Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

قضايا الساعة - حوار بين سلام فرج وصائب خليل

 

(نشر في موقع "المثقف" تحت "مرايا حوارية" )

 المثقف تستضيف الكاتب والسياسي الاستاذ صائب خليل، ضمن مرايا ثقافية – فكرية لتحاوره حول مجموعة من القضايا الراهنة، ذات البعد الفكري والثقافي والسياسي، فاهلا ومرحبا به. 

سلام كاظم فرج: ربما هو غرامشي الذي قال (إن على المثقف ان يكون متشائما، لكن إرادته ينبغي ان تكون متفائلة دائما). والمثقف في حقيقته هو مصدرإزعاج دائمي للسائد والمتعارف عليه، فكريا وسياسيا، لا يستكين ولا يهدأ لأن الحياة نفسها حبلى بالمتناقضات والمنغصات والاحباطات والتحديات وتبقى مهمة المثقف مهمة صعبة تكتنفها إشكالات عدة،، ولكن يبقى قبول نظرية الاختلاف واحترامها هو الطريق الاسلم لتلاقح الافكار للوصول الى الحد الادنى على الاقل من التفاهمات من اجل حياة اكثر سعادة وطمأنينة ورخاء ..

هذه المقدمة سقتها لتبرير ما أنا مقدم عليه من كشف اكثر المرآيا المقعرة والمحدبة إشكالا في الواقع العربي والعراقي والدولي مع رجل طالما اختلفت معه واختلف معي .. لكننا بقينا يحترم احدنا الآخر ما وسعنا الى ذلك سبيلا منطلقين من مقولة جميلة لفولتير (قد اختلف معك في الرأي لكني على استعداد للتضحية بحياتي في سبيل ممارسة حقك في قول ما تريد ..)

ويبقى صائب خليل كاتبا إشكاليا، يثير غضبي احيانا، ويثير رضاي احيانا، أجده مقنعا تارة ومستفزا تارة أخرى ..

 وجدت نفسي قبل يومين مضطرا لمشاكسته في رسالة خاصة بعد اعتذار نتانياهو لاوردغان وموافقته على السماح بدخول البضائع بمختلف انواعها الى غزة بعد حصار امتد لسنين طويلة،، ومشاكستي أتت بسبب مساهمة الاخ صائب مساهمة اعلامية فاعلة قبل اكثر من عام في دعم سفينة الحرية المحملة ببضائع متنوعة لغزة والتي تعرضت الى ردود قتالية من قبل حكومة اسرائيل ووقع بعض الناشطين الاتراك وغيرهم ضحايا الضربة الاسرائيلية .. وقتها اعتبرت ان حماس صديقي صائب ليس في محله، وقلت له ذلك لكنه استمر في اعتبار ان ازمة سفينة الحرية ستسفر عن انتصارات باهرة، قلت له بل ان دم الضحايا سيذهب هدرا،، وانها قد تكون لعبة لتلميع صورة اوردغان عربيا ولا ادري هل كسبت انا الرهان (وياليتني لا اكسبه ام صائب هو الذي كسب الرهان وياليته يكسبه) ..

 قبل يومين كتبت له: لا ادري هل يستوجب الامر تهنئتك ام لا،، فأنت احد الناشطين في هذا الامر، فأجاب:

صائب خليل: نعم أخي أعترف لك بالنصر في قضية اردوغان، لكني معذور في الإنخداع بها يا صاحبي، فقد كانت لعبة كبيرة تفوقت على كل ألعابهم السابقة، وفيها تضحيات حقيقية من جانبهم، فقد رفعت الجانب المعنوي العربي بشكل كبير جداً، وهذا ليس أمراً هيناً. لم يكن من الممكن فهم اللعبة إلا ضمن رؤية الخطة الهائلة الحجم للربيع العربي، والتي لم تكن قد بانت بعد. إنني لا أشعر بالكثير من الخجل، إني وقعت في فخ بهذا الحجم، ولو عادوا ووضعوا فخاً مماثلاً له بالحجم والتضحيات، فسأقع فيه وبكل سرور  ( ههههه )

نعم اعتذار نتانياهو جزء من اللعبة وهذا الرجل، اردوغان إنسان وضيع حين قبل أن يلعب هذا الدور، وقد ناله من جرائه الكثير مما يستحق من إهانة في تركيا حيث لم تعد سياسته تنطلي على احد هناك، واعتذار نتانياهو ليس إلا محاولة لتعويضه لبيعه شرفه وإظهاره بأنه الرجل الوحيد الذي أجبر إسرائيل أن تعتذر.  

سلام كاظم فرج: ماهي نظرة الاستاذ صائب الى المهاتما غاندي وفلسفته في اللاعنف؟؟؟

صائب خليل: هذا سؤال جميل. عندما يتهددك أمر، لكنك تشعر أنه تحت سيطرتك فإنك تبتعد عنه أو تكتفي بمراقبته أو رفض التجاوب معه. أما إذا كان خطراً فقد تلجأ إلى إخافته بالعنف أو ضربه قبل أن يضربك، أما إذا كان الخطر قد أرعبك فلا تجرؤ على محاولة إخافته فعندها تعود إلى محاولة إرضاءه. إذن فأنت تلجأ إلى اللاعنف في حالتين: عندما لا تكون خائفاً، وعندما تكون مرعوباً. "لا عنف غاندي" هو من النوع الأول حصراً، إنه يدعوك أن تكون شجاعاً بما يكفي لتجنب العنف، ولا يمكنك أن تلجأ إلى لا عنف غاندي لأنك خائف.

لقد أوضح غاندي ذلك عندما قال إن كان الخيار الوحيد المتوفر هو بين الإستسلام للإضطهاد أو العنف في مواجهته، فإني أفضل العنف!

ما يميز لاعنف غاندي إذن أن يستطيع صاحبه أن يقف في مكانه يتلقى الضربات ولا يتزحزح إلى الخلف ولا يقدم تنازلاً. دعاة اللاعنف في المنطقة العربية، هم دعاة لاعنف الجبان المتنازل الذي لا يحترمه غاندي.

خذ أيضاً داعية السلام العالمي والحاصل على جائزة نوبل فيه نلسون مانديلا. لقد رفض أن يتعهد بعدم استعمال السلاح مقابل إطلاق سراحه وهو في السجن! كان من السهولة جداً أن يقنع نفسه بأنه لن يستخدم السلاح في السجن ايضاً، لذا فمن الأفضل الخروج منه والمحاربة بالكلمة فقط، لكنه، وهو رجل سلام شجاع بحق، أدرك أن هذا يعتبر تنازلاً أمام الظلم، فرفضه وفضل السجن الطويل. بمثل رجال السلام الشجعان هؤلاء من أمثال غاندي ومانديلا يفترض أن تقتدي البشرية، وليس بسلام محمود عباس مثلاً، الذي رضي في نهاية الأمر أن يتحول إلى رجل أمن لإسرائيل، وأن يمارس العنف ضد رفاقه، وبقي يوصف بأنه رجل سلام! 

سلام كاظم فرج:ياسر عرفات له قول كنت اجده معقولا .. يقول انه يفضل التحاور مع الليكود اليميني جدا على التحاور مع بيريز اليساري وحزب الماباي (العمل). وقفازته الحرير,,

 كان عرفات رحمه الله يفضل الحوار مع صاحب القرار الفعلي والواضح.. فما هو رأي الاستاذ صائب في هذا؟؟

 ام انك تفضل ان تضع البعوضة في حساءهم؟؟ حساء كل الاطراف..؟ 

صائب خليل: هناك "فيل" في حساء كل الأطراف يغنيني عن وضع بعوضة فيه. أنا أفهم اليسار على أنه الرفض للظلم، من يبحث عن "فائض القيمة" ليعيده لأصحابه، ويحرص أن لا تبنى الأسواق والعمارات الفارهة من سرقة طعام الجياع، ويرفض التمييز العنصري بين بني البشر، لا يمكن أن يقبل بالعيش في وطن تمت سرقته بالكامل، ومؤسس على التمييز العنصري. اليسار الإسرائيلي الوحيد هو يسار أوري أفنري وأميره هاس، والناشطون الرائعون الذين تعتبرهم السلطات الإسرائيلية بيسارها ويمينها "أعداء رقم 1" للبلاد، وهم كذلك فعلاً. 

