قائد قوات عمليات بغداد وكذبة الموسم!!
كان وزير الدعاية الهتلري " گوبلز" يعتمد في عمله الدعائي على قاعدة تميز بها كل النظام الهتلري المعادي للشعب الألماني, قاعدة في الدعاية النازية اليومية وفي الإساءة لكل القوى المعارضة للنظام الهتلري والمناضلة ضد الفاشية, قاعدة تقول: "أكذبوا ثم أكذبوا ثم أكذبوا .... على بعض أكاذيبكم تعلق بأذهان الناس"! وهكذا امتلأت الصحافة الألمانية ووسائل الإعلام الأخرى في فترة حكم الهتلرية بين 1933-1945 بالأكاذيب الفاحشة ضد عشرات ألوف البشر من الذين تصدوا للنازية الألمانية. وبسبب تلك الأكاذيب وافتراءات أجهزة الأمن والـ SS ضد المعارضين السياسيين, جرى اعتقال وقتل عشرات ألوف البشر من شيوعيين واشتراكيين وديمقراطيين ومسيحيين ديمقراطيين ومناهضين للتمييز القومي والديني وضد السامية, إضافة إلى الجرائم البشعة التي أدت إلى قتل الملايين من يهود ألمانيا وأوروبا خلال ذات الفترة المذكورة.وفي العراق كان أحد أبرز من استند إلى هذه القاعدة هو الدكتاتور المجرم صدام حسين ووزراء إعلامه ودعايته, ولكن وبشكل خاص محمد سعيد الصحاف الذي اشتهر بأكاذيبه في فترة هجوم قوات التحالف الدولي على قوات النظام العراقي في العام 2003. كما روج لدعاية كاذبة هي أن عرب الجنوب الشيعة والكُرد الفيلية هم تبعية وعملاء لإيران ويشكلون الطابور الخامس في العراق !! أو أن الحركة الكردية المسلحة في حينها شكلت جيباً عميلاً للدول الأخرى في العراق !! ولكن جميع هذه الاتهامات الكاذبة والباطلة كانت تجسد طبيعة النظام المعادي لهذه المجموعات البشرية والذي لم يصدقه إلا من كان من ذات الفصيلة المتوحشة في كره الإنسان من قوميات واديان ومذاهب أخرى.
كما يمكن أن نورد أمثلة كثيرة على مثل هؤلاء الوزراء والمسؤولين الذي يكذبون ويصدقون أكاذيبهم بأمل أن يمرروا على العالم نشاطهم المعادي للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. ويكفي أن يستمع الإنسان للإذاعة أو التلفزيون في سوريا ليدرك حجم الأكاذيب التي تروج يومياً ضد قوى المعارضة المناضلة ضد الدكتاتورية والقمع والقسوة, وأكثرها رواجاً كونهم عملاْ لقوى أجنبية وأنهم مسلحون, وهذا كله هراء في هراء. وهكذا كان وزير إعلام النظام المصري قبل تخلي حسني مبارك ووزارته عن الحكم ووزير داخليته.
واليوم نلتقي بواحد من أكثر المسؤولين في العراق حضوراً في التلفزيون والإذاعات والتصريحات, إنه قائد قوات عمليات بغداد, إنه الأكثر نشاطاً منذ أن بدأت مظاهرات الخامس والعشرين من شباط 2011 حين وجه الشباب الدعوة للتظاهر مطالبين بمكافحة الفساد ومعالجة مشكلات الشعب في الخدمات ومكافحة البطالة, وخاصة بين الشباب ...الخ, إذ بدا هذه القائد بنسج القصص والروايات عن أن هذه المظاهرات موجهة من قوى بعثية معادية, وأن البعثيين هم وراء تلك النداءات وأن قوى الإرهاب ستدخل وسط المتظاهرين لتفجر وتقتل المزيد من البشر. لقد أقسم أغلظ الإيمان مؤكداً بأن البعثيين هم وراء ذلك وكذلك قوى القاعدة, إذ وصلته تقارير موثوقة بهذا الصدد. ثم وجه ضرباته القاسية للمتظاهرين حين اعتقل الكثير من الناس وسلطت أجهزته الخاصة أساليب وأدوات التعذيب البعثية ضدهم وضد الصحفيين. وردد خلفه رئيس الوزراء العراقي على أساس أنه قد اعتمد على تقارير الأمن وقوات عمليات بغداد التي يقودها قاسم عطا بأن البعثيين هم وراء كل ذلك. ولم يثبت ذلك, بل تبين العكس إذ إن المتظاهرين هتفوا ضد البعث وضد الإرهاب. ورغم ذلك لم يعتذر رئيس الوزراء على تلك الرواية الفاسدة التي, كما أشار