كردستان.. قبلة الاستثمارات وحصن الأقليّات
المصدر: جسور تي في
ميشيل الشماعي
لقد تحوّل إقليم كردستان إلى قبلة الأنظار الاستثماريّة في المنطقة. وما هذا النّجاح إلا بسبب الاستقرار السياسي الذي يتمتّع به الاقليم منذ تسعينيّات القرن الماضي. باستثناء الأحداث التي ترافقت مع ظهور تنظيم الدّولة الاسلاميّة التي أرخت بتداعياتها على الإقليم لكنّها لم تؤثّر في ثباته سياسيًّا. أضف إلى ذلك سببًا جوهريًّا لا يمكن التغاضي عنه يكمن في الانسجام الهويّاتي حيث إنّ الهويّة المجتمعيّة للشعب الكردي هي هويّةً واحدة. تتميّز بالانتماء إلى القوميّة الكرديّة لكن الأهمّ أنّ نسيجها الاجتماعي هو واحد.
زد على ذلك، حسن تعامل إدارة الإقليم إلى حدّ كبير مع الأقليّات التي نزحت من الجنوب والوسط بسبب أعمال العنف التي نتجت عن غزو 2003 والغزو الدّاعشي الذي ارتكب مجازر عرقيّة بحقّ الأقليّات كالإيزيديّين والتركمان والكلدانيين والآشوريّين. ويلفت بعض الباحثين السياسيّين العراقيّين أمثال الدكتور جوتيار عادل الذي شغل منصب رئيس قسم العلوم السياسيّة في جامعة صلاح الدين بين عامي 2016 و 2019 أنّ قرار العفو الذي اتّخذته القيادة الكرديّة عن كلّ العراقيّين البعثيّين قد ساهم أيضًا في إحلال الوئام في الإقليم وأراح الأقليّات التي تعيش في كنفه. كذلك لا يمكن إغفال سنوات الاضطهاد التي تعرّض لها الأكراد من نظام البعث. وهذا ما يجمعهم مع تلك الأقليّات.
هيئة في خدمة الاستثمار
ولمعاينة الواقع الاستثماري في الإقليم، حاورت "جسور" الدكتور محمد شكري سعيد رئيس هیئة الاستثمار في كردستان في التشكیلة التاسعة لحكومة الإقليم والذي كشف عن تقديم "الهيئة تسهيلات كاملة للمستثمرين وقد أصدرت العام الماضي 89 رخصة استثمارية للمستثمرين وتخطط لزيادة عدد الاستثمارات بنسبة تتراوح بين 30٪ إلى 50٪.".
وبعد التحرّي عن هذه المسألة تبيّن أنّه بتوجيه من رئيس حكومة كردستان مسرور بارزاني قد اتّخذ الدكتور سعيد القرار ببناء ٢٠ ألف وحدة سكنية لذوي الدخل المحدود؛ ويشرح سعيد لجسور بأنّ هذا المشروع "يتضمّن مناطق الاقليم كلّها، في المرحلة الأولى." أمّا بخصوص المناطق المسيحية فيفيد الدكتور سعيد بأنّه سيكون "هنالك مشروع سكني بالمواصفات نفسها في مدينة عنكاوا في مدينة أربيل لبناء سبعمئة إلى ألف وحدة سكنيّة لذوي الدخل المحدود والشباب المستأجرين في هذه المدينة."
عيناكاوا حصن منيع في كردستان
وتجدر الإشارة إلى أنّ الغالبيّة الساكنة في المدينة هي من المسيحيين الكلدان من أتباع الكنيسة الكلدانيّة الكاثوليكيّة. ويقارب عددهم الثلاثين ألف نسمة. حيث إنّ ارتفاع هذا العدد نتج بعد احتلال العراق الذي حصل في العام 2003، كذلك بعد الغزو الداعشي في العام 2014 تفريغ المسيحيين وتهجيرهم من الموصل بعد سيطرة قوات داعش في يوم 10 حزيران 2014 عليها، وانسحاب الجيش العراقي منها، يوم أعلن تنظيم داعش عن الخلافة الاسلامية وتنصيب أبو بكر البغدادي كخليفة لَهُم، وتكوين دولة غير معترف بها دوليا، وبدء تطبيق الشريعة الاسلامية؛ هذان المران ساهما كثيرًا بتحوّل هذه المدينة إلى حصن أمين للمسيحيين في إربيل.
