لا يصح الا الصحيح ورحيل عمو بابا يشهد بان الموت ليس آخر كلمة
باسكال ورداوزيرة المهجرين والمهجرين ( الاسبق )
ومسؤولة علاقات منظمة حمورابي لحقوق الانسان
18/6/2009 بغداد
كوني احد المشاركين في الاستقبال الرسمي لجثمان النجم الذي تواصل في تألقه المرحوم المأسوف عليه شيخ المدربين العراقيين عمو بابا وذلك بالتنسيق مع المسؤولين المنظمين لمراسم في وزارة الدفاع, إذ اكررتعزية نفسي وجميع العراقين اود ان اسلسل المشهد الذي خص به الشعب العراقي بطله الرياضي العملاق الخالد عمو بابا ، لاواصل نعيه وان كان قد غاب عنا جسديا لكن تبقى روحه معنا وفي ذاكرتنا اليومية طالما الرياضة واقع يومي .
دون شك ان روحه الراقية في رحمة الله تتمتع بنعمة الرب في امل القيامة التي استحقها وذلك لاخلاصه في حب وطنه ونزاهته في مهامه وعذابه العميق الطويل على المستويين الجسدي والمعنوي في آن واحد.
كل من تابع الحدث الجلل لرحيل كبيرالكرة العراقية لاحظ مدى صدق عمق الحب الذي يكنه العراقيون لشخص انجز الفخر والانتصارات الكروية العديدة لانه سبب رفع العلم العراقي عاليا في كل ساحة لكرة القدم . كما ان الفرحة والشعور باهمية اعلاء اسم العراق التي أدخلها الى قلوب العراقيين جراء تلك الانتصارات هي التي اجمعت بين العراقيين ليكرموا الراحل الكابتن عمو بابا ابتداءا من محافظة دهوك واربيل في اقليم كوردستان العلراق انتهاءا ببغداد حيث يمكن اعتبارهذا الحدث فريدا من نوعه في توحيد احساس العراقيين وتعبيرهم تلقائيا عن وحدتهم الوطنية, بنفس النهج الذي كان يفرضه عمو بابا لدى تحقيق الانتصارات الكروية من قبل الفريق العراقي لكرة القدم قائلا "لأجل العراق". لذلك نؤكد على ان الحق لا يمحيه الزمن ولا الأحداث مهما طال حرمان صاحبه منه.
لدى دخوله الى مستشفى آزادي في دهوك كانت مبادرة المحب للرياضة السيد تمر كوجر محافظ دهوك الموقر بزيارة عمو بابا لتفقده ولطمأنته بوقوفه الى جواره وهو على فراش ألمه كان موقفا جديرا بالاحترام حيث صرح بانه هو والمحافظة في استعداد تام لتلبية جميع متطلبات علاج الكابتن المتألم مهما كلف ذلك سواء كان داخل العراق ام خارجه. وبعد أيام من ذلك اسلم شيخ المدربين الروح في المستشفى المذكور حيث منذ اللحظات الأولى بادر معالي وزير الدفاع السيد عبد القادر العبيدي الى تخصيص طائرة لنقل جثمان عمو بابا الى بغداد بعد ان تجول نعشه محمولا من قبل الجمهور في اربيل بجناز الأحترام يستحقه في ملعب أربيل قبل تسليمه الى الوفد الخاص بنقله الى بغداد. كما طالب الجمهور بهذا الامر في النجف وغيرها من المدن العراقية بغرض توديع شيخ المدربين ولم يحصلوا عليه.