سلام كاظم فرج:لنتحول الى الشأن العراقي,, لم تترك كتلة او فصيلا عراقيا دون ان تناله سهام نقدك,, وبالمقابل هناك نصائح كثيرة كنت تسديها بقلب محب لنفس الكتل التي تنتقدها بقوة.. رأيتك ترثي كامل شياع بألم ثم تعود لكي تنتقد اليسار العراقي وبقوة ,, ووجدتك قريبا جدا من دولة القانون في مقالات عدة.. وحتى ان مقالاتك تنشر في الموقع الرسمي لها,, لكنك بالامس كتبت مقالا عنيفا ضد فكرة ان نكون دولة مانحة ونعيت على الحكومة سعيها لمنح مصر مبلغا من المساعدات.. وكنت في الاصل ضد صولة الفرسان. في حين ان البصرة لولا صولة الفرسان لم تلق الى الاستقرار سبيلا؟ السؤال الا تجد في ذلك تناقضا وتحولا غير مفهوم في مواقفك؟؟ 

صائب خليل: لا أجد في الحقيقة أي تناقض في مواقفي، ومازلت مستعداً لمناقشة أي منها وأي تناقض يمكنك أن تأتيني به من ما يقارب 1000 مقالة لي على النت، وأغلبها الساحق من النوع الذي لا يتهرب من المواقف المحددة.

التناقض الذي تراه هو في الحقيقة، هو تناقض الجو الثقافي والسياسي العراقي وليس تناقض صائب خليل. لقد كتب لي أحد المعلقين يوماً منزعجاً: إننا لا نفهمك! مرة تكتب ضد هذا ومرة ضد ذاك، فما هو موقفك؟؟

هذا القارئ اعتاد أن "الموقف" هو الإنتماء إلى هذه الجهة أو تلك: هذا "موقفه" مع المالكي، وهذا "موقفه" مع أياد علاوي، الخ. وهذه ليست "مواقف"، هذه اصطفافات وتبعيات وربما عصابات. المواقف هي من "القضايا" وليس من الأشخاص، إلا بقدر ما تحكم القضايا عليهم. فالموقف اليساري مع مصالح الشعب مثلاً، يتوجب أن ينتقد المالكي وحكومته عندما تهدر أموال الشعب في بنايات لا حاجة لها ومؤتمرات لا فائدة منها في الوقت الذي يتضور الشعب فيه جوعاً ويحتاج المجتمع فيه إلى صرف أموال طائلة لإصلاحه. ونفس هذا الموقف يدافع بقوة عن المالكي وحكومته عندما تقاوم إقرار قانون النفط الهادف إلى تحطيم العراق وسرقة ثرواته، وعندما تتبنى عقود الخدمة بدلاً من شراكة الإنتاج وعندما تحاسب كردستان على لصوصية الـ 17%، فهل في هذا تناقض في الموقف؟ إنني كإنساني يساري، أجد أنه انسجام أكيد مع ما أشعر به، وأن التناقض حين تؤيد فريق المالكي مثلاً في مهاجمته (عن حق) للمفوضية العليا للإنتخابات وفضحه فضائحها، ثم تؤيده أيضاً حين يقف درعاً بين وزير الشباب اللص وبين القانون، لمجرد أن وزير الشباب منهم! لقد كان هناك أدلة على لصوصية وزير الشباب ما لا يقل عن أدلة فساد فرج الحيدري! فهل البقاء في التأييد لدولة القانون، "ضالمة أو مضلومة" تناقض أم أنسجام في المواقف؟ إنه يعتمد على تعريفك لـ "الموقف"، إن كان المطلوب إنسجام الموقف من الحق والظلم، فسيكون الدفاع الدائم عن جهة ما، مثل الهجوم الدائم عليها، هو موقف متناقض! وإن كان الإنسجام يعرف بأنه الإصطفاف الثابت مع جهة ما، فهو موقف منسجم. أنا أسعى لموقف منسجم يميز بين الحق والباطل، فاجدني مضطراً لتغيير من أدافع عنهم حسب موقفهم. لكن المناخ الثقافي والسياسي العراقي اعتاد على القياس الآخر، وهذا ما يجعل مواقفي متناقضة في نظر الكثيرين. هذا المناخ لا يبني وطناً ومجتمعاً، وإنما يشكل مجموعات من العصابات يقرر توازن القوة بينها علاقاتها، ولا تجد في مثل هذا التجمع مكان لمفاهيم العدل أو الأخلاق أو الدين الحقيقي، بل يشيع جواً يعوّد المواطن تدريجياً على قبول الغش والسرقة والكذب واعتبارها علامات قوة، وهذا ما يجري فعلاً في العراق إلى حد بعيد كما أتصور. 

سلام كاظم فرج:الصدريون ايضا كنت تقدم لهم نصائح محب لا نصائح مختلف. ربما اياد علاوي وحده الذي لم ينل منك سوى النقد الحاد والجارح.. القادة الكورد ايضا لم يسمعوا منك مديحا وكأنهم لا يحملون اية ايجابية تذكر؟؟ 

صائب خليل: الصدريون كانوا في السنوات الأولى، على الأقل في البرلمان، الأروع بين كل الكتل السياسية العراقية، وكانت أصواتهم وحدها الوطنية التي لا تشوبها شائبة، وفي كل شيء أساسي أتذكره في تصويت البرلمان، وليس فقط في موقفهم المشرف من الإحتلال والمعاهدة، والعراقيون مدينون لهم أكثر من أية جهة أخرى بأننا لا نجد جنوداً أمريكان في شوارعنا اليوم. لكنهم تغيروا كثيراً، صاروا يجمعون الأموال ويدافعون بحماس مثير للريبة عن الخصخصة ويرشحون المقرب من أميركا، عادل عبد المهدي لرئاسة الحكومة رغم وعودهم لجماهيرهم بالإلتزام بخيارها الذي كان الجعفري، ويقفون ضد المالكي في كل شيء، حتى حينما يكون محقاً..

بالنسبة لأياد علاوي، ربما يمثل الشخصية الأكثر تجسيداً لكل ما أكره أن يكونه الإنسان. فإضافة إلى عمالته الصريحة، فإني أجده متملقا وكذابا وأبله ووحشي ودكتاتور ولص. لو كان هناك خيار وحيد بينه وبين صدام لأخترت صدام، فهو لا يتميز عنه سوى بالبلاهة وشدة الإنبطاح. إنني أتمنى أن لا يحصل على مقعد واحد في الإنتخابات القادمة، وسيكون هذا من مقاييسي لمدى تحسن وعي الشعب العراقي.

بالنسبة للقادة الكرد،( وأركز على كلمة القادة ) أنا لا تهمني التفاصيل الصغيرة، وإن فعلت لوجدت بعض الإيجابيات في محمود عثمان وكتلة التغيير مثلاً، لكن الموقف العام سيء للغاية. إنهم بشكل عام ينظرون إلى العراق كبيت محترق أو حتى ربما "يجب حرقه"، وأن أي مكسب منه هو "شعراية من جلد خنزير". مقاعدهم في البرلمان ولجانه، مقاعد للخندق الإسرائيلي الأمريكي في كل المواقف، من المعاهدة إلى النفط إلى تقسيم العراق إلى تسليمه للخصخصة والشركات وحرية السوق. إني لا أذكر موقف واحد إيجابي لكتلة التحالف الكردستاني في البرلمان، في قياساتي لما هو إيجابي. الحزبان الكبيران لا يخفيان علاقتهما بإسرائيل، والتغيير خرج من معطفهم وله تاريخهم. وممثل "اللوبي الكردي" في أميركا قال صراحة أنهم يطمحون إلى مكانة إسرئيل في أميركا، فكيف تحصل على تلك المكانة، ما لم تكن مستعداً لأن تلعب الدور نفسه الذي تلعبه إسرائيل في المنطقة، إن لم يكن أشد منه أذيةً؟

إضافة لذلك، فكردستان أستغلال لصوصي بشع ومستمر للعراق، وقد أصبح مهيناً أيضاً بعد أن كشف بشكل صريح وصار سطواً مسلحاً علنياً، خاصة فيما يتعلق بالمناطق المتنازع عليها وقضية الـ 17% التي كتبت عنها كثيراً جداً، وهي من أنعام أميركا وأياد علاوي على العراق. لقد كادت هذه الفضيحة أن تنتهي قبل فترة.  وجاءت تظاهرات الأنبار واستغلت من قبل كردستان المتربصة بأي خلل أو ضعف في العراق، لكي تفرض استمرار هذه السرقة، رغم أن إحصائية لبرلمان كردستان تبين وبشكل كلمات صريحة ومباشرة أن نسبة الكرد هي 12,6% ! علماً أنني قد حصلت على معلومات من داخل قيادات كردستان، بأن النسبة هي 11% فقط!

