كيف يقرأ زعيم البوذ رسالة كربلاء؟
(إذا كانت لدينا نحن البوذ شخصيات مثل الإمام علي والإمام الحسين، وإذا كان لنا نهج البلاغة وكربلاء فإنه لن يبقى في العالم أحد إلا ويعتنق العقيدة البوذية) الدلاي لاما.لم يكن النبي محمد (ص) نبي العرب وإن كان من أرومة عربية أصالةً، فهو رحمة للعالمين وفق النص القرآني: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء: 107، والعالمية تقتضي العولمة الدينية لرسالة الإسلام الخاتمة لكل الرسالات السماوية والمهيمنة على الديانات الأرضية والمعتقدات الإنسانية تحت القاعدة القرآنية: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ) سورة البقرة: 256، ولما كانت الرسالة الإسلامية قد تواصلت قيادتها بأهل البيت (ع) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ولما كان الإمام الحسين بن علي (ع) الإمام الثالث من أئمة أهل البيت الإثني عشر، هو الإمتداد الطبيعي لرسالة الإسلام وهو نفس محمد ومحمد نفس حسين بنص الحديث المتواتر "حسين مني وأنا من حسين"، فإنَّ العالمية في رسالة الإسلام تستوجب العالمية في رسالة الإمام الحسين (ع) الذي نهض لإصلاح الإعوجاج في مسيرة الأمة الإسلامية الشاهدة على الأمم.
والأمة الشاهدة لا تعتبر شاهدة بحق وحقيقة إذا بان منها الإنحراف وظهر عليها الإنكسار وأصابها الوهن والخوار، لأن الحضارة لا تقوم على أمة منهزمة ولا مبادئ منحرفة ولا قيادات تتلاعب الأهواء بألبابها تلاعب الصبيان للكرة، ولذلك جاءت نهضة الإمام الحسين (ع) للأخذ بيد الأمة إلى الرشاد وسبل السلام، حتى تتمثل فيها صفة الشهادة والشاهدة، ولأجل ترجمة الوسطية في الآية 143 من سورة البقرة (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)، كان لابد من الشهادة على مذبح الأهداف السامية والمثل الراقية، فكانت كربلاء وكانت الدماء وكانت العزة والإباء رغم أنف الأعداء، فلم يمت الحسين (ع) بل مات أعداؤه، فهم ذبحوه جسما بحد السيف، لكنما أبطل سحرهم وأراجيفهم بعصا الشهادة، وصدق الخطيب والأديب العراقي الشيخ أحمد بن حسون الوائلي (ت 1424هـ)، وهو ينشد من بحر الكامل الثاني:
ظنوا بأنْ قتلَ الحسينَ يزيدُهم .... لكنما قتلَ الحسينُ يزيدا
فالحسين (ع) هو معيار الحق وشعاره ويزيد مثال الباطل وشناره، فأينما يحل يزيد لابد من حسين، وأينما حلّ حسين لابد من تشمير ساعد الجد والنصرة لمواجهة الظلم ورجاله، حتى نقدم للأمم الأخرى الصورة الناصعة لرسالة الحسين (ع) التي هي نفس رسالة محمد (ص) المتحدة في العالمية والعولمة.
ولكن: يظل التساؤل مشرأبا بعنقه باحثا عن الإجابة الناجعة من بين ازدحام الأجوبة الخطلة منها والصائبة على باب الحقيقة، كيف للأمة الوسط أن تعرض شهادتها على الأمم الأخرى؟ وكيف لها أن تقدم رسالة الحسين (ع) إلى الأمم الباحثة عن الحقيقة من بين ركام المدارس الفكرية والعقيدية المتصلة بعضها بالسماء والمتجذرة معظمها بالأرض؟
هنا مربط الفرس، فتسويق الشيء أهم من إيجاده، فتراكم الشيء لا يزيده بهاءاً ولا ثمناً، وإنما يتعاظم شأنه عندما يجد مكاناً يحل فيه ويؤثر على محيطه، كالنهر الجاري، فيكون فعلا وفاعلا وفاعلية، ورسالة بحجم رسالة الحسين (ع) ويوم كيوم الحسين (ع) إذ لا يوم كيومه، لا كان ولن يكون، لا بد من الإجتهاد في نشر تعاليم الرسالة بما تكون ناجزة ومنجزة وفاعلة في الوسط الإنساني تخلق تيارات جذب للآخر الذي لا يدين بالإسلام، فتخلق منه إنسانا متخلقاً بخلق الإسلام يملك نظرة عالمية حتى وإن لم يتعبد بالإسلام، فالإنسان هو محور رسالات السماء، وهو بالقطع محور رسالة الحسين (ع)، فما ينفع تقديمه من إعلام حسيني أو ثقافة حسينية في بلد ما قد لا يصلح في بلد آخر، فثقافات الأمم تختلف، والعولمة لا يعني تذويب الثقافات بقدر ما هي التقريب بينها وترك الخيار للناس.
فرسالة الإسلام تمتلك من المقومات ما ينفع الناس كل الناس، ولكن الأمر عائد لحنكة حملتها في عرضه للناس، ولعمري حيث افتقد البعض المسلم والآخر الموالي بوصلة الصواب أصاب الزعيم البوذي المعاصر الدلاي لاما عندما قالها والأسى يمسك بتلابيب قلبه: (إذا كانت لدينا نحن البوذ شخصيات مثل الإمام علي والإمام الحسين، وإذا كان لنا نهج البلاغة وكربلاء فإنه لن يبقى في العالم أحد إلا ويعتنق العقيدة البوذية، نحن نفتخر ونعتز بهاتين الشخصيتين الإسلاميتين) انظر: ديوان الأبوذية للكرباسي: 9/640. مجلة الأنصار البحرينية، العدد 11 محرم 1431 هـ.
• إعلامي وباحث عراقي مقيم في لندن