لتكن القوش فوق فلسفة: انا اعترض إذن انا موجود. / الحلقة الثالثة والأخيرة
أرجو المعذرة عن تأخير كتابة الحلقة الثالثة بسبب بعض الإنشغالات.لأن الانسان فضولي بطبعه لمعرفة المزيد وانا لست استثناء من هذه القاعدة ,كان لا بد ان اعرف أثناء تواجدي في القوش و احاول التقرب أكثر حيث أستطيع قطع الشك باليقين و معرفة الجهة او الجهات التي تقوم بالتمويل المادي الذي يضمن ديمومة فعالية البعض من هذه المنتديات السياسية او الثقافية حديثة النشئ،ولاجل تطمين رغبة فضولي ، طرحت العديد من الاسئلة على عدد من المنتمين الى هذه المؤسسات والمجالس ،ومن حصيلة كل الاجابات المتفقة مع بعضها تارة والمتناقضة اطوارا كثيرة تبين لي تطابق نظرية (سياسة اليوم يصنعها المال) ,وحين التعرف على مصدر هذا المال سنعرف حتما هوية تلك السياسة و صنف روّادها , وكأنّنا بهم يقولون لنا بأن الذين رفضوا المغريات و وقفوا بقاماتهم الشامخة ضد نظام البعث وحاكمه الديكتاتوري كانوا من صنف الأغبياء سياسيا حين رفضوا مغدقات صدام , والمبكي في المشهد هو أننا بزوال ذاك النظام الظالم إستفحلت بنا حمى عالية في حب الدولار تشن عبرها حربا نفسية إستهدفت تهميش و ترهيب شعبنا علاوة على ما أصابه من ظلم وقهر وتهجير قسري راح يزعزع أرضيته و يدفع به نحو مغازلة خيار الهجرة المريرة ألتي لم تبقي من شعبنا سوى ثلث تعداده الذي عرفناه زمن صدام , يا ترى اين الخلل إذن .
كانت تعد بلدة القوش, كما تختزن ذاكرتي, معقلا حصينا لتنظيمات الحزب الشيوعي منذ امد ليس بالقصير،لا بل كان البعض يسمي القوش موسكو الصغرى،وكان للبعث الحاكم حتى نيسان 2003منظمة حزبية تعمل تحت جناح السلطة ورعايتها حين كان شغلها الشاغل قمع وتجميد طاقات مثقفي القصبة ليتم طرحهم في مسطر الخاملين
الا ان تلك المنظمة ورغم استحواذ حزب البعث على خزينة الدولة العراقية لم تغدق على البعثيين وانصارهم في القوش( وقرى أخرى) بالقدر الذي يغدقه البعض اليوم على عناصرهم وانصارهم،كان جل ما تقدمه المنظمة البعثية في القوش وخاصة لمن هم حملة الشهادات من أجل كسبهم هو توسيع رقعة خياراتهم الوظيفية لا اكثر،في حين الحال اليوم في القوش هو غير ذلك،حيث الدفع نقدي وببذخ قلّ مثيله ،وهذا كما اعتقد لا يخرج عن مبدأ شراء ذمم الناس.
نظرا للظروف الاقتصادية الخانقة التي يمر بها عموم المجتمع ،فأن هذا الحال سيفرض ان تبدو التنظيمات غير القادرة على الدفع كما المسلوب الارادة ،فالحزب الشيوعي, على سبيل المثال, وهو صاحب التاريخ النضالي الحافل إنحسر دوره وخسر من انصاره العديد نتيجة رواج سوق المساومة هذا رواجا كبيرا وكذلك ينطبق الحال على الحركة الديمقراطية الاشورية التي دأبت وما تزال على ان تكون المتنفس الحقيقي لطموحات اهلنا القومية ،ولأجل ان تحكم اركان اللعبة كان لا بد ان تأخذ الأحزاب الغنية التي تقوم بالصرف اسماء أشبه بالكارتونية تتلائم لإفتعال الصراعات الداخلية وإضعاف دورالمكوّن الوطني الشعبي والقومي لأهلنا الكلدواشوريين السريان بالنيابة عن اسماء الجهات الممولة الحقيقية , بالضبط كما كان يفعله صدام بحق الأكراد وحزبيهما الرئيسين .
