Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

قلعة اربيل

لعل من ابرز المعالم التاريخية في اربيل قلعتها، التي احتفظت بشكلها وبكونها آهلة بالسكان الى يومنا هذا، وليس غريبا أن يسمي الآثاريون اربيل اقدم المدن الحية في العالم. وقال في وصفها ياقوت الحموي أن اربيل قلعة ومدينة كبيرة في فضاء واسع من الأرض، ومحاطة بخندق عميق، كانت مدينة كاملة فيها أسوار ومنازل للآهلين.
تقع القلعة على بعد 350 كيلومترا عن العاصمة بغداد، وتبلغ مساحتها أكثر من عشرة كيلومترات مربعة ويبلغ ارتفاعها العام عن سطح الأرض (26) متراً.
والقلعة ليست إلا بقايا مدينة آشورية مهمة تعرف بأسم (أربا_ إيلو) مشيدة على تل أثري أقدم عهدا، و (أربا_ إيلو) تعني الآلهة الأربعة.
وتحول اسمها الى إربل أو إربلا حسب الجغرافيين العرب، تحريفاً أو تصحيفاً الى أرويل وأوريل على لسان العامة، ونتيجة للقلب والبدل في الأسماء اللغوية تحولت أوريل إلى هولير. ويقول اللغوي العراقي الكبير الأب انستاس ماري الكرملي إن اسم هولير مصحف من اربيل وقد اشار الاستاذ المرحوم زبير بلال اسماعيل الى هذا في كتابه (اربيل في أدوارها التاريخية) حيث يذكر أن هولير من أربيل.
وكانت قلعة إربل من أهم المدن الآشورية الثلاث كالح، ونينوى، وإربل. وخلال جميع عهود الممالك الآشورية اتخذت إربل عاصمة الملك الحاكم، لقد كانت إربل العاصمة الدينية دوماً. ففي بلاد آشور كان الملك بالنسبة لدين آشور، هو الكاهن الأعظم، غير المنازع. ومن المحتمل أن (عشتار) قد نقلت معبدها شمالاً عندما قامت بلاد آشور منفردة، واختيرت لذلك (أربا_ إيلو)، وبذلك فأن إربل كانت الكرسي الثاني للألهة عشتار، التي عرفت بـ (عشتار أربيلا) وكانت مصدر الظفر في المعركة، فحملت عشتار عند الآشوريين طبيعتان إذ كان لها معبد في نينوى وآخر في إربل. وعشتار نينوى كانت أصلاً، إلهة الحب والترف، تحكم كوكب الزهرة، ولكن عشتار إربل كانت مصدر الظفر في المعركة. ويذكر أن الملك سنحاريب حج الى مدينة (اربا_ ايلو) سنة 692 ق.م ليصلي فيها الى الألهة عشتار فيصيب ظفراً في حملة قادمة من حروبه. إلاّ أن كان لأربل إلهُها الخاص واسمه شربل، وهو ابن الألهة عشتار.
ومن أهم الأحداث التي مرت على القلعة احتفال اشور ناصر بال (885_ 860 ق.م) بإعدام الملك (كيرخي) وتعليق جثته على أسوارها وقيام (سنحاريب) سنة (681 ق.م) بإيصال الماء أليها خلال قناة تمتد من وادي باستورة لمسافة (20كيلومتراً). كما اشتهرت قلعة إربل بالمعركة التي وقعت بين الاسكندر المقدوني ودارا ملك الفرس بالقرب منها، تلك المعركة التي عرفت في التاريخ القديم (بمعركة كوكاميلا) كانت نهايتها سيطرة الاسكندر المقدوني على المدينة.
في القرنين الأخيرين قبل الميلاد، والقرنين الأولين بعد الميلاد كانت إربل إمارة شبه مستقلة باسم "حدياب" وكانت تضم أحيانا اقليم آشور _ نينوى.
وعندما انتشرت المسيحية في بلاد وادي الرافدين كانت إربل من أولى المدن التي انتشرت فيها المسيحية فمنذ القرن الميلادي الأول كانت هناك جماعات مسيحية في إربل ونعرف من تاريخ إربل لمشيحا زخا أسماء أساقفة مسيحيين منذ منتصف القرن الثالث كـ (شحلوفا) الذي درّس وبنى عدة مدارس في أطراف البلاد، وفي عهد الجاثليق (فافا) رفعت إربل الى المقام المطراني وقد أعطت هذه الأبرشية القسم الأكبر من الشهداء أثناء الاضطهاد الفارسي حيث قتل تسع راهبات ومائة وأحد عشر كاهناً دفعة واحدة وكانت سيدة اربيلية تدعى (يزدان دوخت) قد مدت لهم يد العون دون جدوى وسعت صباح موتهم الى القيام بدفنهم. وبالرغم من الاضطهادات ضد المسيحيين بقت إربل تحتفظ بغالبية مسيحية حتى احتلالها من قبل المغول، وكانت عامرة بالكنائس والأديرة وأصبحت غير مرة مركزاً للكرسي البطريركي
وفي العهود الإسلامية بقت القلعة مسورة وكانت تضم مركزاً للسكنى وحصناً للدفاع وعليها الأبراج ومكامن الدفاع وبقيت القلعة آهلة بالسُكان طيلة العهود التالية التي تلت الاحتلال المغولي الأخير في القرن الثالث عشر وآخر ذكر لها كمركز دفاع عسكري نسمعه عند احتلال نادر شاه لإربل سنة (1736م) حيث حاصرها مدة ستين يوما قبل أن يفتحها.
إن القلعة مرت بثلاثة أدوار مكانية حيث كانت المدينة بكاملها، ومن ثم أصبحت القسم الأكبر من المدينة، وأخيراً أصبحت جزءاً صغيراً من المدينة. ويبقى الدور الأخير للقلعة والذي مازال مستمرا حتى ألان يشير الى كثافتها السكانية في الفترة الحديثة.
إن الصعود للقلعة لا يمكن أن يتم إلا من خلال بابين قديمين الباب الجنوبي المواجه لسوق المدينة والباب الشمالي باب عمكو المواجه لعنكاوا والذي يقال بأن اسم عنكاوا جاء منه، وكان الباب الرئيسي للقلعة الواقع في الجهة الجنوبية منها يمثل برجاً عظيماً كان منظره يدل على أنه كان حصناً للقلعة، وقد هدم هذا الباب خوفاً من انهياره.
وتقع قلعة اربيل التي يَسكنها الاكراد في الوقت الحاضر في قلب المدينة، وتتألف من ثلاث محلات سكنية وهي السراي التي تقع في الجهة الشرقية، والطوبخانة في الجهة الجنوبية الغربية، والتكية تقع في الجهة الشمالية الغربية، وتتألف القلعة في وضعها الحالي من الدور القديمة والمتهدمة فهي صحنية الشكل وقد شيد اقدم هذه الدور في حدود نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين فوق أنقاض بيوت أخرى.
وهكذا حافظت القلعة على استمرار بقاء مدينة اربيل في هذه البقعة، واستمرار الحياة فيها، بل وبقاء المدينة محتفظة بأسمها القديم.
وتُعَد القلعة اليوم رمزاً اثرياً وتاريخياً للمدينة من حيث نسيجها الحضاري والتراثي وتنتظر الى المزيد من الاهتمام لتكون نموذجاً حياً يجمع ما بين التراث والحضارة، ومما يؤسف له أنه لم تجد للآن تنقيبات جدية في القلعة لتكشف لنا تاريخها وحضارات الشعوب التي سكنتها وتعاقبت عليها.

Nashwan.george@yahoo.com Opinions