كلمة فخامة رئيس الجمهورية في الاحتفالية التي اقيمت بمناسبة الذكرى الخامسة والخمسين لتاسيس حزب الدعوة الاسلامية
19/02/2011شبكة أخبار نركال/NNN/
ألقى فخامة رئيس الجمهورية جلال طالباني كلمة في الاحتفالية التي أقيمت في الذكرى الخامسة و الخمسين لتاسيس حزب الدعوة الاسلامية، والتي حضرها أمين عام حزب الدعوة الاسلامية دولة رئيس الوزراء نوري المالكي ورئيس مجلس النواب اسامة النجيفي وعدد من الوزراء وأعضاء مجلس النواب، وفي ما يلي نص الكلمة:
"بسم الله الرحمن الرحيم
سيادة رئيس المجلس النيابي الاستاذ اسامة النجيفي المحترم
الاخ العزيز الاستاذ نوري المالكي المحترم
رفاقَ الدرب والكفاح، اعضاءَ حزب الدعوة الاسلامية المجاهدين
الاخوات والاخوة الحضور الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الاحتفال بالذكرى الخامسة والخمسين لتاسيس حزب الدعوة الاسلامية، مناسبة لاستحضار تاريخ مجيد من الكفاح العنيد ضد الطغاة الجائرين، والنضال من اجل حرية الشعب العراقي وسعادة ابنائه. انها مناسبة لاستعادة صفحات التضحية والفداء التي سجلها بُناة هذا الحزب ومناضلوه، وفي الطليعة منهم الشهيد الخالد الشهيد السعيد اية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) واخته العَلَوية بنت الهدى.
لقد اقتفى الشهيد الصدر خطى جده الحسين (عليه السلام) الذي تصدى للطغيان ورفع راية الحق في وجه الظالم وسيفه، فكان الحق امضى وظلت رايته هي الخفاقة دوماً.
وعلى هذا الدرب مشى اعضاء حزب الدعوة طوال اكثر من نصف قرن متكاتفين مع سائر اخوتهم العراقيين المناضلين ضد الاستبداد والدكتاتورية والطامحين الى عراق العدل والديمقراطية والاخاء والمساواة، عراق الحريات والتعددية، عراق البناء والحداثة.
ان التضحيات الجسام التي قدمها حزبكم المجاهد وسائر المناضلين العراقيين، في غياهب السجون، وفي زنازين الاعدام، وعبر مرارات المنافي هي ثمن دفعناه معاً قرباناً لتحرر شعبنا من نير الجور السياسي والاضطهاد الاجتماعي والحيف الديني والمذهبي والقومي.
لقد صار ذلك الارث الكفاحي المجيد الذخيرة التي حملها حزب الدعوة الاسلامية ومعه سائر الاحزاب والقوى الوطنية العراقية ليدخلوا معتركاً جديداً واجهوا فيه تحديات الحكم في ظل الديمقراطية الوليدة، وهي تحديات اكتشفنا عند مواجهتنا لها انها لم تكن اهون، بل قد اقول اشد صعوبة وتعقيداً، من اهوال ومشقات المجابهة مع الطاغية ونظامه.
فلقد ترتب علينا ان نتفق على الدستور الدائم بوصفه الميثاق الوطني والقاعدة الاساس للصرح الديمقراطي والمرجعية التي نحتكم اليها رغم تحفظات على بعض بنوده واختلافات في تفسيرات اخرى. وكان الاستفتاء على الدستور والانتخابات التي سبقته وتلته الممارسات الديمقراطية الاولى لشعبنا والاختبار الصعب لاحزابنا التي صار عليها ان تقنع الجماهير باهليتها لادارة عملية بناء العراق الجديد.
وكان علينا ان نمارس الديمقراطية ونحن نواجه موجة ارهابية عاتية مسنودة من قوى مناوئة للعراق الجديد، وفي اجواء توتر طائفي حاولت تلك القوى تغذيته واذكاءه والدفع بالبلد نحو حرب اهلية.
بيد ان حزب الدعوة الاسلامية وسائر الاحزاب والقوى المشاركة في العملية السياسية والمساندة لها تمكنت من تجاوز تلك المحنة واخماد بؤر الفتن ومنع الاحتراب الاهلي، وتحقيق مستوى معقول من الامن والاستقرار وقد تم ذلك في ظل الحكومة التي قادها الاخ العزيز نوري المالكي الذي اعيد تكليفه بعد الانتخابات الاخيرة لترؤس حكومة شراكة وطنية تواجه جملة من المهام والتحديات الصعبة التي تتطلب معالجتها تشخيصاً صائباً ومكاشفة صريحة.
