لا نريد لأحد ان يقلّد ديمقراطيتنا ..!!!
كانت كلمات مليئة بالسخرية تلك التي علق بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على دعوات الغرب وبألأخص الولايات المتحدة لروسيا بتعزيز الديمقراطية فيها حينها قال بوتين ..اننا نبني الديمقراطية ولكن ليست على شكل تلك التي بنتها الولايات المتحدة في العراق !!أثارت هذهِ الكلمات ضحك الصحفيين الحاضرين للمؤتمر الصحفي ، فالديمقراطية العراقية التي حلت على العراق بعد سقوط بغداد لا تثير ضحك الصحفيين فحسب بل حتى تلك الفئات التي لا تعلم شيئاً عن السيّاسة
فهي حالة فريدة من نوعها في العرف السياسي الدولي ، ويحق لبوتين وحلفاءهِ السخرية من هكذا ديمقراطيات حولت ساحة البلاد الى ميدان للموت المستمر وجعلت من الشعب هاربا وفاراً يبحث له عن مأوى في بلدان الجوار وباقي بلدان العالم ...
والحقيقة ان هذهِ الدعوات لم تكن صادقة في أعماقها كما كانت تلك الدعوات للديمقراطية في العراق والشرق ألأوسط ايضاً لانها في حقيقة ألأمر لم تكن إلا غطاء لتحقيق نوايا مبطّنة عرفتها شعوب العالم بوضوح بعد احتلال العراق وتدميرهِ ، لم تسلك روسيا طريق الديمقراطية العراقية لانها ستدخل في نفق لا يمكن لأحد إخراجها منه إلا بحرب عالمية ! فسلكت طريق الديمقراطية الغربية وهذا ما أزعجهم وأقلق مضاجعهم فتقليدهم يمثل خطراً على ديمقراطيتهم ايضاً لانها تبطل حججهم في المطالبات بالديمقراطية المزعومة !! مثلما قلّدت الصين منتجاتهم وراحت تصنعها بطريقة تصل لجودة موازية لجودة منتجاتهم ، ان إدراك الغرب لطريق الديمقراطية التي تسير بها روسيا اليوم تخيفهم وتدفعهم لعدم ارسال مراقبين كما فعلت منظمة الأمن والتعاون قبل أيام من إمتناعها عن إرسال مراقبين لمراقبة ألأنتخابات الروسية القادمة وهي ممتلئة غيضاً مما يحدث على الساحة الروسية من تطورات تعبّر عن واقع تفهم الروس لطبيعة ما يجري في الغرب جيداً مع فارق ان الدول ألأوربية تتبع العم سام بينما روسيا تسير كقوة مستقلّة ..
ما الذي يدفع الروس إذاً وغيرهم من تقليد ديمقراطية المحاصصة الطائفية التي أثبتت للعالم انها تقود الشعوب لتقتيل بعضها البعض بطريقة عجيبة تصل حتى لأستخدام الحمير في التفجيرات الأنتحارية !!
لقد تأكد العالم بأسرهِ من نمط الديمقراطية التي تريدها الولايات المتحدة في بلدان العالم التي ترغب في إخضاعها لها ولم يعد المجتمع الدولي بحاجة لأدلّة أكثر من تلك التي يشاهدها من على شاشات التلفاز لنوع الديمقراطية الموجودة في العراق والتي أوصلتهُ الى طليعة بلدان العالم في التخلف والفساد !!
لا يمكن لعاقل ان يصدّق ان ما يحدث في العراق يمت بصلة للديمقراطية ، فهي لم تجلب الحرية للشعب فقد غدا نصفهُ مهاجراً طوعياً ومهجّراً قسرياً والقسم ألآخر موزعاً بين السجون والمعتقلات التي ملئت محافظات العراق بحجة مساندة ألأرهاب وبين العمل مع ألأحتلال وقسماً صامتاً لا يعلم الى أين يتجه بين ثنايا هذهِ المعادلة العجيبة !!!
