Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

كيف تتخذ القرارات الحكومية تحت الإحتلال؟

27 حزيران 2011
نذكر جميعاً تدخل السفارة الأمريكية في الإنتخابات العراقية الأخيرة وضغطها المباشر بإجتماعات مع المؤسسات العراقية الدستورية والقانونية من أجل الدفاع عن أعضاء من القائمة العراقية وحمايتهم من قرارات هيئة المساءلة والعدالة. واستماتت السفارة في محاولة منع الهيئة القضائية من إصدار قرار بشأنهم قبل الإنتخابات، من أجل تأجيل القرار إلى ما بعد حصول المرشحين المعنيين على أصوات تتيح لهم دخول البرلمان والحصول على الحصانة، وبذلك يصبح تطبيق قرارات الهيئة غير ممكن عملياً، سعياً من السفارة إلى إيصال العراقية إلى السلطة بأي ثمن.
في ذلك الوقت أثارت دهشتنا هذه الواقعة. فرغم علم الجميع بقوة تأثير السفارة في السياسة العراقية، وحقيقة اعتبار الولايات المتحدة لأياد علاوي كـ "رجلهم في بغداد"، لكن المعتاد ان يكون تدخل السفارة بالعمل من وراء الكواليس ومن خلال "أصدقاءها" المقربين، وليس بهذا الشكل الصريح العلني المهين للحكومة والبلاد.
لكن دهشتنا لم تكن مبررة على ما يبدو، ولعلها لا تعود إلى غرابة الإجراء، بل إلى جهلنا بكيفية جريان الأمور الإعتيادية في عملية اتخاذ القرار العراقي في أية قضية تهم أميركا، وجميع القضايا المهمة تهم أمريكا.
في الشهر الماضي، طلبت السفارة الأمريكية من الحكومة العراقية فتح "مكاتب" لها في كل من الموصل وكركوك. وضمن التوجه العام للضغط من أجل إبقاء قواتها في العراق، وجدت الحكومة العراقية أن مثل هذا الطلب الغريب، مثير للشكوك والقلق، فسوف تعاد قصة : المكاتب بحاجة لحماية عسكرية، والحماية ستحتاج مقرات، حتى خارج "المكتب"، و...الخ، لكي يمكن التحجج بتلك المكاتب وحمايتها، لإبقاء "بضعة آلاف" جندي أمريكي إضافي في قواعد عسكرية، إضافة إلى جماعة "السفارة"، و "التدريب"! ولأن الكتل بشكل عام بين كارهة للأمريكان ورافضة لبقاء القوات وبين خجلة من السمعة التي ستلتصق بها تاريخياً، فقد كانت فكرة إضافة أية حجة، او فتح أي باب جديد لبقاء قوات أمريكية أمراً مزعجاً.
على هذا الأساس جرى التصويت في مجلس الوزراء على الطلب الأمريكي، ولأن جميع الكتل عدا التحالف الكردستاني، لا يريد بقاء القوات، فقد فشل القرار بتصويت عكس ذلك الموقف من مسألة بقاء القوات الأمريكية بالضبط: فصوت جميع الوزراء الأكراد معه والباقين ضده!
لكن الأمر لا ينتهي هكذا أبداً لدى الأمريكان. فرفض طلباتهم لا يعني إلا ضرورة المزيد من الإلحاح والضغط. ففوجئ الوزراء الرافضين للقرار بزيارة السفير الأمريكي لهم واحداً واحداً لكي "يقنعهم" بالموافقة. ولتسهيل الأمر عليهم فقد تم استبدال كلمة "مكتب" بـ "قنصلية" وبالفعل أعيد التصويت وفاز قرار فتح القنصليتين في نفس المحافظتين بالموافقة (1) ، وكأن الإعتراض كان على إسم "المكتب" أو "القنصلية". يذكرنا هذا الأثر السحري للإسم بقرار كريه آخر تمثل في اتفاقية إبقاء القوات الأمريكية سنتين إضافيتين، أو ما سمي أخيراً إتفاقية "سحب القوات" لكي يمكن تمريرها على الضمير العراقي بدون ثقل كبير، بعد أن كان ذلك صعباً لو أنها أخذت اسمها المناسب.