سياسيو كردستان لايكتفون بالسرقات والإبتزاز وعلاقتهم المباشرة بإسرائيل بل يفتحون أبواب إقليمهم لكل حثالات المنطقة، فيختارون من لبنان مثلاً أمثال القاتل المدان سمير جعجع والسنيورة، ولا يجد مثقفوا سلطتهم من يدعوه من رجال الدين غير القرضاوي، ذلك المتوحش للقتل في قطر، ألذي يتشفى اليوم باغتيال "صاحبه" الشيخ السوري من قبل عصابات الناتو. وفي قضايا الخصخصة ووحشية الرأسمالية وصراع الشركات مع الحكومة المركزية، فإنهم يلقون بكل ثقلهم في خندق الشركات ليس فقط في السماح لها بنهب ثروات كردستان بل أيضاً في مساعدتها على نهب نفط بقية العراق، وابتزاز الحكومة المركزية من أجل فتح أبواب النهب تلك على مصاريعها. لو وعى الشعب الكردي ما يجري، لنصب تمثالاً للشهرستاني، العراقي الوحيد الذي حاول أن يمنع اللصوص من سرقة نفطهم، لكنهم بدلاً من ذلك يكرهونه! أية تفاصيل يمكنها أن تمحوا كل هذا الكبائر وتترك مجالاً للمديح؟ 

سلام كاظم فرج:ولكن يا صديقي صائب. ان كردستان توشك ان تكون دبي الثانية في المنطقة؟؟

صائب خليل: أنا يا صاحبي أحتقر من اللصوص أكثر، من يرتدون الأربطة، وهذا يعني بأني لا أحتفظ لدبي أو السعودية التي يباهي البعض بأننا سننافسها في تبديد النفط، إلا صورة سلبية جداً. لا أرى في عماراتهم الشاهقة إلا علامات تحطيم الإنسان ومص دمه، لصالح مجموعة من السمان الذين بقى حجم عقولهم كما كان، طفلاً يلهو ببناء أعلى بناية في العالم ويشتري مئات من أغلى السيارات التي قد لا يركب بعضها، مثل صدام الذي بنى قصوراً لم يزرها، وأحدها بناه على أنقاض قلعة أثرية في راوه. فكيف يمكن أن أعجب بمثل هذا وأعتبره مثلاً؟ إنني أحترم المرحوم شافيز وأحمدي نجاد وموخيكا رئيس الأوروغواي، اليساري من منظمة التوباماروس التي مزقها الأمريكان وعملائهم وعذبوا افرادها في الثمانينات، والذي يتبرع بـ 90% من راتبه، لمثل هؤلاء يتوجه إعجابي واحترامي. أما بالنسبة لدبي وشيوخ الخليج ومن يقتدي بهم، فكيساري أحترم الإنسان لا أملك سوى ان احتقر هذا – وإلا كنت متناقضاً ..(!!!) 

سلام كاظم فرج:لك رأي متحفظ حول ضخامة حجم استخراج النفط في العراق عموما. الا ترى ان اعباء العراق المالية تستلزم تثوير الانتاج النفطي وتعويض سنين الحصار واستثمار العائدات الضخمة في بناء عراق جديد؟؟ 

صائب خليل: أنت تقول "وأستثمار العائدات الضخمة في بناء عراق جديد"، فأين هذا الإستثمار؟ وأين هي علامات بناء عراق جديد؟ دعني أرى هذا الإستثمار، وعندها سأدعو إلى رفع "الإنتاج" إلى أقصى طاقة ( إنني أضع كلمة "الإنتاج" بين أقواس لأنه ليس إنتاجاً، بل سحب من مخزون واستهلاك، يتفوق به عادة المتخلفون في المنطقة). إننا نسحبه لا لنبني به عراق جديد، بل لنقيم مؤتمر قمة عربي (لخدمة مشاريع أمريكية وإسرائيلية في التآمر على سوريا وإيران) أو لندعو إلى مؤتمر دولي ضد الإرهاب، الذي نتبنى التعريف الأمريكي الإسرائيلي له، أو لنبني عمارات بأسعار لم يسمع بمثلها حتى المجانين في احلامهم، ونترك البلاد تكاد تنهار من شدة تهالك بنيتها التحتية المادية والإجتماعية، فهل ترى أن هذا "استثمار في بناء العراق الجديد"؟  

سلام كاظم فرج:الاخوة في اقليم كردستان اعتمدوا مبدأ المشاركة في انتاج النفط بتخصيص نسبة ما عن كل برميل منتج يباع للشركة المكتشفة , والاخوة في الحكومة الاتحادية يفضلون مبدأ عقود الخدمة . الا ترى ان عقود المشاركة ستحقق جذبا استثماريا افضل ؟؟ من عقود الخدمة .. التي قد تسبب عزوفا عن الاستثمار وكما تعرف ان الوقت كالسيف وعامل الوقت مهم في تفعيل الاستثمار؟؟ 

صائب خليل: "الإستثمار" من كلمات الخداع، وكلمات الخداع في الإقتصاد أكثر من أي علم آخر، ولو قلبت معاني أكثر تلك الكلمات في العبارات الإقتصادية، لربما زاد معناها قرباً من الواقع. فما يسمى الإستثمار، خاصة في الدول المتخلفة والفاسدة مثل العراق، ليس إلا الإسم الجميل للسرقات "الشرعية" كبيرة الحجم.

خير طريقة لنكتشف حقيقة الإستثمار، أن نقارن بين كلفة مشروع "إستثماري" للقطاع الخاص، مع كلفة مشروع يعطي نفس المردود في القطاع العام. وقد أعطانا وزير الكهرباء السابق فرصة ذهبية لذلك، وأتصور أن "جريمته" تلك كانت أحد عوامل التخلص منه.

وجد الوزير إتفاقاً بين الوزارة السابقة والقطاع الخاص، لتجهيز كمية من الكهرباء، تتطلب أن تدفع لها الدولة 12,5 مليار دولار على مدى ربع قرن. وأكتشف بحسابات بسيطة كما أخبرني في لقاء في فينا، أنه يستطيع أن يحصل على نفس تلك الكمية من الكهرباء بـ 880 مليون دولار فقط، أي بحوالي 7% فقط من كلفة "الإستثمار"! ثم نجح باختصارها إلى 800 مليون قبل أن يتم التخلص منه بأيام، وأتصور أن المشروع قد تم الغاؤه.

يعني، الإستثمار في هذه الحالة يقدم لنا نفس الخدمة بسعر يزيد عن سعرها الحقيقي بأكثر من 15 مرة! وهي ليست فقط نفس البضاعة بالضبط، بل ان لها مساوئ أخرى مثل عائدية الأجهزة إلى المستثمر التاجر، وهو ما يتيح تحكمه باسعار الكهرباء مستقبلاً! هل يمكن لأحد أن يقنعك أن تشتري بضاعة لنفسك بسعر أكثر 15 مرة، لمجرد أن يقول لك أن هذه تمثل "استثمار"، وأن هذه "حداثة"؟ ليس من بين هؤلاء المنافقين الذين يدعون لخصخصة الكهرباء وغيره شخص واحد يمكن أن يفعل ذلك بماله، لكنك تراه شديد الحماس لخصخصة ما للعراق. فهو في الجانب الآخر من المعادلة، جانب المستثمرين الناهب، وليس جانب الشعب المنهوب.

الأمر لا يختلف فيما يتعلق بالجماعة في كردستان. عقودهم تعطي الشركات أرباحاً أربع مرات أكثر من العقود الحكومية المماثلة، كما اكد ذلك أكثر من خبير نفطي، ولم ترد عليهم كردستان ولا أعرف خبيراً واحداً قال بغير ذلك، وتجد التفاصيل في مقالاتي عن الموضوع. عقود مشاركة الإنتاج هي الأقرب إلى قوانين "تحرير السوق" (عبارة مخادعة أخرى) والإستثمار، وقادة الكرد من أشد المتحمسين لها عندما تكون موجهة إلى ثروات شعبهم وليس ثروتهم الخاصة، فهل يشتري قادة الكرد حاجاتهم الخاصة من تاجر يطلب أربعة أضعاف الربح الذي يطلبه جاره؟

من الطبيعي في هذه الحالة أن تسارع الشركات إليك، وأنت تبيعها ثروات بلادك بسعر أدنى مما تبيعه الحكومة المركزية، وتقدم لها السلطة على ثروتك النفطية ما لم تفعله الحكومة المركزية، لكن هذا ليس دليلاً على صحة العقود الكردستانية بل العكس. إنها مضاربة صريحة وحرب إقتصادية تشنها كردستان على الحكومة المركزية، وتستخدم نفط بلادها هراوة لتحطيم المركز حتى لو أدى ذلك إلى تحطيم الهراوة – ثروة كردستان. تستطيع الحكومة المركزية أن تقلد كردستان و"تتبرع" بعقود باذخة وتدفع للشركات أربعة مرات أو ربما خمسة مرات أكثر، وتستعيد شركاتها، لكن أما كان الأجدى بكردستان أن تقلد الحكومة وتعطي الشركات ربع ما تعطيه الآن من ثروات بلادها، وتحتفظ بالفارق لشعبها؟ من هو الصحيح هنا؟  

سلام كاظم فرج:ولكن الا تؤمن بحق تقرير المصير للشعوب؟؟ وانا ارى الكرد مصطفين بشكل جيد فيما بينهم بعكس الاخوة عرب العراق وهم الذين انتخبوا قادتهم بشكل ديمقراطي وبدون تدخل في حين الاخوة عرب العراق ووفق رأيك تعرضوا الى تدخل كومبويتري كما فهمت من عدة مقالات لك؟؟ سؤال متشعب . اطمح في سعة صدرك وردك الوافي على كل تشعباته..

