Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

كل عام والجميع بخير بميلاد المجد

كتاب ميلاد يسوع المسيح ، وفي الترجمة اليسوعية : نسب يسوع المسيح ( متى 1: 1 ) وهو نفس العنوان الذي جاء في السبعينية بمفهوم ( كتاب الخلقة ) في سفر التكوين ( 1:1 ، 2: 4 ، 5: 1 ). اي نحن امام سفر تكوين جديد فيه خلقة روحانية للإنسان . ففي عرف البشير متى أن خلقة السماء والارض والانسان هي اصلا قائمة بالمسيح وتستمد وجودها ومعناها من المسيح ، فعند الانجيلي متى يكون المسيح ليس آخرا أو الياء بل بالاولى البداية والألف والاول لكل شيء في السماء وعلى الارض : " ففيه خلق كل شيء مما في السموات ومما في الأرض ما يرى وما لا يرى . أأصحاب عرش كانوا أم سيادة أم رئاسة أم سلطان كل شيء خلق به وله . هو قبل كل شيء وبه قوام كل شيء. ( كولوسي 1: 16 و 17 ) ، فسفر التكوين كان يخص الوجه المنظور والمادي في عمل المسيح المتسع . والآن كتاب ميلاد آخر يخص عمل المسيح الروحي في الأرض والسماء والانسان والروح والخلود والذي يبتدىء بميلاد يسوع المسيح !
يفتتح البشير متى انجيله سجل تسلسل انساب المسيح ، إذ يحدد اسم المسيح وعلاقته بداود وابراهيم يقدم لنا صفة كما تحققت فيه جميع نبوات العهد القديم كملك ومخلص معا . وبعد سرده لجدول الانساب الذي ينتهي بمريم العذراء يبدأ يأخذ واقعه كمولود من الروح القدس ومريم العذراء ليستعلن أنه ابن الله .
فنسمع اول ما نسمع عن الحمل بتدخل الله الفائق في حَمْـل سارة بقوة إعجازية ولكن عن طريق ابراهيم رجلها ، لأن سارة كان بنوع خاص فقدت القدرة على انجاب النسل وكانت اصلا عاقراً ! وهكذا نجد ان ميلاد اسحق بالنسبة للبشرية كان نوعا من تجديد لنوع الانسان بتدخل الله لإنجاب نسل على مستوى البركة ، وصنع منه ( عهدا أبديا ) " وأقيم عهدي معه، عهدا أبديا " ( تكوين 17: 19 ) .
اما في حالة العذراء ، فالتقديس حدث في الرحم بحلول روح الله القدوس ، ليصنع من العذراء القديسة حبلا إلهيا مقدسا . ونبوة إشعيا صارخة بهذا المعنى " فلذلك يؤتيكم السيد نفسه آية : ها إن ( العذراء) الصبية تحمل فتلد آبنا وتدعو آسمه عمانوئيل( الله معنا ). " ( إشعيا 7: 14 ) ، ومعنى هذا ان الله بروحه القدوس صنع له وجودا داخل الانسان ، وهذا هو معنى ( الله معنا ) . وبسبب دخول الروح القدس في عملية الحبل الإلهي والولادة يتحتم أن ترتفع حادثة ميلاد ربنا يسوع المسيح الى مستوى ( السر ) في المسيحية . وهكذا وباختصار شديد يكون بدخول الروح القدس أحشاء البتول لتكوين الحمل الإلهي في البطن المقدس ، يكون قد دخل الانسان عصر خلقته الجديدة في المسيح يسوع وعلى صورة المسيح في االبروقداسة الحق .
والامر الاكثر أهمية عندنا هو لماذا يتحتم أن يولد المسيح من عذراء ومن الروح القدس ، ذلك لأن عملية الفداء تُحتم أن المولود يكون قدوسا بلا أدنى عيب أو خطيئة ، حتى يستطيع أن يحمل خطايا البشرية كلها ويموت بها ، دون أن تكون له خطيئة واحدة وإلا يُحسب موته عن استحقاق له ، وليس باستحقاق آخرين ، كما يتطلبه معنى الفداء . فكل عملية الفداء تتوقف على أنه مات بالجسد ، اي بالبشرية ، حاملا خطاياها ليصبح موته تكميلا لعقوبة الله على آدم ونسله . إذاً فولادته من عذراء قديسة ومن الروح القدس هو مطلب لاهوتي يقوم عليه الفداء ولا يصح إلا بمقتضاه .
أن بقبول العذراء الروح القدس فيولد لها ولد على خلاف الطبيعة بدون رجل وكل ما قدمته العذراء هو كامل مشيئتها لله : ( ليكن لي كقولك ) تكون قد افتتحت العذراء أمام البشرية الولادة من الروح القدس بصورة سرية ، التي المح إليها المسيح في قوله لنيقوديموس :" الحق الحق أقول لك : ما من أحد يمكنه أن يدخل ملكوت الله إلا إذا ولد من الماء والروح " ( يوحنا 3: 5 ) ، ثم عاد المسيح وأوضح له الفارق بين الولادة من الجسد والولادة من الروح بقوله :" فمولود الجسد يكون جسدا ومولود الروح يكون روحا " (يوحنا 3: 6) .وكذلك قال المسيح :" يجب عليكم أن تولدوا من عل ( من فوق ) " (يوحنا3: 7 ) . وبهذا يكون المسيح قد ربط ميلاده من الروح القدس بالميلاد الثاني الروحي للإنسان ووضع له الوسيلة والطقس: " الماء والروح " . وهكذا أصبح سر المعمودية الذي أسسه المسيح بنفسه للكنيسة يستمد أصوله وسريته من ميلاده من الروح والعذراء مريم . حيث ( الماء ) و ( فوق ) هو بمثابة بطن العذراء القديسة حيث بسر الماء والروح القدس والدعاء بالاسم نولد من فوق من رحم السماء !
وختاما ان بتولية العذراء القديسة مريم هي دوام حلول الروح القدس ودوام قوة العلي التي ظللتها ، فهذه المنح والمواهب والقدرات لم تُمنح لأم حتى تلد ثم تُنزع منها . ويقيناً فإن أي محاولة للانحراف بدوام بتولية العذراء ينهي على مفهوم ولادة المسيح الفائقة للطبيعة ورسالته الفدائية وعمل الخلاص الذي عُمل . فقصة المسيح منذ بدايتها حتى نهايتها تقوم على قداسته المطلقة وعلى قداسة كل من اشترك في عمل المسيح :" طوبى للبطن الذي حملك، وللثديين اللذين رضعتهما " ( لوقا 11: 27 )
بهذه المناسبة السعيدة والميمونة ، عيد ميلاد يسوع المسيح ، اقدم الى الجميع اخلص التهاني والتبريكات راجيا من ربنا يسوع المسيح ان يحل الامن والسلام في عراقنا الحبيب ويمسح كل دمعة من العيون ويمنح المسرة في القلوب ، وكل عام والجميع بخير .
Opinions