كهرمانة والأربعين وزير!
وأنت تتابع جلسة البرلمان التي أعلن فيها برنامج الحكومة، وجرى التصويت على منحها الثقة، تعود بك الذاكرة الى المؤتمرات الصحفية لزعماء الكتل المتنفذة، بعد انفضاض كل جولة محادثات تجمعهم، والى وجوههم البشوشة وهم يزفون بشرى اتفاقاتهم. كانوا يحاولون نقل صورة متفائلة عن انتهاء أزمة تشكيل الحكومة، التي امتدت الى ما يقارب العشرة أشهر، ساعين بذلك الى تبديد قلق المواطنين وخشيتهم من عمق الأزمة وتداعياتها، ليس فقط على العملية السياسية الجارية، وإنما على أمن المواطن وسلامته كذلك. وقد لاحظنا قدرة الإرهابيين على الاستفادة من الأزمة، لتنفيذ جرائمهم الشريرة بحق المواطنين العزل، في أماكن العمل والسكن والعبادة.حين يستحضر المواطن الحملات الانتخابية، يتذكر ما رافقها من تصعيد في الخطاب الإعلامي من جانب، ومن اتفاق المتنافسين من جانب آخر على جملة قضايا، بينها استهجان نهج المحاصصة الطائفية ونبذه، وتكريس المشروع الوطني، وبناء دولة المؤسسات والقانون، وتأكيد الهوية الوطنية، واعتماد معايير الكفاءة والخبرة والنزاهة في توزيع المهام، وهي مهام لخدمة المواطن وتعمير البلد، وليس لتعزيز النفوذ والهيمنة و الامتيازات. وحين يستحضر المرء القضايا العديدة التي اختلفوا بصددها، ومن بينها قضية الاجتثاث، والخطوط الحمر التي وضعوها تجاه بعضهم البعض، يدرك دوافع تحولها الى خطوط خضراء، متجهة نحو ارفع المواقع الرسمية.
وثمة الخلافات التي نشأت بعد إعلان نتائج الانتخابات، والتصريحات المتقابلة بادعاء الأحقية، وانتقال البعض الى هذه الجهة او تلك، حسب تصوره المتغير في شأن من ستؤول اليه الأحقية! حين تستحضر الذاكرة ذلك كله وهي تتابع مشهد الابتسامات التي رافقت الكلمات الحماسية المفعمة بالأمل (!) يتبادر الى الذهن سؤال مفاده: "لماذا إذن كل تلك المعارك التي خيضت باسم الوطن والمواطن، لغاية هذه اللحظة؟ لماذا .. إذا كانت حصيلة الصراعات بين القوى المتنفذة، ستكون محور جلسات في غرفها الخاصة، يتم فيها اقتسام المناصب ليس الا، وهو ما صوت عليه البرلمان وأجازه، رغم تغييب تمثيل المرأة في التشكيلة الوزارية الجديدة منذ إعلانها.
يبدو ان فهم حل الأزمة عند البعض يكمن في توزيع كعكة السلطة بين المتنفذين، وتقسيم المناصب محاصصة بينهم، واقتسام مركز القرار بصوت هامس، لا يراد له ان يسمع! لكنه معلوم مسموع في الواقع، وهو صوت المحاصصة الطائفية التي تبدأ من الوزير، ولا احد يعلم أين حدود نهايتها!
لا يبدو ان الزعماء، وهم يقتسمون المناصب والمواقع والكراسي، وجدوا متسعا من الوقت لبحث أولويات المواطن، الذي يعاني من تردي الخدمات وتراجعها، ويرزح تحت وطأة البطالة وتبعاتها، ويئن من شظف العيش وقسوته. او للبحث في كيفية حفظ كرامة العراق وقطع دابر التدخلات الدولية، ودرء امتدادات دول الجوار في داخله. او للتداول بشأن إعادة بناء مؤسسات البلاد على أسس الكفاءة والنزاهة والمواطنة.
ان الاتفاق على توزيع المناصب على وفق منهج إعادة إنتاج المحاصصة، يعني إبقاء الأزمة مفتوحة. وستكون عواقب ذلك وخيمة على مختلف الصعد، وليس فقط على بناء نظام سياسي ديمقراطي وترصينه. وعلامة ذلك الفارقة هي عدم إشراك المرأة في الحكومة الجديدة، بما يتلاءم مع مكانتها وإمكانياتها وقدرتها على تحمل المسؤوليات الوطنية والرسمية.
كل هذا سيلقي بظلاله على كتل المتنفذين ذاتها أيضا، والتي ستشهد انقسامات أكيدة بين راغب بمنصب لم يؤمّن له، وآخر غير راض بـ "عدالة التوزيع" المعلنة. علما ان هناك كثيرين يعتقدون أنها ليست أزمة تشكيل الحكومة، وإنما هي أزمة نظام حكم يعيد إنتاج نفسه عبر التشبث بالمحاصصة الطائفية!