كنائس العراق في الموصل تجذب المسيحي والمسلم للتبرك والاستشفاء ، مسيحيات ومسلمات يبحثن عن الحب في شجرة (الشيخ متي)
13/09/2008شبكة اخبار نركال/NNN/
الموصل _كلشان البياتي/
دير مار متى ، صرح ايماني وتاريخي كبير ، يعد من اقدم الاماكن التاريخية والاثارية في العراق ومن المزارات المقدسة للمسيحيين وكذلك للطوائف الاخرى ، الدير الذي يقع على مسافة 35كم شمال شرق مدينة الموصل (نينوى) ، هو اقدم دير مسيحي بلا منازع، ويعد من المزارات الدينية المقدسة العائدة ملكيته للسريان الارثوذكس، وهو ايضا من محاسن شمال العراق موقعا ومكانةً ومناخا وقدسيةً وجمالا، ومن اكثر الاديرة المسيحية شهرةً ومكانةً وصيتاً بعراقته وقدمه وكرامته ، ويرتاده الناس جميعا المسلمون والمسيحيون على حد سواء وغيرهم من الملل للتبرك والاستشفاء.
يقع 2100 قدم ارتفاعه عن مستوى سطح البحر ، الصاعد عليه سيرا على الاقدام يتسلق الجبل بين مرتفعين، الطريق مرصوف بالحجارة ، اثنين وثلاثون استدارة يمنة ويسرى تقدر بكيلو متر تقريبا، هذا الطريق يطلق عليه تسمية (طبكي) وهي كلمة سريانية من (طبويو) او( طيبوتو) ومعناها المرتقى او الصعود علوا او ارتقاء ً. هذا هو الطريق الى الدير تسلقا او مشيا . ارتفاع قاس وعمودي ، ويبدو الدير كطفل يغفو على صدر عملاق خرافي تشعر بدفء العلاقة بينهما .
اما الطريق الاخر الذي شق في الثمانينات من القرن الماضي فهو مخصص للسيارات ويقع شمال الطريق الاول وهو يتلوى كالافعوان يمينا ويسارا ، التواءات حادة وقوية تجعلك تضع قلبك في (ثلاجة) ويكون نظرك الى الامام دائما حيث بناية الدير الشامخة ، فالالتفات الى الخلف تجعلك ترى الهوة السحيقة التي تنتهي بواد ٍ سحيق يشعرك وكان حيوان خرافي جائع قد فتح فاه بانتظار فريسة تأتيه على غير موعد، وكثرة التدقيق في ارض هذا الوادي تجعلك قريبا من الشعور بان تكون عددا صغيرا يختفي في جوف هذا الحيوان.
الدير من الداخل
بوابة الدير عالية تزينها قطعة من حجر الحلانّ منقوش عليها عبارة( دير مار متى للسريان الارثوذكس) بالعربية والسريانية هذه البوابة تعلوها المجرسة التي صممت على شكل قبة صغيرة لا تختلف عن غطاء الراس الذي يستعمله المطارنة السريان، يقودك الدرج الى جوف الدير.
يا دير متى سقت اطلالك الديم وانهل فيك على سكانك الدهم
فما شفى غلتي ماء على ظما كما شفى حرّ قلبي ماؤك الشيم
هذان البيتان من الشعر وجدا مكتوبين على حائط دهليز في دير( مار متى) لا يعرف من هو صاحبه ، فقد اصابها ما اصاب الدير من ويلات ونكبات خلال تاريخه الطويل الذي يمتد الى اكثر من 1600 سنة .
كاتب هذين البيتين قد بهرته طريقة بناء الدير ومعيشة الرهبان فوجد بان هذه الطريقة التي من خلالها يستطيع ان يعبر عن عظمة الكهوف والقلايات التي حفرتها انامل وازاميل هؤلاء النساك .
الربان ادي خضر ابلحد القس (النعماني) ذاكرة الدير يقول ان (دير مار متى اسس في القرن الرابع الميلادي من قبل الناسك (متى) وعين اول رئيس عليه، وانضوى اليه بضعة الالاف من الرهبان والمتوحدين في منطقة نينوى وغيرها من بلاد العراق وفارس).
