كتاب مفتوح للسيد رئيس الوزراء نوري المالكي
سيادة رئيس الوزراء المحترمتحية طيبة
لقد مرَّ على الشعب العراقي منذ الغزو الأمريكي للعراق، وإسقاط نظام الطاغية صدام حسين، خمس سنوات قاسية جدا لم يشهد لها من قبل مارست خلالها عصابات البعث، وحلفائها أنصار القاعدة، وميليشيات أحزاب الإسلام السياسي الشيعية منها والسنية، أخطر الجرائم الوحشية التي أزهقت أرواح مئات الألوف من المواطنين الأبرياء، وشردت 4 ملايين من بيوتهم ومدنهم للنجاة بأرواحهم من عمليات الذبح والتمثيل بالجثث والحرق، وكل ذلك جرى باسم الدين والطائفة حيث جرت عمليات الذبح والقتل على الاسم والهوية.
لم يكن هناك صراع ديني أو طائفي في المجتمع العراقي من قبل، وكان المواطنون بكل أطيافهم وأديانهم وطوائفهم وقومياتهم يعيشون أخوة متحابين جنباً إلى جنب، وامتزجت دماء الجميع من خلال المصاهرة بين العوائل، فكان غريباً جداً أن يشهد الشعب العراقي تلك الحرب الأهلية الطائفية المجنونة تعصف بالجميع.
لقد بات الشعب العراقي بعد كل الذي جرى على قناعة بأن قوى الإسلام السياسي قد استغلت الدين بشكل بشع لتحقيق أجندتها السياسية المتمثلة بالاستئثار بالسلطة والثروة، وأصبح على يقين أن الأحزاب الدينية لا تصلح لقيادة العراق، وأن لا بد من قيام دولة ذات نظام علماني يسوده القانون والحرية والعدالة الاجتماعية.
لقد بذلتم جهداً صادقاً في كبح جماح الميليشيات والعصابات الإجرامية التي استشرى نشاطها في طول البلاد وعرضها، واستطعتم إعادة الأمن السلام في البلاد بنسبة 80% تقريبا، حيث ما يزال نشاط قوى الإرهاب في العديد من المناطق ، وخاصة في الموصل وديالى مما يتطلب المزيد من الجهد للقضاء المبرم على كل من يمارس العمل الإرهابي في البلاد.
لقد اثبتت انتخابات مجالس المحافظات أن الشعب العراقي قد ضاق ذرعاً بحكم أحزاب الإسلام السياسي الشيعية والسنية، وأنه يطمح في قيام نظام حكم ديمقراطي علماني يحفظ للعراق وحدته واستعادة حريته واستقلاله ، ويؤمن الحياة الكريمة لأبنائه، ومن أجل هذا صوت الشعب لقائمتكم التي حملت اسم [ دولة القانون] ولم تحمل اسم حزب الدعوة الإسلامية، ولا شك أن تصريحاتكم المتكررة حول الدولة العلمانية الديمقراطية قد أعطت الأمل لدى الشعب في إجراء انعطاف تاريخي كبير يضع العراق على سكة السلام والحرية والديمقراطية.
إن هذه الانتخابات ليست سوى بروفة للانتخابات القادمة بعد 11 شهراً الانتخاب برلمان جديد سيقرر مصير العراق في المرحلة القادمة، وهذا يتطلب منكم أن تستفيدوا من كل يوم يمر لترسيخ التوجه نحو الهدف المنشود باقامة دولة القانون، وهذا يتطلب أن تكسبوا ثقة المواطن العراقي من خلال الإجراءات على أرض الواقع، ومن هذه الإجراءات:
1 ـ تشريع قانون الأحزاب السياسية والذي ينبغي أن يؤكد على قيام حياة حزبية ديمقراطية، والحيلولة دون قيام أحزاب سياسية على أساس ديني أو طائفي أو عرقي، منعاً لقيام صراع طائفي أو عرقي بين أطياف الشعب العراقي، وليكن الدين بعيداً عن السياسة كي تبقى له قدسيته واحترامه.
2 ـ إعادة كتابة الدستور على أن تتولى ذلك عناصر مختصة بالقانون الدستوري، ومشهود لها بالكفاءة، والوطنية الصادقة والحرص على وحدة العراق أرضاً وشعبا، لسن دستور جديد للبلاد يفصل الدين عن الدولة ، ويكرس حقوق الإنسان التي أقرها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي أقرته الأمم المتحدة عام 1948، والذي يكفل لجميع مكونات الشعب العراقي كامل الحقوق والحريات المتساوية دون تمييز بسبب القومية أو الدين أوالطائفة أو الجنس، والتأكيد على المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات.