صائب خليل: أخي العزيز، "حق تقرير المصير" اصبح نكتة بالنسبة لعلاقة كردستان بالعراق. أولاً لا احد ينكر هذا الحق، وثانياً لا أحد له القوة أن يمنع كردستان من هذا الحق لو ارادت ذلك، وثالثاً لم يعد هناك أحد يريد إنكار هذا الحق أو منع كردستان من استعماله، بل العكس. العرب يرون أن كردستان هي التي تحتل العراق عملياً، ولو أجري إحصاء أو استفتاء بين عرب العراق، لوجدت أغلبية كبيرة تنادي باستقلال كردستان، أو بالأحرى باستقلالها عن كردستان. علاقة كردستان بالعراق أصبحت علاقة ابتزاز قبيحة ومهينة وعلاقة ضحك على الذقون ورشاوي ومصالح متناقضة تماماً، مثل علاقة الأردن به، أو علاقة أي صديق لإسرائيل به. إنني من الناس، سوف اؤيد تقديم تنازلات لكردستان فوق حقها من أجل استقلال العراق عنها.

إنني أشير هنا إلى كردستان كحكومة فقط، كجماعة تحكم الإقليم، كنواب يمثلون الخندق الرأسمالي الأمريكي الإسرائيلي، وليس الشعب الكردي الذي أكن له كل الإحترام والمحبة، ولكن إن كان هذا الشعب راض بهذا الحال فلا أرى خير من أنفصال سلمي عادل بإشراف دولي يرضى الطرفان عنه. أن من سيقف بين شعب كردستان و "حقه في تقرير مصيره" ليس عرب العراق، بل قادة كردستان المستفيدين من الوضع مادياً وسياسياً، بإلهاء شعبهم بالقضايا القومية عن فسادهم. 

سلام كاظم فرج:ما هو رأيك بمفهوم العروبة والقومية وما الفرق بينهما وبين القومانية او القوموية؟؟ وهل يمكنني اعتبارك قوميا ام امميا؟؟. وهل يمكن للأممي ان يكون قوميا وبالعكس؟؟ 

صائب خليل: القومية كلمة حيادية تأخذ بعداً سلبياً في نظري عندما يكون الحديث عن أمة قوية ومتسلطة مثل المانيا وأميركا وبريطانيا (في الماضي)، فالشعور القومي هنا يدفع للإحتلال والإعتداء، لكنها بالعكس لدى الشعوب المضطهدة (بفتح الهاء)، تكون طريقة لإحقاق بعض العدالة، وللشعور ببعض المساواة، على أن تحذر الإندفاع والإنتفاخ على حساب الآخرين.

أنا لا أشعر أنني قومي، ولا أدافع عن العرب إلا كقومية يمارس ضدها الكثير من الظلم والقهر، لكني لا احب الشخص العربي أكثر من الكردي أو الأمريكي، لمجرد كونه عربي، ولا أشعر أنه يتفوق على غيره بشيء. مثل هذا الشعور "القومي" إن شئت، لا يتناقض مع الأممية، إنه ينحو إلى خدمة الإنسانية عموماً، من خلال خدمته لقوميته التي تحتاج إليه أكثر من غيرها، ويكون فيها تأثيره أكثر من غيرها. ويمكنك أن تميز هذا من خلال اهتمامه بالإنسان في نفس الوقت الذي يهتم فيه بالقومية، وبشكل أعمق منها. نعم أنا إنساني ، أممي إن شئت، ولست قومياً حقاً.

الحقيقة لا أعرف الفرق بين العبارات التي ذكرتها عن القومانية او القوموية ولا أهتم به. أتصور أنها ليست سوى "حيل لفظية" لإعطاء صبغة سلبية لإسم محايد أو إيجابي، مثل كلمات أخرى أخترعت لهذا الغرض، مثل "العربان" و "الإسلامويون"، وهي عبارات في رأيي، وجدت لتتيح لمستعملها أن يكيل الشتائم للعرب والمسلمين مع ترك الباب مفتوحاً أمامه لإنكار مقاصده إن احتاج إلى ذلك. 

سلام كاظم فرج:هل ترى ان الافكار القومية في العالم وفي منطقتنا قد انتهت تماما ام انها ستعمر طويلا؟؟ أم أن العولمة ستكتسح العالم كله؟ وما هي بدائل العولمة برأيك؟؟ 

صائب خليل: لست ماهراً بفتح الفال لأتنبأ للأسف، لكني أستطيع أن أقول لك ما أتمنى.

لننظر قليلاً إلى التاريخ أولاً. الدولة القومية نشأت من الدولة الملكية، والتي نشأت بدورها في أوروبا من تحطيم أسوار الإقطاعيات، بعد تطور استعمال البارود في القرن الخامس عشر. وحينها كانت الدولة تعرف بحاكمها، والمساحة التي يسيطر عليها، بغض النظر عن القوميات التي تقع تحت حكمه في تلك المساحة وصفتها الأثنية. وقدمت التجارة التي تتطلب طرقاً طويلة، أفضلية ساعدت على تكوين تلك الدول، مثلما ساعدها البارود على تحطيم قلاع الإقطاعيات وضمها. وقد خاضت تلك الدول في أوروبا حروباً مدمرة منها حرب المئة عام ، وحربالثلاثين عاماً، والتي كلفت المانيا ثلثي سكانها وثلاثة أخماس قراها! وانتهت باتفاقية "وستفاليا" في عام 1648 بعد ما رأت أوروبا ويلات تلك الحروب. كانت علامة في فصل الكنيسة عن الدولة على المستوى العالمي، ومن ثم كانت أساساً لفكرة "سيادة الدولة" وسلطتها المطلقة على رعاياها، وأطلقت عملية بناء الدولة الحديثة. وجاءت الثورة الفرنسية عام 1789 بفكرة المساواة بين المواطنين في الدولة، وكان من نتائجها الضمنية أن الدولة تعود للشعب وليس للحاكم! وهكذا تطورت فكرة حق الشعب بدولة إلى حق كل قومية بدولة وبـ "تقرير المصير". وكانت المشاعر القومية السبب المباشر في قيام الحرب العالمية الأولى ثم الثانية، أو على الأقل استعملت كدافع قوي لإشعالها. وخلال هذه الفترة وبعدها انتشر الإحساس القومي وصار كل شعب يشعر بحقه بدولة قومية مستقلة.

القومية، او الدولة القومية إذن ليست شديدة القدم في تاريخ الإنسانية كما نتصور بل هي نتيجة تطور حديث، ويمكن أن تزول بالتالي. والسؤال المهم هو كيف ستزول، ولصالح أي نظام؟ العولمة باعتبارها تحطيماً لحدود إصطناعية بين البشر، هي تقدم إيجابي، لكن العولمة التي يجهد السوق لفرضها، ليست العولمة الوحيدة الممكنة، وليست الطريقة الوحيدة لتحطيم الحدود. لقد حاول الأمميون تحرير الإنسان من الحدود ففشلوا، والآن يحاول "السوق" أن يتحرر من نفس تلك الحدود، وقد حقق نجاحات ما، وإن كانت مشكوك بقدرتها على الإستمرار، وأهمها شكوك "الإنسان" بفائدتها له في شكلها الحالي، رغم إصرار السوق عليها. والمستقبل يعتمد الآن على نتيجة هذا الصراع، وبضمن ذلك مصير القومية.

لا أستطيع التنبؤ بالنتيجة، فنحن في عالم مهدد حتى بالفناء تماماً، وهذا كلام إحصائي علمي وليس تطيراً. لكني أستطيع أن أتمنى كما قلت لك. وما أتمناه كيساري، أن لا تتم الوحدة البشرية على أساس مقاييس "السوق"، بل على اساس المقاييس الإنسانية.  