تاريخ الرهبنة في الشرق
ويقول في خضم حديثه عن تاريخ الرهبنة في الشرق (لم يكن للرهبنة ذكر شائع قبل اواخر المئة الثالث للميلاد ، انما من رغب العزلة والانفراد خرج من المدينة او القرية وانتقى له كوخا او كهفا لجا اليه وانقطع فيه زهدا وتعبدا وقد غلب عليه اسم (المنسك) وصاحبه الناسك، وما ان جاء القديس العظيم (مار اوجين انطونيوس) سنة 251 الى سنة 356 حاملا لواء الرهبانية في الشرق والملقب (ابي الرهبان) او (كوكب البرية) ، فنظم شؤون الرهبنة واقام لها الاديرة وجمع شتات الرهبان خلال صوامعها ، وقد عاصره الانبا باخوليوس المتوفي سنة 348م والانبا بولا ومقاريوس وهيلاريوس الكبير سنة333م تلميذ مار انطونيوس وهو مؤسس رهبنة فلسطين وباسيليوس مؤسس رهبنة الاناضول سنة 360م وهكذا القديس الجليل مار اوجين ناشر الرهبانية في بلاد السريان ومعه لفيف من تلامذته وانتشرت بسرعة وازدهرت ازدهارا بينا حتى كاد رجالاتها يرُبون عن الاحصاء عدا.
اما في العراق فلم يكن لها ذكر بعد ، حتى بعد قدوم القديس الشهير مار متى وترحاله عن بلاده ، فجعل اول مؤسسه رهبانية في جيله وزمنه، في حين لم يكن ثمة معهد رهباني في سائر تلك الجهات ولا يوجد من يعرف بهذا الاسم .اذن يكون القديس (مار متى) الزعيم الاكبر والقائد الاعلى للرهبانية السريانية في العراق ما بين سنتي 361-363م).
ويضيف : منذ الزمن الغابر، العراق هو العراق، وطن الامجاد والبطولات ومنبع الخيرات وموطن الحضارات وقلعة الصمود في وجه التحديات، ومعقل الرجال العظام، ومصدر الخير والعطاء والسلام ومركز الامن والوئام وارض خصيبة مزدانة بالعلم والعرفان وفردوس جميل زاه ٍ بعبق واريج التقى والفضائل والايمان ، وميدان لكثير من الشعوب والاديان ومن بين هؤلاء هم الاراميون السريان.
واشار الى ان السريان الاراميون يرتقي عهدهم الى ما قبل الميلاد بالفي سنة ، وقد كانوا اصحاب حضارة راقية وذو تاريخ عريق مجيد موغل في القدم وكيان حصين ومجد ضارب وادب رفيع شامخ حتى بزّ قرنهم كل الاصقاع وذاعت لهم شهرة مستفيضة ، واصبحت لهم منزلة مرموقة عبر التاريخ الحافل بجلائل الاعمال وعظائم الامور والاحوال فابدعوا وبنوا وابتكروا وقدموا خدمات جليلة للمجتمع والانسانية في كل الميادين الروحية والمدنية والعمرانية كافة وللسريان الارثوذكس والسريان عامة في العراق امجادا ً تاريخية خالدة واثارا قديمة ثابتة عريقة العهد وتحتوي على معالم دينية وروحية عملاقة اكدت عظمتها الاجيال السحيقة.
وبالاضافة الى كون دير الشيخ متي كما يسميه المسلمون واهل الموصل تحديداً، مزارا للتبرك والاستشفاء، الا ان له منزلة خاصة في قلوب الشابات مسلمات ومسيحيات اللواتي يتوافدن عليهن خلال فصل الربيع.. يرتقين السلالم الحادة للوصول الى الشجرة المقابلة للدير، يربطن فيها مناديلهن الملونة، من اجل الزواج بحبيب القلب، وينذرن للشيخ ومريم العذراء.. فعلى مدى قرون توطدت العلاقات بين المسيحيين والمسلمين العراقيين وجمعهم المعبر المشترك ولم يحدث بينهم ما يعكر صفو هذه العلاقة برغم تعدد الاطراف التي حاولت زرع الفتنة بينهم لكنها لم تحصد سوى الخيبة.