كلمات في وصف تلكيف
ليست سوى زاوية فقيرة وقليلة الخيرات وتموجات أشبه ما تكون بالصحراء تخاصمها الحياة طوال العام . ليست سوى سراديب رطبة تحت البيوت وعلى امتداد الطرقات وكأنها كانت بلدة بطابقين ولم يتبقى منها سوى خرائب عفى عليها الزمن وملأها الإهمال وجحود الأبناء بكل الألوان المكروهة . ليست سوى العراق عندما يختصر ويتجمع بكل أطيافه ومذاهب أبنائه وأعراق شعوبه الملونة بلون التاريخ عندما يطول ويمتد ويكثر ويتمازج ويتزاوج مع الإنسان ليكون مدنا ضرب بها المثل وسقطت على مشارف أبوابها الأقنعة . ومن يبحث عن موعظة تراها جاهزة لتتحدث له عن الإخاء كيف يكون ومن ينوي التغرب عن صور العراق الدموية فما عليه سوى التوجه إلى النوم تحت سلامها الذي لم تشوبه شوائب الدخلاء . من فصولها لا يألف الإنسان سوى صوت الربيع وإزهارها لا تتفتح ألا بسماع رعود الشتاء والخريف من كل عمر لم يكن مسليا ألا على عتبات أبوابها حيث المتاريس على كل زقاق وخلف كل باب زقاق يسهر الجيران معا وبأصوات عالية يتناقشون ويتفاهمون ولكنهم أبدا لا يختلفون. أما الصيف فلكم يتمناه الكثيرين ليطغى على كل أيام السنة لأن النوم تحت النجوم له طعم مميز وغبار الحصاد يثير السعادة في بلدتي الصغيرة تلكيف.الأطفال فيها خبيرون وبالإحساس عن الصالح من البشر كانوا يكشفون وأمام عجوز هرمة صفوفا كانوا يقفون ليتبركوا بتقبيل صليبها الفضي وهي في الطريق إلى الكنيسة وأيا كانت الكلمات ستعجز عن وصف براءة تلك القبل ولن تعود مرة أخرى التسابيح في أيار العذراء حيث العجوز ترتل واليافعات والأطفال يكررون الوردية والقديسة شموني في طريق (( تليمثا )) ستحقق لك كل الأمنيات فقط ألصق حجرا بالجدار وتمنى المطر للحقول أمام قبة مار دانيال فمن أقصاها إلى أقصاها بلدتي كانت مسيحية حتى لو لم تسير في شوارعها اليوم مرتديات الصليب ولم ترتفع على الهامات والأكتاف القجم والمآزر حتى لو لم تطوف في أحيائها مسيرات النار فرحا وهتافا ها قد وجدنا اليوم الصليب حتى لو لم يبلل المارين بالماء فأنت لا زلت في بلدة تحتفل حتى اليوم بالتجلي ولكن بحياء أنت في رحاب أم تعلم أبنائها على الرحيل لأن طريق الرفاه فيها شاق وطويل وبدل الحسرة والفقر أبحث لنفسك يا بني عن البديل . ارحل في الدنيا حيث تشاء ولا تنسى أقاربك والأعزاء وأحمي كل المزارات من الاندثار ولا تنسى أنك سوف تعود في جمعة الموتى لتزور القبور لأن أمك بين أحضاني وأبوك خلف أسوار القبور والشموع والبخور واجب على كل من يأتي ليزور فلولا الأسلاف لما كنت اليوم تقرأ ولا تكتب ولا تتنسم الهواء أو ترى النور . تعال وتذكر الطفولة ولا تخف من صفعات الراهبات فهذه أولى خطواتك نحو الرجولة . تعال وانضم لتتعلم السريانية فهي لغة في غاية الأناقة وستحتاجها اليوم كثيرا إذا كنت ممن ينشدون اللباقة . تعال إلى بلدتك وغير كل العناوين فلم تعد مسميات أجدادك تطلق على الأحياء والدرابين.ولم تعد أمنا تلكيف مرتعا للمساكين وللمؤمنين .
هذا كل ما استطيع ان أقدمه لبلدتي المرعوبة في هذا اليوم الكئيب تلكيف واشكر الله كثيرا على لطفه وكرمه في عدم وقوع ضحايا فلو كانت العبوة انفجرت يوم أمس (( الأحد )) أو حتى في يوم دوام مدرسي لكان الوضع قد اختلف كثيرا بسبب موقع العبوة الحساس بين المدرسة وبجوار حائط الكنيسة .
هذه دعوة جادة إلى كل العراقيين إلى تبني موقف واحد حيال هذه العمليات الإرهابية التي أثبتت على قدرتها في الوصول إلى أخر معاقل الأمن والاستقرار في منطقة لم يتوقع أحدا بان تأخذ نصيبها من الخوف كما أخذته اليوم وكذلك دعوة جادة إلى كل مؤسساتنا السياسية والإعلامية والدينية إلى رفع شعار الصمت بمواجهة هذه العمليات الجبانة والاكتفاء ببث أقوال المسيح والكثير من الموسيقى الحزينة بدلا عن أي شيء أخر لأننا فعلا كعراقيون أولا في هذا الوضع المزري وكمسيحيون مجردين من كل وسائل الدفاع عن النفس نواجه أزمة حقيقية وكارثة إنسانية تعيد إلى أذهاننا قصص سميل والماضي القريب . وشكرا
عصام سليمان – تلكيف