Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

قراءة نقدية لثلاث محطات من برنامج الحزب الشيوعي العراقي

المقدمة
هذه بعض الملاحظات الشخصية اطرحها باعتبار ان الحزب الشيوعي العراقي من الأحزاب العراقية العريقة العاملة على المسرح السياسي العراقي ، وله ماض مؤثر في تاريخ العراق المعاصر ، وملاحظاتي تدخل في دائرة القراءة النقدية لبعض فقرات البرنامج المطروح وأرجو ان يتسع صدر الأصدقاء في الحزب الشيوعي العراقي لقبول هذه المداخلة .

المحطة الأولى

الأسم : اسم الحزب الشيوعي العراقي كان مرافقاً للحزب منذ تأسيسه عام 1934 وتحت هذا الأسم كانت ثمة أحزاب على نطاق الدول : الحزب الشيوعي : السوري ، اللبناني ، الفرنسي ، الأيطالي ... الخ لقد كان لهذه الأحزاب قاطبة توجهات وخطابات أممية ، وكان الأتحاد السوفياتي السابق دولة كوزموبوليتكية ، لكن بعد تفككه تحول الى دول قومية مستقلة ، وارتبطت الدول الوريثة بعلاقات سياسية واقتصادية وثقافية بديلاً عن الأتحاد السابق . من المؤكد ان تفكك الكتلة الأشتراكية قد اوجد واقعاً جديداً بالنسبة الى هذه الأحزاب في مختلف مناطق العالم ، وفي ظل الواقع الجديد ، بات الشأن الوطني والقومي وحتى الديني اصبح يشغل مساحة كبيرة من اولويات هذه الأحزاب ، وفي الشأن الأديولوجي فإن الديمقراطية الليبرالية باتت الوحيدة دون منافس على المسرح التنظيري بعد انزواء النظرية الشيوعية على المستوى المنظور . وكل القوى العلمانية على الساحة العراقية ينبغي ان تأخذ من فنار الديمقراطية الليبرالية مرشداً لها لتكثيف جهودها في تشييد صرح الديمقراطية الناشئة على أرض العراق .

أسماء الأحزاب السياسية كالماركات التجارية المسجلة تنال الشهرة والأنتشار مع الديمومة عبر الزمكانية ، وهكذا يصبح اسم الحزب جزءاً من هويته وتاريخه ، وإن تبديل الأسم ليس بالأمر اليسير ، لكن الحقل السياسي يختلف عن الحقل التجاري فلابد من الحراك والديناميكية وسط المجتمع في دائرة التطور والمستجدات ، ففي العراق ثمة احزاب وظفت الأسماء الدينية لما فيها من جاذبية ، لخدمة مآربها واستطاعت استقطاب اوساط كبيرة من الشباب والمؤيدين ليكون لها في نهاية المطاف حضور قوي في المشهد السياسي العراقي .

إن الحزب الشيوعي العراقي تنقصه هذه الديناميكية ، لقد اعتمد الحزب المذكور على تاريخه وتضحياته وأمجاده ، وكانت النتيجة تقوقعه في دائرة الجيل الذي أدركه العمر ، وباعتقادي ليس لهذا ا الحزب حضور فاعل وظاهر بين الشباب ، ودليلي على ذلك هو النتائج المتواضعة التي أحرزها الحزب الشيوعي في الأنتخابات الأخيرة رغم تحالفه مع القوى العلمانية الأخرى ، وهكذا اصبح مصير العراق مرهوناً بيد الأحزاب الدينية التي فشلت في قيادة مركبه الى شاطئ التقدم والبناء والأمان ، فأدخلت العراق في عتمة الصراعات الدموية المناطقية والطائفية والدينية ...

إن الكلام الذي قرأته في البرنامج المطروح اعتبره كلاماً طيباً وضرورياً لكنه يحتاج الى تفاعل كبير مع المجتمع العراقي ، وبدون هذا التفاعل سيكون الكلام عبارة عن حبر مكتوب على ورق ليس أكثر .

فالحزب المذكور ينبغي أن يتفاعل مع الواقع العراقي أي تفعيل الروح الوطنية العراقية للحزب ، ويحصل ذلك بالأندماج الفعلي مع السمفونية العراقية لكي لا يكون الصوت ناشزاً خارج الفريق .