بأنها وصلت إليه عبر تقارير أمنية مضبوطة وأكدها قائد قوات عمليات بغداد,ويوم الجمعة المنصرم خرجت مظاهرة شبابية في جانب الرصافة لها ذات المطالب. وهتافاتها سلمية وديمقراطية وليس فيها أي مساس بالحكومة. ومع ذلك اختطفت أجهزة الأمن وقوات عمليات بغداد أربعة من الشباب النشطاء الذين شاركوا في هذه المظاهرة وسيقوا إلى جهة مجهولة. وحين كشف موضوع الاختطاف وقيل أنهم موقوفون في معتقلات الكرخ, قيل إن اعتقالهم جاء بسبب ممارستهم العنف والإساءة لقوات الأمن. وحين لم يصدق الناس هذه الرواية, إذ أن المظاهرة كانت مصورة ولم تكن فيها شعارات مسيئة للنظام, كما إن جميع المشاركين في المظاهرة كانوا عزلا ولم يمارسوا أي نوع من أنواع العنف. عاد المسؤولون وعلى رأسهم قائد عمليات بغداد لينشروا على الناس سيناريو جديد أسوأ من السيناريو السابق حين ادعى بأن هؤلاء الأربعة كانوا يحملون هويات مزورة. والأربعة هم من بين الطلاب الجامعيين الذين شاركوا في تلك التظاهرة, وهم يحملون هوياتهم الشخصية, وليسوا بحاجة إلى هويات مزورة, كما أنهم ليسوا بالناس السذج بحيث يحمل كل منهم عدة هويات مزورة وهم يعرفون احتمال اعتقالهم من قبل أجهزة الأمن العراقية وقوات عمليات بغداد بقائدها "المغوار" قاسم عطا.
إن السيناريو الجديد مطعون به ويعبر عن بؤس المخرجين وورطتهم. وهم يؤكدون دون أدنى ريب ويوماً بعد أخر تجاوزهم الفظ على الدستور العراقي وعلى القوانين العراقية وعلى حقوق الإنسان وحقوق المواطنة. إنه تجاوز غير مسموح به من جانب قوات عمليات بغداد وقائدها ومن رئيس الوزراء الذي يعرف باعتقالهم ويعرف ما يجري لهم في المعتقل من تعذيب نفسي وجسدي دون أن يتدخل لإطلاق سراحهم, علماً بأن قيادة عمليات بغداد التي اعتقلتهم لم تكن تحمل أمراً من قاضٍ مخول يسمح باعتقالهم.
إن ما يجري في العراق لا يُسأل عنه قاسم عطا ولا رئيس الوزراء فحسب, بل والحكومة العراقية كلها ومجلس النواب ورئاسة الجمهورية, بمن فيهم رئيس الجمهورية, إذ أن الجميع يعرفون ما يجرى للشباب الأربعة في بغداد وبكل ما يجري لهم في المعتقل, ولكنهم لم يتدخلوا حتى الآن من أجل وضع حد لمثل هذه الإجراءات التعسفية والمطالبة الفورية بإطلاق سراح المعتقلين الأربعة وكذلك بقية الذين اعتقلوا لمشاركتهم في المظاهرات التي جرت حتى الآن في عموم العراق. إن ما يجري في العراق يفوق القدرة على تحمله, رغم ما يمارسه بعض كتاب الحكام في الداخل والخارج من دفاع مستميت ومضحك عن إجراءات وسياسات رئيس الحكومة والأجهزة الأمنية الخاصة وقوات عمليات بغداد باعتباره الرجل المسؤول عنها مباشرة وعن كل القوات المسلحة كقائد عام للقوات المسلحة العراقية.
إن الحكمة المعروفة على الصعيد العالمي تقول: "حبل الكذب قصير", وشعوب أخرى تقول نفس الحكمة بصيغة مماثلة "للكذب سيقان قصيرة". وستؤكد الأيام هذه الحقيقة.
لم يعد العراقيون والعراقيات يقتنعون بما يقوله قائد عمليات بغداد الذي أصبح نجم الشاشة التلفزيونية, كما كان الشعب العراقي يعيش هذه المحنة أيام صدام حسين حين كان التلفزيون مخصص له, فهو لم يروي حكايات خيالية فحسب, بل ويصدقها ويمارس الترويج لها وكأنها حقائق ثابتة ولا يستحي منها.
لنطالب جميعاً بإطلاق سراح المعتقلين الأربعة والاعتذار لهم وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم ومعاقبة من تجاوز على الدستور واعتقلهم وربما مارس التعذيب ضدهم على وفق التجارب السابقة مع مواطنين آخرين ومع الصحفيين العراقيين الذين اعتقلتهم قوات علميات بغداد أيضاً.
2/6/2011
كاظم حبيب