كيف غيّر البطريرك ساكو شعبنا وكنيستنا من حال إلى حال في تسعة أشهر فقط؟
مقدمة
أظن أن الغالبية الساحقة من أبناء شعبنا الواحد بأسمائه ومذاهبه المختلفة تحسّ أنها في زمن مختلف.
وقد أشرت إلى هذه الظاهرة مرات كثيرة وقلت أننا مسكونيا من الناحية المؤسساتية الكنسية في زمن البابا فرنسيس الذي دشّن من إصلاحات جذرية في الفاتيكان ومؤسسة الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في اقل من ستة أشهر ما لم يحدث في عدة قرون.
ولن أجافي الحقيقة إن قلت إن الكثير من المفاهيم والتقاليد والممارسات والألفاظ ما كان البعص يعتقد أنه بمثابة "طابو مقدس" صار أمرا باليا وعبئا على رسالة الإنجيل في التسامح والتقشف والغفران والعطاء ومحبة القريب مثل النفس لا سيما المختلف عنا مذهبا ودينا وعرقا ولونا وجنسا. أي ما يراه بعضنا مما هو خارج نطاق الإنجيل وكأنه اقوال منزّلة قد ولى زمنه إلى غير رجعة. هذا ما علمنا إياه البابا فرنسيس وفي فترة وجيزة جدا.
ومشرقيا صرنا كلنا، أشأنا أم أبينا، في زمن البطريرك لويس ساكو الذي في خضم تسعة أشهر دشن إصلاحات جذرية في كنيسته المشرقية الكلدانية التي من خلالها وبواسطتها جعل هذ المؤسسة تشق طريقها بثبات وعنفوان بعد عقود طويلة من السبات والإحباط والتسيب الإداري والتنظيمي كاد يقضي على الكنيسة الكلدانية كمؤسسة وتنظيم.
تقاطع
ولا أظن ان البطريرك ساكو بحاجة إلى مقال أخر من الثناء. وشخصيا وفي الوضع الفكري والموقف الذي أنا عليه لا أخفي تقاطعي الجذري مع البطريركية وإخوتي الكلدان بصورة عامة من حيث قرأتي الخاصة لتاريخ العلاقة المؤسساتية والتنظيمية والإدارية مع مؤسسة الكنيسة اللاتينية في روما وكذلك الموقف من ليتورجيا ولغة وثقافة ومشرقية كنيستنا الكلدانية. (هنا أسترعي إنتباه القراء الكرام أنني في هذا الصدد لا أعني ابدا الشراكة الإنجيلية والإيمانية)
هذا موقف مبدئي وأخلاقي بالنسبة لي لن أتزعزع عنه مهما كانت التبعات لأن سنده التاريخ وأحداثه ومبرره الممارسات في الماض القريب والحاضر لما له من أثر سلبي بالغ جدا في حياة شعبنا وكنيستنا المشرقية المجيدة. ولهذا تراني كثير الإشارة إليه غير مباليا بالمتاعب التي يسببها لي.
التقاطع لا يعني التباعد
بيد ان التقاطع في اي توجه فكري لا يمنح لأي واحد منا العذر كي يرمي الطرف الذي نحن في خلاف معه بسهامنا مهما فعل. ومع الأسف فإننا كشعب ومثقفين نعاني من هذه الظاهرة. خلافي مع أي جهة في نقطة او نقطتين لا يمنحنى الحصانة كي أقوم بتسقيط كل ما يقوم به.
الحياة مجموع مواقف وممارسات. قد نفلح في موقف وممارسة محددة ونفشل في مواقف وممارسات أخرى. لذا النزاهة والمنطق يطلبان منا الإنصاف وعدم الحكم على الأخر فقط من خلال نقطة الخلاف.
من هذا المنطلق لا يسعني إلا ان أحث شعبنا الواحد وكنيستنا المشرقية المجيدة انه عليهما إستغلال هذا الزمن الجديد والتعامل معه بإيجابية – كافة الأطراف دون إستثناء – لأنني ومن خلال قرأتي لواقع شعبنا وكنيسته أستشف اننا امام ظاهرة جديدة.
الكنيسة شيء والسياسة شيء أخر
منذ زمن بعيد جدا ونحن نفتقر إلى قائد يحبنا كلنا ويعمل من أجلنا كلنا ولا يسأل عن أسمائنا ومذاهبنا وكنائسنا. منذ زمن بعيد جدا ونحن نفتقر إلى قائد يجعل وحدة شعبه بإسمائه المختلفة وكنيسته المشرقية بمذاهبها المختلفة هدفا له لا يقبل المساومة رغم الضغوط الهائلة التي يتعرض لها من كافة الأطراف.
منذ زمن بعيد جدا ونحن نفتقر إلى قائد وزعيم ديني ينأى بنفسه ومركزه كجاثالق على قطيسفون وبابل ان يقحم نفسه في مزاريب القومية والسياسة والتسمية التي حولناها إلى صراع وقتال دون كيشوتي كان ولا يزال سببا لتخلفنا.