ايتها الاخوات ايها الاخوة
ان سقوط نظام الطغيان والشروع في بناء الديمقراطية لا يعني تحقق كامل الاهداف السامية التي كافحنا معنا في سبيلها وضحّى دونها خيرة قادة وشباب حزب الدعوة والاحزاب الاخرى بارواحهم وممتلكاتهم. ولابد لنا اليوم ان نستحضر روح التضحية التي عرفت بها قوانا الوطنية، وان لا تنسينا مشاغل الحكم واجبنا الاساسي تجاه الشعب المطالِب بالخدمات اللائقة بالانسان وبمستوى معيشي مكافئ لما تدره ثروات بلادنا من مداخيل، وبالامن والاستقرار.
ان الانتفاضات الشعبية التي تمر بها المنطقة رفعت الكثير من الشعارات التي ناضلنا من أجلها، نحن العراقيين، وناضلنا تحت لوائها عقوداً طويلة وحققنا جزءاً مهماً منها. انها انتفاضات الشعوب التائقة الى ان تكون مقررة مصيرها وصانعة حياتها.
ولقد كانت بلادنا سباقة ورائدة وقطعت شوطاً كبيراً على طريق الديمقراطية ولكن ذلك لا يعني ايضا انه لم يبق ما يبرر التظاهرات السلمية والاحتجاجات التي يشهدها بعض محافظات ومناطق بلادنا.
لا شك ان القوى الطامحة للعودة بالعراق الى الماضي او ارباك وزعزعة الاوضاع فيه قد تحاول ركوب موجة الاحتجاجات والانزلاق بها نحو العنف المرفوض الذي لا مبرر له على الاطلاق.
لكن هذا الواقع لا يجب ان يغدو ذريعة للتغاضي عن المطالب المشروعة او انكار حق المواطنين في التظاهر السلمي والقانوني والاحتجاج وهو حق يكفله الدستور.
ومن واجبنا، نحن الذين نتحمل المسؤولية، ان نحرص على ان لا يكون هناك اي انفصال او قطيعة بين السلطة والمجتمع، علينا ان نصغي الى صوت الشعب الذي هو مصدر السلطات وان نتعامل بسرعة مع مطالبه بوضع خطط لمعالجة سريعة للاوضاع الخدمية والاقتصادية والامنية، وان نشن حرباً مفتوحة ضارية ضد الفساد الذي صار عقبة حقيقية تعيق تطور البلد وتعرقل مسيرته نحو البناء الديمقراطي.
ان الديمقراطية ليست مجرد قسائم توضع في صناديق الاقتراع، بل انها الضامن الفعلي لحقوق الاقليات، السياسية والقومية والدينية، والكفيل بممارسة الحريات التي نصت عليها لائحة حقوق الانسان، وهي حريات متكاملة لا تتجزأ، انها حرية التنافس المتكافئ في السياسة والاقتصاد وفي الحصول على المناصب والوظائف بصرف النظر عن الانتماء القومي او الديني او المذهبي.
ان منطقتنا، ايتها الاخوات والاخوة، تشهد تحولات متسارعة تقتضي من صناع القرار الانتباه الى حركة التاريخ والاحساس بنبض الشارع واحتياجات الشعوب وادراك اهمية وضرورة اشراك الاجيال الصاعدة في صناعة القرار وادارة دفة الحكم في ظل جو من الديمقراطية التعددية الضامنة للتداول السلمي للسلطة. وان هذه القضايا والمهمات الملحة ستكون، بكل تاكيد، موضع تدارس ومناقشة في القمة العربية التي نستعد لاستضافتها في بغداد والتي سوف تصبح تكريسا للتكامل والتعاون بين العراق الجديد والدول العربية الشقيقة.
الحضور الكرام
قبل خمسة وخمسين عاماً رفع المؤسسون الاوائل لحزب الدعوة الاسلامية راية الانتصار للمظلومين واعلاء الحق وارساء صرح العدل والتكافؤ، وظل اعضاء الحزب ومناصروه اوفياء لهذه الغايات السامية رغم حملة الابادة التي شنها ضدهم نظام الاستبداد. واستمراراً لتلك المسيرة المجيدة يعمل الحزب اليوم في اطار حكومة الوحدة الوطنية للتخلص من بقايا الارث الثقيل للماضي الدكتاتوري والتطهر من الشوائب التي تعيق مسيرتنا الراهنة ومعالجة مواطن الخلل، خدمةً لشعبنا الصابر المعطاء وترسيخاً لمكاسب الديمقراطية.
انني اذ اهنئ حزب الدعوة الاسلامية المجاهد وجميع اعضائه ومناصريه بالذكرى الخامسة والخمسين لتأسيس الحزب اتمنى لهم جميعاً مزيداً من العطاء للارتقاء ببلادنا نحو الذرى التي تاق اليها وكافح في سبيلها الدعاة، سائلاً الله تعالى ان يسدد خطانا جميعاً لخدمة العراق الحبيب واهله الكرام.
اننا نقف معكم اجلالا لشهدائكم الاماجد متمنين لحزب الدعوة الحليف مزيدا من الانتصارات والامجاد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
المركز الصحفي لرئاسة جمهورية العراق.