Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

!كي لا تتحول الشراكة الجنسية إلى كراهية متبادلة !!! في سيكولوجيا فهم الجنس على خلفية مقال البديري

" أعظم امرأة هي التي تعلمنا كيف نحب ونحن نكره,وكيف نضحك ونحن نبكي, وكيف نصبر ونحن نتعذب "
سقراط
لم يجري الحديث عن الجنس والعلاقات الجنسية كما هو حال الحديث عن السياسة في الصحافة اليومية نظرا لتابويته القاسية من جهة والجهل في ماهيته من جهة أخرى, علما أن وراء السياسة والتحليلات السياسية والفضائح السياسية يكمن الكثير من تأثيرات الدوافع الجنسية, ولذلك تثير الكتابة عنه حتى وأن اتخذ منه مدخلا لإثارة قضية أوسع بكثير من محدودية العامل الجنسي المباشر زوبعة من الردود تتجاوز أضعاف الردود والتعليقات عن ما يكتب في السياسة,ناهيك عن أن الكثير مما حصل من انجازات في الفن والعلم والفلسفة كانت رموزه المبدعة ذات حياة "جنسية خاصة" ومتأثرة بالدافع الجنسي,فكيف والحال هذه إذا كتب عن هذا الموضوع أو التنويه بأهميته به من قبل كاتبة امرأة في مجتمع يعاني الأمرين في الحديث عن الخاص المشروع !!!.
لقد أثار لديه المقال الذي كتبته الكاتبة السعودية نادين البديري والموسوم " أنا وأزواجي الأربعة " الرغبة والتأمل في المحتوى والدوافع التي تكمن وراءه وبهذه الجرأة غير المعهودة التي فاقت جرأة نوال السعداوي وغيرها في مجتمعنا المغلق, قد يصح تسميته مناورة ذكية لرفع سقف مطاليب العدالة والمساواة للمرأة من خلال دغدغة عواطف الرجال المفرطة,مما حدي بالبعض منهم من خلال تعقيباته على مقالها أن يكون زوجها الرابع أو من مقبلي أياديها " كما هي العادة في بعض الدول الأوربية وخاصة الشرقية "والتي لازالت هذه العادة مقتصرة لدينا على تقبيل أيادي كبار السن من الذكور وأحيانا من الإناث في المناسبات الدينية وغيرها !!!, كما دفع بعض المتفلسفين ودون فهم لدوافع المقال بتقديم النصائح لها بعدم الزواج من أربعة لأنه يسبب أمراضا وعدم معرفة للأب الحقيقي للطفل القادم !!, كما نسي البعض الأخر أن البديري ليست من بائعات الهوى كما يحلو له في مخيلته أن يراها, أنها صاحبة مطالب...اختارت اللحظة والشعار المناسب لخلق حالة استنفار في التعبئة لقضية المرأة ومطالبيها العادلة, وقد وفقت في ذلك كثيرا وهذا ما عكسته الردود الصالحة حول المقال !!!!.
قد يثير استغراب القارئ استخدامي لمفهوم " الشراكة الجنسية " وكأن العلاقة الإنسانية بالمرأة محصورة فقط بالعملية الجنسية المباشرة والتي نفسرها عادة " بالتقاء جسدين ", إلا إنني اعني هنا بالحياة الجنسية كاملة, حيث تقرر الكثير من مستقبل الشراكة في المفهوم الواسع وهي مدخلا لازما لهذه الشراكة, وعلى خلفية ذلك أيضا تأتي الأهمية التربوية والنفسية لفهم الجنس والشريك الجنسي إن كانت عشيقة, أو زوجة أو أي شكل أخر من أشكال الشراكة الجنسية المؤطرة بظروف الثقافة السائدة هنا وهناك, وقد نستبعد هنا حالات الاتفاق الجنسي الآنية أو المؤقتة التي تعكسها حالات "بائعات الهوى" أو" بائعي الهوى" أو حالات " الحب قصير الأمد " والناشئة على خلفية الإشباع المؤقت للدافع الجنسي التي تقررها حالات الكبت وغياب البدائل,وقد نعارض هذا النمط من الإشباع الغريزي, إلا انه لا يخلو من بعض المظاهر الايجابية على ممارسيه عند تناوله من الناحية المجردة فقط !!!!.