سلام كاظم فرج:ما هو تحليلك العلمي لاستحقاقات الشركات العاملة في كردستان,, ولو كنت في الوفد المفاوض كيف ستحل الاشكالية بين المركز والاقليم مع الأخذ بنظر الاعتبار مصلحة كل الاطراف وتحقيق السلم الاهلي بين الاخوة؟؟ 

صائب خليل: عندما تقول "السلم الأهلي بين الأخوة" فهل تتحدث عن السلم بين الشعبين العربي والكردي أم حكامهما؟

دعني أقول لك بصراحة وأتخذ موقفاً محدداً لا يجامل في الوسط، أن عقود الحكومة المركزية سليمة (على الأقل نسبة إلى عقود كردستان) وأي تراجع عنها نحو "الوسط" هو خسارة وإذعان للسرقة. أن عقود حكومة كردستان، هي في تقديري عقود لصوصية تمت بشكل سري مشبوه، وكان سلاح كردستان هو الإبتزاز وقوة الشركات التي وصف أحدها مسعود البرزاني مفتخراً بأنها تعادل عشرة فرق عسكرية.

لماذا هي لصوصية؟ ببساطة لأنها تعطي الشركات أضعاف الربح المناسب الذي قبلت به فعلاً في عقود بغداد، وما تراجعها إلا نتيجة رؤيتها إمكانية أفضل لها بالتعامل مع لصوص شعبهم، من قادة الكرد.

الوقوف مع قادة كردستان في هذه النقطة هو وقوف ضد الشعب الكردي بالدرجة الأولى. فالسماح بمثل تلك العقود يبدد ثروة الشعب الكردي، خاصة إن حصل على استقلاله في المستقبل.

الدستور العراقي يؤكد أن نفط العراق لكل الشعب العراقي، ولو كان قادة الكرد حريصين حقاً على شعبهم وثروته، لما تحمسوا بهذا الشكل لتوقيع العقود وسرعة استخراج نفطه، ولتركوا العرب يستهلكون نفطهم أولاً، ويحصلون منه على نسبتهم، ويحتفظون بنفطهم للمستقبل! لو كان هناك صراع حقيقي لحكومات تمثل شعوبها لرأينا الصراع معكوساً، ولرأينا حكومة كردستان تتملص وتماطل في حفر الآبار وتوقيع العقود وسحب النفط من أرض كردستان، لكنه صراع من يريدون أن يثروا، حتى ولو على حساب مستقبل شعبهم! إذن فلصالح الشعبين، وخاصة الكردي، أن تقبل شروط الحكومة المركزية كما هي، ولا يمكن لأي سياسي كردي أن يثبت العكس. إذن أنا أرى الصراع في هذه النقطة بالذات ليست بين كردستان والعراق، بل بين خندقين يمثل أحدهما الحكومة المركزية والشعب العربي والشعب الكردي، وفي الخندق الآخر حكام كردستان والشركات النفطية. أنا لا أريد أن افاوض بين خندق الشعب وخندق اللصوص والشركات، بل أقف بكليتي مع، وأتمنى أن ينتصر الأول انتصاراً كاملاً في هذه المعركة.

أما استحقاق شركات كردستان، فقد كتبت عنه عدة مقالات وعن الشكوك والتساؤلات التي تحوم حوله، خاصة في ظروف عدم الثقة الشديدة من قبل المركز بكردستان واتهامها بتهريب النفط. الحكومة المركزية تقول أنها لم تستلم المعطيات التي تتيح لها التدقيق في الحسابات من كردستان ، وهي تقدم عادة لكردستان المبالغ مقدماً بشكل أقساط في انتظار الحسابات النهائية. وقد أثار العديد من الخبراء التساؤلات حول صحة ما قدمته كردستان من أرقام، وهي تساؤلات أساسية وخطيرة، ولم تجب عنها كردستان.

الأستاذ فؤاد الأمير كتب في الفترة الماضية كثيراً حول الموضوع وقد اقتبست منه بعض المعلومات في مقالاتي عن الموضوع، وهو عاكف الآن على كتابة جزء هام عنها يمثل خاتمة كتابه الذي يواصل إصداره حالياً بشكل اجزاء، والذي يرتكز على جهده الشخصي المضني في دراسة تقارير الشركات العاملة في كردستان واستنتاج الحقائق منها. لقد أخبرني الأستاذ الأمير قبل يومين أن الجزء الأخير الذي سيصدر في الأسبوع القادم، سيكون كبير الأهمية، وسأحاول الكتابة عن الموضوع أيضا.

والحقيقة لسنا بحاجة إلى شهادة الأستاذ الأمير لنعرف إن كان لنا أن نثق بأرقام كردستان في هذا الأمر، فقد اعلنت كتلة التغيير "كوران" قبل فترة أنها لا تعرف أي شيء عن عقود الشركات في الإقليم. وقد عبرت عن اعتراضها على ذلك بأن انفصلت عن التحالف الكردستاني في رفضه للميزانية، وقبلتها قائلة أنها ممتازة وأفضل من اية ميزانية سابقة، وفعلت ذلك رغم عدم الإتفاق على تسديد "مستحقات" الشركات. كتلة التغيير لا تقر بأن الـ 17% هي سرقة، وبالتالي فهي لا تحقق الأمل في كتلة تنظر بعدل إلى العلاقة العربية الكردية، ومع ذلك، فظلمها ربما يكون الأقل بين الجهات الكردية، وهي شاهد ممتاز على فساد وأبتزاز كردستان لبغداد.   

سلام كاظم فرج: ولكن النائب عن التحالف الكردستاني السيد فرهاد الاتروشي ذكر في تصريح له ان تكاليف عقود الخدمة لا تقل جسامة عن عقود المشاركة وتشوبها شبهة فساد . وحسب قوله ان سعر الحفارة يشترى بخمسة اضعاف سعرها الحقيقي .. ؟؟ 

صائب خليل:عظيم ...إذن تعالوا نكشف أمام الشعب كل الحقائق والتفاصيل عن كل العقود ولنر أي منها أفضل وأكثر عائداً للشعب، وعندها، أما أن تتحول الحكومة إلى عقود المشاركة أو أن تتحول كردستان إلى عقود الخدمة، أو على الأقل أن تعتذر الجهة الخاسرة لشعبها عن تبديد أمواله، وأن يقتصر توقيع العقود مستقبلاً على النوع الفائز، على ان تكون المناقشات شفافة أمام كل الناس. إن كانت عقودهم ممتازة فلماذا يخفوها حتى تشتكي كتلة كوران بأنها لا تعلم أي شيء عنها؟

هذا كلام فارغ. الفساد يمكن أن يتم في أي نوع كان من العقود. وعقود الخدمة يمكن أن تكون أكثر تكلفة من عقود مشاركة الإنتاج إن تولاها فاسدون. إننا لا نعرف تفاصيل سعر كل حفارة ولم يقل لنا الأتروشي عن أي عقد من العقود يتحدث، ولماذا لم يكشف هذا الفساد إلا حين حاول الدفاع عن عقود الإنتاج. هناك محصلة عامة كتب عنها خبراء النفط العراقيون والأجانب أيضاً، وهي موثقة المصادر في مقالاتي تبين أن الشركات الأجنبية تحصل على أربعة أضعاف الأرباح في عقود كردستان مما تحصل عليه في عقود الحكومة ولم ترد كردستان على ذلك حسب علمي. دعني أسألك، إن كان كلام الأتروشي صحيح فلماذا صارت الشركات تهرب من عقود الحكومة لتذهب إلى عقود كردستان، ولماذا تضغط الشركات وأميركا وعملائها في لجنة الطاقة البرلمانية التي يسيطر على قيادتها الكرد وقائمة علاوي، على الشهرستاني والحكومة لإقرار قانون النفط بالشكل الذي يقبل فيه عقود المشاركة؟ لماذا لا تستفيد من هذا الفساد وتبيع الحفارات بخمسة أضعاف سعرها؟

كلام الأتروشي حول النفط لا يختلف عن كلامه ورفاقه عن الـ 17%. إنهم يتفننون في محاولة جعل الأبيض أسود وبالعكس، ولا يستنكفون أية وسيلة مهما كانت واطئة. ألم تسمع العديد من النواب الكرد يشيرون إلى أن كردستان لا تحصل إلا على 10.5%؟ فما هي قصة هذا الرقم؟ إنهم يقومون بحركة رياضيات بهلوانية، فيحسبون الرقم بدون حذف الكلفة السيادية للحكومة التي يشارك فيها وزرائهم ونوابهم برواتبهم وأماكن عملهم الخ، وهذا تلاعب بالأرقام من الغريب أن يلجأ إليه شخص يحترم نفسه، دع عنك أن يكون برلمانياً يمثل شعبه. بنفس الطريقة تجد من يهتف منهم: صحيح أننا كنا 11% لكن الشعب الكردي لم يبق على نفس العدد منذ ذلك الزمن! وهذا ايضاً احتيال على الأرقام يأمل صاحبها أن من يقف أمامه مغفل، لا يعرف أننا نتحدث عن نسبة وليس عدد سكان. فعدد العرب وبقية العراقيين تضاعف خلال السنين مثلما تضاعف عدد الكرد، لكن النسبة بينهما ستبقى ثابتة بدرجة كبيرة. ولكي نقبل الـ 17% فيجب أن نفترض أن سكان كردستان تناسلوا أسرع من غيرهم من العراقيين بمرة ونصف! لقد حسبت مرة الأرقام حسب ادعاءاتهم فوجدت أننا إن صدقناهم، فعلينا أن نتوقع أن كردستان سوف تسبق الصين في عدد السكان خلال بضعة سنوات!

