لا لمحافظة أبناء شعبنا في سهل نينوى
على ضوء برنامج (بالعراقي) الذي بثته قناة الحرة عراق في التاسعة من ليلة الاثنين 14 شباط 2011 حول استحداث محافظة لأبناء شعبنا في سهل نينوى. وكان ضيوف الحلقة الأربعة: أحد الآباء الكهنة في بغداد، ومستشار في وزارة الدولة الناطقة باسم الحكومة العراقية، وعضو مجلس النواب عن المكون الإيزيدي، وإعلامي وناشط كلدوآشوري، أقول.. وبعبارات وأفكار حرصت أن تكون سهلة بسيطة واضحة دونما تنظير:لقد بدا واضحا أن التوجهات في البرنامج كانت أربعة فعلا وعلى عدد الضيوف في هذه الحلقة:
التوجه الأول: توجه كنسي مسيحي لا شأن له بالسياسة من قريب أو بعيد، يخشى من تحول الكنائس في بغداد إلى متاحف، ومن هنا يتوجس من موضوع المحافظة رغم عدم وجود علاقة بين الأمرين، ولم يسبق لمتبني هذا التوجه أن سمع بمنطقة سهل نينوى.
التوجه الثاني: عروبي حكومي يعتمد في طروحاته على عباراة فلسفية منمقة نظرية لا تنجسم وواقع الحال.
التوجه الثالث: متوجس من القوى الكردستانية وقد ربط الموضوع بها سلفا دونما مسوغ، وهو يحمل موقفا مسبقا من هذه القوى وبالتالي من هذا المطلب ومن كل ما يعتقد أنه من أجنداتها حتى لو لم يكن الأمر كذلك.
التوجه الرابع: المتبني لمقترح المحافظة في سهل نينوى، وفق الأسس التي تم اعتمادها في طرح هذا الطلب، ولم ينل الفرصة الكافية لتوضيح وجهة نظره بسبب كثرة الضيوف وضيق وقت البرنامج في ظل الفواصل الكثيرة.
والواضح تماما أن المعلومات والمعطيات بشأن المحافظة المقترحة كانت منقوصة ومبتورة سواء عند الضيوف الثلاثة الأولين أو حتى عند مقدم البرنامج نفسه.
فكانت المحصلة النهائية للبرنامج وكأن الغالبية المعنية بالأمر من مختلف الأطراف والتوجهات قالت: لا للمحافظة لأبناء شعبنا في سهل نينوى!!!. وقد تعمدت أن أختار هذه المحصلة غير المنسجمة مع الواقع.. عنوانا لهذا المقال لعله يصل إلى كل المعنيين بزخم أكبر.
وانطلاقا من تصوري هذا للأمر.. أسجل وأكرر الآتي:
أولا: كنيسة المسيح، وفي كل أنحاء المعمورة، بعيدة كل البعد عن السياسة، والسيد المسيح له المجد قالها بوضوح: ( أعطوا ما للقيصر للقيصر وما لله لله )، والأمر لا يحتاج إلى اجتهاد أو تأويل.. وعندما ندعو رعاة الكنيسة الأجلاء والكهنة الأفاضل إلى عدم الخوض في السياسة لأنهم ربما لا يمتلكون مقومات الخوض فيها، فإن ذلك لا يعني الإساءة إليهم أو محاولة تهميشهم أو التقليل من شأنهم إنما الحفاظ على وقارهم ومكانتهم عند المؤمنين، وعلى سمو ونزاهة الواجب المؤتمنين عليه بمحض إرادتهم وخيارهم الحر .. كونهم رسلا وخداما لرسالة إيمانية تحمل تعاليم ومفاهيم سامية وثابتة لا تقبل التغيير أو التأويل أو مجاراة الواقع والظروف.. كونها من مصدر إلهي ثابت لا يتغير.. بينما السياسة متغيرة لا ثوابت فيها، تحمل الكثير من التحولات والمناورات وتغيير المواقف، وربما انتهاج المكر والتربص والشد والجذب ومفاهيم التوافق وغيرها من الممارسات التي هي في جملتها من المتغيرات ذات الطبيعة البشرية.. لا الإلهية.
ثانيا: لا أتحفظ وحسب.. إنما أعترض بشدة على توصيف أو تسمية المحافظة المقترحة بـ ( المسيحية )، مثلما أتأسف بشدة على الترويج لهذه التسمية سواءً عند رجالات السياسة والقوى السياسية العراقية أو في وسائل الإعلام العراقية عموما أو في وسائل إعلام شعبنا أو حتى لدى أبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري ومثقفيه وبعض مؤسساته.
فالمحافظة المقترحة لا تقوم على أساس ديني أو قومي، لأن ذلك مخالف للدستور الحالي الذي يحتاج بدوره إلى الكثير من التعديلات في الكثير من المحاور. إنما تقوم على أساس جغرافي ديموغرافي له غطاء دستوري.. فضلا عن البعد الاقتصادي لهذا المطلب.
ثالثا: المحافظة المقترحة.. لا تشمل المكون الكلداني السرياني الآشوري في سهل نينوى وحسب.. إنما أيضا باقي المكونات الموجودة فيه. ثم أن مسألة توصيف شعبنا بالوصف الديني له وحسب، كمكون مسيحي، إنما هي أيضا جزئية ينبغي التوقف عندها باهتمام، فهل القول إن (الشعب العراقي بكل مكوناته من العرب والكورد والتركمان والمسيحيين.... ) هو قول صحيح؟؟.. إنه قفز على الحقيقة وخروج عن السياق.. قد يكون مقصودا في مواقف معينة.. وعفويا في مواقف أخرى.
