قناع واحد لا يكفي ؟!
06/05/2009شبكة اخبار نركال/NNN/الموصل/
يقال ان أول استخدام للقناع كان بارتداء الرؤوس المقطوعة للحيوانات للتنكر بها ليسهل الدخول إلى مراعي الحيوانات وصيدها , ولأثرها الايجابي الواضح في الصيد حمّلت قدرات سحرية وأصبحت رموزا وتمائم للتوفيق في الصيد , واستمر المفعول السحري للأقنعة حتى يومنا هذا مع تبدل شكل السحر القديم واختلاف ممارسته عما هي الآن , إلا ان التأثير السحري للتقنع لم يختف أبدا , إذ لازم رحلة القناع الطويلة منذ فجر ولادته بالشكل المادي الملموس إلى تجدد هذه الولادة في وقتنا الراهن بأشكال لا مادية متنوعة , وعلى مسرح الحياة عندما اكتشف الإنسان قدرته الخارقة على صناعة الأقنعة من ملامح وجهه وتقاطيعها , استغنى عن القناع المادي التقليدي , وبدأ يطوّر مهاراته وقدراته في تنويع هذه الأقنعة والسرعة في تبديلها , وان كانت الأقنعة المادية محدودة الاستعمال , فان أقنعتنا اليوم لا محدودة وعصرنا مهرجان أقنعة أكثر من أي عصر آخر , أقنعتنا غدت لا مادية , وجوهنا اليوم هي المساحة الخام التي تصنع منها كافة أنواع الأقنعة , بالأمس كانت تصنع الأقنعة من الورق أو الخشب أو الحجر كما كانت تصنع أخرى من الأقمشة والأعشاب وجلود الحيوانات بعد دبغها , أما اليوم فيصنع القناع بكلمة أو مقالة أو قصيدة , يصنع بنظرة أو حركة أو بسمة أو حتى بتهجم أو شتيمة , قناع للدفاع وآخر للهجوم , قناع للحرب وآخر للسلم , أقنعة متعددة للحب والكره والغضب والفرح والتملق والهجاء , الأقنعة في عصرنا باتت سلعة شعبية لا تحتكرها شريحة اجتماعية أو حتى سلطة , نستخدمها في العمل وفي الدراسة وفي علاقاتنا الاجتماعية , نستخدمها كبارا وصغارا , فكل يوم نستيقظ صباحا , ننظر إلى خزانة أقنعتنا ونختار ما يناسبنا لنبدأ النهار به , نحمل عددا احتياطيا في حقيبتنا لوقت الحاجة , أمام أساتذتنا نرتدي قناع الذكاء , وأمام مديرينا نرتدي قناع الطاعة العمياء , أمام الأصدقاء نرتدي قناع الوفاء , وأمام الأحباء نرتدي الصفاء والنقاء , نحن في زمن نحتاج فيه إلى الكثير من الأقنعة , لم يعد قناع واحد يكفي , تعقدت الحياة وتنوعت فتنوعت معها الأقنعة وتعددت وكثيرا ما نجبر على ارتداء تلك الأقنعة رغم رفضنا لذلك , وغير بعيد أن يتحول القناع من كثرة الاستعمال إلى قيد أو سجن نسجن بداخله أو نجد وجوهنا فجأة بعد خلع كافة الأقنعة , وجوها بلا ملامح , قديما قالوا احذر فلانا فله وجهان , كانت مذمّة أو مرض يوسم به الإنسان , والآن وبعد أن أصبح لكل إنسان مئة وجه ووجه , مئة قناع وقناع , أصبح استبدال الأقنعة مهارة اجتماعية يحسد عليها من يجيدها فكثير الأوجه هو الحذق والشاطر والماهر ؟! الذي يستطيع أن يتدبر أمره في أي موقع يفرض عليه, ما عليه سوى ارتداء القناع المناسب فتفتح له الأبواب ...