وننطلق هنا استنادا إلى أهمية الناحية الجنسية في حياة الإنسان كما رأتها الفلسفات والأديان والعلوم "بغض النظر عن الحلول المطروحة لها", فهي ناحية مهمة من نواحي الحياة الإنسانية, وهي حاجة ملحة ودائمة تتشكل مبكرا في حياة الإنسان وتستمر دون توقف أو إشباع,وأن السعي إلى إرضائها لا يمثل كونها حاجة بيولوجية تضمن البقاء فحسب,وإنما تمثل حاجة نفسية تخدم أغراض المتعة والاستئناس وتكون الحوافز المهمة في الحياة الإنسانية,بل أن هذه الأغراض الأخيرة سبقت من الناحية التاريخية اكتشاف الجنس كمصدر للإخصاب والتكاثر.وأن أهمية الحاجة الجنسية بما في ذلك السعي لإرضائها وطمأنتها له اثر كبير في عملية نمو الشخصية وتكاملها وعلى مقومات الحياة النفسية وعلى مظاهر الحياة السلوكية وعلى الطريقة التي يتفاعل فيها الفرد مع محيطه ومع الحياة بشكل عام, وقد يبدو لبعض الناس وكأن الجنس في حياتهم لا يمثل إلا كونه طاقة غريزية محددة بالرغبة والإرضاء البيولوجي, إلا إن البحث الدقيق في حياتهم لابد أن يظهر بعض نواحي العلاقة بين الجنس وبين حياتهم النفسية والسلوكية, وعلى ذلك فانه يتعذر على احد أن يجزم بخلو حياته النفسية من العوامل الجنسية مهما بدا وكأنه مجرد عن تأثيرها.
أن الحاجة الجنسية لدى الإنسان إلى جانب حاجات أولية أخرى لم تتغير في جوهرها عن دونه في سلم التطور البيولوجي, إلا أن رقي الإنسان ومكانته واكتسابه التفكير المقترن في اللغة ونشأة الثقافة وما ارتبط بذلك من منظومة قيمية وما أفرزته من ضوابط ومحددات للسلوك هو الذي غير في كيفية إشباع الحاجات وعملية التحكم بها وتقرير مكان وزمان ودرجة التكرار في عملية الأشياع, وبهذا أضفي بعدا إنسانيا تهذيبيا على تلك الغرائز, ولابد من الإشارة هنا إلى أن جميع الغرائز أو الحاجات الأولية والثانوية تعود أصلا إلى غريزتين أساسيتين هما: غريزة حفظ الذات وحفظ النوع, أو غريزة البقاء والغريزة الجنسية.ويقول فيلهلم رايش في كتابه " المادية الجدلية والتحليل النفسي ":"كان فرويد يفرق من بين الدوافع مجموعتين نفسانيتين رئيسيتين,غير قابلتين للتجزؤ أبعد من ذلك, وهما دافع البقاء والدافع الجنسي, استنادا إلى التفريق الشعبي ما بين الجوع والحب.وجميع الدوافع الأخرى, حب السيطرة,الطموح,الشره للربح إلى أخره,يعتبرهما فرويد تكوينات ثانوية,تفرعات لهاتين الحاجتين الرئيسيتين. وبالنسبة لسيكولوجي المجتمع سيكون لنظرية فرويد, بأن الدافع الجنسي يظهر في البدء استنادا إلى الدافع للغذاء, أهمية كبيرة,فيما لو أمكن إيجاد صلة مع مقولة لماركس,بأن الحاجة الغذائية تمثل في الواقع الاجتماعي أيضا أرضية الوظائف الجنسية للمجتمع.