رابعا: نحن نعتز تماما بمسيحيتنا كهوية دينية.. مثلما يعتز باقي أخوتنا في الوطن بهويتهم الدينية. والدستور، رغم هناته، يضمن الحقوق الدينية لمكونات الشعب. أما التحدي اليوم فهو ذو طابع قومي في جوهره حتى لو بدا وكأنه في إطار ديني (استهداف الكنائس).
وتحديد شعبنا والتعامل معه بهويته الدينية الإيمانية فقط إنما هو تحجيم لهويته القومية السباقة بآلاف السنين. وتسهيل الأمر للفرقاء في الوطن لمواصلة احتوائه أو تهميشه وإقصائه والقفز على حقوقه المشروعة.
وقد يقول قائل هنا: (إن استهداف الكنائس والمسيحيين في بغداد والموصل جاء لكونها كنائس وكونهم مسيحيون).. أقول: نعم، ولكن لا علاقة لهذا الاستهداف بمطلب المحافظة في السهل، وفي النقاط المتبقية أدناه توضيح لذلك.
خامسا: لا يُقصد بهذه المحافظة المقترحة في سهل نينوى.. تجميع (المسيحيين) من مختلف محافظات ومدن العراق فيها.. وعزلهم في منطقة واحدة، أو محاولة للانفصال عن الإطار الوطني أو الجعرافي، إنما هو مشروع دستوري ضمن الإطار الوطني.. خاص بأبناء هذه المنطقة تحديدا.
سادسا: وبمعنى آخر.. فإن مطالبنا بحقوق أبناء شعبنا الموجودين منهم في الموصل وبغداد وكركوك والفلوجة والحلة والعمارة والبصرة، ولأنهم جزء من النسيج المجتمعي في هذه المحافظات والمدن دون أن تكون لهم فيها خصوصية جغرافية أو مكانية.. إنما هي مطالب لا تنفصل عن ما نطالب به لعموم أبناء شعبنا العراقي والمتمثلة بالأمن والأمان والسلم الاجتماعي وتحسين الخدمات وتوفير فرص العمل والقضاء على الفساد، والمساواة والعدل في التعيينات وتبوأ المناصب وحسب الكفاءة والمواطنة دون النظر إلى الهوية الدينية أو القومية.
أما الموجودين منهم في سهل نينوى.. وبحكم الخصوصية الجغرافية والديمغرافية لهم فإننا نطالب باستحداث هذه المحافظة لهم ولباقي المكونات الأخرى في السهل كوحدة إدارية تتوافق مع الدستور وتضمن اعتماد ميزانية خاصة لها.. لتطوير هذه المنطقة التي عانت وتعاني من الإهمال وتردي الخدمات والبنى التحتية منذ زمن النظام السابق وحتى ما بعد التغيير اللاحق.
سابعا: لنا في أبناء شعبنا من الأخوة الكورد أفضل مثال لذلك.. فهم موجودون في الموصل وكركوك وديالى وبغداد والبصرة وربما في جميع المحافظات العراقية الأخرى.. يعيشون فيها بسلام ويعملون ويدرسون ويمتلكون مصالحهم الخاصة. ولهم، في ذات الوقت، إقليم خاص بهم ضمن الدولة العراقية.. بحكومة وبرلمان وإدارة ذاتية وحدود جغرافية واضحة.
من هنا، ومن كل ما تقدم، أرى أن الرافضين لهذا المطلب.. المحافظة، سواء كان انطلاقهم في هذا الرفض نابعا من نوايا طيبة أو عدم وقوفهم على حقيقة الأمر بكل جوانبه.. أو كان رفضهم هذا عن قصد وإصرار ولغاية في نفس يعقوب.. فإنهم برفضهم هذا يجسدون المثل الشعبي القائل (لا يرحم.. ولا يخلي رحمة الله تنزل)..
ثامنا وأخيرا: على فصائلنا السياسية التي توحدت في تجمع التنظيمات السياسية لشعبنا الكلداني السرياني الآشوري أن تجتهد بشكل أكبر بشأن هذا المطلب كما باقي المطالب ولا سيما في الجانب الإعلامي الضعيف حتى الآن.. ولا يصيبها التراخي والفتور.. فتسعى أيضا خلال المرحلة الحالية، وبالتوازي مع الجانب الإعلامي وإدامة زخمه، إلى تحقيق ثلاث خطوات مهمة:
الأولى: التفاهم مع المؤسسة الكنسية في الوطن وتوضيح الصورة لها بكل زواياها وانعكاساتها، وإزالة كل لبس في هذا الموضوع وبالتالي الوصول إلى موقف مشترك بشأنه.
الثانية: اللقاء بممثلي المكونات الأخرى في سهل نينوى من الأخوة الشبك والإيزيديين والعرب والكورد المعنيين بالموضوع، ومؤسساتهم السياسية والثقافية والاجتماعية والعشائرية والدينية وباقي مؤسسات المجتمع المدني لهذه المكونات.. للقيام بما هو وارد في الخطوة الأولى أعلاه.
الثالثة: وبعد توفير القاعدة الصلبة على الأرض والرؤية المشتركة لهذا المطلب بين صفوف أبناء المنطقة بمختلف مكوناتهم ومؤسساتهم: التوجه به مع شروحاته ومضامينه وأسسه.. إلى المسؤولين الحكوميين أصحاب الشأن والعلاقة ابتداء من السيد محافظ نينوى مرورا بقادة الكتل السياسية العراقية.. وانتهاء بالرئاسات الأربع في العراق.. وربما، إذا تطلب الأمر، بالمؤسسات والمنظمات الدولية المؤثرة.