كتّابُنا، وشهادة براءة الاختراع....!؟
من اكثر الامور التي تدلل بوضوح على نقص القدرة الادراكية لدى شريحة معينة من الناس اللاهثين وراء تحقيق ما فاتهم في ايام الصبا والشباب من خلال الجدية والمثابرة والتضحية في الحياة ، هو انتشار كتب "كيف تتعلم...في...ايام" تحت العنوان المغري ".....للمغفلين" (X… for Dummies) هذه الكتب نشأت مثلها مثل النزعات الاخرى التي جلّ همها هو الاثراء السريع في نهاية القرن العشرين في عالم صناعة المعلومات والترفيه المبنية على الكمبيوتر. وقد قام كبار مخططي المعلومات والتسويق مدفوعين بالرغبة العارمة في زيادة أسعار الاسهم بإصطياد الاعداد المتزايدة من تلك الانفس اللاهثة وراء تحقيق الاحلام في مهلة لا تتجاوز عدة اسابيع، ولما لأ...! ألسنا نعيش في عصر الانترنيت؟! وهكذا رأينا اساليب هؤلاء لأغراء الناس عن طريق توضيح التفاصيل المعقدة لبرامج الكومبيوتر باستخدام لغة الأطفال والصور، حتى يتمكن " المغفلون" من فهمها. هذا الترويج للجهل انتشر كالنار في الهشيم بتزايد أعداد الحمقى المقبلين الذين يصفون أنفسهم "بالمغفلين"بكل شغف. أسفرت محاولة بحث مؤخرا في موقع شركة بيع الكتب أمازون دوت كوم عن إيجاد اكثر من 720 كتابا تحت هذا العنوان، تتنوع مواضيعها من "برنامج ويندوز 98 للمغفلين" و"الانترنيت للمغفلين" الى" تعليم الاستثمار للمغفلين" و "تعلم الطبخ للمغفلين " و " تعلم الموسيقى الكلاسيكية للمغفلين"و "ممارسة الجنس للمغفلين" و"شراء السيارات للمغفلين"و"تعلم قيادة المجتمع للمغفلين:نسخة مختصرة" (هذه ليست مزحة بل حقيقية، ويمكنك البحث عن كلمة (Dummies) في الانترنيت بنفسك لترى النتيجة). قريبا قد تقوم الكليات الطبية تحت ضغط شركات الرعاية الصحية الربحية بتبني برامج تدريب للاطباء من نفس النمط. فبدلا من تدريب الأطباء بكفاءات وخبرات عالية، سيتم تدريب "موفري الرعاية الطبية" في طرق "تعلم جراحة الدماغ بشكل مبسط" و"تعلم جراحة القلب في ثلاث خطوات" ------وكما يبدوا مؤخرا بأن البعض من كتاب الانترنيت من ابناء شعبنا لم يمهل هؤلاء الخبراء وحيث اثبتوا بأنهم اكثر سرعة في بديهية فن التسويق لذا إستحقوا شهادة براءة الاختراع لعدة انماط لمواضيع أعلاه "....للمغفلين" مثل " إدراك المرامات ودفء الدنانير للمغفلين" و " كيف تصبح صديقا لذوي الشأن للمغفلين" و" تعلم فن الكتابة للمغفلين" و " فن التلفيق والتجني للمغفلين" و" كيف تنال الحكم الذاتي ..للمغفلين" و " فن التوزيرللمغفلين" و " الحكم الذاتي وما أدراك ما هو.. للمغفلين" و " تزكية الغريب ونبذ القريب للمغفلين" و" فن تجارة الشعوب للمغفلين" و" كيف تصبح سياسيا للمغفلين" و "عش انت وليذهب غيرك للجحيم... للمغفلين " و" تعلم التدليك التركي للمغفلين" والقائمة تطول لأننا شعب يحب التنافس .