كلّنا يعلم بأنه ليس في بلدة القوش ولا القرى المجاورة اي وجود قومي كردي حقيقي(عدا قرى إخواننا الإيزديين الذين يتأرجحون بين إعلان كرديتهم من عدمها وهم أحرار في ذلك) ،اما اهلنا في بقية القرى وفي القوش فلا اظن ان هناك من يتجرأ على الصاقهم بالعرب أو بالأكراد قوميا،ولكي تحكم اطراف اللعبة السياسية كما قلت فيما سلف،كان لابد من اختراع منافذ شرعية تمكن الاحزاب الكردية من النفوذ من خلالها الى المجتمع الكلدو اشوري السرياني، وما فكرة المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري سوى إحدى هذه البدع ،ونحن جميعا نعرف ان هذا المجلس وغيره من المؤسسات والتنظيمات المستحدثة التي اتخذت اسماء قومية أشورية أو كلدانية او سريانية بعد سقوط النظام وجدت في معظم حالاتها لتكون البديل أو بمثابة الناشط النائب عن الاحزاب الكردية من أجل تدوير دفة الصراع ما بين الاخوة بالوكالة, والعامل المحرّك الأساس هو المال , وهذا ما نستهجن صدوره من جيران تاريخيين لنا قاسمناهم الظلم والقهر وإختلطت دماءنا بدماءهم ,و من يدعي عكس ما اقوله فأرجوه الإتيان بالحجة التي تنفي صحة إدعائي ،وما ينطبق على القوش في هذه الخصوص ينطبق تقريبا على كل قرى سهل نينوى الكلداشورية السريانية او حتى تلك التي تقع في عمق مدن شمال وطننا العزيز.
انا هنا لست في معرض التقييم او الانتقاد من اجل الانتقاد فقط أو لإثارة الأحقاد والضغائن لاقدر الله , لأننا ككلدوأشوريين سريان , كنّا و ما زلنا نقف على مساحة أرض العراق من إخواننا العرب والأكراد والإيزديين والتركمان والارمن والشبك والصابئة على نفس المسافة في نبذ الظلم وأزلامه وناضلنا من أجل وطن يتساوى فيه الجميع ،انما أنا هنا اشخص ظاهرة ارى انها لو استشرت اكثر فأنها سوف تشكل سابقة خطيرة قد تؤثر في المستقبل القريب سلبا على مجمل علاقاتنا الوطنية وعلى كل مجريات الحياة في القوش وسواها من بلداتنا وقصباتنا وقرانا الكلداشورية السريانية, خاصة في وضع طالت فيه غيبة ملامح أية قدرة لسلطات حكومة مركزيه تطبّق القوانيين وتضبط الأمن ،ولمزيد التوضيح أقول أن هذه الظاهرة الطارئة زاد تفعيلها في استخدام المظاهر الدينية وبعض رجال الدين في الترويج للماكنة الاقتصادية التي صار البعض يستخدمها من اجل تأجيج مشاعر البسطاء من الناس بنيّة لا اظنها بريئة مطلقا،ففي القوش على سبيل المثال تم تشييد صروح (دينية) كبيرة لأفراد إختاروا التنسك والتعبّد سبيلا للفوز بالآخره لمجرد لفت نظر البسطاء ليس إلا ،ولو تساءلنا عن اهمية تلك الصروح انا واثق من عدم قدرة احد على اقناعي بضرورتها،في حين لو كانت المبالغ المصروفة قد وظفت في انشاء مشاريع يستفيد منها المواطن لكان لزاما عليَ ان أحني رأسي تعبيرا عن عرفاني وتقديري لصاحب هذا الجهد مهما إشتدّ خلافي الفكري معه .
نحن موقنون جميعا من ان معطيات العصر سوف لن تسمح برجوع التاريخ الى الوراء كما يريد البعض ان يوهمنا ويجتهد ان يقنعنا بأتخاذ هذا الوهم حقيقة مسلم بها،والا ما الحكمة من صرف الاموال الطائلة الى حد البذخ في تشييد ثلاث أو أربع اديرة سوف يتلاعب الريح بين جدرانها ويصفر الصدى في سكونها ؟الم يكن من الاجدى صرف هذه المبالغ في مشاريع كان يمكن ان تساهم في امتصاص البطالة المتفاقمة في القوش وقراها المجاورة ؟الم يكن من باب اولى ان تصرف تلك المبالغ في ما من شأنه ان يدفع بالمواطن الالقوشي الى التمسك بأرض ابائه واجداده بدل التغزل بحلم الاغتراب الذي صار يقض مضجع اغلب اهلنا بسبب الوضع الاقتصادي المنحصر وواقع السياسة المزرية التي يعيشونها مما أجبر العديد من اصحاب السيرة النضالية الحميدة ان يحنوا قاماتهم امام اعصار التشرذم الجارف الذي صار يضرب القوش وغير القوش لشدته،اجل ايها السيدات والسادة ان البعض من مثقفينا تشرذموا مكرهين وفق نظرية:من ليس معي فهو ضدي،وصاروا يصرفون الساعات الطويلة من نهارهم وليلهم في رصد تحركات احدهم الاخر من اجل المعارضة فقط واظهار سلبيات بعضهم البعض.