ففي بغداد وبفارغ الصبر وحزن عميق توسع الوفد الرسمي في مطار بغداد الدولي لاستقبال جثمان النجم الساطع الذي ترك جمهوره الذي يودعه الى ديار الحق من خلال تحية عسكرية قامت بادائها فرقة الشرف الخاصة بكبار المسؤولين. وكان ذلك على ارض مطار بغداد الدولي ظهر الخميس 28 ايار 2009 حيث كان بانتظاره وفدا رسميا يمثل الحكومة من وزارة الشباب والرياضة برآسة ممثل وزارة الدفاع صاحبة المبادرة .كما التحقت انا شخصيا بالوفد الرسمي في المطاربصفتي وزير سابق ومعنية عن قرب بعمو بابا حيث كان يعتبرنا كعائلة له ويتردد لزيارتنا في البيت ليشكي لنا جميع همومه ,وذلك منذ اول معاملة تقاعده في 2004 . كما ضم الوفد عدد من اعضاء مجلس النواب وعلى راسهم الكابتن احمد راضي النائب عن لجنة الرياضة والشباب في البرلمان . بالاضافة الى عدد من رفاق دربه في الرياضة العراقية من الشباب وشخصيات معروفة لدى الجماهير أمثال قدوري و زميله الذي كان يعزي الحضور بصوته المميز وهذه المرة لا ليشجع ويبث فرح الانتصار في المباراة بل ليبكي ويصلي ويطالب باكبر احترام ممكن لعمو بابا. كما كان يلح دون توقف على تحقيق وصية عمو بابا بدفنه في ملعب الشعب معلنا تكرارا ان هذا الأمرليس مطلبه فقط بل انه مطلبا شعبيا وواصل يردده في المطار وفي بيت الراحل خلال نقل جثمانه ليلح على أعلى السلطات العراقية باصدار القرار الصائب . قدوري وانا نفسي ومجموعة من الحاضرين في المطار كنا نرى تنفيذ وصية عمو بابا شيئا غير قابل للنقاش. بينما كان هناك البعض الآخر من وزارة الشباب من الذين تحدثوا عن صعوبة الموافقات الخاصة بتحقيق المطلب وتحدثوا عن دفنه في المقبرة المسيحية في بعقوبة...عارضت ذلك قائلة لا داع لاية موافقة بل الحاجة العاجلة الى أمر من دولة رئيس الوزراء كون هذا حق مشروع له ..كذلك واصل غيرهم من الذين يعتبرون انفسهم المسؤولين الوحيدين في الساحة بينما الغاية الاساسية هي الظهور في الخطوط الامامية لاغراض اعلامية فقط , اعتبروا ووصفوا جهرا دفن عمو بابا في الملعب ب "عمل غيرحضاري"! ما لم يدهشني بقدر معرفتي لمن نطقوا بهذه العبارة كونهم متعودون على هكذا اجحاف وتجذيف بحق اوجه وشخصيات مخلصة ومرموقة خوفا من التسابق حتى على القبر! فالاستصغار بقيمة هؤولاء وتحجيم لدورهم هي محاولة فتاكة لادامة الاستحواذ على كل شيء ولا مفر من العملية حتى بعد الممات؟
لكن والحمد لله لا يصح الا الصحيح ,نرى ان في تواضع عمو بابا القوة . ففي المساء ذاته , اتى دولة رئيس الوزراء, السيد نوري المالكي بعد تعزيته للشعب العراقي لينعت عمو بابا "بابن العراق البار",اتى با مر ميزه كرجل دولة وليس كمرضي لحصة هذا الشخص أو كتابع لذلك الحزب او لتلك الطائفة, بل وبشكل موضوعي منطلاقا من الحس الوطني واهمية الارث الوطني و الحضاري جدا ,على العكس تماما عن ما سمعته في المطارقبل يوم , أمر دولة رئيس الوزراء وبكل صواب , بان يدفن شيخ المدربين في محيط ملعب الشعب ليس كما اوصى به ذلك الرمز الوطني الكبيرعمو بابا فحسب بل لانه استحق ذلك كرمز ويعد هذا اقل ما بامكان الدولة تقديمه له. انه كان شامخا مستقلا ولا ينتمي الى اية حركة حزبية او اية جهة سياسية معينة من اي صنف كان. وصفه وقارنه العديد من العراقيين بالدجلة والفرات كعلم لا يضاهيه احد . لآنه بوفاءه وبتضحياته رفع العلم العراقي عاليا في الساحات المحلية والعالمية مجردا من منافعه الخاصة ومستصغرا للمناصب بحد ذاتها منجزا بذلك مسؤوليته وهو مصرعلى ايمانه باعلاء مصلحة الوطن الى آخر انفاسه متحديا التقصير الحاصل بحقه. لذا ياتي تكريم عمو بابا بهذا المستوى الرفيع منذ أول يوم رقوده في المستشفى,فالمراسيم الرسمية له, بدت كتحصيل حاصل لمدى عمق ايمانه بالله والوطن و التي مارسها بحياته واعماله والمتمثل في " ما من حب اعظم من ان يبذل الانسان نفسه لاجل غيره" تطبيقا لتعاليم الانجيل المقدس. هذا كان طريق ودليل الكابتن الراحل منذ ان اختار التواصل الى الاخير في خدمة الآخرين بصرف النظر عن انتماءاتهم الدينية او السياسية وغيرها او المهام الموكل اليهم.
