لا تذبحوا قرى سهل نينوى في يافطة السياسة يا إخوان
في البداية, أوّد الإشارة إلى حقيقة أنا أؤمن بها شخصيا وهكذا العديد من الإخوة الذين غالبا ما يؤكدون صحتها , بأن المبني على الباطل هو باطل لا محال, بشكل أوضح معنى كلمة البُطلان , هو أنّ الإصرار على فرض واقع ما ثم محاولة إقراره في وضع مرتبك لا يسوده سلطان العقل كالوضع الذي يمر به العراق اليوم هو أمر مشكوك فيه لايتعدى سوى كونه ضرب من الهراء ومغالاة في تسفيه الأمور من أجل تحقيق ما يصعب تحقيقه في الأوضاع الطبيعيه سواء عن طريق الإقتحام المبرمج فوق مجريات الأمور أو إستغلال وقائعها الشاذه, وفي كلتا الحالتين لن يكن مؤدى هذه التجاوزات إلا مردود على أصحابه.من الحقائق المسلّم بها في عصر يراد فيه تحقيق تطور ينعم فيه الإنسان, هي أن يكون طريق التحاور جماعيا و عقلانيا في تناول أيّة مسألة حيويه هو المدخل الحضاري المقبول قبل الإقدام على إتخاذ أي قرار مصيري, وكلّما كانت المشاركة أكثر شمولية في إغناء الحوار كلما عكست قدرا أكبر في مصداقية تحمّل المسؤلية المطلوبه ,وبهذا النسق سيكون الثمر أكثر نضوجا وقبولا في ذلك النقاش الحواري حول الفكره أو حتى القرار المتخذ بحقها , سواء كان القرار سلبا أو إيجابا , لكنه سيكتسب درجة عاليه من المصداقيه والشرعيه, وهي الكفيلة في تحقيق التغيير السلمي والإيجابي في مناحي الحياة عامة , كما من شأنها أن تمنح أصحاب القرار جرأة في شرعنة إعلانه أو في تسّهيل مهمّة التحشيد والتعبئه من أجل تمريره قطريا او دوليا خاصة حين يكون مذيّلا بموافقة الغالبية وممثليها على الأقل ,ولو أردنا بإخلاص تسخير الجهد الجماعي في هذا المجال بشكله الإنساني وتوجيهه من أجل الوصول إلسليم إلى القرار, يكون لزاما علينا في البدء أن نجري مناقشة مفصلّه حول أمور لا يمكن حصرها في نقطة او نقطتين , على سبيل المثال, حيثيّة ومرجعية الجهة التي إستصدرت أو طرحت المشروع .
وليكن مشروع مستقبل ومصير قرى سهل نينوى المطروح هو حصرا ما نوّد ان نتناوله , وربّما سيتفق معي الكثيرون على أن موضوع ومستقبل قرى سهل نينوى هومن الحسّاسيه بدرجة لا تسمح بالسكوت على البعض الذي يسعى إلى تمريره في ظروف شاذة وإستثنائيه كالتي يمر بها العراق ,وبسبب ما يحويه هذا الملف من تداخلات و تشعبات ما بين سياسية( قوميه /دينية ) و ( تاريخية/ ثقافية ) وما بين الذي نريده لأهلنا وأجيالنا في مستقبل العراق الجديد ما بعد الديكتاتوريات , يجعل إتخاذ اي قرار متسرّع فيه محض أسئلة و إستفسارات كثيره , كما جدير بنا أن نكون متفقين بوضوح وبكل جرأة ممكنه على الفائده المتحققه من المطالبه به الأن أو لاحقا في مراعاتنا لظروف البلد ومدى إمكانية وصيغة تحقيقه .
إن كان القصد هو ضم القرى الى أي أقليم أو ولاية , يفترض بنا أن نعرف من هو مالك الحجة القانونية في المطالبة , ومن هي الجهة التي يحق لها أن تطرح الفكره سياسيا / إداريا /إجتماعيا ,و هل من المعقول أن يتم إختزال وتجاوز البرلمان الوطني العراقي وكافة ممثلي أبناء الشعب عن البت في قرار او فكره مثل هذه , وهل يصح أن يقتصر الأمر برمته على قرار لرؤية حزب سياسي معين كي يقترح أو يجري إستفتاء ألكتروني أو لقاء صحفي ليقرر ما يراه بمعزل عن إرادة الجماهير ومن يمثلّها في البرلمان العراقي؟ أم يستوجب طرحه جماهيريا في ندوات يشترك في تشكيل ثقلها الأساسي نخب وأصناف مثقفين من أبناء شعبنا المستقلّين والسياسين سوية ثم يتم فيها مناقشة الموضوع رسميا وشعبيا, كي يتم نقله بعد دراسته إلى أروقة البرلمان الرئيسي في بغداد عن طريق ممثلّينا الشرعيين كي يصاغ منه توصيات رسمية موجهة إلى من يعنيهم أمر المواصلة في دراسته ومن ثم الشروع في تنفيذه على الأرض, بهذا الشكل من الإلتزام بالتسلسل المراجعي سنستطيع بالتأكيد إختزال الكثير من التفاصيل وإشكاليات ردود الأفعال المتوقعه و التي يطوف الكثير منها على ساحة العراق السياسية البائنة اليوم والتي نسمعها بتكرار في كل ساعو وكل تصريح .
