«كرافة الدم» طقس آيزيدي للتآخي مع المسلمين
يقف ابراهيم عيدو اللاوند الرجل الستيني أمام مرآته بزيه الأبيض للتأكد من استعداده لطقس ديني مضت ثلاثون عاماً على آخر مرة مارسه فيها يُعرف لدى طائفته الآيزدية بـ"كرافة الدم".
يبدأ الطقس عندما يتخذ الآيزيدي كريفاً له أي صديق أو شريك في العمل من ديانته أو من الديانات الأخرى ومنهم المسلمين ليضع ابنه بين أحضان الشخص المختار عند إجراء عملية الختان، فتكون قطرات دم المختون التي تسقط على ثوب الغريب سبباً في إطلاق تسمية "كريف الدم" أو "الأخ بالدم" وهو تعبير رمزي عن اختلاط الدم العائلي.
وبحسب تفسيرات علم الاجتماع فإن العلاقات الإجتماعية تنقسم إلى ثلاث أنواع هي قرابة دموية وقرابة مصاهرة وقرابة طقوسية والأخيرة تجرى بين غريبين من خلال طقس ديني يجعل منهما أخوين بعد إتمامهما لمراسيمه.
ويقول الدكتور موفق ويسي أستاذ في علم الاجتماع بجامعة الموصل "تلجأ المجتمعات المغلقة الصغيرة إلى مثل هذه الطقوس لتمد جسور التواصل مع القوميات والديانات الأخرى".
ووفق الأعراف والتقاليد التي يتمسك بها أبناء الطائفة الآيزيدية تمثل "الكرافة" واجباً اجتماعياً وعرفاً وتقليداً يتفاخرون بالإلتزام به، وهي تحدد العلاقة الإنسانية والمحبة بين الطرفين، ويلتزمان بالدفاع عن بعضهما البعض والتشارك في الأحزان والأفراح.
اللاوند وهو أحد وجهاء الآيزيدية في قضاء سنجار (110 كيلومتر غرب مدينة الموصل) يستذكر موقفه مع أسرة كريفه ابراهيم محمد الشمدين الذي اختطفت عناصر مسلحة مجهولة الهوية ثمانية من أبنائه واقتادتهم إلى منطقة نائية بعيداً عن الأنظار وقتلوا كريفه إبراهيم رمياً بالرصاص.
اللاوند عمل بسرعة لاستحصال الموافقات الرسمية لنقل أفراد عائلة كريفه أو أخيه كما يحب أن يدعوه وعدد كبير من أقاربه للسكن في قضاء شيخان بكفالة منه بعد تعرضهم لتهديدات أخرى من قبل نفس الجماعات المسلحة.
لكن يبدو إن الكرافة باتت تشكل تهديداً حقيقياً إذا ما عُمل بها بين أبناء الطائفة الآيزيدية من الطبقة الواحدة لما يترتب عليها من منع المصاهرة فيما بينهم لسبعة أجيال، وهذا ما دفع المرجع الديني للطائفة في عموم العالم بابا شيخ إلى تحريم إجراء طقوسها بين الأسر من نفس الطبقة.
وتعد الديانة الآيزيدية من الديانات غير التبشيرية المغلقة وينقسم اتباعها وفقاً لمعتقداتهم إلى ثلاث طبقات دينية تعرف هي الشيخ والبير والمريد ويحرَّم على كل واحدة منها الزواج من الأخرى، فيما يُسمح لكل طبقة أن تتخذ كريفاً لها من الطبقة الأخرى.
وتشير إحصائيات غير رسمية إلى أن تعداد الآيزيدين في العراق يصل إلى "350 الف نسمة" يعيش عدد كبير منهم في قضائي سنجار وشيخان التابعين لمحافظة نينوى تحت حماية قوات البيشمركة الكردية.
وأدت سوء الأوضاع الأمنية واختلاف السياسيين في محافظة نينوى على الأراضي المُتنازع عليها بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية إلى انقطاع العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بين المسلمين والآيزيدية، مما أدى إلى تراجع نسبة أعداد ممارسي طقوس "كرافة الدم".
وشهد قضاء شيخان الحصيلة الأكبر من أعمال العنف الطائفي بين المسلمين والآيزيدين، غير أن عالمان دينيان هما المسلم ملا يونس والآيزيدي حسن المختار نجحا في تأسيس أول مجلس للتعايش السلمي والتسامح الديني عام 2008 بعضوية أحد عشر ممثلاً عن طوائف القضاء.
ويقول مازن نجل الشيخ حسن المختار أحد وجهاء الآيزيدية في القضاء إن "أعضاء المجلس أدخلوا الثقافة والتعايش السلمي من جديد في عقول الكثيرين من أبناء المنطقة خلال الندوات والاجتماعات واللقاءات التي أجروها، حتى إن بعض شباب المنطقة لقبوهم بالخالدين".
ويُلفت المختار إلى عودة ممارسة طقوس الكرافة بالمقارنة مع السنوات الخمس الماضية، لكنه لا يتوقع أن تصل إلى ما كانت عليه قبل احتلال العراق عام 2003 نتيجة انفتاح الآيزيديين على وسائل الاتصالات والإعلام المختلفة، وتأثر الشباب بثقافات جديدة تلقوها من المسلسلات والأفلام الأجنبية.
ويكشف عن تملكه عقارات في مدينة الموصل مسجّلة بأسماء كرفائه العرب المسلمين في إشارة منه إلى مدى الثقة والمحبة التي تربطه بهم.
ويتابع "مهما كانت الظروف فالعلاقات بين الآيزيديين والعرب المسلمين لن تتأثر، لكن الحواجز التي وُضعت بيننا مؤخراً تمنعنا من التواصل معهم".