ويضيف أيضا:" لقد تمكن الفكر الاقتصادي الجنسي أن يتابع سيره بضع خطوات في مسألة علاقة الحاجة الغذائية بالحاجة الجنسية,فالحاجة الغذائية توافق هبوطا في التوتر أو في الطاقة,لذلك لا يجري إرضائها إلا بإدخال الطاقة,بينما الحاجة الجنسية يجري أرضائها بإخراج الطاقة أو تصريفها.هذا ما يفسر أن الجوع قد يشارك أو يشارك فقط بصورة غير مباشرة في بناء الجهاز النفسي,بينما الطاقة الجنسية هي القوة البناءة أصلا,الايجابية,الإنتاجية لما هو نفسي ". ويقول كذلك:"والواقع الاجتماعي يؤثر على الدوافع البدائية مقيدا ومعدلا ومشجعا دون توقف.إذ ذاك يتخذ الدافعان الأساسيان مسلكين مختلفين . فالجوع أكثر عنادا وصرامة, وأشد إلحاحا على الإرضاء الفوري من الدافع الجنسي. ولا يمكن كبت الجوع في حال من الأحوال مثل الدافع الجنسي. أما الدافع الجنسي فهو قابل للتعديل ومطواع وقابل للتصعيد,ويمكن عكس ميوله الجزئية إلى ضدها,لكن دون إمكان التنازل التام عن الإرضاء.والطاقة التي تصرف في سبيل المنجزات الاجتماعية,وكذلك المنجزات التي ترضي الدافع الغذائي,تنحدر من اللبيدو" الطاقة الجنسية ".أنه القوة الدافعة للتطور النفسي,لحظة أن يقع تحت تأثير المجتمع".وعلى هذا الأساس فأن الطاقة الجنسية قادرة على التعبير عن نفسها في حالة عدم التفريج عنها بمختلف مظاهر السلوك والأداء والأعمال المختلفة: الأدبية والعلمية والفنية والنشاطات الترويحية وغيرها ضمن المفهوم السيكولوجي لتحوير الدافع, إلا إن مبدأ إشباعها طبيعيا يبقى قائما وملحا.
وقد قام العديد من العلماء من خلال البحث العلمي في رفع الحصار التقليدي على الأمور الجنسية وفي إزالة الكثير من الموانع والحواجز التي تعترض هذه الناحية الهامة من تجربة الإنسان,وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر هنا فرويد وجماعته من أصحاب مدرسة التحليل النفسي, وكذلك أبحاث ماسترس جونسون عن الاستجابات الفيزيولوجية الجنسية,وأبحاث ايزنك عن العلاقة بين الجنس والشخصية , وغيرها من الأبحاث الاستبيانية أو المختبرية أو السريرية للقضايا الجنسية. وقد كان من شأن هذه أنها نقلت المواضيع الجنسية من نطاق المنع والتحريم والكتمان والغموض إلى مجال البحث العلمي والموضوعي حالها حال الجوانب الأخرى الهامة في حياة الإنسان.وقد أدت هذه الأبحاث إلى تقليص الفجوة القائمة من الجهل في الأمور الجنسية ومحلها الصحيح في حياة الإنسان, كما ساعدت في التخفيف من المعاناة الإنسانية الناجمة عن الجهل في فهم النواحي المرضية المباشرة وغير المباشرة من هذا الموضوع, وساعدت في فهمنا لعمق الرابطة بين النواحي الجنسية والنواحي الأخرى من حياتنا الإنسانية من اجتماعية وحضارية وصحية ونفسية واقتصادية.وبالرغم من هذه الأبحاث الواضحة الواسعة والصريحة فأن التحيز والتكتم والأعراض عن الإفضاء لا يزال سيد الموقف في مجتمعاتنا العربية والإسلامية وبعض من المجتمعات غير الإسلامية. ولعلي هنا في سياق أهمية الجنس ودلالته الصحية والنفسية للشريكين أن أشير إلى أبرز فوائده كما تفصح عنه الأدبيات السايكوـ طبية :

