قراءة في اعمال ووقائع مؤتمر "النهضة الكلدانية"
جامعة يونشوبنك – السويدحضي مؤتمر النهضة الكلدانية الذي إختتم أعماله في الأول من نيسان بإهتمام بالغ لا سيما من الكتاب والمثقفين الكلدان. والإهتمام أخذ إتجاهات شتى منها من عارض الفكرة وله أسبابه ومنها من وقف مع الفكرة وله أسبابه.
كان لا بد لهذا المؤتمر أن يحضى بالإهتمام لأن وضعنا نحن الكلدان يتطلب النهضة بعد سبات طويل نسينا فيه الكثير وصرنا مهمشين ليس من قبل الأخرين بل لأن التهميش وقع على إيدينا ومؤسساتنا.
والأن وقد أنهى المؤتمر أعماله أين يقف قطارنا الذي لم يتحرك لعقود وربما قرون.
شخصيا تابعت المؤتمر من خلال موقع كلدايا.نت متواصلا معه ومع ما كان يبثه هذا الموقع من أخبار وصور. وكإعلامي وأستاذ للإعلام أقول أن التغطية كانت من جانب واحد والعاملون في الموقع كان همهم البلاغة وفن الخطابة وليس نقل المعلومة.
ولهذا وفي غياب تغطية مستقلة للمؤتمر – مستقلة أعني من قبل صحفيين همهم نقل المعلومة الصحيحة بغض النظر عن موقف المؤتمرين – لا نستطيع إصدار أي حكم على ما جرى إلا من خلال الخطاب الذي أتانا من موقع كلدانيا.نت وهو موقع ليس محايد، أي أنه ينطق بإسم المؤتمر وبإسم رجل الدين الذي رعاه وأبرشيته. ولهذا لا يمكن التعويل على ما أتى به هذا الموقع .
في عالم اليوم من الصعب إخفاء الحقيقة. مسألة إخفاء الحقيقة او تجاهلها من قبل صاحبها امر في ذاته يدلنا على الحقيقة. في الدراسات الإعلامية الحديثة هناك فرع نطلق عليه علم تحليل الخطاب ومن خلاله نستطيع الإستدلال على مكانة صاحبه ومبادئه ومواقفه وإيديولوجيته.
ما هوالإعلام المستقل؟
الإعلام المستقل هو الذي يحاول إخراج خطاب يصبو إلى الحقيقة بغض النظر عن مواقف الطرف او الأطراف التي يتناولها. وكثيرا ما نسمع في الأخبار عبارة "لا يمكن التأكد منها (المعلومة) من طرف مستقل او محايد".
ماذا كان سيقدم لنا الإعلام المستقل لو تواجد في المؤتمر؟
هذا الإعلام او الإعلامي كان يحاول إجراء لقاءات مع المؤتمرين وأصحاب الشأن في المؤتمر ويطرح عليهم اسئلة كثيرة أثيرت قبل وفي غضون إنعقاده.
على سبيل المثال لا الحصر وجود إعلامي مخضرم ومستقل كان سيثير مسألة العلاقة بين الدين (الكنيسة) والقومية مع راعي المؤتمر ويحاول التوصل إلى مدى جدية الأمر لأن تاريخ وحاضر المؤسسة الكنسية لدى الكلدان لا يبشر بالخير عند تعلق الأمر بالشؤون السياسية والقومية، والتعريب وترك ملايين الكلدان في العراء كي تنهش فيهم أنياب الألتنة (من الاتينية) خير دليل على ذلك.
وكان الإعلام المستقل سيسأل عما يقصده راعي او رعاة المؤتمر بالقومية. هل هي تراث ولغة وحضارة وأدب وثقافة وشعر وفلكلور وموسيقى أم شيء أخر.
وكنا سنعلم الكثير الكثير عن موقف راعي او رعاة المؤتمر عن ما أثير من علامات الإستفهام على إنعقاده لا سيما موقف الكنسية الأم في العراق.
وكنا سنعلم بالضبط عدد الحاضرين ومن أين أتوا. إذا إعتمدنا على الصور فإن عدد الحضور لم يتجاوز العشرين في بعض الجلسات. وفي غياب إعلام مستقل ولا نستطيع تصديق ما سيقوله لنا كلدايا.نت.
وكنا سنعلم لماذا يرمي القوميون الكلدان أنفسهم في حضن الكنيسة وليس الكنيسة برمتها بل متمثلة بواحد من أساقفتها ال 19. وبوجود الإعلام المستقل كنا سنعلم إن كان هناك أية معارضة لإسلوب النهضة التي إتبعه المؤتمر. مؤتمر تأسيسي كهذا لابد وان تطرح فيه أراء متناقضة.