لا أدري كيف أصف ذلك، لكني أجد أن من يسمح لنفسه بالهبوط إلى مثل هذه المخادعات، شخص يصعب احترامه! أحياناً يبدو وكأن الأمر يتجاوز الطمع بالمزيد من المال، إلى الولع بالكذب و "الشطارة" والمخاتلة والبيع بالأسود. وقد برهن خبير النفط حمزة الجواهري مرة بالأرقام الصادرة من كردستان نفسها، أن الإقليم كان يخسر كما يبدو من تهريب النفط مقارنة ببيعه من خلال الأطر القانونية من خلال بغداد والحصول على 17% من سعره، ورغم ذلك فضلوا التهريب! 

سلام كاظم فرج:ايران مواقفك منها طيبة دائما.. ما هو السر؟ هل هي الملاك الوحيد في العالم؟ 

صائب خليل: بالتأكيد لا، ولا حتى في المنطقة، لكنها مركز اهتمام تآمري لأعداء شعوب المنطقة، وتتعرض للكثير من الظلم والتزييف، وهذا سر اهتمامي الأول بها. لقد بحثت في كل الإتهامات التي وصلتني عنها فلم أجد منها الكثير من الحقيقة، ووجدت جبالاً من الأكاذيب، وقد خصصت لهذه الأكاذيب مقالة أو أثنتين ومايزال لدي الكثير، وهذا ما دفعني دائماً نحو المزيد من الثقة بها. فعندما يبذل خصومها كل هذا الجهد للكذب حولها، فهذا يعني أنهم لم يجدوا حقائق ضدها رغم جهودهم، وهذا مؤشر إيجابي قوي لصالحها. لقد أصبح الخوف من إيران مرضاً نفسياً حقيقياً، يصيب السنة بشكل خاص، لكن ليس كل الشيعة أبرياء منه. وعندما يصيبك الرهاب من شيء غير حقيقي فأن مواقفك تتعرض للخطر الشديد. فمثلاً إسرائيل تتحدث اليوم عن مصالح مشتركة مع السنة وأعداء مشتركين!

عدا السنة، فأن العلمانيين والكثير من اليساريين يفقدون صوابهم أيضاً عندما يبدأ الحديث عن إيران. إنهم يشعرون أنهم معفيون من أي برهان على كلامهم، وإن طالبتهم فسوف تواجه بالغضب ونظرات الشك. هذا مع العلم أن الكثير من هؤلاء كانوا ضحايا نفس أجهزة الإعلام الأمريكية التي صورت الشيوعيين كوحوش إباحيين، يؤمنون بمشاعية المرأة، وفي دول أخرى اقنعوهم بأن الشيوعيين يأكلون أطفالهم! ربما تضحك من هذا، لكن ما يقال عن إيران لا يختلف كثيراً في بعده عن المنطق وعدم وجود أدلة عليه. رغم ذلك فإيران ليست سوى دولة اخرى، لها مصالحها الخاصة وفيها عواملها السياسية والإجتماعية وقواها السياسية التي يناسبنا بعضها ولا يناسبنا بعضها الأخر، ومتى ما حصل هؤلاء الآخرين على الحكم فقد لا تعود إيران دولة صديقة. إنني أعتبر إيران أحمدي نجاد جارة مرشحة لتكون صديقة رائعة، ولم أجد من خطاياها ما يستحق أن يجعلنا ننفر منها أو نيأس من صداقتها، على العكس من إسرائيل وأميركا وكل ذيولها العربية. إيران دولة حرة القرار، وحكومتها تمثل شعبها بانتخابات أكثر سلامة من الكثير من الدول الديمقراطية، وبالتأكيد أفضل من انتخابات العراق، فلم يكن يديرها محتال يصرخ بأن الحاسبة لا يمكن أن تتحيز، وأن إعادة عد الأصوات أمر مستحيل. لديها حكومة تستطيع أن تقف مع مصالحها والتي تنسجم مصالح المنطقة إلى حد بعيد، وقد تكون، مثل فنزويلا شافيز، أهم نواة يلتف حولها الشرق الأوسط (اللا إسرائيلي) من اجل تقارب وتكامل إقتصادي وأمني وتكنولوجي وغذائي، وهي لنفس هذه الأسباب مركز الهجوم الأمريكي الإسرائيلي، ومن يدور في فلكهما.

في مجموعة مقالات لي، كتبت عن كيفية الدفاع عن مصالح الدول الصغيرة أمام دولة عظمى، وكان من أهم تلك الطرق، إنشاء التحالفات الإقليمية، ولأن تلك الدولة العظمى تدرك ذلك بأفضل مما ندركه، فهي تسارع لقطع الطريق علينا دون إنجازه. إنه نفس السبب الذي جعل هذه الدولة تكره شافيز إلى تلك الدرجة وتحاول اغتياله، وقد اتهمها بنفسه بالتسبب له بالسرطان وكذلك فعل الرئيس الجديد المؤقت لفنزويلا. فأمثال شافيز ونجاد وموخيكا، أعداء الإمبراطورية الألداء، والإمبراطورية عدوة الشعوب على مدى التاريخ.  

سلام كاظم فرج:سوريا .. بركان قريب من العراق؟؟ هل ترى في رحيل الاسد خطوة الى امام؟؟ بالنسبة لكل من سوريا , العراق, البلدان العربية, العالم؟ 

صائب خليل: قبل أن نستطيع أن نقرر إن كان رحيل نظام ما، هو خطوة إلى الأمام أم الخلف، يجب أن نعرف النظام الذي سيحل محله. المؤشرات لا تبشر بخير أبداً، ويبدو أن البديل الذي يريده الأمريكان والفرنسيون في سوريا هو كارثة للعراق والمنطقة. ليس ذلك غريباً أو غير متوقع على كل حال. وهو خطر على كل سوريا والمنطقة، ولكن بشكل خاص على الأقليات الدينية في سوريا، مما يكشف زيف الغرب وكذبه في الدفاع عن المسيحيين، وأنه يستخدمهم متى شاء ويهملهم متى تطلبت مصالحه ذلك، كما في اضطهاد إسرائيل لهم. الغريب في الأمر أن الساسة العراقيين بشكل عام يعترفون بذلك لكنهم لا يجرؤون على اتخاذ موقف يتناسب مع هذا الخطر الذي يتوقعونه! إنهم يقولون أنه سيدمرنا، لكننا لن نتدخل في توجيه مسار الأمور! قارن هذا بموقف أميركا التي تتحجج أي سبب حقيقي أو وهمي قد يعرض بعض مصالحها للخطر، لتعتبره حجة كافية للتدخل المسلح وتدمير دولة كاملة على بعد ألاف الكيلومترات منها! لكن كيري يأتي اليوم مطالباً المالكي أن يقف مع الجهة التي يقر المالكي وأميركا ذاتها، بخطرها على العراق! 

سلام كاظم فرج:ولكن اميركا تفعل ما بوسعها للمساعدة وهي فقط متخوفة من صعود القاعدة المتطرفة في سوريا.. ؟؟؟ 

صائب خليل: بريجنسكي شرح بعد 11 سبتمبر بافتخار عن صناعتهم لـ "القاعدة" وسخر من فكرة أن يكونوا نادمين على صناعتها، والوزيرة كلنتون ذكرت نفس الحقيقة قبل فترة قصيرة. القاعدة عصابة أمريكية، فلا يمكن أن تخشى أميركا القاعدة. ما نراه من تردد في الإجهاز على النظام السوري له أسباب أخرى، أهمها المعارضة الروسية والتردد في الإصطدام بها، والثاني ربما الرغبة في إطالة الحرب السورية بهدف تحقيق أقصى تدمير ممكن قبل أن يحقق أي طرف "النصر". لقد قامت هيمنة أميركا على العالم على اساس حروب الآخرين فيما بينهم، خاصة في الحربين العالميتين، وهي تدرك ذلك جيداً، وتحاول أن تكرره في كل مناسبة ممكنة لإدامة تلك الهيمنة وتقويتها، دون أن ترتكب حماقة الدخول في حرب مع دولة قوية. ويمكنك ملاحظة أنها أدامت الحرب العراقية الإيرانية حتى أوقعت الطرفين بديون هائلة قبل إنهائها.  