ترى هل ستصل هذه الدروس التي القاها عمو بابا بحياته وكلامه على الاطفال في مدرسته ؟ لقطات في غاية الروعة من البساطة لكنها محملة بالعمق والحق حين رفع حفنة من تربة الملعب في كف يديه ليطلب من الأطفال ان يحبوا أرض العراق ويدافعوا عنها كملك لهم محملا اياهم مسؤولية الاحتفاظ بها وتطويرها و يقدسوها... هل سوف يتجرأ من يتحمل مسؤولية ما في الخدمة العامة ان يقتدي بهذا المثل الرائع ,عمو بابا النزيه , الخالد الذي سوف يواصل برسالته الى كل صاحب ضمير من العراقيين؟ يا ليت ان يكون وفاة العملاق فرصة جديدة لصحوة الضمير تجاه سمو معنى الخير العام وصيانة الملك العام, وتقديس اهمية الدعوة الى الخدمة العامة كامانة ومسؤولية برقاب من يتقدم الى ادائها, كلف ذلك ما يكلف من التضحيات والمعاناة وليس كفرصة للاستغلال اكبر
أما اليوم الثاني وابتداءا من الساعات الأولى في كنيسة مريم العذراء مقر بطريركية الكنيسة الشرقية القديمة في كمب سارة وبرآسة غبطة البطريكان الكاردينال مار عمانوئيل دلي ومار ادي الثاني حيث قدمت الصلاة والكلمات من خلالها نعتا بها البطريركان الفقيد العظيم معتبرين فقدانه كخسارة للعراق باكمله, لكن سنة الحياة هي العودة الى الخالق والتمتع بالسعادة السرمدية في رحمته الوافرة. والملاحظ في المراسيم الدينية هو ارباك واضح لدى رؤساء الكنائس. لانه حسب اخت المغفور له السيدة كلوريا داوود التي حضرت التشييع في الكنيسة ثم الدفن, لم يؤخد برايها بخصوص الاجراءات الأخيرة و انتماء عمو بابا الكنسي و التي قالت بانه "كان ينتمي الى كنيسة مار يوسف الكلدانية في خربندة حيث تزوج هناك فالمطلوب غير المعمول به" الى درجة ان ما من احد قد فكر بوضع علامة الصليب على خشبة نعش المرحوم عمو بابا كما تجري العادة خلال المراسيم الدينية الخاصة بالدفن . مع ان المرحوم كان لم يخفي بانه مسيحيا كاثوليكيا مؤمنا . ما لم يمنعه من ان يتقبل جميع الاديان بالاحترام ويقبل منها كل ما هو ايجابي لدرجة عدم قدرة احد تمييزه لا بمحبته للجميع ولا بنظرته المتساوية على الجميع ما مكن بطل الكرة العراقية ان يبرهن بان قيود الطائفية والتطرف يمكن تدميرها من خلال ادراك اهمية احترام الآخر والنظرة الانسانية الى عظمة كرامة الانسان بغض النظر عن اي انتماء خاص به .
وبعد انتهاء المراسيم الكنسية تم نقل جثمانه الى ملعب الشعب ليعيد التكريم له بتحية عسكرية أخرى وبرآسة الدكتورعادل عبد المهدي نائب رئيس الجمهورية الذي نعت عمو بابا بالخالد في اذهان العراقيين والبطل والانسان والعم والمعلم للقيم التي جعلته يستحق ليس فقط دفنه في ملعب الشعب بل وعد ببناء صرح له ليبقى ذكراه متواصلا للرياضيين والعراقيين بشكل عام والاجيال التي اهتم بها في مدرسته بشكل خاص ... وها ان الجمهور والوفود الرسمية تدافعت وتسابقت لمرافقة نعش عمو بابا الى مثواه الأخير بعد انتهاء مراسيم الدفن بثاني تحية عسكرية له والتي عديدون كانوا بين الحاضرين ممن رددوا قائلين: " انه احترام خاص به لا يقارن باحد آخر..." وهنا أاكد للفقيد الذي كان قد تعود على ان يفتح قلبه لي ليشتكي همومه وخاصة المتعلقة بصحته وقلة الاهتمام به من قبل الجهات الرسمية و اقول: لا يصح الا الصحيح فالموت ليس آخر كلمة بل ما هو الا معبر صعب لا بد من اي انسان ان يجتازه. اردد لك يا قائد الرياضة العراقية الجميع كان يحبك لكن التلكؤ الاداري غير المسبوق وانشغال المسؤولين في هموم من نوع شائك للغاية أخل بمسؤوليتهم تجاهك ما ادى الى ابعاد فكرة تكريمك اكبر التكريم لاستحقاقك وتدوين قيمتك وانت على قيد الحياة بهدف تشجيع الاجيال من بعدك. واعتبر هذه النقطة من نقاط الخسارة للعراقيين انفسهم لانه في تكريم عمو بابا كان الشعب العراقي وفي مقدمته الرياضيين العراقيين هم موضوع التكريم ولانه ذلك كان فيه مصلحة لكل عراقي الا وهي اسعادهم واضافة حلقة اخرى على فرص ومراحل الانجاز و الفخر بالصرح الحضاري المتمثل بالتاريخ المشرف الذي انجزه شخص شيخ المدربين المرحوم عمو بابا.