والبطريرك رئسه الروحي الأعلى هو البابا الذي بذاته حذر الكنيسة من مغبة إقحامها ورجالاتها في مزاريب القومية والسياسة حيث نقلت جريدة الغارديان البريطانية عن البابا فرنسيس مؤخرا قوله ان الكنيسة الكاثوليكية في عهده لا يمكن ولا يجوز لها ولن تقحم نفسها بالسياسة خارج نطاق الدفاع عن القيم الأساسية. (رابط 1).
بعض الأخوة وربما لأغراض خاصة يخلط بين دعوة البابا للكاثوليك (وليس السلك الكهنوتي المتمثل بالمؤسسة الكنسية) إلى المشاركة في الحياة السياسية (رابط 2). الدعوة صريحة إلى عدم تدخل الكنيسة المتمثلة برجال الدين في الشؤون السياسية وكذلك الدعوة صريحة لأتباعها من العلمانيين بالمساهمة الفاعلة فيها.
قدوة حسنة
ومن موقف وحدوي كهذا يقدم لنا كلنا بإختلاف أسمائنا ومذاهبنا قدوة حسنة علينا السعي ما وسعنا إلى تبنيها والعمل في إتجاهها. وكان نداؤه الأخير لنا نحن الذين غادرنا أرض الأجداد في العودة نابعا من حبه لشعبه وكنيسته بإختلاف الأسماء والمذاهب وحرصه علينا وعلى هويتنا من الإندثار والضياع.
ولا أخفي سرا – لأنني أحاول ككاتب أن أكون شفافا قدر المستطاع – أنني ابرقت إلى البطريركية معربا عن رغبتي بالعودة تلبية لنداء البطريرك. وقدمت البطريركية بعض النصائح وسأتصل بجامعة دهوك لهذا الغرض. إن منحتني منصبا أكاديميا يليق بمقامي العلمي وضمن إختصاصي فإنني عائد إلى أرض الأجداد رغم الإمتيازات الهائلة والتي لم أكن يوما أحلم بها التي تغدقها جامعتي السويدية علي. وهذا وعد.
تأثير ملحوظ
ونحمد الله ان خطاب البطريرك ساكو ومواقفه وممارساته في الوحدة بدأت تأتي أكلها حيث تلقفها اساقفته الملتفين حوله وبدأوا يمارسونها قولا وفعلا.
وكلنا رأينا في مدينتنا – يونشوبنك – كيف أن الكلدان والأشوريين تجمعوا بالمئات لإستقبال النائب البطريركي والزائر الرسولي المطران رمزي كرمو والتأثير المباشر لخطاب البطريرك ومواقفه على هذه الشخصية الكلدانية البارزة.
كان المطران كرمو في موعظته وكلماته نموذجا للوحدة التي ينشدها البطريرك حيث قال ما معناه انه زائر رسولي للكل – كلدان وأشوريين –وأنه يمثل البطريرك الذي هو بطريرك الكل وان كنيستنا المشرقية كنيسة الشهداء اليوم تتجسد في شعب واحد ذو تسميتين جميلتين وكنيسة واحدة تحمل ايضا تسميتين جميلتين.
المطران كرموا مثّل البطريك ونهجه الوحدوي خير تمثيل وكم كان رائعا موقف أشقائنا الأشوريين الذي إلتفوا حوله وكأنهم في كنيستهم وأمام أسقفهم.
كانت حقا زيارة ميمونة. كانت هناك سلبيات وبحجم كبير سببها الإرسالية الكلدانية في جنوب السويد. كم كنت أتمنى ان لا تحدث ولكنني سأعزف عن الإشارة إليها والسبب أن عنوان البطريرك وهاتفه وكذلك عنوان نائبه على الكلدان وهاتفه متوفر ليس لي بل للكل قاطبة وكافة أبناء شعبنا بصورة عامة، وأحث الكلدان ان لا يترددوا في إيصال كل سلبية يلاحظونها إلى أعلى سلطة كنسية لدينا المتمثلة ببطريرك الوحدة البطريرك ساكو ولا أظن أنه يهمل اي رسالة تصل إليه.
--------------------------
رابط 1
However, the pope criticised the church for having done very little to open dialogue with nonbelievers since the Second Vatican Council. Separately, he said the Catholic church should not, and would not, during his papacy, involve itself in politics, beyond a defence of its basic values.
http://www.theguardian.com/world/2013/oct/01/pope-francis-narcissistic-papal-curia
رابط 2
http://www.washingtonpost.com/blogs/on-faith/wp/2013/09/16/pope-francis-a-good-catholic-meddles-in-politics/
http://www.zenit.org/en/articles/pope-catholics-cannot-be-indifferent-to-politics