Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

في مثل هذا اليوم وقبل 25 سنة،

 

 

في مثل هذا اليوم وقبل 25 سنة، كنت مع سرية قرجوغ، احد الفصائل المسلحة لانصار الحزب الشيوعي العراقي، مع  ثمانين مقاتلا، من ضمنهم الاصدقاء الشاعر نجم خطاوي، واحمد جباوي، وخالد الجنابي ابن الشهيد دواد الجنابي، نتواجد عند اطلال قرية بستانة، قرب مدينة اربيل، وتردد الى مسامعنا صوت احد مذيعي اذاعة لندن، من راديو ترانستسر، وهو صلتنا مع العالم للتواصل ومتابعة الاخبار، اذ جاء في الخبر قصف مدنية حلبجة بالسلاح الكيماوي، وخلّف القصف اكثر من خمسة الاف شهيد، وعدد مضاعف من المصابين. ففي الوقت الذي عم الوجوم على من تصور حجم الجريمة وعمق ألمأساة التي خلفها هذا القصف الهمجي، كان هناك بيننا من لا يستوعب حجم الكارثة واضرارها. بطبيعة الحال ليس الجميع يمكن له ان يبني تصورا لحجم تلك القتول، ومن اين لعقل ان يتصور هندسة الموت التي كانت تجيدها الفاشية الحاكمة في بغداد انذاك. وكان هناك من غير المكترثين شابا امتهن الرعي. وبحكم مسؤوليتي السياسية والعسكرية تطلب مني تبيان حجم الكارثة، فحاولت تقريب الصورة له، باشكال عدة، منها  وضعه بتصور هجوم مجاميع من الذئاب على قطيع اغنام وفتكت بها في لحظة واحدة، واتت على القطيع كله، عندها فتح الشاب فمه مستغربا من فداحة الخسائر، عند ذاك صرخ مستهجنا يعني كما يموت قاطني مجمع كسنزان في لحظة واحدة، قلت نعم .. لك ان تتصور موت جميع البشر وكل من تدب فيه الحياة في  مجمع كسنزان، وكسنزان مجمع قسري هجر اليه القرويين في سهل اربيل بعد ان جرفت قراهم، وكنا نذهب اليه احيانا عند حلول الظلام لجلب الطعام والبنزين وعدد اخر من احتياجاتنا، فقلت له لك ان تتصور موت الناس في هذا المجمع في لحظة واحدة.

 وعندما كنا نفكر في تلك اللحظة وقبل حلول المساء، بكيفية ردنا على تلك الجريمة، واي عملية يمكن ان نثأر من خلالها لضحيا حلبجة، داهمتنا ثلاث طائرات هليكوبتر وجالت حولنا، وهي تقصف بوابل من غضب الفاشست على محبي الحياة والتحرر. لم يكن لدى المقاتل من اجل الحرية غير سلاحة، الذي يستخدمه بغض النظر عن الشروط العلمية للمعركة، فشكلت اطلال قرية بستانه متراسا لنا، فيما كانت رشاشاتنا وقذائف ار بي جي 7 سدا ناريا منعت الطائرات من التركيز في قصفها.

ذهب الفاشست وبقى العار يلاحقهم على ما اقترفت اياديهم من جرائم ستبقى عالقة تفضح سلوكهم المشين، وبقت حلبجة مدنية تتفتح على الحياة رغم عمق جراحاتها، وها هي بستانة تخضر في كل ربيع.

 

Opinions