مع ذلك لنقول مع القائل: " التأخير أفضل من العدم" !
هكذا نلاحظ تسابقا رسميا بين مختلف المسؤولين لتحقيق ما يستحقه عملاق الرياضة العراقية لكي على الأقل في اللحظات الأخيرة من حياته يعمم احترامه بما يستحقه انطلاقا من رحيله.
دون شك قيمة عمو بابا لم تنحصر في دوره الرياضي كمدرب لفريق كرة القدم والمنتهي عمليا , لكنه بقى في قلوب العراقين كمعلم على مستوى المباديء السامية الواضحة في بساطة روحه و فلسفته وعظمة نظرته الوطنية على قيمة العراق ارضا وشعبا بارشاده الاجيال بواجب الحفاظ عليهما بالاضافة الى اهمية اسعاد جمهوره ايا كانت التحديات .
ها ان الاسابيع تمر ولايزال العراقيون ينعتون المغفور له عمو بابا ( ببطل الأبطال, بالعملاق ,بالصرح البارز والخالد حاله حال باقي الاصرح التاريخية خالد كخلود الدجلة والفرات , ملحمة كلكامش , نجم النجوم الشامخ الكبيرللرياضة العراقية مثل كبار نجوم الشعر والفنون العراقية الذي يواصل بريق نوره ليكون شمس الكرة العراقية , , وخسارة لا يعوض والانسان الفريد باخلاصه و اخلاقه, والعم, والمحب المثالي للوطن والعراقي المسحي الذي عاش المباديء السامية بالافعال وليس بالكلمات فقط...الخ) وبالتالي الجميع يؤكد بان الكلمات عاجزة عن وصف سر حقيقة عمو بابا.
نعم اعتبر المغفور له عمو بابا البطل الفريد من نوعه و الذي طوال حياته نبذ الطائفية بايمانه المستقيم بالله المحبة والرحمة و بوحدة الشعب العراقي ومساواة قيمه وباحترامه الفعلي للجميع اديانا وطوائفا. كان محقا القائل ان عمو بابا لم يكون مسيحيا ولا مسلما ولا صابئيا بل انسانا وعراقيا نجح في جمع شمل العراقيين في شفافية اخلاقه واخلاصه في عمله ونظرته الموضوعية على الجميع واحترامه لصفات وحدود كل فرد, كل هذا جعل منه رجلا نبيلا ومثلا اعلى للتوازن والوحدة ليس فيما هو من المشتركات فحسب , بل فيما هو اعمق واشمل من ذلك والكامن في احترام كرامة كل انسان كما هو. وذلك من خلال نظرته الى الآخر وقبوله للانسان كاولوية بحد ذاته دون المساس بخصوصيته تحت اية ذريعة كانت . أما المتعلقات بتلك الانسانية فعبر عنها عمو بابا بحرية تامة لم يتمكن من زعزعتها و لا ازالتها عنه حتى الطاغية عدي بالرغم من الهجومات المتوحشة التي كان يستخدمها كوسائل استهزاء ومحاولات التصرف بكرامته بغية النيل من معنويات بطل لم يتمكن الطاغية من ان ينزع عنه علو سمعته وشهامته بغرض تحقيق حلمه البائس والمتمثل في الحل محله كبديل!! وبالفعل اقتنص عنه منصبه الرياضي ليفرض نفسه قسرا كبديل على اللجنة الأولومبية لكنه فشل قي دحر مجد عمو بابا الذي لون تاريخ الرياضة العراقية بالوان الفوز الزاهية كبطل الكرة العراقية حيث بقى فخرا في الصفحات الذهبية لتاريخ العراق وحضارته المعاصرة مهما طالت الانياب لتشويه تاريخه.