سلام كاظم فرج:هل انت متفائل بوحدة الفصائل اليسارية العراقية؟؟. كيساري نادرا ما اجدك تتناول ذلك؟؟ 

صائب خليل: اليسار العراقي يتحمل جزءاً كبيراً من المصيبة التي يجد العراق نفسه فيها. كل بلد يتعرض إلى الهجوم الشرس لدولة استعمارية، يجد درعاً من يسارييه الذين يحدون من التدمير الحاصل في بلادهم قدر الإمكان، من خلال التوعية والتهديد ببديل. اليسار العراقي لم يلعب دوره ولا يوجد إحساس بوجوده، لا من قبل الشعب ولا من قبل اعداءه. اليسار يمر بمرحلة لن يفخر بها، مع تفهمي للظروف التي اوصلته إليها. إنه تائه لا يعرف طريقه، لا يستطيع تمييز نفسه حتى عن الليبرالية النقيضة له تماماً. إنه يريد أن "يتطور"، ولكن لا يدري إلى أين. إنه يتهافت إلى "التغيير" دون أن يحدد أين الخطأ! إنه يتصرف كشخص متعب لم يعد قادراً على التفكير والحكم. لقد وصفته في مقالة ما بأنه "يسار تائب" ، يتم اللعب به وتثبيت توبته من خلال أجهزة إعلامية مشبوهة قدمت نفسها على أنها يسارية مثل موقع "الحوار المتمدن" وغيره. ومع ذلك فهناك مقاومة ما، وهناك مواقع يسارية حقيقة وإن كانت ذات إمكانيات أبسط مثل طريق الشعب و"الناس" و "ينابيع العراق" و"صوت العمال". أما على المستوى السياسي فلا أثر لليسار على الساحة، ويجب تغيير هذا الوضع. هناك الكثير من الحديث عن "توحيد اليسار"، لكن يجب أن تؤمن كتلة يسارية كافية الحجم باليسارية أولاً، لكي تكون نواة لهذا التوحيد. لا توجد أسس للتوحيد حالياً. إن أقصى ما يفكرون به عندما يفكرون بالإتحاد هو الإتحاد ضد الكتل الدينية، بينما الليبرالية التي يتحدون معها، والتي تتفق غالباً مع الخندق الأمريكي الإسرائيلي وشركات النفط، هي خصمهم الحقيقي الذي لا يمكن الإجتماع معه. نعم أنا مقصر في الكتابة حول اليسار وما أراه من حلول، لأن الأحداث تضربنا بتسارع مدوخ! 

سلام كاظم فرج:والتيارات الديمقراطية العلمانية؟؟ ماهو واقعها ,, حجمها؟؟ وماهي توقعاتك؟ ونصائحك؟؟..  

صائب خليل: "الديمقراطية العلمانية" ليست شيئاً معرفاً. الجميع اليوم "ديمقراطيون"، حتى أياد علاوي الذي هرب كل حلفائه من شدة دكتاتوريته! فالكلمة لا تعني شيئاً إذن. والعلمانية لا تعني سوى موقف مرن من الدين ورفض علاقته بالدولة (وحتى هذا غير واضح)، وهذا لا يكفي أبداً. إنها تشمل الشيوعيين مثلما تشمل علاوي و اياد جمال الدين... فكيف تضع كل هؤلاء في خانة واحدة؟ نصيحتي الوحيدة أن لا يكتفي احد بوصف نفسه بأنه علماني ديمقراطي، بل عليه أيضاً أن يحدد موقفه من الإقتصاد ومن القضايا الأساسية في الساحة وشخوصها والعلاقات الخارجية وغيرها لكي يمكن تمييزه عن الأفاعي التي تتلوى تحت راية العلمانية والديمقراطية. نريد أن نعرف رأيه بالسفارة الأمريكية، وبالإستثمار وحرية السوق ووزير الشباب والمفوضية العليا للإنتخابات والـ 17% وعقود نفط كردستان وخصخصة الكهرباء والتظاهرات والعلاقات مع سوريا والأردن والسعودية وإيران وأميركا وإسرائيل وأوروبا والمرأة وغيرها. إن كان نائباً في الدورة السابقة فعلينا أن نعرف على أي شيء صوت بالقبول أو الرفض، وعندها فقط يمكننا أن نحدد شكل هذا "الديمقراطي العلماني". 

سلام كاظم فرج:جادلتك مرة حول اميركا . وكتبت عني مقالة قاسية.. ما زلت على رأيي في اميركا.. يعني انها تطورت ( اعني ادارتها )..والادارة الحالية افضل بكثير من ادارة ترومان مثلا او ايزنهاور. اما زلت على رأيك ان اميركا هي نفسها قبل ستين عاما؟؟ ولا تستطيع ان تكسب ثقة الشعوب الأخرى؟؟ 

صائب خليل: الحقيقة لا أتذكر تلك المقالة. هناك إحصائية قدمت في عام 2001 وقبل أحداث سبتمبر، بينت أن جميع شعوب أوروبا الغربية أختارت أميركا كثاني أكبر خطر على السلام العالمي بعد إسرائيل (التي فازت بامتياز)، ولاحظ هنا أننا نتحدث عن شعوب أوروبا الغربية، الأقرب إلى أميركا وإسرائيل من أية شعوب أخرى! إنها الشعوب التي يفترض أنها أستفادت من اميركا أكثر من أية منطقة أخرى في العالم، بل ربما المنطقة الوحيدة في العالم. فأين ما كسبته أميركا من ثقة الشعوب الأخرى؟ ماذا تقول عنها إذن شعوب أميركا اللاتينية أو آسيا أو افريقيا التي رأت منها الأهوال؟ دعني أذكر لك قول رئيس سابق للمكسيك وهو ينعى بلاده بالقول: "مسكينة أنت أيتها المكسيك، ما أبعدك عن الله وما أقربك من أميركا"! لقد اصطبغت أميركا الجنوبية باليسار، وفقدت أميركا حلفائها من الأنظمة التي جاءت بها كما جاءت بالبعث للعراق في الستينات، وبنفس الطرق ونفس الوحشية. ونلاحظ مثلاً أننا أكتشفنا في فضيحة توزيع أميركا لمعتقليها على سجون سرية في مختلف أنحاء العالم من أجل تعذيبهم، أن المنطقة الوحيدة التي خلت من تلك السجون كانت أميركا اللاتينية، التي كانت تسميها أميركا، "حديقتها الخلفية"!

هل هي أفضل من أميركا ترومان أو ايزنهاور؟ نعم كان الرجلان وحشين، لكن بوش لم يكن أقل وحشية، ولا توجد أية علامة أنه كان يتردد في تدمير أي بلد أو أي شعب، إن سمحت له ظروفه. بوش الأب كان محتالاً مدمراً هو الآخر وكذلك كلنتون وريكان كان وحش الثمانينات على العالم وأميركا الجنوبية بالذات. يقول العاشق الولهان بأميركا الدكتور عبد الخالق حسين أن اميركا بلد مؤسسات ولا يغير مواقفها نوع الرئيس الذي يأتي إليها، وهو محق من ناحية، فنجد الكثير من المحللين يصفون أوباما الآن بأنه أسوأ من بوش ولديهم حججهم لذلك. إنما السبب ليس في أن أميركا بلد مؤسسات، بل هو بلد شركات وبزنز، ولا يؤثر في سياسته من ينتخبه الشعب، وهذا مؤشر فشل الديمقراطية الأمريكية وليس موضع افتخار. الفيلسوف الأمريكي جون ديوي يصف الوضع بأن السياسة هي ظل البزنز على المجتمع. ولا يمكنك أن تغير الواقع بتغيير الظل.

ما قد تلاحظه من تغير إيجابي في أميركا، هو نتيجة وعي الناس وسرعة الإتصال واتخاذ المواقف. وهنا يذكرنا جومسكي بأن حرب فيتنام احتاجت عدة سنوات قبل أن تستثير الرأي العام الأميركي، اما حرب العراق فكانت التظاهرات المناهضة تهز العالم قبل أن تبدأ الحرب. لذلك توجب على بوش وأوباما مراعاة ضغوط لم يكن على ترومان أو كندي أن يحسب لها ذلك الحساب.

