قراءة نقدية في مجلة اور لجمعية الثقافة الكلدانية في القوش
كانت فرصة سعيدة ان تصلني اعداد من مجلة اور التي تصدرها جمعية الثقافة الكلدانية في القوش ، وأقرأ في رئاسة التحرير والمحررين اسماء نخبة من المثقفين الألاقشة . وكان بودي ان اكتب عن الأعداد السابقة إلا ان الأنشغال وضيق الوقت كانا دائماً يحولان دون تحقيق تلك الرغبة في الكتابة . وحينما وصلني العدد الثالث من تلك المجلة ، فكان لابد من تأجيل المواعيد والأعمال ، فمن أجل عيونك القوش ومن أجل مجلة " أور " الجميلة التي تصدرها جمعية الثقافة الكلدانية ، ومن أجل هذه النخبة الطيبة من المثقفين سأختصر الزمن وأقطع المسافات لأكتب عن حبي وتقديري لتلك المجلة وتلك الأقلام التي سطرت تلك المواضيع الشيقة .وإذا بدأنا بالغلاف الأول سينير أمام أبصارنا ذلك الوجه المشرق لفتاة بطناوية بابتسامتها الغامضة ونظرتها الهادئة وهي ترتدي الزي الشعبي المحبب الى قلوبنا . ويبدو ان الغلاف الأخير جاء مكملاً للغلاف الأول لتنير صفحته وجوه شابة من أبناء شعبنا وهي تتشابك بالأيدي لتتناغم في رقصة جماعية شعبية وهي رقصة الدبكة المنتشرة في مدننا وقرانا الكلدانية .
كانت كلمة افتتاحية موفقة بقلم رئيس التحرير ثم قصيدة باللغة الكلدانية بقلم استاذنا المغترب صادق برنو . ونقرأ المقال التاريخي عن أسرة أطباء السريان بقلم الأستاذ سمير زوري المعروف بتضلعه وإبداعه باللغة الكلدانية وبفنون كتابتها ، ثم كان المقال التاريخي الموسوم : أقدم الشرائع العالمية من أعداد ماري ميخا / القوش .
في الحقيقة ثمة شرائع اخرى قبل شريعة حمورابي منها شريعة أورنمو مؤسس أسرة أور الثالثة حوالي عام 2050 قبل الميلاد وشريعة ليبيت عشتار وشريعة أشنونا ، لكن هذه الشرائع لم يبق منها الكثير ، وعليه كانت شريعة حمورابي اوسع وأشمل من كل هذه الشرائع ، حيث ان حمورابي وحّد الدويلات تحت راية دولة مركزية قوية ،وقد يكون عهد حمورابي الأشارة الأكثر وضوحاً في تكوين كيان بلاد ما بين النهرين التي اصبحت دولة العراق في العصر الراهن .
كان لابد من وجود قانون شامل يحمل الجميع الى طاعته ، فالقانون هو تحويل إرادة الطبقة المسيطرة الى تشريع ، ويحدد مثل هذا التشريع ظروف الحياة المادية للمجتمع الطبقي ، ثم كان اهم من مواد القانون هو الجهاز الذي يجعل الناس تراعي قواعده وحدوده ولهذا الجهاز امكانية معاقبة من يعصي تلك القوانين . ويفتتح حمورابي تلك الشريعه بمقدمة يقول فيها :
أنا حمورابي الملك الذي اختارتني الآلهة نيابة عنها لحكم البشر وإسعادهم ونشر العدل بين الناس والقضاء على الشر والسوء حتى لا يطغي القوي على الضعيف . أنا حمورابي ملك الملوك .. الخ
ثم قرأت المقال المهم حول ثقافتنا الكلدانية المعاصرة بين الموروث والتجدد الذي سطره الأستاذ نوري بطرس عضو الجمعية الوطنية .
