قراءة في كتاب "لقد نلنا الرحمة" للأب البير أبونا
ضمن منشورات معهد شمعون الصفا الكهنوتي في اربيل – عنكاوا، صدر الكتاب الجديد للأب ألبير أبونا تحت عنوان "لقد نلنا الرحمة". وهو ترجمة عن الفرنسية للكاردينال كريستوف شونبورن.
جاء الكتاب ب 175 صفحة من القطع المتوسط. صمم الغلاف فنياً الاكليريكي دنخا عبد الأحد.يمثل الغلاف كما يقول مصممه: "اللقاء بين المحدود واللامحدود ؛ بتدخل الرحمة الالهية في حياة الانسان وعلاقاته بين جنسه وبين الموجودات. تشكل المربعات الثلاث المتداخلة الانسان وعلاقاته في الطبيعة المخلوقة، والتي تتخللها الحياة المسيحية من خلال رمز السمكة. أما الشكل الامامي الذي يتوسط التصميم الشبيه باجنحة حمامة، وبشكل سائب وابعاد غريبة، يعني تدخل الرحمة الالهية اللامحدودة (الروح القدس) لتكوين علاقة بين الرحيم والمعطى له هذه الرحمة".
يربط هذا الكتاب بين الطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني الذي هو كما يسميه الكتاب "بابا الرحمة"؛ وبين القديسة الأخت فوستيناكوفالسكا التي هي "رسولة الرحمة الالهية". ففي السنة المقدسة (2000) كان البابا قد أعلن الأحد الأول من القيامة "أحد الرحمة الالهية". وفي اليوم نفسه أعلن قداسة الاخت كوفالسكا (المتوفاة سنة 1938). وهكذا اصبحت هذه الراهبة المتواضعة من كراكوفيا، القديسة الاولى للألف الثالث. وقد جاء تطويب البابا نفسه في أحد الرحمة الالهية ايضاً.
إن هذا الكتاب كما جاء في مقدمة المترجم: "... يدعونا الى المزيد من التعرف الى رحمة أبينا السماوي، ويناشدنا ان نقتدي به، فتتدفق الرحمة بغزارة من قلبه الى قلوبنا، ومنها الى قلوب البشر كلها بدون استثناء، فنضم جميعاً الى قلب ابينا المحب والرحيم ونسعد بحنانه الى أبد الدهور...".
أما مقدمة الناشر الفرنسي فتتحدث عن: "ان الرسالة المسيحية هي الرحمة الإلهية، ومهمة الكنيسة الضرورية والعاجلة ان تعلنها، لأن العالم أحوج اليها اليوم من اي وقت آخر...".
ينقسم الكتاب الى تسعة فصول. تجري مسيرة أولهم في بصحبة البابا يوحنا بولس الثاني الذي به يُخصص الفصل الأول كله. وكانت الرحمة الالهية في مركز حياة الأب الاقدس كلها وفي مهمته الرسولية. ففي عالم أصبح فريسة للخلافات والخطيئة والالم، لم يفتأ يعلن عن حنان الله الرحيم نحو الناس اجمعين، وجعل الاحد الأول بعد عيد القيامة "أحد الرحمة الالهية".
ويتطرق الفصل الثاني الى رسالة العهد القديم وهو يشرح شرحا خاصا عبارة "اله الغضب والرحمة". فكثيرون يرون ان اله العهد القديم يظهر مثل اله منتقم، ولم يكشف عن رسالة حبه إلا في العهد الجديد. ويهدف هذا الفصل الى اظهار ان العهد القديم كله يروي قصة "ميثاق الحب الذي يبرمه الله مع شعبه اسرائيل".
ويتم هذا الميثاق في يسوع المسيح: وهذا هو موضوع الفصلين التاليين. فان محبة يسوع للفقراء تجعلنا نشعر مسبقاً بشفقة الله تجاه جميع البشر.
أما الفصل الخامس فموضوعه يشكل مثال القديس بولس؛ الذي فيه تمّ "انقلاب" على طريق دمشق برؤية المسيح القائم من بين الأموات.
والفصل السادس يتناول سر المصالحة – الاعتراف- الذي به يهب الله عطية رحمته العجيبة. وكثيرون باتوا لا يمارسون هذا السر، اذ لا يعرفون معناه العميق. والكردينال شونبورن يدعو الى قراءة ما تقوله في هذا الشأن الأخت فوستينا في كتاباتها.
ويوضح الفصل السابع ما هي "أعمال الرحمة". ويترتب على المسيحيين واجب محبة قريبهم وخدمته، اذا أرادو ان يعملوا حسب مشيئة الله. لذا فأنهم غالباً ما يكونوا "محركين" للرحمة الالهية في العالم.
ويحيلنا الفصل الثامن الى مثال مريم العذراء، ام يسوع، وهي تُكرّم في العالم كله بصفة أم الرحمة. وتدعونا مريم الى اتّباع مثالها، والى أن نترك المجال مثلها للرحمة الالهية لتستحوذ علينا فتجعلنا علامتها المنظورة.
وفي الفصل الأخير، يتناول الكاردينال احدى اصعب مسائل إيماننا: هل سيترحم الله على جميع البشر في نهاية الأزمنة؟ لا شك في أن الله يريد خلاص جميع الناس، إلا ان مفهوم العدالة لا يمكن التغاضي عنه. وهذا الفصل يتطرق أيضاً الى معضلة الشر، ومسألة الحرية المتروكة لكل إنسان. الرحمة هبة مجانية تُمنح لكل إنسان وهي تنصر على المظالم البشرية كلها.
والمترجم الأب ألبير أبونا: كاهن عراقي من مواليد فيشخابور 1928. صدر له كتب كثيرة، من أهمّها: مصنَّف ضخم بعنوان أدب اللغة الآرامية.وتاريخ الكنيسة السريانية الشرقية في ثلاثة اجزاء. ونقل عن الفرنسية عدداً كبيراً من الكتب التاريخية والدينية. كما نُشرت له عدة مقالات في الدوريات العراقية (الفكر المسيحي، بين النهرين، نجم المشرق) واللبنانية (المسرّة، الوحدة في الايمان).