وكنا سنعلم موقف المؤتمرين من التوافق والإتحاد الجديد في المواقف والخطاب بين مكونات شعبنا في العراق حيث جرت لأول مرة وبشهادة الصحافة المستقلة إحتفالات إشترك فيها كل أبناء شعبنا من الكلدان الأشوريين السريان في معظم مناطق تواجدهم في العراق لا بل في مناطق كثيرة في المهجر. السؤأل الذي كان سيطرحه الإعلامي المستقل هو إن كان المؤتمر ومعديه يسبحون عكسى التيار ام لا.
وكان الإعلامي المستقل سيصور حفلة القسم التي ظهرت على موقع كلدايا.نت حيث رأينا كيف وقف راعي المؤتمر وهو يشرف ويطل على المؤتمرين وهم يؤدون اليمين على الإنجيل، وهذه اول مرة حسب قرأتي للتاريخ أرى فيها أناسا يدعون القومية ومن ثم يوافقون على الوقوف أمام رجل دين لإداء القسم بينما العلم والتاريخ يؤكدان لنا أن الدين والقومية لا يلتقيان وإن إلتقيا سيكون اللقاء على حساب أحد الأطراف والأمم لا تنهض مالم ترمي من على كتفها نير المؤسسة الدينية.
حسنا فعل موقع كلدايا.نت عندما رفع هذه الصور والتعليق من موقعه. شخصيا لم أكن أتصور ان مثقفا كلدانيا سيقبل أن يقسم على الإنجيل في حضرة رجل دين ليؤكد قوميته. الحفل ذكرني بمراسيم الرسامات الشماسية والكهنوتية والرهبانية.
منع الإعلام المستقل معناه محاربة حرية القلم والمعلومة
كان الأجدر بالمؤتمر أن يسمح لأي إعلامي حضوره لا سيما عندما يمثل منبرا إعلاميا له دور فعال وبارز في إعلام شعبنا ويأتي في صدارة المواقع العائدة لنا لا بل، ومن خبرتي كمختص بالإعلام، ينافس الكبار الكبار في المهنة حيث يصل عدد القراءات فيه لبعض الأخبار المهمة إلى أكثر من 5000 في اليوم.
لا يمكن ان أتصور أن مؤتمرا في أي مكان في العالم مهما كانت أهميته سيمنع مراسلا لنيويورك تايمز مهما كانت الأسباب، لا بل سيقبل يده لحضوره. الموقع الذي حرم من الحضور (ورد طُرد مراسله) يمثل لشعبنا الصغير ما تمثله هذه الجريدة في أمريكا والعالم.
لم يحدث وأن طُردت اوحرمت من حضور أي مؤتمر في السنين العشرة التي أمضيتها مراسلا لرويترز وأسوشتتبرس.
ليس هناك أي تبرير لمنع مراسل من الحضور وكل الأسباب التي ذكرت غير مقنعة وتقع في خانة كم الأفواه ومنع الحقيقية من الوصول إلى أبناء شعبنا.
لا يعرف المؤتمرون ولا يقدرون مقدار الخسارة الهائلة لمكانتهم ومكانة مؤتمرهم إلا بعد أن يجلسوا هم أنفسهم ويقيموا مؤتمرهم لعدم إتاحتهم الفرصة للإعلام المستقل التواجد وإعتمادهم في التغطية على موقعهم حيث أعطونا ما أرادوا أن يعطوا وحرمونا مما لم يكن بودهم ان نعرفه اونطلع عليه.
أين أصبحنا الأن؟
اليوم نحن الكلدان خرجنا بعد هذا المؤتمر أكثر تهميشا وتشتتا مما كنا لأن المؤتمر بدلا من أن يستجيب لتساؤلاتنا العديدة عن سبب سباتنا زاد عليها عشرات الأسئلة التي فشل في الإجابة عليها.
وأنتهى المؤتمر ولم أر حتى لحظة كتابة هذا التقرير البيان الختامي وطريق العمل للمستقبل ولم أفهم ما هي القومية التي يريدها ولم أحصل على أية معلومة إن كان هناك خطة للنهوض إستنادا على ما نملكه من تراث وأدب وشعر وموسيقى وعلم وثقافة المتمثلة في اللغة. الإسم دون تراث وثقافة وأدب وفلكلور وطقس وتاريخ كتابي يبقى إسم دون مسمى.
ولهذا زاد المؤتمر الذي لم نعرف عنه شيء غير البلاغة الخطابية من تغريبنا عن بعضنا لأن التيار الوحدوي بيننا تيار قوي وفعال ومؤثر لا سيما في البلد الأم وبدلا من أن يعترف المؤتمر بهذا التيار إزداد بعدا عنه.
والتيار الوحدوي مؤثرليس فقط بين صفوف الكلدان. إنه تيار في نمو مضطرد في صفوف شعبنا، أما التيار الإنعزالي في إنحدار وبإمكاننا القول أنه في طوره إلى الزوال.