عجيب أمر البعض منا، حيث جلّ همهم من وراء الكتابة هو النيل من اخوة لهم والاستزادة في الطعن ! ؟ عجيب أمرنا، ندّعي بأننا اصحاب حضارة وفضل على العالم بينما جعلنا حتى تكنولوجيا الانترنيت مترساَ لشن حربا شعواء على بني جلدتنا واحيانا بمثابة مشفى لتفريغ مكامن نفسية....؟! بينما شعوب العالم تستغل هذة التكنولوجيا في تحصيل العلوم والاستزادة منها وهنيئا فهي لهم نعمة بينما البعض من بيننا جعلها نقمة...
الكتاب المقدس إضافة الى الشرائع الانسانية الحقّة ترفض نمط ومعيار الازدواجية ويا حبذا نتذكر المقولة الابدية لسيدنا المسيح ( بأن الانسان لا يستطيع خدمة سيدين) ، ويقينا ان عصرنا هذا وبتطوره في كافة مناحي العلوم جعل البشر اكثر وعيا وخاصة شعبنا الذي مرّ بتجارب قاسية وتراكمت لديه العبر والخبرات مما يبرهن بأنه ليس كل ما يكتب في الانترنيت لكتابنا الاعزاء يدخل في كتاب "غينيس" للارقام القياسية ، فمهلا بنا وبعقولنا ايها الاخوة لأن لكل شعب ذوقه الخاص في التسّوق لذا فأن إختراعاتكم في الفنون المذكورة لا تنطوي على عقول ونفسيات الاغلبية من شعبنا.
لم اكن انوي وليس من عادتي ان اذكر اسماء من يكتب ماذا ومتى لأن رجاحة عقول أغلب القراء تدرك المقصود من عنوان المقالات وكذلك فأن الفترة السابقة علمتنا بمقاس كل كاتب من دون حتى قراءة كل ما يكتبه ولكن لي الحق في ذكر الاب عمانوئيل يوخنا، بمثابة انه لا يمثل صفة شخصية فردية ما دام يستخدم صفة الكاهن في كتاباته، والكاهن له صفة عامة تختلف عن الفردية ومن حق العامة ان يردوا وينتقدوا لأنها تخص فردا ذي صفة تخصهم
في البداية اقولها ومن دون رياء بأنني أحترمك كأي إبن لهذه الامة وكم كنت أود ان ارى الجهود وكثرة الساعات الموجّهة للرد على ما طرحته في شؤون سياسية لها وعليها مآخذ لا تدخل ضمن المطلق ان تتضمن ترياقا لتهدئة الانفس وسببا لطمئنة القلوب ومشجّعاً للمترددين ومحفزاً لهِِممْ أبناء شعبك وهذا أضعف الايمان بالنسبة لأي" أُمثانايا "، هذا ما كنا نتوقعه بالقليل إيمانا بضمان صفتك الكهنوتية التي تجول تعمل خيرا اينما حلت وبصفتك القومية التي تضع المصالح العليا لشعبها فوق كل الاعتبارات إضافة الى صفتك الانسانية التي تقبل الآخر في العيش والاندماج في اي مجتمع انساني في ارض البسيطة وحقيقة كنت قد قرأت لك عدة مقالات منذ اكثر من سنتين وحينها تأملت خيرا بأنك ستكون سندا لشعبنا المسكين واتمنى ان تكون كذلك واسمح لي يا سيدي الفاضل ان انتقد كتاباتك في الفترة الاخيرة التي تركت لدىّ اكثر من علامة إستفهام وتعجب لأنه وكما يقال" ما هكذا تورد الابل الى المياه" لأن ما نتوقعه منك هو النقد البناء المملوء حبا ونصيحة بنكهة ملؤها الحب السرمدي ولأننا نؤمن بأن جوهر صفة الكهنوت هي فوق الغرائز الدنيوية من منطق ان رسالة المسيح الذي انت حامل لوائها لا يسعها الكون كله لأن مسيحنا الوديع دعا الى مبادئ سامية لا تعرف الحدود والاوطان والامم والدنيويات .......ثم اليس الكتاب يقول " من منكم بلا خطيئة فليبادر بالحجرة الاولى" .