وبعدها قرأت زاوية هل تعلم بقلم الزميل روميل حنا يوسف وهو موضوع شيق عن اسماء بعض المدن لكنه كان مختصراً، وكان يمكن ان يكون الموضوع خارج زاوية هل تعلم ، وأن يمتد الى مساحة أكبر كمقال مستقل .
وكان ثمة مقال بقلم الزميل جميل حيدو ، تحت عنوان لغة الطفل الرضيع في القوش ، واعتقد ان للزميل جميل كتابات سابقة حول الموضوع ، كما ان العنوان وهو تحديد هذه المفردات بأنها لغة الطفل ( الرضيع ) باعتقادي ان العنوان غير دقيق حيث ان الرضيع وهو ابن السنة فإن التعابير هذه ربما تأتي بعد الرضاعة حيث يكون عمر الطفل اكثر من سنة ، فيمكن ان يكون العنوان لغة الطفل في القوش وهذا رأيي لا أدري مدى صوابه . وننتظر المزيد من الصديق العزيز جميل حيدو . وقرأت مقالاً حول استقرار العراق للأستاذ أركان عبد حسين ورأي للكتور أمير عبو هيلو ومقال عن المسرح للمبدع باسل شامايا وخاطرة شعرية جميلة للصديق صبحي حداد .
وثمة التحقيق حول مسيرة الرياضة في القوش بقلم مازن صباح هومو ومقالات متنوعة في مختلف المواضيع ومنها ايضاً أبواب الفن والطبخ والصحة والتكنولوجيا والأبراج والكاريكاتير ومواضيع أدبية وسياسية وعلمية متفرقة ، وفي الحقيقة فإن المجلة تبدو شاملة بتنوعها رغم العمر القصير لهذه المجلة . والشئ المهم أيضاً ان المقالات والأبواب معظمها سطرت بأقلام شابة فأتوصل الى معرفة كتابها من قراءة اسماء الآباء او الأجداد لهؤلاء الكتاب الشباب ، وهذا يبعث الفرح والأمل في النفس الى استمرارية وديمومة الحركة الثقافية والعلمية في ( القوش ديّان ) الحبيبة .
في الصفحة الأخيرة قرأت مقالاً ساخراً لظافر بوداغ : عجائب وغرائب وقد توفق الكاتب بشكل مميز في إبراز الفكرة وبأسلوب ساخر .
وكانت السيدة أديبة جلو في ظل الأماسي الحزينة تسكب كؤوس الحزن .. تقول ( .. في عمق ذلك القصر المهجور ، الذي بدأ يتداعى ، وكأنه بيت من الرمل ... فبات لونها أصفراً ، يدب فيه الموت وهو على قاب قوسين او أدنى ، تملمت بعض الشئ وكان بودها ان تسمع صدى أهاتها , ولكن لا صدى يرن ولا باب يفتح ولا ظل يقاسمها الليل والتهار ... ران الصمت حولها وذرفت دموعاً ساخنة على الأطلال ... ) نعم انه الألم والحزن لكن في الحياة صفحات مشرقة كثيرة ، نعم إنه زمن عقيم طافح بكل معاني وأسباب اليباب ، ولكي نخف عنا هذا الغلو في الآلام علينا ان نتفيأ في ظلال الرغبة والأرادة والأمل لكي نعيد الماء والرونق والصفاء الى هذه الحديقة التي يريد الأشرار اغتيال كل وردة وكل فراشة وكل ابتسامة على ثغور الأطفال .