للاسف الشديد ان ثقافة هذا التشويه لم يكن الأول ولا الاخير من نوعه في تاريخ نظام افرز مثل هؤلاء السفاحين, وهم عديدون الى يومنا هذا سواء كان ذلك في الارهاب السياسي او غيره من اشكال الترهيب . بل هذا التشويه كان جزءا من جرائم تشويه التاريخ العراقي بما يسمى باعادة كتابة التاريخ التي تعود النظام البائد على ممارسته على جميع مستويات التاريخ العراقي الطويل بما فيها التلاعب باقدم الآثار البابلية ألآشورية التي بسبب ذلك التلاعب لم تعد في لائحة الارث المشترك للانسانية بعد لصق صورة الطاغية صدام لمقارنة نفسه بنبوخذنصر في معالم عريقة في بابل. كذلك التغيير الديمغرافي الذي مورس, التغيير القسري للانتماء القومي في هوية الاحوال الشخصية للعديد من العراقين في بغداد وغيرها من المدن مركزا على أعرق المكونات تاريخا... لكن بتحدي متواصل لتلك الهجمات الشرسة حافظ فقيدنا على اصالته وانتمائه من حيث استقى الايمان بالقيم الوطنية.
نعم انه لم ينكر هويته ألآشورية ولكنته العربية الهجينة من السريانية, لغته الأم , و خير دليل على ذلك عدم تمكن عمو بابا من تعريب لهجته بشكل كامل. كما لم ينكر ديانته المسيحية بل افتخر بها قائلا بانه منها نال اسس اخلاقه النادرة والعميقة في المحبة والتضحية والاخلاص لوطنه الى درجة تحمله التضحية ليس براحته وصحته الشخصية فحسب بل بعائلته التي عانت الكثير من النظام السابق و حيث اثر تلك المعاناة تشتت في اكثر من دولة وبطرق وأوقات مختلفة في ظروف صعبة للغاية . اشهد لبعض من تلك المعناة خلال السنين التسعينات لدى استماعي لقضية سامي نجل المرحوم في فرنسا والذي انقذه عمو بابا بقدرة العناية الالهية من قبضة النظام الدموي.
ان التواضع الذي اتصف به البطل الكبير قد ازال صفة الضعف التي غالبا ما تلصق جهرا بفضيلة التواضع التي فسرها عموبابا بحياته ليعرفها كانعكاس لمحبة الله وقرب الانسان منه. والدليل على هذا هو تجلي عظمة الشخص الذي يعيش التواضع اكثر فأكثر لتصل الى ذروتها حيث حتى الموت غير قادر ان يضع حدا لقوة التواضع بل تواصل نعمتها على الآخرين وصورته تبقى في اذهان وقلوب الكبار والصغار. واكبر مثل لذلك الواقع هو رحيل عمو بابا ومشهد ردود الافعال بسبب ما زرعه من احساس بالمسؤولية التاريخية لدى الجمهور العراقي سواءا كان رياضيا ام غير معني بالرياضة , كما لدى عدد من المسؤولين الذين تسابقوا لتقديم اقصى عبارات الاحترام لانسان نبيل ومتواضع . والكل يعترف بانه افتقر الى القليل من هذا الشعورالذي كان من واجب الجميع تقديمه له خلال بقاءه على قيد الحياة. مع ذلك ارجع واقول انطلاقا من معرفتي لمزاج المرحوم عمو بابا لا يهم بما انه كان قنوعا وتمتع بروح رياضية بكل معاني الكلمة ومقتنعا بما يفرزه الزمن والظروف له لانه كان يرى كل شيء عابر ما عدا العراق ورفعته . فاذا كان هناك اعتبار خاص لقبر عمو بابا ليتواصل اسمه في التاريخ ليس لما قدمه من انجازات فحسب بل لاكثر تمجيدا للعراق واضافة حلقة حضارية اخرى على تاريخ باكورة الحضارات ,العراق, كون اسم عمو بابا يشكل جزء من الصرح الحضاري لحضارة وادي الرافدين شأنه شأن الاوجه العريقة من الملوك والشخصيات التي تركت بصمات التألق والاعمار والتاسيس لتاريخ الانتصارات الحضارية في التاريخ القديم امثال آشوربانيبال,حمورابي,سرجون وغيرهم
مع ان عمو بابا كان يسخر من المناصب ومزاياها معتبرا بان المنصب يصنعه الانسان وليس العكس الى درجة انه في اكثر من حديث وصف المنصب بالمقعد وقزمه "بالسكاملي"!؟ "قائلا "انا ما اريد السكاملي. السكاملي ما مهم ولا هو هدفي, بل اريد مكانة العراق وجمع العراقيين في وحدة الهدف التي هي سعادتهم وافراحهم بانتصارات فريقنا"...بالاضافة الى ان الكرة توحد العالم والكل يهتم بها لاجل اسعاد الشعوب بمكاسب رياضية تكون فرصة لتثبيت وجود الدول وعلاقاتها بين بعضها البعض.
