Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

كيف تؤثر تكنولوجيا المعلومات في قدرة الأنسان على التفكير ؟

                                             

التغير المستمر لوسائل الأعلام تحت ضغط ثورة تكنواوجيا المعلومات ، يؤثر ، ليس فقط في طرق الحصول على المعلومات ، بل في عملية التفكير أيضاً . واذا رجعنا الى الوراء قليلا ، نجد ان اختراع آلة الطباعة سنة 1450م ، من قبل يوهان غوتنبرغ ( 1398- 1468م). قد غير أسلوب تفكير المجتمع بأسره . واجبرالناس لأول مرة على التركيز على افكار محددة . والذي كان  سابقاً حكراً على النخب العلمية والثقافية ورجال الدين ، اما بعد ظهور الطباعة فقد أصبح ذلك ميسورا لكل المجتمع .آلة الطباعة لعبت دورا بالغ الأهمية في تطور نماذج تفكير جديدة غيرت المجتمع في القرون اللاحقة .

واليوم نجد ان شبكة الأنترنيت تلعب دورا لا يقل أهمية عن اختراع الطباعة في تغيير المجتمع . 

ان أهم ما تتميز به شبكة الأنترنيت عن وسائل الأعلام الأخرى مثل الراديو والتلفزيون، ليس نقل الصوت والصورة فقط ، بل انتاج النص ايضاً .والنص المكتوب يلعب دوراً جد مهم في التطور الفكري والثقافي للأنسان . وحتى وقت قريب كان النص ينتشر بشكله المطبوع ، وكان القاريء يغرق في عالم المؤلف و يتأمل أفكاره ، وبظهور الأنترتيت أخذ النص ينتشر بشكله الألكتروني ، كما الصوت والصورة ، وبهذا رجع الأنسان الى عادته القديمة أي الى التفكير العشوائي ، وتلقي المعلومات على نحو سريع وسطحي .

               لماذا يحدث كل ذلك ؟ يقول العلماء ان دماغ الأنسان يتمتع بمرونة عالية  ويستطيع التكيف مع الظروف المستجدة ٠وكان عالم وسائل الاتصال الجماهيري -الكندي -مارشال ماكلوهان(1911 ـ 1980م) اول من بيَن كيف أن التكنولوجيا يغيَر وعينا ببطأ ولكن بثبات .

وقد أجريت  خلال السنوات الأخيرة بحوث كثيرة حول تأثير التكنولوجيا الحديثة وبخاصة الإنترنيت في الدماغ البشري وظهرت كتب عديدة من بينها ، كتاب " المياه الضحلة The Shallows  " لنيكولاس كارر . ويعد العلماء هذا التأثير مسألة مهمة وجادة لسببين

 - الأول ، تعاظم قدرة البحث عن المعلومات وتلقي كم هائل منها ومعالجتها ،عن طريق محركات البحث  في الإنترنيت ( غوغل ، ياهو ، اوبرا ، يانديكس وغيرها كثير ).

 وثانيا ، أصبحنا قادرين على القيام بعدة مهام في آن واحد بأستخدام الكومبيوتر و الأجهزة الذكية ، مثل  كتابة وصياغة نصوص ،إجراء حوارات عبر الشات في الفيسبوك ، تبادل الرسائل عبرالإيميل ، وقراءة آخر الأخبار في  التويتر . ولكن في الوقت نفسه ، نفقد معظم قدراتنا علي الأنتباه و التركيز والتأمل والتحليل المعمق ، .ولن يكون بوسعنا التفكير بهدؤ حول  أمر محدد واحد ،ومن يعيش في العالم الأفتراضي أو يقضي ساعات طويلة في تصفح المواقع الألكترونية ونوافذها الكثيرة وروابطها المتعددة ، لن تكون لديه الرغبة في قراءة الكتب  الجادة و تأمل محتواها .

ان الحصول الفوري على المعلومات و تدفق تيارات غزيرة ومتنوعة منها ، عبر نوافذ كثيرة - عن طريق محركات البحث  - قد ادى الى انخفاض القدرة على تذكرها وحفظها لمدة طويلة . ولم يعد لدى المتصفح الوقت الكافي والرغبة  في قراءة النصوص المطولة ، ولهذا السبب لجأ بعض المواقع الألكترونية الأجنبية الى نشر  نصوص لا يزيد طول احداها عن ( 400 ) حرفاً . ومع كل هذا التأثير السلبي لتكنولوجيا المعلومات ، فأن من الصعب العيش بمعزل عن شبكة الأنترنيت  ، التي أخذت تقتحم كل مجالات الحياة و أصبحت النافذة التي يطل منها الأنسان المعاصر على ما يحدث في العالم من حولنا في شتى المجالات الفكرية و العلمية والثقافية والسياسية و الأجتماعية ، ناهيك عما توفره الشبكة من شتى أشكال التسلية والترفيه .

القدرة على التفكير تعني في المقام الأول استخدام المعارف المتوفرة للتوصل الى استنتاجات منطقية أكثر تعقيداً ، واذا أردنا تبسيط الأمر ، يمكننا  القول ان نوعية الأستنتاجات الفكرية هي حاصل ضرب للمعرفة  في القدرة التفكيرية . وبتعبير آخر لا يمكنك الحصول على استنتاجات صحيحة ، الا بأستخدام كلا العاملين معاً على حد سواء ،  وحتى اذا كانت لديك معرفة واسعة فأنك  لن تكون قادراً على تنظيمها بشكل صحيح من دون القدرة على التفكير بنفس المستوى ، وفي نهاية المطاف تحصل على كومة مواد  مهضومة الى هذا الحد او ذاك ولكن مكدسة في كومة غير متجانسة  ، ومن جهة ثانية مهما كانت قدراتك العقلية عظيمة فأن عملك الفكري لن يكون اكثر من مجرد تعبير عن الرأي ،  اذا لم يستند الى المعرفة .

الثورة الصناعية الأولى  وفرت للأنسان وسائط نقل جديدة مثل القطار والسيارة وأدت الى اضعاف قدرات الأنسان الجسدية والحركية  والى تغيير مظهره الخارجي ، وقد انتبه الناس الى  التأثير السلبي لهذه الوسائط على أبدانهم و لجأ الكثير منهم الى ممارسة رياضة المشي والركض لتدريب الجسم والتغلب على الضعف الذي لحق به . ما يحدث اليوم نتيجة لثورة تكنولوجيا المعلومات ، ربما أشد خطورة ، لأنه يحرمنا القدرة على التركيز والتفكير ، وبعد سنوات قليلة ستكون الحاجة ماسة الى وسائل جديدة لتدريب الدماغ الأنساني .

 

جــودت هـوشــيار

jawhoshyar@yahoo.com

 

 

Opinions