الحياة قصيرة وهي لحظة واحدة من عمر الزمن ، يقول عمر الخيام :
أتدري لماذا يصبح الديك صائحاً
يردد لحن النوح في غرة الفجر
ينادي لقد مرت من العمر ليلة
وها انت لم تشعر بذاك ولم تدر
استوقفني مقال الزميل جمال جرجيس لاسو الموسوم : وباء الشرق والغرب ورأيت ان ابدي بعض الملاحظات على بعض ما ورد في المقال الذي يعتبر الحلقة الأولى . وهو يقسم سكان الكرة الأرضية الى شعوب الشرق والغرب ويقول :
.. من خلال ملاحظتي وتفكيري العميق عن سبب بقائنا نحن سكان شرق الكرة الأرضية في حالى تخلف رازحين تحت رحمة الغرب الأوروبي وسادة العالم الجديد أمريكا ، والتي هي اليد الطولة المنفذة لمخطط التآمر العالمي ، والذين يحسبون أنفسهم هم الأفضل بين خلائق الله ، وهم يجب ان يكونوا البشر الوحيدين والسادة ، والباقين هم قطعان بشرية حيوانية او كما اعتادوا ان يطلقوا تسمية ( قطعان بشرية ) على باقي الأعراق البشرية ... الخ ( انتهى الأقتباس ) .
أقول للزميل جمال لاسو . اولا ان تصنيفك بأن الشرق المتأخر هو تصنيف غير دقيق وإن كنت تعني ان الشرق متأخر تكنولوجياً فالتصنيف غير وارد حيث ان اليابان وكوريا الجنوبية وهي تصنف في المرتبة الثالثة عشر في القوة الأقتصادية والصين وهي تحمل المرتبة الثالثة في العالم في قوة الأقتصاد ،والهند الناهضة وسنغافورة وتايوان وغيرها من الدول التي تتمسك بناصية العلم والتكنولوجيا ولا يمكنها تصنيفها على انها متخلفة ، وريما كان تصنيفك أقرب الى الصواب لو قسمت الى دول الشمال ودول والجنوب .
أما قولك انهم ( الغرب ) اعتادوا ان يطلقوا تسمية قطعان بشرية على باقي الأعراق البشرية .. لا أدري من أين استقيت هذه المعلومات الخاطئة ، لا يوجد في الغرب كتب او مفكرين او ساسة او احزاب يطلقون هذا المصطلح على أي من الأعراق البشرية ، في الغرب يحترم الأنسان وله حقوقه الأنسانية مهما كان عرقه او دينه او لونه او حزبه ، لا يفرقون بين البشر ، إنهم يحترمون كل الثقافات دون تمييز , ولا يوجد مصدر يشير الى ما ذكرته ، وحبذا لو تشير في الحلقة الثانية من مقالك الى المصدر الذي استقيت منه تلك المعلومات الخاطئة . وعلينا أيها الزميل ان لاننخدع في نظرية المؤامرة التي انفضحت مقاصدها حيث نعلق سبب تأخرنا على شماعة الغرب والأستعمار والصهيونية ، في حين ان السبب يكمن في فينا، لكننا نعزف عن النظر في المرآة لرؤية واقعنا ، فنتعلق بأذيال نظرية المؤامرة لتبرير لتبرئة انفسنا من الواقع المتخلف الذي نتشبث في مستنقعه . وإن كنت تقصد نظرية أدولف هتلر النازية او موسيليني الفاشية ، فالأمر ليس كذلك فأوروبا هي التي حاربت النازية والى اليوم ليس مسموحاً للأحزاب النازية بحرية العمل رغم تأثيرها المحدود في المجتمعات الأوروبية .
يشير الكاتب جمال لاسو في مقاله الى ان الثقافة هي سبب تأخرنا يقول : الثقافة والتثقف هما من يمكنني اعتبارهم بؤرة الداء والوباء القاتل الذي ينخر أجسادنا بدون ان يكون لنا معرفة بكونه هو بيت الداء وجرثومة الوباء ... ) انتهى الأقتباس .