تواجدنا القومي /الديني(الكلدواشوري السرياني المسيحي) في عراق اليوم هو ليست فقط في سهل نينوى, ولا في منطقة زاخو أو دهوك او عينكاوه أو شقلاوة وليس في المهجر, ففي مدن بغداد والبصرة وكركوك يتواجد الغالبية العظمى من تعداد أبناء شعبنا , لكن شواذ الأوضاع التي يمر بها البلد قد إضطرتهم بالفعل إلى مغادرة مدنهم وترك ممتلكاتهم وكنائسهم وبيوتهم ومصالحهم التجارية دون أن يتمكنوا حتى من بيعها لإستحصال قيمتها الماليه, إنه لمن التشاؤم التكهن والقول بأن كل الممتلكات والكنائس و الحقوق ستضيع أو قد ضاعت لمجرد ان الناس قد غادروا أماكنهم, وليس من الإنصاف أن يدّعي أحدنا بأننا على إستعداد كي نتركها من ضمن الخسائر كي يستحوذ عليها الأخرون, أنا أرى بأنه من الأولويات الواجب معالجتها هي مساءلة ومطالبة السلطات المركزيه بوجوب المحافظة على ممتلكات أصحابها , كي لا يحصل إصدار قرارات برلمانيةكالذي وقع فعلا حين أصدر البرلمان الكردستاني قرار إستملاك أموال الغير من الذين غادروا أماكنهم مجبرين لقاء دفع دنانير سويسريه قليله.
نعم, وضع العراق الشاذ لا يسمح لنا بالقول بأن لدينا الأن سلطة وطنيه ( حكوميه/أمنيه/ إداريه/ إقتصاديه/ برلمانيه ) تستطيع أن تفوّت على الأخرين محاولات إنتهازهم لفرص فبركة وفرض مشاريع أحزاب سياسية في رسم خرائط جديده كما حصل في صياغة الدستور , فهي مجملها إعتمدت ولا يزال شهوة وحلم هذا الحزب او تلك المنظومه, و لكن بالمقابل, ذلك لا يعني بالضرورة انه يترتب علينا كجزء حيوي من شعب العراق أن نكون ممتثلين وجاهزين لقبول ما يصدر من أي جهة سياسية لمجرد أنها تتمتع بقوتها وأموالها التي تفتقدها الأطراف الأخرى, أقل ما يحق لنا ممارسته هو أن نمتلك أو نطالب بتوفير الفرصة الكافيه لنا ولكافة تنظيماتنا السياسية والثقافية ومؤسساستنا الدينية للتباحث والتشاور داخليا وبإستقلالية تامه على أرضية اللقاءات ثم تبادل الأراء مع السلطة المركزية حتى وإن كانت ضعيفه كما نراها اليوم , وذلك في أضعف حالاته سيسجل لنا(لسياسيينا ورجال ديننا) موقف وطني ملتزم مضاف إلى العديد من مواقفنا الوطنيه تجاه تاريخ ووحدة أراضي العراق وتاخي شعبه .
الفيدرالية هي ثمر لثقافة الديمقراطية ,وليست العكس, ومن يحاول عكس الحقائق بما هو لصالحه فسوف لن يجني سوى النقد و الملامه في النهاية, شعوب العالم(الغربي الفيدرالي) المتحضر لم تستطع تحقيق ما حققته في أنظمتها الفيدرالية إلا بعد ان إجتازت بجداره مخاضات التغييرات المتتابعه عبر تبّنيها لبرامج التثقيف الوطني على مدى سنين, و ولا ننسى بأن البعض من هذه الدول لا تزال دساتيرها مؤقته ومنها من إستغرقت أكثر من عشر سنوات في صياغة و كتابة دستورها (أميركا) على سبيل المثال , لقد إنتهجت هذه الدول بنخبها السياسية والإجتماعية سلوكا نضاليا متدرج في إعتداله إلى أن رست بها الأمور كي تستعين بالتالي الى الإحتكام بالبرنامج النزيه و المجرد عن المحسوبيه في النسب العرقي او الديني او المذهبي او العشائري والعائلي,,,,,الخ
سؤالنا الطبيعي هنا يكون :: أيّ من هذه المحسوبيات غائبة اليوم عن عقول سياسيينا إبتداء من أخر نقطة في البصره إلى أعلى نقطة في زاخو؟
مع التقدير