من الطبيعي أن يتساءل المرء: لماذا لا يأتي رأي الحكومة الأمريكية وسفارتها من خلال الطريق الذي تتبعه الدول الطبيعية لدى البشر في كل مكان، أي من خلال وزرارة الخارجية العراقية، والتي تعرض موقف السفارة أمام مجلس الوزراء، خاصة وأن للسفارة الأمريكية "حظوة" كبيرة في وزارة الخارجية العراقية؟
لماذا يتوجب على الوزير العراقي الذي أعطى رأيه الذي لم يعجب سلطة الإحتلال، أن يواجه السفير الأمريكي ويقدم له مبرراته، ويسمح له بمناقشته ومن يدري، ربما تهديده بشكل مباشر أو مبطن، أو ربما إبتزازه أو رشوته؟ لماذا يسمح للسفير أن يتعامل مع الوزراء العراقيين كل حسب "كعب أخيله"؟ وما الذي يعني ذلك بالنسبة للوزير في المرة القادمة التي يواجه فيها قراراً يعلم أنه يهم الإدارة الأمريكية، ويعلم القرار الذي تفضله تلك الإدارة؟ هل يكون هذا الوزير حراً في اتخاذ قراره وفق ما يراه مصلحة البلاد، أم سيكون عليه في كل مرة أن يفكر بأنه سوف يضطر إلى تقديم مبرراته للسيد السفير، وليس رئيس حكومته أو برلمانها؟ وماذا بالذات عن الوزراء الذين يعلمون أنه توجد عليهم مستمسكات يمكن الضغط عليهم بها، وربما كان أغلبهم كذلك؟
السؤال الآخر الذي يطرح نفسه هو: كيف عرف الأمريكان بالوزراء الذين صوتوا ضدهم في مجلس الوزراء؟
أنت محق عزيزي القارئ في إبتسامتك الساخرة، فالسؤال سخيف بالطبع، فالجميع يعلم ان الأمريكان يصلهم كل شيء، أول بأول، لكن الأمر لن يكون سخيفاً تماماً حين يستعمل الأمريكان علناً تلك المعلومات التي يفترض دبلوماسياً أنها لا تصلهم، يستعملونها بكل صراحة، ويبينوا للوزراء "العاقين" إنهم يعلمون بأمرهم وما صوت به كل منهم، واحداً واحداً!
عندما تدخلت السفارة قبل سنتين ووجهت ضغوطها على هيئات القرار العراقي أثناء الإنتخابات الأخيرة دعماً لمن استبعدتهم المساءلة بتهمة البعث، ودعماً لقائمتها المفضلة "العراقية"، هددت حكومة المالكي بجرأة غير مسبوقة، بطرد السفير الأمريكي لتدخله المهين والإعتدائي على السيادة العراقية، رغم أنها لم تطرده فعلاً. ويبدو أن السفير مستمر في عمله كالمعتاد، دون أن يخشى لا الطرد ولا حتى التهديد به. فهل تجد حكومة المالكي مجريات الأمور كما هي، أمراً طبيعياً؟ هل على الوزير أن يصوت وفق ما يراه في مصلحة العراق فقط، أم عليه أن يحسب حساب رد فعل السفارة الأمريكية وإرضاءها أيضاً؟ هل سيسأل السيد رئيس الوزراء، السفير الأمريكي من أين عرف قائمة الوزراء وخياراتهم في التصويت؟ وهل ستجرؤ الحكومة على تهديد السفير بالطرد ثانية، ام أن ذلك يقتصر على التدخلات الأمريكية التي تصيب كتلة رئيس الوزراء بالضرر في منافستها مع الكتل الأخرى فقط، وأن "السيادة العراقية" لم تكن في ذلك الحين إلا حجة؟
في انتظار تصويت مجلس الوزراء على القرار القادم الذي يهم السفارة، لنعرف الجواب بشكل عملي!

(1) الموافقة على فتح قنصليتين للولايات المتحدة الأمريكية في الموصل وكركوك
http://www.nmc.gov.iq/ArticlePrint.aspx?ID=1041

Opinions