ـ أنه يسهم بشكل فعال في علاج حالات الأرق الليلي
ـ يساعد على حرق الدهون وتعزيز جهاز المناعة
ـ يساعد على تهدئة القلق والتوتر ويحد من حالات الإحباط
ـ يسهم بشكل جيد في الحد من الاكتئاب من خلال الاستمتاع وبعث البهجة
ـ يساعد انتظام الممارسة الجنسية على تألق البشرة ونضارتها, بعكس ما كان شائعا بأنه يسبب تعجيز البشرة
ـ أن الممارسة الجنسية تحفز المخ على إفراز الأندورفين المسكن للآلام
ـ الممارسة الجنسية المنتظمة تؤدي إلى تنظيم الدورة الشهرية
ـ يساعد الجنس على الشفاء من ألآلام العضلية بسبب ما يؤدي إليه من استرخاء عضلي
ـ يساعد الجنس يشكل ملحوظ على تنشيط الدورة الدموية وتقوية العضلات
ـ يسهم بشكل فعال في تقوية الجهاز العضلي فهو يقي من هشاشة العظام في النساء بعد سن اليأس لأنه يساعد على إفراز هرمون الأستروجين والجنس يؤخر الشيخوخة الشكلية لدى النساء بعد سن الأربعين
ـ تساعد الممارسة الجنسية المقترنة بالإشباع والرضا الجنسي على تهدئة نوبات الصداع النصفي أو داء الشقيقة
ـ إن الممارسة الجنسية المنظمة تسهم بشكل كبير إلى الحد من سرطان الثدي والرحم
وإذ أشير هنا إلى فوائد ممارسة الجنس وأهميته فلا أعني بذلك تلاقي جسدين على مضض لأحداث الفوائد المذكورة أعلاه,أنها حالات من التوافق والتفاهم الذي يعتمد بقائه وتجدده على وجود مناخ من الثقة والمودة بين الشريكين,لأن تدهور العلاقات الجنسية بين الشريكين يعكس تدهور العلاقات الشخصية بينهما,وعندها يضعف الحب فيصبح الجنس عبئا ثقيلا لكلاهما,بالإضافة إلى انعكاساته الخطيرة على الاستقرار الأسري والدفئ العاطفي الذي يطال ليست فقط طرفي العلاقة المباشرة ,بل يطال الأطفال ونموهم الانفعالي عبر مختلف إيماءات عدم الرضا بين الشريكين.ومن هنا تأتي أهمية التصور الايجابي لهذه الشراكة باختلاف مراحل العمر...دون الانسياق وراء مكنونات الذاكرة المبكرة للطاقة الجنسية الهائلة...فمراحل العمر يجب أن تدفعنا إلى الموضوعية والتفكير في وسائل إرضاء هذا الدافع استنادا إلى الثقافة الجنسية بين الشريكين ومقدرتهما في الحفاظ على التواصل الجنسي بأشكال مرنة وحيوية,فالشريك الذكر ليست كما يحلو له التفكير به في عز الشباب,ولا الأنثى في عنفوانها ...ويبقى الحب هو القاسم المشترك في العثور على الحلول,وكي لا تتحول الشراكة إلى أقامة جبرية,فالخبرات المتراكمة والذاكرة الجميلة لكلا الشريكين يمكن أن تتحول إلى طاقة سايكوـ جنسية متجددة دوما ترفد الشريكين بعوامل الاستقرار والبقاء بعيدا عن هموم العمل وصعوبات العيش...وهي أقوى بكثير من فاعلية أقراص " فياغرا " وأثارها الجانبية,وأفضل من جرعات الهرمون الجنسي الأنثوي ومخاطره !!!!!!.


Opinions