فالديمقراطية المحروسة بالحراب ألأمريكية لم تتمكن من جلب الماء والكهرباء والخدمات لشعب عانى طويلاً من حصار وتجويع فرضتهُ هذه القوة نفسها التي جائت تتدعي الحرية والديمقراطية في العراق فاللص لا يمكن ان يلعب دورين في آنِ واحد لا سيما بعد ان ادرك العالم بأسرهِ حقيقته وادرك حقيقة أهدافهِ التي أشعل الحرب لأجلها ، ان هناك بوناً شاسعاً بين ديمقراطيتنا العراقية عن باقي الديمقراطيات في العالم ولا داعي لاستعراض رموز فسادها لانها اصبحت معروفة حتى للذين لم يسمعوا بأسم العراق من قبل !!
ليست الديمقراطية بدعة تكنولوجية معقدة وبأمكان الشعب العراقي العيش تحت ظلها بهدوء وسكينة شرط ان تتوفر لها العوامل المساعدة ومن أهمها المظلة القانونية والقضائية التي ينبغي ان تكون المرجعية الأولى لتحديد طبيعة المسيرة التي يتوجب على هذه الديمقراطية وألأحزاب المنضوية تحتها الخضوع لها ، لا ان تكون خاضعة لمرجعية دينية او هيئة دينية او هيئة نزاهة ينخر بها الفساد او هيئة اجتثاث ومسائلة أعضائها اول من ينبغي اجتثاثهم إذا ما أريد لهذا العراق ان يعيش بسلام ...
تعدد الهيئات والمؤسسات التي تتدخل في العملية السياسية تشيرالى ان هناك فراغاً في المؤسسة القضائية او تشكيك في رجالها وإلا لماذا لا يخضع الجميع لها ويثق بقراراتها ؟؟ في الدولة الديمقراطية تخضع أجهزة الجيش والشرطة الى القضاء ألأعلى وليس لحزب معين او مرجع ديني !! وهذا يدل أيضاً على أنّ ألأحزاب الموجودة على الساحة السياسية في العراق لا تزال تعيش فترة مراهقة وبحاجة الى متابعة وتربية ونصائح وإلا لما تركت ميليشياتها خاضعة لها وفوق سلطة قانون الدولة !!
العملية السياسية الجارية اليوم في العراق والتي تخضع بالدرجة ألأولى الى سلطة السفير ألأمريكي لا يمكن اطلاق تسمية ديمقراطية عليها لأننا سنوّجّه إهانة مباشرة لقيم حضارية ناضلت البشرية طويلاً لأجل تحقيقها وهي لم تكن تتوقع انْ يتم تطبيقها بهذا الشكل المُهين في العراق بعد قرون ، فقد غابت عن هذه الديمقطراطية ألأخلاق أولاً كما يمثلها شخصيات لم تعرف يوماً ساحة السياسة وأدارة الدولة ولعبت المحسوبية والمنسوبية دوراً في السيطرة على المراكز والعبث بأمن ومقدّرات البلاد ...
لقد أعادت الديمقراطية الطائفية العراق الى ما قبل سيطرة العثمانيون عليه وحوّلت شعبهُ الى بقايا مشرّدين في دول الجوار وغيرها ينتظرون رحمة القوانين التي تطاردهم اينما حلّوا وترّحلوا ، ويدرك المقربون من جيش الأحتلال في العراق ان لا ديمقراطية هناك على ألأطلاق في هذا البلد لأن الجميع خاضع لسلطة المحتل ولا حول ولا قوة لأحد غير السفير ألأمريكي وجيش من المرتزقة تطوعوا للمحاربة في العراق هرباً من البطالة والجوع في أمريكا فالعالم بأسرهِ بات متأكداً ان من الحرب على العراق كانت حرباً لصوصية بالدرجة ألأولى ولم يعر أحداً القوانين الدولية ايّ اهتمام وأثبتت الدول التي سحبت جنودها ومعها كولن باول الطبيعة والأهداف الحقيقيتين للحملة على العراق ...
