر على الملأ ما وقعوا تحته من ظلم..ولولا ذاك التحفظ الذي به يحافظون على كنيستهم، وعلى اسرارها، وان كانت على حسابهم الشخصي، لكان قراءنا الاعزاء مع مسلسل "رمضاني"، تتجاوز سخونة احداثه وتشويقه احداث باب الحارة..ودموع الورد..
الوسطية..حل للكنيسة ؟؟
يوم اشتدت النزاعات، وكثر التطرف بين التيارات اليسارية واليمينية، اشتدت الحاجة القصوى الى ظهور تيارات وسطية تساعد على خلق توازن في الرأي والنظرة والنهج. وبالطبع فأن ظهور مثل هذه التيارات كانت مصحوبة بعوامل كثيرة مساعدة، خارجية منها وداخلية، منها التأييد الشعبي والجماهيري، والنهج الثابت، والمسيرة المحددة الملامح، والجرأة في اتخاذ القرارات المناسبة، والشخصية القوية الثابتة المستعدة للتحدي..
ويبدو ان كنيسة المشرق الكلدانية والاثورية الان بحاجة الى تيار معتدل يخلق توازنا في مسيرة الكنيسة التائهة في بحر التحديات الهائج.. بحاجة الى ان تحاول الاصوات الخافتة إسماع صوتها لرئاساتها الكنسية، متحدة، ليسمع لها صوت في خضم الضوضاء التي تعتري اروقة الكنيسة.. بحاجة الى ان تحافظ على ما تبقى من الروح المسيحية في الكنيسة.. بحاجة الى ان توقف النزيف الحاصل في جسدها.. فإلى متى ترى سنضحي، وتضحي الكنيسة بأناس معتدلين..الى متى سيكون امام كل من يحاول الوقوف بوجه تيار التطرف والفساد، خيارين لا ثالث لهما، اما الرضوخ وتقبيل اليدين ندما، او التأرجح الى حين التحول الى كنيسة اخرى، او عقيدة اخرى !!
الى متى ستذهب الاراء المعتدلة ادراج الرياح..والى متى سيبقى الفساد مستشرياً، ومسيطرا على مجريات الامور.. ترى متى سيبادر صوت خافت الى البحث عن الكثيرين من امثاله، وجمعهم...