ولجومسكي، وهو خير العارفين بأميركا وتاريخها الحديث، عبارة يقول فيها لو ان رؤساء الولايات المتحدة لما بعد الحرب العالمية الثانية حوكموا وفق محاكمة نورمبرغ (التي حكمت النازيين الكبار) لما نجا أحد منهم من حبل المشنقة. 

سلام كاظم فرج: انا ابتسم الان. خوفا من سلقي بمقالة نارية تتهمني فيها بالانحياز للأمبريالية.( وبالتأكيد انا لا اتفق معك بالنعوت القاسية التي توجهها لبعض الاسماء). ولكني أسأل هنا سؤالا دقيقا لكي اعرف.. الدكتور علي الوردي يقول لولا الاحتلال البريطاني للعراق لبقيت عطارا في دكان أبي.. ما رأيك في قول الوردي رحمه الله؟؟ 

صائب خليل: الرئيس الهندي الراحل جواهر لال نهرو يختلف معه، كما يبدو، وهو من أخبر الناسب بالإستعمار البريطاني ودرسه وتعايش معه بتلاصق أكبر. إنه يؤكد أن النظر إلى خارطة الهند الإقتصادية تبين أن تخلف المناطق يتناسب طردياً مع قدم استعمارها من قبل بريطانيا!

لاشك أن للإستعمار كان له بعض الفوائد، مثلما له مساوئ، لكنه لم يأت بقصد الفائدة. إنه مثل العاصفة التي تقتلع لنا شجرة كنا نريد قلعها. هذا لا يعني أن نتمنى العواصف. كذلك فأن اعطاء الإستعمار كل أفضليات التقدم، ابتزاز لبقية العوامل. الإستعمار من النوع الذي يقدمك مربعاً ثم يسعى بقية الحياة أن يبقيك في ذلك المربع، فعليك أن لا تستلم للشعور بالإمتنان له، وإلا فقد كان علينا أن نبقي العبودية أمتناناً لها لأنها كانت أكثر انتاجية من المشاعية، ثم على الإقطاع لأنه كان اكثر انتاجية من العبودية والآن على الرأسمالية لأنها أكثر إنتاجية من الإقطاعية. ولو كان البشر يفكر بهذه الطريقة لبقي عند الخطوة الأولى، العبودية، ولما وصلنا إلى هذه الرأسمالية "العظيمة" التي يوحي البعض بأن علينا الإمتنان لها.

إضافة إلى ذلك، وبعد توفر الإتصالات، فلم يعد للإحتلال أية فائدة، لأنه في الماضي لم يكن الناس يعلمون ما هو التقدم إلى أن يدخل بيوتهم. الآن الجميع يرى ويسمع كل ما يحدث في العالم ويستطيع شراءه من اي مكان. الإستعمار لا يزيد قدرتنا على الوصول إلى التقدم أو شراءه بل العكس، هو يشترط الكثير من القيود بشكل مباشر (شروط جي بي موركان على بنوكنا بعدم التعامل مع إيران فوق حد معين) أو بشكل خفي (تحويل صفقة الأسلحة الروسية إلى دراما).

كذلك أرجو الإنتباه إلى أن الإستعمار البريطاني لم يكن يمتلك أجندة تدميرية، عدا ما يتطلبه منه امتصاصه للإقتصاد، اما في حالة أميركا والعراق حالياً فهناك مشكلة إضافية هي خضوع أميركا للإملاءات الإسرائيلية حول المنطقة، وهذه أجندة تشترط التدمير حتى لو لم يكن منه فائدة لأميركا، بل حتى لو تسبب بالضرر لها في علاقتها بالعراق. علاقة أميركا بإسرائيل يجب أن تحسب دائماً في التعامل معها. 

سلام كاظم فرج:كردستان العراق تحث الخطى لكي تكون دبي الثانية. هل تتفق معي في هذا؟ واذا اتفقت فما هي الاسباب؟ اليست صداقتها لاميركا و الغرب وعدم الدخول في عداء معهما اتاح لها تعاطفا واستقرارا اكسبها هذا التقدم؟؟ وهنا يبرز السؤال. الا ترى ان الجنوبيين. لو كسبوا صداقة اميركا على سلبياتها التي تظنها فيها وبعضها صحيح واتفق معك به. اما وفروا لانفسهم ما وفره الكورد لانفسهم من دعة واستقرار وبناء؟؟ 

صائب خليل: أعطيتك رأيي بدبي، أما بالنسبة لصداقة أميركا فأقول أنه ليس من السهل أن تكسب صداقة أميركا حتى لو أردت بكل قوة، فلأميركا مصالحها التي قد لا تتلاءم مع "صداقتك". مع ذلك سيكون الذئب سعيداً لو لبس جلد الخروف وأفهم جميع الخراف أنهم مدعوون لصداقته. هذا يوفر له ولائم سهلة. 

هناك مفهوم خاطئ بأن هذه الشعوب هي التي بدأت العداء لأميركا، وأن أميركا مستعدة للصداقة، وأن من "قبل صداقتها" حصل على الفوائد. لو راجعت التاريخ لدهشت تماماً. فعبد الناصر طلب القرض من اميركا أولاً من أجل السد العالي، فرفضت فذهب للسوفيت. كاسترو بادر بزيارة أميركا فور استلامه الحكم وطلب مساعدتها على بناء بلاده ودعم مؤسسات شعبه فغضب الرئيس الأمريكي منه وقال أنه يتكلم كشيوعي وإن كان خصماً للشيوعيين في وقتها. الصين الشيوعية حاولت كثيراً مع أميركا وكان لها بها أمل كبير، دون جدوى. وكذلك هوشي منه في فيتنام كتب عدداً كبيراً من الرسائل يرجو الرؤساء الأمريكان مساعدته عندما كان تحت الإستعمار الفرنسي والياباني، ولم يحصل على جواب واحد لأية رسالة! لم تجد أميركا أي من هؤلاء من تستفيد من "صداقته"، ولم يكن لجهودهم أي أثر في تغيير ذلك. أميركا اليوم ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، هي "شقاوة" العالم، وما يحتاجه الشقاوة هو السركالية الذين يقومون بابتزاز الناس لحسابه ويكونون هراوات لخوض معاركه، ولصوصاً لثروات شعوبهم لحسابه. عندها يمكن أن يقدم لهم يده، ولو موقتاً. أقول مؤقتاً لأنه في اللحظة التي يجد فيها مصلحة تتطلب التخلي عنك فسيقفز إليها فوراً، وفي هذه الحالة ستكون صداقته أداة لضربك لأنك قد أدخلته بيتك وأتحت له الكثير من الحرية فيه وهو ماهر في استخدامها للتآمر عليك.

أنظر مثلاً كم كان الخليج "صديقاً" لأميركا، ولكن في اللحظة التي خطر ببالهم المخطط الشيطاني لإحتلال صدام للكويت، ووزنوا نتائجه، فوجدوها أنفع لهم من صداقتهم، قذفوا بأصدقائهم هؤلاء في النار وأغروا صدام بدخول الكويت. المشكلة في صداقة من هو أقوى منك أنها تفقدك القدرة على أن تقول لا مستقبلاً، لذلك كان أهلنا يمنعونا من صداقة من هم أكبر منا لأنهم يعلمون أنه لا توجد صداقة غير متوازنة. الأكبر له مصالح مختلفة تدفعه إلى العدوان على الأصغر، لذا على هذا الأصغر أن لا يخدع نفسه بكلمات لا تعبر عن الحقيقة. وهذا ليس إتهام أخلاقي للمستعمر، بل هي مسألة بقاءه على قيد الحياة كمستعمر. فلو صادق الذئب كل خروف يصادفه لمات جوعاً. 

سلام كاظم فرج:شكرا للأستاذ صائب خليل على سعة صدره. هي محاولة للتعرف على بعض افكارك اخي الكريم فارجو عفوك ان وجدت في بعض اسئلتي استفزازا.. ومن جهة أخرى لا بد من التوضيح ان حق الرد مكفول من قبل من تناولتهم بالنقد وباب مرآيا مفتوح لأي رأي يصلنا متفقا او مختلفا مع جنابكم . اخي الاستاذ صائب

 . وأنا هنا لاالعب دور الداعية بل دور الصحفي كما ارجو ان أُُفهم هكذا كما في كل حوارتي المنشورة السابقة.. واللاحقة.. 

صائب خليل: وشكرا جزيلا استاذ سلام لأسئلتك التي أتاحت لي أن أوضح مواقفي بشكل مباشر، في المواضيع الأساسية في عالمنا اليوم.

 

 

 

26 آذار 2013

 

 

Opinions