بنظري ، إن اولى التجاوبات مع الواقع العراقي هو تبديل اسم الحزب الشيوعي العراقي الى اسم آخر : ديمقراطي ، ليبرالي ، وطني ، عدالة ، مساواة ، الوحدة العراقية ، الأمة العراقية ...الخ ، فبالرغم من عراقة وتاريخية الأسم إلا انه فقد جاذبيته بعد بلوغه ( الأسم ) سنّ الشيخوخة ، إن جاز التعبير ، والحزب من المؤكد لا ينوي تطبيق النظام الشيوعي في العراق اليوم او غداً ، إنما يريد ان يبني عراقاً ديمقراطياً علمانياً ليبرالياً ، فالحزب الشيوعي العراقي ينبغي ان يتحرر ويمزق الشرنقة التي تلفه وتعيق مسيرته ، فيسعى الى تحديث أجندته لتلائم مع روح العصر والواقع العراقي . وفي المقام الأول يطبق التحديث على الأسم ، فالأسم هو الذي يتردد صداه في نفس المتلقي مباشرة .

وإن جرى تغيير الأسم فالمرجح انهم سيرفقون لأول وهلة الأسم الجديد ( بأنه الحزب الشيوعي سابقاً ) ، لكن مع مرور الوقت سيترسخ الأسم الجديد مع روح التحديث ، ويحرز مكانته اللائقة في نسيج المجتمع العراقي .

المحطة الثانية :

قرأت تناقضاً في هذا البرنامج إذ ورد فيه :

ويرى الحزب الشيوعي العراقي نفسه جزءا من الحركة العالمية المناهضة للعولمة الرأسمالية، باعتبار هذه العولمة تجسيدا لفرض الليبرالية الجديدة على الصعيد الدولي، عن طريق اعتماد العنف السياسي والتدخل العسكري لإخضاع العالم وشعوبه للإملاءات الاقتصادية والسياسية للاحتكارات والمراكز المالية العالمية الكبرى والدول الرأسمالية المتطورة، وما يعنيه ذلك من عسكرة العلاقات الاقتصادية الدولية، وتوظيف القوة العسكرية لتحقيق نتائج اقتصادية.

لكن لا يلبث ان يضيف مباشرة :

ويؤكد الحزب من جانب آخر ضرورة الإفادة مما تطرحه العولمة، كظاهرة موضوعية ، من امكانات كبرى أمام تقدم المجتمع البشري في سائر الميادين .

أقرأ في هذا الأقتباس تناقضاً واضحاً في الكلام ، من جهة ذمّ العولمة والوقوف مع القوى المناهضة لها أولاً ، ثم لا يلبث الكلام يدور حول الأفادة مما تطرحه العولمة ، كظاهرة موضوعية ، من امكانات .. الخ .

المحطة الثالثة

حقوق القوميات ، نقرأ فقرة تقول :

ضمان الحقوق القومية ، الثقافية والأدارية للكلدواشور والتركمان والأيزيديين والصابئة المندائيين . أقول :

لا يوجد قومية عراقية باسم الكلدواشورية ، وفي الدستور العراقي مذكورة القومية الكلدانية الى جانب القوميات العراقية الأخرى . إن مصطلح ( كلدواشوري ) او ( كلدواشوريسرياني ) تعبير سياسي اوجدته الحركة الديمقراطية الآشورية ( الزوعا ) لأهداف سياسية ، وبغية الألتفاف على تنوع شعبنا وصهره في بوتقة الاشورية ، فشعبنا يتألف من كلدان وسريان وآشوريين ، ومن يريد ان يحترم مشاعرنا ينبغي ان يذكر اسماءنا كما هي . وليس كما يقرره حزب سياسي معين . لقد كان حزب البعث يحاول صهر المكونات القومية العراقية في إناء العروبة ، والحركة الديمقراطية الآشورية ومعظم الأحزاب الاشورية لا تختلف طروحاتها عن ذلك في مسألة عدم احترامها للمشاعر القومية للآخر . إنها تستخدم نفس الأنماط الأديولوجية في اقصاء الآخر . فإن كنتم حريصين على احترام مشاعرنا فعليكم ان تذكروا اسمنا نحن الكلدانيين باعتبارنا القومية الثالثة على الخريطة الأثنية العراقية . أما إذا كان الحزب الشيوعي العرقي يجامل ويغازل الأحزاب الآشورية على حساب مشاعرنا القومية فهذا شأن آخر .

نتمنى للحزب الشيوعي العراقي دوام التقدم والأزدهار .

حبيب تومي / اوسلو


Opinions