أقول : لا اخفي استغرابي من هذا الأستنتاج ، كيف يمكن ان تكون الثقافة وراء تأخر الشعوب ؟
هل الأمية والجهل اسباب ضرورية في تقدم الأمم والشعوب ؟
المثقفون هم من يصنع الأفكار وهم ينيرون الدروب امام شعوبهم ، أن الحكام يخشون المثقفين ويلجأون الى كسبهم ، وربما اعتقالهم او تصفيتهم للتخلص من شرهم ، يقول نزار قباني في نقد ساخر للعرب الخليجيين ( كنعان مكية " قسوة الصمت 35 " ) :
أيا طويل العمر :
يا من تشتري النساء بالأرطال ..
وتشتري الأقلام بالأرطال ..
لسنا نريد أي شئ منك
فانكح جواريك كما تريد ..
واذبح رعاياك كما تريد ..
وحاصر الأمة بالنار .. بالحديد
لا احد يريد منك ملكك السعيد
لا أحد يريد ان يسرق منك جبة الخلافة
فاشرب نبيذ النفط عن آخره ..
واترك لنا الثقافة
يستدرك الزميل جمال لاسو بأن الطبيب الأختصاصي هو أمهر من الطبيب العام في تشخيص المرض ، ويذهب الكاتب الى القول : إن الغرب قد تخلص مما يسمى الثقافة وبالتالي اكتشفوا أي الغربيين ان التخصص والأختصاص الدقيق هو من سيجعلهم متقدمين ... ويختم الكاتب الحلقة الأولى من مقاله بقوله :
واعلموا ان ما يدفعكم اليه الغرب ، للتثقيف هو ما سيبقيكم متخلفين عنه بل عبيد له مدى الأيام ..
أن هذا الكلام بعيد عن الواقع فالثقافة ليست أداة تخلف ، وأن الغرب ليسوا جميعاً اخصائيين واصحاب شهادات ماجستير او دكتوراه ، إن نسبة الأمية تكاد تكون معدومة او تشكل نسبة ضئيلة ، أما الأختصاصات فعلى سبيل المثال في المجال الطبي هناك الأطباء العامين والأخصائيين ومساعدي اطباء وجراحين وممرضات وممرضين ومنظفين وغيرهم فليسوا جميعاً اخصائيين ، وهكذا في كل مجالات الحياة ، ففي الأعمار هناك المهندسين باختصاصات مختلفة وهناك العمال الماهرين وغير الماهرين والى آخره ، وفي مجال الثقافة فإنهم يعلمون الطفل الى ان يكبر كل أمور الحياة منها النجارة والبناء والطبخ والسباحة والتزلج والأعتناء بالطفل والكومبيوتر والقراءة والكتابة .. كل هذه ثقافة ، فلا أرى في طرح الزميل جمال لاسو شئ من الواقعية ولا أدري ماذا سيكتب في الحلقة الثانية من هذا المقال .
في صفحة 38 من المجلة ثمة صور تراثية جميلة لكن الصورة التي في اعلى الصفحة لألاقشة في زيهم الألقوشي الجميل ، ينقصها تاريخ التصوير وأسماء الحاضرين في هذه الصورة .
إن مجلتكم الجميلة قد استبدت بنا الحنين الى زمن مضى والذي كان منتشياً بصباحاته ومساءاته فينتزع شريط الذكريات من أعماق النفس ، كم هو جميل ان نستعرض تلك الذكريات فتخفف عنا غلواء زخم هذا الزمن المادي المحفوف بالأحداث الدامية التي تستحوذ على مساحات كبيرة من وطننا الجريح .
أشكر الأستاذ مسعود صنا والسادة ظافر بوداع وسمير زوري وجمال لاسو وغزوان رزق الله قس يونان ومازن هومو وعمار أمير وربيع بطرس كوزا ، وكل الكتاب الذين ساهموا في مجلة (( اور ) الرائعة .
ونتمنى لهذه المجلة التقدم والأزدهار في الأعداد القادمة .
ملاحظة : نشرت هذه المقالة في مجلة اور لجمعية الثقافة الكلدانية في القوش في العدد الرابع لسنة 2007
حبيب تومي / اوسلو
habeebtomi@yahoo.com