كان عمو بابا مثقفا و يتابع السياسة ويعلم جيدا بالفعاليات المختلفة لزعماء السياسة في العراق كما كان يحلم بان يحكم العراق اناسا يرون خير العراق من رؤيته السخية لشعب وارض العراق ونفسيته النزيه. كان عمو بابا بالرغم من تعبيره عن أفكاره بصيغ بسيطة لغويا كان يواكب التطورات العراقية و العالمية. خلال الانتخابات البرلمانية الآولى لسنة 2005 حيث كنت مرشحة على رأس قائمة الرافدين على الموصل اتصل بي رحمه الله وقال "يا عزيزتي انا احبك كثيرا وارى بان العراق بحاجة الى عدد من امثالك ارجو ان تقبلي ان ارافقك في الحملة الانتخابية وساذهب معك الى مدينة الصدر والنجف وكربلاء الى البصرة والانبار والموصل ودهوك وسليمانية واربيل ساجلب لك اصوات العراقيين وهذه ستكون سعادة كبيرة لي بالرغم من وضعي الصحي غير الطبيعي" بخجل كبير امام عظمة عمو بابا شكرته و قلت له بشكل تلقائي البتة لا اقبل على نفسي ان اضيف الى آلام انسان اريد الاحتفاض به سليما ومعافيا لا بل في استعداد لتقديم اية خدمة لكم بقدرالامكان لتواصل سعيدا حيا بين العراقيين. قلت له انك ستتعب في الحملة ولا اسمح لنفسي بذلك لانني كمرشحة ساعوض باي آخر مثلي وربما افضل مني أما انت فلا تعوض يا رابي العظيم عمو بابا. ان فرحتي برؤيتك سالما اكبر من الحصول على مقعد وانت ضحية لذلك. واصل الحاحه وخطابه الوطني لي طالبا مني لاسمح له بذلك فرفضت قطقا . فقال اذن انني ساتحدث على الاعلام قلت له لا مانع من اي شيء لا يضر بصحتك انك غال علينا ودعنا ان نفتخر بك قدر ما الرب يطول عمرك. فيبدو قد تكلم على شاشة فضائية آشور وكرر اسمي قائلا بانه يدعمني ويرى في المثل للاخلاص والسخاء للعراقيين...
في رحمة الله يا عملاق المخلصين راجية من الرب القدير ان يجعل تعاليمك مرجعا للاخلاق العامة وان يكون تمثالك الذي تقرر اقامته على قبرك الزكي من قبل امانة بغداد, فرصة يذكر العراقيين بواجباتهم مهما كانت المسؤوليات التي انيطوا بها للسعي الى التخلص من روح العنصرية الطائفية والتعسف والاستعلاء ايا كان عنوانها واستبدالها بالقيم التي ضحيت بحياتك لتحقيقها والتي هي سمو المحبة والاخلاص ونظرة الاخوة والابتعاد عن الانتقام باحترام الآخر وصيانة الخير العام. نرجو ان يكون وفاءك قدوة للمسؤولين على المال العام لانتشال اسم العراق من لوائح الفساد بانواعه. كما نامل ان يولد فقدانك وعيا جديدا لدى المعنيين بمختلف المسؤوليات العامة ليتمكنوا من القيام برد اعتبارجميع العراقيين المظلومين طيلة العقود الماضية بسبب سياسات الاستغلال وهدر لحقوقهم وفي مقدمتها الحقوق الاساسية للانسان. فالعلة كامنة في الفهم او بكل بساطة في استخدام خاطيء للمناصب والمسؤوليات العامة التي تقزم في النظرة الضيقة على أولويات المنفعة العامة وانعدام الادراك لاهمية وقدسية الخير العام الذي دون خجل يتم استبداله بالمنافع الخاصة على حساب حقوق الناس ومعاناتهم.
ليرحمك الله في نعمته الواسعة بالسعادة اللامتناهية يا أبا سامي في الحياة الابدية وتشفع لنا من ديار الرحمة والغفران. آمين