كيف تبدو بغداد لمن فارقها .. .
سؤال كنت اداريه مثل جرح غائر: كيف تبدو لي بغداد منذ فارقتها قبل اكثر من عام، وقد جرت دماء كثيرة، وعصفت رياح واحداث اكثر؟./ سقط رجال كانوا قد اداروا حلبات الصراع، وصمد آخرون في وجه اسئلة المرحلة، واختفت نساء كنّ يشغلن الشاشات الملونة باحاديثهن عن السياسة وشؤون الغد، وتزاحمت ارجل كثيرة على المقامات والوظائف، وفتحت ابواب واوصدت ابواب اخرى.
/ نامت واندثرت ملفات كثيرة، واستيقظت فتن من توابيت صفراء، وانهارت العديد من الشعارات البراقة ، والتمعت بدلها شعارات اخرى ليست براقة، واعطتنا دول الجوار فرصا كثيرة لكي لا نثق في ابتساماتها الصفراء، واعطانا العالم الكثر من النصائح والقليل من الشفقة.
/لكن يبقى السؤال معلقا في الهواء :اي شكل لبغداد؟.
/ بعد دقائق من وصولي الى قلب بغداد من جسر الجمهورية ضحى يوم من ايام مايو المشتعلة بالحرارة داهمتني فكرة مثيرة هي ان شكل بغداد من شكل وجوه ابنائها.. وجوه مدوّرة..متجهمة.. خائفة.. غاضبة..صبورة..مجروحة..مكابرة..وفي تلك الدقائق كانت اصوات انفجارات قريبة مدوية لم تثر فضولا يبدو ان ابناء العاصمة تخلوا عن مزاولته منذ زمن طويل، سوية مع عادة قديمة هي الهلع، فقد مضت امرأة تجر طفلين بهدوء ملائكي من دون ان تلتفت، وعبرت شارعا كانت سيارات الشرطة المجنونة تقطعه مفتوحة الابواب مشرعة بنادقها في كل اتجاه.
/بغداد استلقت ضحى هذا اليوم بطريقة عجيبة، كأنها كتاب مفتوح صالح للقراءة ، في اعلى صفحته الاولى عنوان اخر معركة جرت من اجل الحياة، وما اكثر معارك الحياة التي خاضتها بغداد ضد نفسها وضد الاخرين، وفي غفلة من شريط السيارات المتناحرة اعلنت ساحة النصر عن نفسها: تعالوا الى هذا الخراب الجميل، فقد رحل الطغاة وحل محلهم غزاة من اجناس عجيبة، اخذوا امكنتهم في الدرابين الضيقة يعدون لاختطاف مارة او قتل ركاب سيارات او التخطيط لحرب على طوابير العمال .
/ في بغداد تدور الساعة في جميع الاتجاهات من غير رقابة ولا رتابة ، غير ان الدورة الوحيدة التي تبقى في الذاكرة هي التي يمكن قراءتها امام محطات البنزين ، ومحطة الباب الشرقي لا تبخل بالقول: من هنا تمر محنة العاصمة..ولنا عودة .
ــــــــــــــــ
..وكلام مفيد
ـــــــــــــــــ
" مرة حذرتني وردة: لا تقطعوا الزهور من رقابها"
بودلير