كيف تقيّم الحكومات موظفيها؟
اذا كانت الحكومة تريد أن تنجح في عملها وأداءها الحكومي، يجب عليها اولا أن تكون ناجحة في اختيارها لموظفيها وبخاصة الكبار منهم أو ما يعرف عنهم بـ(الدراجات الخاصة) بسبب أهمية المراكز التي يشغلها أصحاب تلك الدرجات وكبر مسؤولياتهم، فإذا ما فشلوا في إدارتهم أصبح الفشل يشمل جميع الكوادر التي تخضع لتلك الإدارة ، فكيفما يكن الراعي تكن والناس على دين ملوكهم.فالفساد والسرقات التي يتم الكشف عنها في مؤسسات العديد من دول العالم وبنسب متفاوتة، لا يقف ورائها الموظفون الصغار أو من تكن لديهم مسؤوليات بسيطة، بل يقف خلفها كبار المسئولين الحكوميين، وما يزيد في الأمور جوراً إن من يعاقب على هذه السرقات أو الفساد هم صغار المسئولين وترك (الحيتان أو المافيات) دون مسائلة تذكر، بل على العكس قد يكرمون في كثير من الأحيان.
هذا الشيء قد يربك عمل الحكومات ويعطل برامجها وخططها وقد يصل إلى حجب الثقة عنها من قبل البرلمان في الدول التي تتمتع بنظام حكم ديمقراطي أو الإطاحة بها في الدول التي تنتهج شعوبها العنف كسبيل لتداول السلطة بواسطة(الثورة أو الانقلاب العسكري) على سبيل المثال.
والعديد من دول العالم انهارت بسبب الأداء الحكومي الفاشل الذي انتهجه كبار موظفي الدولة، والسبب في ذلك مرده إلى جملة أمور منها:
أولاً/ شغل المنصب على أساس حزبي أو عن طريق المحسوبية والمنسوبية، بعيداً عن معيار الكفاءة الذي يجب أن يتوفر في أغلب الموظفين وبخاصة أصحاب المسؤوليات الكبيرة في الحكومة بالإضافة إلى الخبرة في مجال العمل المناط به.
ثانياً/ تقديم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة أو العليا للبلد واستغلال المنصب الحكومي للمصالح الشخصية.
ثالثاً/ ضعف مستوى أداء أجهزة الرقابة والمساءلة الإدارية، والبعد عن التقييم الدوري لأداء الموظف الحكومي خلال مدد زمنية ليست بالبعيدة أو السيطرة عليها من قبل المتنفذين في السلطة والحكم.
رابعاً/ تعطيل العمل بالقوانين المنبثقة من الدستور والعمل على أسس توافقية بين الأحزاب الكبيرة أو التي تتشكل منها الحكومات.
خامساً/ استغلال الظروف المعيشية الصعبة وتفشي حالة الفقر والأمية وعدم النضوج والوعي السياسي اللازم لدى عامة الناس والتسلط على رقابهم من خلال القمع بواسطة الجوع أو القوة.
سادساً/ خضوع السلطة القضائية لأوامر السلطة التنفيذية وعدم تنفيذ القرارات الصادرة بحق كبار المفسدين المرتبطين بالأجهزة التنفيذية (الحكومة).
ومن خلال الاطلاع على أداء الحكومات في بعض الدول، وجدنا إن هناك من يعتمد على خبراته الداخلية فقط ويريد أن يقف نداً بوجه الخبرات الخارجية، وبالتالي يتأخر كثيراً في أداءه وتنفيذ برامجه وخططه التنموية، وهناك من يهمل أغلب ما موجود لديه من خبرات وإمكانيات داخلية والسعي وراء الخبرات الأجنبية فقط، لأنه يرى أن (مغنية الحي لا تٌطرِب)، والعمل على هذه الشاكلة بالاعتماد على الخبرات الأجنبية فقط وترك والطاقات والقدرات المحلية أو بالعكس، وهذا هو نوع من أنواع التخطيط الفاشل في أداء كبار الموظفين لمهامهم في إدارة وتنفيذ الخطط الحكومية الملقاة على عاتقهم.
وبوضع الحبل على الغارب من قبل الحكومة لموظفيها وكبار المسئولين دون مراقبة أو تقييم دوري لأعمالهم تتفشى حالة الأداء السلبي لدى كبار موظفي الحكومة وتنعكس بصورة مباشرة على صغار المسئولين من خلال اللامبالاة والتقصير المتعمد أو غير المتعمد بعدم توفر المراقبة والمحاسبة (ومن أمن العقوبة أساء.....).
فهل المدراء في الأجهزة الحكومية تم تعيينهم وفقا للكفاءة؟ وحتى إذا كان كبار المسئولين على درجة كبيرة من الكفاءة فكم عدد الذين يولون عملهم أهمية وأولوية؟ وكم هو عدد الساعات الفعلية لأداء العمل الشهري؟.
العديد من الموظفين والمراجعين لدوائر الحكومة يرون أن كبار المسئولين يحضرون إلى الدوام في دوائرهم الساعة 9 أو 10 صباحا وأول عمل لهم في مكاتبهم هو الاطلاع على الصحف مع شرب الشاي أو القهوة وبعدها يبدأ بالأسهم والانترنت، وإذا استخدم أحد موظفيه للقيام بعمل، فإما أن يبعثه للتسوق إلى العائلة أو في مهمة شخصية خارج نطاق العمل، مع تسخير أغلب إمكانيات دائرته لأموره الشخصية وخدمة عائلته وأقاربه.
إذن لابد للحكومات من وضع برامج رقابية عبر آليات تسهل متابعة ومحاسبة الموظف الحكومي في تقصيره مع مكافئة من هو مجد ومنتج بعمله، وفقاً لمبدأ الثواب والعقاب الذي شرعه الله سبحانه وتعالى كما جاء في كتابه الكريم: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8)) سورة الزلزلة.
* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث
http://shrsc.com