3 ـ ترسيخ مبدأ الفيدرالية في منطقة كردستان العراق فقط، بسبب الوضع الخاص للشعب الكردي، بما يحفظ وحدة العراق أرضا وشعباً، مع الحرص على عدم التجاوز على صلاحيات الحكومة المركزية في الشؤون الدفاعية والأمنية والخارجية والثروة الوطنية التي هي ملك الشعب العراقي جميعاً ، والحرص على التوزيع العادل للمشاريع التنموية في مختلف محافظات العراق.
4 ـ ينبغي الحرص على منع طغيان صلاحيات المحافظات على صلاحيات الحكومة المركزية، وأن تحدد صلاحيات المحافظات على الأمور الإدارية المحلية بما يسهل عمل الحكومة وإدارة شؤون المحافظة بعيداً عن الروتين الذي يؤخر عملها.
4 ـ معالجة مشكلة البطالة المستشرية بأسرع ما يمكن من خلال توجيه إمكانيات الدولة المالية لإعادة ترميم المشاريع الصناعية المتوقفة ، وبناء مشاريع صناعية جديدة، وتنشيط الزراعة بغية خلق فرص عمل واسعة لامتصاص البطالة التي تعتبر المورّد الحقيقي للإرهاب والإرهابيين، وعدم تبذير موارد العراق المالية في بناء مشاريع غير انتاجية في الوقت الحاضر.
5 ـ أنشاء ديوان الرقابة المالية، والحرص على تمتعه بالرقابة الصارمة على الشؤون المالية، وأوجه الصرف، وسلامة ودقة الحسابات في مختلف دوائر الدولة، وتأمين الحماية اللازمة لمنتسبيها كي تمكنهم من القيام بعملهم على الوجه الأكمل، ومحاسبة المتلاعبين والمقصرين والمرتشين والمخالفين للقانون، والذين اثروا على حساب الشعب طيلة السنوات السابقة، وإحالتهم إلى المحاكم المختصة لينالوا عقابهم الصارم، وتغريمهم بإعادة تلك الأموال المسروقة، وهذا يتطلب إصدار قانون [ من أين لك هذا؟] والتحقق من ثروات كل الذين تولوا الوظائف العامة ونهبوا ثروات البلاد، والعمل على استعادتها كاملة غير منقوصة.
6 ـ الحرص على تنظيف الجيش العراقي وقوات الشرطة والأجهزة الأمنية من العناصر المنتمية للأحزاب السياسية، كي يبقَ الولاء للعراق وحده وليس للأحزاب السياسية، كما ينبغي العمل بأسرع وقت ممكن على تسليح الجيش بالأسلحة الثقيلة، وبالطائرات الحربية، الكفيلة بحماية أمن العراق واستقلاله وحرمة أراضيه، بالإضافة إلى تأمين السلام والأمن والحرية للمواطنين، والضرب بيد من حديد على كل من يحاول الاعتداء على حقوق وحريات المواطنين.
7 ـ العمل على استعادة المرأة لحقوقها المسلوبة وحريتها المهانة على أيدي عصابات الميليشيات الإجرامية، ومنع فرض الحجاب عليها، واحترام إنسانيتها ومساواتها مع الرجل، ومساهمتها الفعالة في العمل المنتج، ووضع قانون جديد للأحوال المدنية يحد من تجاوز الرجل على المرأة، وحريتها في طلب الطلاق، وحرية السفر، وتمتعها بكافة الحقوق التي نصت عليها شرعة الأمم المتحدة.
السيد رئيس الوزراء المحترم:
أن فوز قائمتكم في انتخاب مجالس المحافطات يعتبر خطوة في أول الطريق الطويل، لكنه ينبغي أن يكون الحافز لكم لتعميق توجهكم نحو بناء الدولة العلمانية، دولة القانون والحرية والديمقراطية، وستكون الأشهر الإحدى عشر القادمة هي المحك لنيل ثقة الشعب بسياستكم وتوجهاتكم استعداداً لخوض الانتخابات النيابية التي ستقرر مصير العراق لمرحلة طويلة قادمة، فإما عراق ديمقراطي علماني يسوده القانون والنظام والعدالة الاجتماعية، وتأمين الخدمات العامة للشعب من ماء صالح للشرب، وكهرباء، وخدمات صحية وتعليمية، وتأمين اجتماعي تؤمن حياة كريمة للشعب ، وإما عودة إلى حكم ميليشيات الأحزاب الدينية الطائفية ، وعودة الصراع الطائفي والعرقي، والقتل والتهجير وتخريب الممتلكات العامة والخاصة ، وخراب العراق.
أنكم يا سيادة رئيس الوزراء بحكم مركزكم القيادي تتحملون مسؤولية كبرى تجاه شعبكم الذي ينتظر منكم أن تحققوا طموحاته في الأمن والسلام والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، متمنيا لكم من صميم القلب تحقيق أماني الشعب الذي صبر طويلاً، ودفع ثمناً غاليا من أرواح أبنائه .
حامد الحمداني
10/2/2009