لا يمكن مواجهة قوى الشر والمحور الذي تقودهُ الولايات المتحدة بأسلوب مهذب ومعتدل في العرف السياسي لان قوة كهذهِ لا يمكن لمن ينافسها او يعاديها الا ان يستخدم نفس سلاحها حينها ستتقوقع تدريجياً وتدرك ان هناك مجانين في روسيا لا يفكرون في منافستها فحسب بل يفكرون حتى في إستخدام القنبلة الذرية لردع كوسوفو وغيرها عن الأنفصال والسيطرة على العالم بنفس الطريقة ألأمريكية !!
ان ديمقراطية الولايات المتحدة والعالم الغربي تسمح لكوسوفو اعلان استقلالها لكنها تقمع طموحات الباسك في اعلان استقلالهُ عن النظام العنصري في اسبانيا كما تصادر حق ألأيرلنديين في ان يكون لهم دولتهم المستقلة !! ناهيك طبعا عن استقلال جمهورية شمال قبرص وكشمير وفلسطين وكردستان وانغوشيا واوسيتيا الجنوبية ووحدة الشعب الكوري الذي تقف الولايات المتحدة والغرب عائقاً امام تحقيقها !!
الا يحق لبوتين السخرية من ديمقراطيتنا العراقية ؟
ان العراقي اليوم لم يعد يفكر بالمستقبل المزدهر كما كان يحلم من قبل بل اصبح يخشى يومهُ القادم خوفاً من ان يكون أشّدُ قسوةً وظلاماً بعد ان تحولت ساحات البلاد الى منابر دينية مظلمة تدعو العراقيون لقتل بعضهم البعض .. انهُ غيض من فيض الديمقراطية التي حلت على شعبنا ليس إلا !!
فالعراق يعود تدريجياً عبرها الى عهد الحجاج وباقي المستبدين من الذين حكموا بلادنا بالحديد والنار بحجة عدم تقبلهِ ألآخر ويصبح الحاكم الفعلي له رجال الجهل والظلام من الذين تشبّعوا بالتطرف والعنصرية ، وابتعدت البلاد عن الحضارة ومنهلها منذ ان وقعت أسيرة هذا النوع من رجال الحكم ان صحّت تسمية رجال عليهم !!!
ان من عجائب ديمقراطيتنا هذهِ تقاسم الوزاراة والمناصب بين العشائر والطوائف كما حدث في الديمقراطية اللبنانية التي حولت هي الأخرى البلد الى ساحات للمعارضة والموالاة ولا نتمنى للعراق ان يحذو حذو ذلك النوع من الديمقراطية التي أسهمت في جعل لبنان بلداً فاشلاً من الطراز ألأول بدلا من ان يكون طليعة للدول المحيطة به في التحضّر والتقدم !!
انها من نفس الينبوع وتسير في نفس الأتجاه مع فارق ان الجنوب العراقي لا يزال تابعا لبغداد وان الصدريين لا يزالون في بداية طريقهم لتكوين ديلة داخل دولة وفارقاً آخر هو ان عملاء السعودية في العراق ارهابيين بينما في لبنان وطنيين!!!
اليست هذهِ مفارقة جديرة بألأهتمام في عالم يحكمهُ سكّير من طراز بوش وتابع من طراز بلير ومراهق من طراز ساركوزي ؟؟
ان الديمقراطية الحقيقية التي يمكن لها ان تحكم العراق ينبغي لها ان تكون ثمرة نضال ابناءه في إخراج المحتل وبناء مؤسسات دستورية وقضائية يخضع لها الجميع في مقدمتهم رجال الدين والمرجعيات بدلاً من العكس ، لأن هذا النوع من الديمقراطية تجعل الشعب يشعر بأنهُ سيد نفسهُ وقادر على إستعادة مكانتهُ بين ألأمم الحرّة التي لا تقبل لنفسها ان تكون راكعة وخانعة لسلطة فاسدين لا يفكّروا سوى في مصالحهم الشخصية وكراسيهم !