وتتميز عنكاوا بوجود العديد من الكنائس الحديثة والقديمة وبوجود مطاعم ومرافق سياحية أخرى. ولقد تحولت عنكاوا إلى مركز جذب للمهجرين المسيحيين من المناطق الساخنةوذلك للاستقرار النسبي الذي تتمتع به البلدة ولتركيبتها السكانية المتميزة حيث أن الغالبية العظمى من سكانها مسيحيون. وهي مقر كنيسة المشرق الآشورية منذ عام 2014 .
أمّا إذا ينوي الدّكتور سعيد ضمن خططه الاستثماريّة في الإقليم تعميم هذا الموضوع على مناطق أخرى غير عنكاوا، فيفيد في حديثه لجسور أنّه كرئيس هيئة الاستثمار في حكومة الاقليم "سيولي شأنًا خاصًّا للمناطق المسيحية التي سيكون لها برامج خاصّة في كردستان، وذلك تعزيزًا للحفاظ على الوجود المسيحي أكثر فأكثر في الاقليم."
وحدة جذب وبرامج واعدة
ويتابع حديثه الدكتور سعيد لجسور مفيدًا أنّه " مع تأسيس وحدة جذب الاستثمار الأجنبي في هيئة الاستثمارات لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية الى الاقليم invest kurdistan، تمّ نشر المنشورات الخاصّة إضافة إلى تأسيس موقع إلكتروني خاص بهيئة الاستثمار." ويلفت سعيد إلى أنّ هذه الخطوة قد " تضمنت بناء الخارطة الاستثماريّة ووضع خطّة لجذب الاستثمارات عبر إرسال رسائل إلى القنصليّات والممثليّات الدوليّة في إقليم كردستان للتنسيق والتعاون مع الشركات الإقليمية القريبة من العراق ومن الإقليم على السواء، وبالأخص دول الخليج العربي كالإمارات العربيّة المتحدة وقطر والمملكة العربيّة السعودية وغيرها من الدول." ويضيف الدكتور سعيد في حديثه أنّ هنالك " برامج واعدة لهذه الوحدة فيما يخصّ الإقليم والعمل جار على قدم وساق من خلال لقاءات مكثّفة مع المستثمرين الأجانب لدعوتهم إلى زيارة الإقليم واستكشاف الفرص. " فبحسب رأيه إنّ الإقليم "يتمتّع بفرص استثماريّة كثيرة وفي مختلف الميادين من الزراعة إلى الصناعة والسياحة والبنى التحتيّة." ويرى سعيد أنّ الاستثمار لا يمكن ان يتحقّق إلا بمواكبة تشريعيّة للقوانين التي تحفظ حقوق البلد اوّلاً وثمّ حقوق المستثمرين. وبرأيه هذا ما "توفّره التسهيلات التي أمّنتها القوانين في الإقليم لا سيّما القانون 4/2006 والتعليمات الخاصة به."
يبدو من ذلك كلّه، أنّ الخطّة الاستثماريّة للإقليم ستكون محطّ أنظار دول الجوار. ولعلّ هذا ما قد يزعج بعض الدّول المحيطة أيضًا. وهذا ما يفسّر بعض التحرّكات المريبة على الحدود الإيرانيّة مع الإقليم. فهل ستتمكّن حكومة الإقليم من الحفاظ على علاقات حسن الجوار مع الجمهوريّة الاسلاميّة الإيرانيّة لتتفادى أيّ خضّات أمنيّة قد تؤثّر سلبًا في خططها الاستثماريّة؟