وهنا لا يضرّ بأن اكرر ما تعلمناه في ايام الصبا في مدارسنا الدينية والعلمانية في ان من ابسط الشروط المطلوبة لكل جهد حقيقي هو ان نكون أمناء مع أنفسنا اولا، المثير للعجب حقا والذي إن دلّ على شىء فأنه يفضح صاحبها ويلزمه رؤية اطباء في علم النفس والبواطن هو البعض ممن يدعي الحرص على " أُمثن " !!؟ بينما حبه للغريب يفوق لأبن جلدته علما ولحد اليوم لم يسعفني الحظ ان ارى مفردة جرداء في قواميس القوميات تدعوا لكراهية أخي وابن شعبي مهما تعددت المسببات والتحججات، الحكمة تصرخ في آذاننا وتقول كفى جهلا ؟!
ما الضير بأن نجعل وسيلة الانترنيت فرصة للخدمة والتعليم ولكن بشرط التأني والتحليل وفحص الامور وبعد النظر والحكمة قبل الولوج الى عالم اللامنطق ، ومعلوم ان الكمال هو لله وحده --- فإذن ما المغزى من جعل اي خطأ او نقيصة بمثابة الشمّاعة التي نتلذذ ان نعلق عليها تخبط مؤسساتنا نتيجة تحصيل حاصل الدهاء السياسي والاستراتيجي المستهدف التي بدأت تتوضح معالمه حتى للبسطاء..؟ ثم من منا لم يسمع كيف ان المال له جاذبيته وسحره بحيث يجعل البعض يتلون كالحرباء ..!؟ اين هي البراءة عندما نغضّ النظرعن التشويش الذي يسببه الاعلام المدفوع والمستهدف !!!! واين الامانة عندما لا نأخذ الانقسام الكنسي، الطائفي، العشيري والقروي... نتيجة الثقافة التي عفى عليها الزمن كأحد اهم الاسباب لتخبطّنا ..؟ والمثير للسخرية بأن البعض يعمل جاهدا في ان لا تندمل تلك الجروح والتقيحات.
وختاما، أوجّه السؤال التالي ليس فقط للبعض من كتابنا الذين تنطبق عليهم المقولة العراقية: " دخانك عمانا وطبيخك ما جــانــا" بل لكل عراقي حُرّ: كم من طوائف وشعوب وأمم العراق وقادته الدينيين والدنيويين لم يرتكب خطأً أو إرتكب عصيانا أو إمتهن اللصوصية والخيانة أوالكذب مع سبق الاصرار والترصد او إرتهن مستقبل العراق السيادي والاقتصادي ونحن نرى بأم أعيننا كيف ان الذين جاؤا بمثابة محررين...قد حصلوا على نصف غاز العراق بأول عقد نفطي مقابل فتات..والمخفي أعظم .. وهاتي يا كيكة العراق و..و........الخ وهنا لست بوارد تبرير خطأ من كان ولكن لنفحص ذواتنا اولا ونخرج القذى من أعيننا وحينها سيبدوا الكون اكثر إشراقا والانسانية اكثر بهاءً وبذا نستحق ان نضع النقاط على الأحرف، كفى نشر غسيلنا امام الغرباء واتمنى أن لا يبلغ الحال بالبعض من الذين يزعمون الواقعية والعقلانية الى مستوى الانزلاق الى حضن الغرباء وتحقيق اهدافهم لأنه حينها لن يصلح الندم شيئا وكما حصل للفلسطينيين وياحبذا ان لا تنطبق المقولة التالية على البعض ( كُنت أحسبُ الرجل صقّلتهُ الحياة ومطباتها، وقلتُ عسى أن نذكرُ يوماً شيئاً من حسناته إن وُجدت ولكن أبى إلا أن يكون كما هو ).
وتقبلوا مني كل الحب والاحترام
سليمان يوحنــا
syohanna@bigpond.com
7/9/2008