لا لتطويع الكتاب والصحفيين .. لا لكم الأفواه ...!!
كتبت الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانم في روايتها "أحلام الجسد" تقول بحق أن الأم تبذل سنوات عدة من عمرها لكي تعلم الطفل كيفية النطق, في حين تبذل الحكومات العربية سنوات طويلة وأموالاً طائلة لتسكت الإنسان. هكذا عاش الكتاب والصحفيون وقوى المعارضة في العراق عقوداً طويلة ومريرة يعانون من سياسة كم الأفواه أو قضاء سنوات من عمر الإنسان في غياهب السجون الصدامية وسراديب الأمن العراقي أو الهروب إلى المنافي البعيدة أو الاختفاء القسري أو العثور على جثة الضحايا في المقابر الجماعية أو عدم العثور عليها أصلاً حيث كانت قد ذوبت في أحواض مليئة بحوامض تغيب جسد الإنسان كلية, أو رمي جسد الضحية, حياً كان أو ميتاً, في مكائن فرم هائلة تفرم اللحم والعظام وترمي بها إلى قنوات ماء حيث تتغذى عليها الأسماك!لقد عاش الشعب المرارة والهزيمة والانسحاق, عاش الظلم والاضطهاد والقهر اليومي, عاش الألم والدم والدموع, عاش الجوع والحرمان, حمل الكثير من بنات وابناء الشعب على أكتافه البنادق لمقارعة المستبدين في أرض العراق. مات الكثير من الناس الطيبين الذين كانوا يحلمون بغدٍ أكثر أمنا وسلاماً وازدهاراً, أكثر ديمقراطية وحيوية وأكثر إنسانية مما نواجهه اليوم.
مات الإنسان العربي وبجواره مات الكردي, ثم مات التركماني والكلداني والآشوري, مات الصابئي المندائي ومات الأيزيدي والكاكائي والشبكي, ماتوا تحت حراب الدكتاتورية. كان كم الأفواه والموت يلاحق الجميع, مات صباح الدرة وصفاء الحافظ وعائدة ياسين, مات محمد باقر الصدر وأخته بنت الهدى, مات عزيز السيد جاسم..., ابتلع الموت الكثير من العراقيات والعراقيين على مدى أربعين عاماً, إضافة إلى السنوات الأخيرة تحت حراب التكفيريين والمليشيات الطائفية المسلحة والبعث الصدامي الهامد, أفلا يكفي كل ذلك؟ هل نحن نعيش في جهنم, كما صورها لنا القرآن, التي تطالب دوماً ودون انقطاع : هل من مزيد؟
على أولئك الذين يحملون معاول الهدم بحجة الدفاع عن الدين من على منابر المساجد والجوامع والحسينيات أن يكفوا عن محاولة تكميم الأفواه, فلن نسكت بعد اليوم عن أي فاسد ومفسد, ولن نقبل بأن نُقدم كالخراف للطعن أو جز الصوف أو الذبح. لن نقبل أن نكون خرافاً ونسكت عما يجري تحت سمع وأبصار الجميع من نهب وسلب, وإذا ما تحدث أحدنا, رفع أحدهم عقيرته ناهقاً بالشتم والإهانة والتهديد والوعيد. وما أن ينتهي من خطبته حتى يجد الكاتب أو الصحفي الكاتب نفسه خارج دائرة العمل, مطرود من وظيفته, وهناك من ينفذ هذا الأمر غير الرسمي والقادم إليه من على منبر حسيني دون مناقشة, لأنه يخشى على نفسه بعد أن سمح بنشر مثل هذا المقال ضد الفساد. قيل قديماً إذا ما حلقت لحية جارك, فأقرأ على لحيتك السلام.. هكذا يتعامل بعض الناس ممن يخشون على وظائفهم من بعض الحكام والمتنفذين الحاليين, لأنهم كانوا في فترة البعث ممن رفع راية التأييد للبعث وتغني بصدام حسين أو كان مجبراً على ذلك!
الزميل أحمد عبد الحسين لم يتحدث كثيراً, كتب مقالاً قصيراً, وضع يديه على ما يتحدث به الشارع يومياً وفي كل ساعة, بل في كل لحظة. عشت ذلك في بغداد وكربلاء والحلة وفي أربيل والسليمانية ودهوك, عشت ذلك في كل مكان في أجهزة الدولة, في دائرة التسجيل العقاري وفي محاولات البعض في العودة إلى الوظائف من أجل الحصول على التقاعد رغم شرعيته, وعشت أخذ الرشوة حتى من بعض من يدعي الديمقراطية والتقدمية, بل والشيوعية. وتابعت ذلك كما عاشه الجميع في الحملة الانتخابية الأخيرة. أليس من حق صحفي عاقل ويشعر بالمسؤولية أن يكتب عما عرف به وعاشه يومياً؟
لن ينفع كم الأفواه بعد اليوم من بعض القوى التي تريد كم تلك الأفواه بكل ثمن. ولكن لم يستطع حتى صدام حسين كم كل الأفواه, رغم الموت الذي طال الكثيرين جداً من بنات وأبناء الوطن.
لنرفع صوتنا عالياً مطالبين بثلاثة مطالب لا غير في هذا المجال:
- الحرية الكاملة للصحافة والصحفيات والصحفيين وتأمين الحماية لهم من الموت والطرد من الوظيفة ومنع المحاربة بالرزق.
- الكف عن استخدام المنابر الحسينية والجوامع أو المساجد في محاربة الحريات الديمقراطية والحياة الحرة والدعاية الإيديولوجية الدينية ضد القوى الأخرى ومنها القوى الديمقراطية والعلمانية أو ضد المذاهب والأديان الأخرى.
- إعادة كل من طرد من الوظيفة بسبب غياب حرية الصحافة إلى عمله ومعاقبة قانونية لمن تسبب في ذلك, ومنهم السيد أحمد عبد الحسين.
وحين لا تقوم الحكومة بذلك علمنا ممارسة اسلوب الإضراب السلمي والتظاهر السلمي لإيصال صوتنا إلى المجتمع العراقي والدولي في آن لينتصر لنا, ونفرض بأسلوب سلمي وديمقراطي مطالبنا المشروعة والعادلة...
16/8/2009 كاظم حبيب