Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

كلمة فخامة رئيس الجمهورية جلال طالباني في جلسة مجلس النواب بمناسبة إعادة انتخابه رئيساً لجمهورية العراق

12/11/2010

شبكة أخبار نركال/NNN/
ألقى فخامة رئيس الجمهورية جلال طالباني اليوم الخميس 11-11-2010، كلمة في جلسة مجلس النواب بمناسبة إعادة انتخابه رئيسا للجمهورية، سلط من خلالها الضوء على الملفات الجوهرية المتعلقة بالراهن العراقي بكل أزماته وكيفية تجاوزها وعرض لمحاور تتعلق بمستقبل العراق واستقراره، والشروع بمهام الازدهار والتطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، مؤكدا ضرورة انجاز مشروع الوحدة الوطنية الحقيقية والمصالحة الوطنية الحقيقية بغية الانطلاق في مشروع بناء الدولة العراقية الحديثة، ورسم السياسات الداخلية والخارجية للعراق، وعاهد فخامته أبناء الشعب العراقي على أن يظل في خدمة العراق ساعيا لتعزيز نظامه الديمقراطي التعددي الاتحادي وتعزيز وحدته الوطنية، وفي ما يأتي نص كلمة فخامته:

"بسم الله الرحمن الرحيم
الأخوات العزيزات والأخوة الأفاضل أعضاء مجلس النواب الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مستعيناً بالله سبحانه وتعالى ومستنداً إلى تصويت أعضاء المجلس النيابي المخولين من قبل الشعب العراقي، قبلت شاكراً الشرف الذي أوليتموني إياه بإعادة انتخابي رئيساً لجمهورية العراق.
إنني إذ أعرب لكم عن خالص امتناني وعرفاني، أدرك عظم المسؤولية التي وضعتموها على عاتقي كما اعرف حق المعرفة التطلعات والآمال التي يعلقها شعبنا العراقي الكريم على كل من يقع عليه الاختيار لإدارة دفة الحكم في بلادنا خاصة وفي هذه المرحلة الحساسة والمعقدة من تاريخها.
إنني أهنئ من صميم القلب الاخوة الذين نالوا ثقة أعضاء مجلسكم هيئة الرئاسة لتبوء منصب رئاسة المجلس والأخوين كنائبين له، ونرى إن هذه الخطوة التي طال انتظارها وضعت البداية لسلسلة إجراءات دستورية تتكلل بتشكيل حكومة الشراكة الوطنية، التي ينبغي أن تشرع فوراً في معالجة جميع الملفات الملحة التي يتوقف عليها امن شعبنا واستقرار بلادنا وتوفير الخدمات لجميع العراقيين، والشروع بمهام الازدهار والتطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
ولا بد من تسجيل الشكر والعرفان لفخامة الأخ مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان الذي كانت مبادرته التاريخية عاملا أساسياً في تذليل الخلافات وجمع الكلمة، ومن خلال هذه المبادرة وما أسفرت عنه من نتائج أثبتت القوى السياسية العراقية قدرتها على معالجة اعقد القضايا التي يواجهها بلدنا بقواها الذاتية وعلى التراب العراقي، وبرهنت أن الإرادة العراقية المستقلة تبقى دوما السائدة والقادرة على تذليل الصعاب وحل جميع المشاكل الماثلة أمام البلد.
واليوم هو يوم الانتصار، يوم انتصار الإرادة العراقية الحرة.
لقد بقينا، نحن العراقيين، نحلم طوال عقود من الزمن بانتهاء عهود الجور والاستبداد وحلول عصر الحرية والديمقراطية لكي نعمل يداً بيد في استثمار ما حبانا الله من ثروات من اجل رفاهية الشعب وتقدم البلد.
وكان سقوط النظام الدكتاتوري البغيض قد شرّع الأبواب نحو هذا الهدف العظيم، فقد أطلقت حرية التعبير عن الرأي وكثرت المنابر الإعلامية وتعددت التنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني وانتهى احتكار السلطة، وارتفعت مداخيل المواطنين ارتفاعاً ملموساً وأزيلت الحواجز التي كانت تعزلنا عن احدث منجزات الحضارة والمعرفة وتمنعنا من التواصل مع العالم، وأقمنا علاقات متينة مع مختلف البلدان والمنظمات الدولية والإقليمية.
ولكن الخروج من عتمة العبودية إلى نور الحرية اكتنفته معوقات وصعاب كثيرة كان على رأسها الموجة الإرهابية الشرسة التي كان هدفها الرئيس العودة بالبلاد القهقرى، والنفخ في نار الفتنة والاحتراب الأهلي.
وقد أثبتت الوقائع إن الحريق إذا ما اندلع فانه لا يعرف حدوداً عرقية أو دينية أو مذهبية بل إن نيرانه تنال من الوطن بكل أجزائه ومكوناته. كما لم يساهم في تعزيز الاستقرار كون الوضع الجديد في العراق لم يحظ، على الدوام، بما كان يستحقه من ترحاب ودعم من الأشقاء والجيران.
كل ذلك جعل مسيرتنا تتلكأ في بعض الأحيان، وانعكس هذا التلكؤ في تأخير تشكيل الحكومة بضعة أشهر، وما أتاح لضامري الشر ونهّازي الفرص التحرك من جديد لاستثمار ثغرات أمنية وسياسية لشل حركة البلد.
وبتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الأخ المالكي نكون قد وضعنا سداً منيعاً في وجه الإرهابيين والساعين إلى إثارة الفتن، بيد إن الاستقرار الحقيقي والأمن الدائم لن يتحقق إلا في ظل الوحدة الوطنية الحقيقية والمصالحة الوطنية الحقيقية التي تقوم على إجراء مراجعة شاملة للماضي من قبل الجميع ويكون عنوانها التسامح والغفران من دون نسيان الجرائم أو طمر الوقائع، فهذه يجب أن تبقى في سفر التاريخ درساً وموعظة وتحذيراً ومانعاً من الارتداد والنكوص.
أن المصالحة الحقيقية التي نتحدث عنها تعني أيضاً التعالي على الفئوية بكل أشكالها، الدينية والمذهبية والقومية والحزبية والعشائرية، والحيلولة دون أن تغدو وزارات وأجهزة الدولة إقطاعيات لطرف دون غيره، أو أن يجري منح المناصب وتوزيع المسؤوليات على أساس الولاء والانتماء وليس الكفاءة والخبرة والأهلية والنزاهة.
أن المصالحة بمفهومها الواسع هي شرط ومقدمة لا بد منها ليس لتحقيق الأمن فقط بل ولاستئصال الفساد وتحديث عمل أجهزة الدولة وإنهاء ترهلها وتغيير أنماط التفكير وأساليب الإدارة، بما يتماشى مع روح العصر ومتطلبات المرحلة.
ويتطلب العمل على ترتيب بيتنا الداخلي وسيادة الوئام فيه، أن نسعى لبناء الإنسان الجديد النابذ بالمطلق للعنف كوسيلة للعمل السياسي والقابل بالرأي الآخر والتداول السلمي للسلطة والرافض للأنانية وحب الاستئثار والتعالي والإقصاء، الإنسان الذي يدرك إن وجود ابن وطنه المختلف عنه دينيا أو مذهبيا أو قوميا إنما هو شرط لوجوده، وان الإناء العراقي الواحد يفقد رونقه وكيانه إذا اقتطع منه أو غاب عنه جزء منه.
وبما إننا نحيا في عالم مترابط فلا بد من السعي الحثيث لإقامة أوثق العلاقات وأطيبها مع محيطنا العربي والإسلامي وخاصة الدول الشقيقة والمجاورة، ومع سائر دول العالم، فالتعاون الثنائي والمتعدد الإطراف إقليمياً وعالميا يجب ان يصبح سبيلا نحو الاستقرار والإغناء المتبادل اقتصاديا وثقافيا ووسيلة لتطويع احدث منجزات المعرفة البشرية والتكنولوجيا لصالح التنمية في بلادنا، وهذه المنجزات كلها ينبغي أن توظف لغرض تنويع اقتصاد بلادنا وتحقيق نهضة عمرانية وإحراز تقدم سريع في مجالات التربية والثقافة والعلوم والفنون.
أن مفهوم الشراكة في الحكم لا ينبغي أن يكون محصورا في توزيع المناصب والصلاحيات وتحديد آليات اتخاذ القرار، بل لابد أن ينطلق من فكرة الشراكة في الوطن وهي المرتكز والأساس الذي يتوجب أن يقوم عليه بنيان الدولة العراقية الحديثة، المستندة إلى هوية وطنية جامعة لأبناء القوميات والأديان والمذاهب من دون إلغاء الخصائص الذاتية لكل منهم، دولة المساواة بين المواطنين ليس عبر نصوص دستورية فقط بل من خلال الممارسة العملية والواقع الفعلي، وينبغي أن يكون الأساس الثابت في عمل كل مفاصل الدولة متمثلا في تكافؤ الفرص والندية وضمان الحق في العمل والضمان الاجتماعي والصحي.
أيتها الأخوات أيها الأخوة أعضاء مجلس النواب الموقر.
أن تصدينا للمسؤولية في المرحلة المعقدة الراهنة يقتضي أن تكون أيدينا دائما على نبض شعبنا الذي هو مصدر السلطات وشرعيتها، وان نكون آذاننا صاغية لصوت الناس ومطالبهم المشروعة، واضعين المصالح العامة فوق وقبل كل المصالح الفئوية والشخصية.
ولم يعد مقبولا أن بلدا وهبه الخالق هذه الفيض من نعماته يظل فيه من أبنائه من يعاني من الفقر والبطالة وتردي الخدمات.
أن هذه الثروات الطبيعية التي حبانا بها الله تعالى والإرث الحضاري والتأريخي العظيم المتراكم في وادي الرافدين والقدرات البشرية التي يزخر بها العراق، ينبغي ان تسخر جميعها للارتقاء ببلادنا عبر مشروع نهضوي نتكاتف جميعا لإنجاحه.
وإنني إذ اكرر لكم الشكر والعرفان، لأعاهدكم على أن أظل وفيا للمبادئ التي ناضلنا من اجلها عشرات السنين وثبتناها في دستورنا بعد أن ترسخت في ضمائرنا.
أن الموقع الذي أوكلتموه إليّ أمانة في عنقي أتفهم عظم مسؤولياتها، وأن التزامي إمام الشعب وإمامكم دين عليّ لن أحيد عن الوفاء به.
وأعاهدكم إنني سأبقى خادما لشعب العراق ساعيا لتعزيز نظامه الديمقراطي التعددي الاتحادي وتعزيز وحدته الوطنية، سائلاً الله تعالى أن يسدد خطانا نحو تحقيق ما يصبو إليه شعبنا من أمان واستقرار ورفاه انه سميع مجيب.
وإنني أتعهد بأن اعهد وفق المادة (76) من الدستور الفقرة (ب) برئاسة الوزارة الى مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا وهي كتلة التحالف الوطني وبالتالي سأكلف الأخ العزيز والقدير الدكتور نوري المالكي بتشكيل الوزارة الجديدة.
أجدد لكم الشكر جميعا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته"

المركز الصحفي لرئاسة جمهورية العراق. Opinions