ان هناك واقعا في قرانا يقول , وأقولها بكل صراحة , صار اهلنا يتصرفون وكأنهم خلقوا بعد 9 نيسان 2003 وفرضت الظروف النفسية و الاقتصادية على العديد منهم ان يوشك على مسح تاريخه النضالي المشرف ويقبل بالعمل لدى جهات اقل ما يقال عنها هو انها تروج لعقيدة تتناقض والعقيدة التي تبناها وناضل وضحى من اجلها سنوات طويلة، وهذا مناقض تماما لما يطبل ويزمر له البعض في مقالاتهم الانشائية ،لانه لو كانت الظروف كما يصورونها في جرة أقلامهم ،فما مبرر تمسكهم بغربتهم؟ أو ما الذي يدفع انسان الى التكيف وشروط الغربة حين يكون مسقط رأسه ينعم بما وصفه في انشائه المدرسي يا ترى؟
لو عاتبت اهلي في القوش وووجهت إليهم تهمة قصر الدراية , فإني أفعل ذلك عن محبتي لهم و بسبب ما رأيته وهم في واقع الحال يسرعون الخطى في الطريق المؤدية الى الاغتراب، ولو سمحت لنفسي وصدقت الهراء ألذي صار يورده البعض في انشائاتهم المدرسية ، لا يسعني هنا إلا أن اهيب بكل انسان القوشي ان يطلب من هذه النماذج التي لا تعرف ان تطلق صوتها سوى في مهرجانات الزيف وتحريف الحقائق, نطالبهم ان يمروا وهم في طريق عودتهم الى الدول التي جاؤا منها ،بدءا باستنبول ودمشق وعمان واثينا وغيرها من المحطات وذلك ما رأيته بأمّ عيني ليتعرفوا على الواقع المؤلم الذي يعيشه الانسان الالقوشي والتللسقفي والبطناوي وآخرون بالآلاف منتظرين رحمة الله ورحمة الشيطان في تلك البلدان ،فلربما يتحرك ضميرهم ويتوقفون ولو لبعض الوقت عن التزميرللباطل أو بقذف السهام المسمومة تجاه أهلهم .
اجل ايها الاحبة جميعا،ان صورة الواقع الحقيقي في القوشنا الحبيبة وقرانا الأخرى يتطلب منّا وقفة جديّة ،واخشى ما اخشاه هو ان يطول مشوار هذه الغمة فنضيع الخيط والعصفور ليقول لنا التاريخ هذا ما سعيتم إليه , أقول ذلك ليس تشاؤما ،انما الالم والحزن يأكلان قلبي لبعض ما شاهدته بعيني ولمسته بيدي رغم قصر طول امد زيارتي ،لقد التقيت بأحبة كان لا يحلو لي الا والفخر يملؤني حين اتحدث عن تاريخهم النضالي،وأتمنى أن لا تصدق مقولة الصديق الشاعرالبطناوي الاستاذ ياقو بلو حين قال يوما:ان رنين الدراهم يدحرج التيجان؟.
الذي ادعو اليه في ختام سطوري هذه :اني وانطلاقا من محبتي الفائقة لكل انسان القوشي واي انسان عانى مثله ،ادعو من يفترض انهم هم النخبة وعلى كل الاصعدة ان يمدوا ايديهم الى بعضهم بالحب لكي يعرفوا ان يشخصوا الاخطاء سواء تلك الشخصية او التي يمكن ان تتشظى وينفذ رذاذ سمومها تخوم المجتمع فينحصر داخل حدودها وبذلك تكون خسارتنا من النوع الذي يصعب تعويضه،والحالة التي تنطبق على القوش لا تشذ عنها احوال بقية مدننا وبلداتنا وقصباتنا وقرانا الكلدواشورية السريانية في اي مكان اخر من ارض وطننا العراقي, وما حال ديموغرافية مدينتنا العزيزة تلكيف أليوم سوى دليل شاخص لما أنا متخوّف منه ،كما اني اثق ثقة حقيقية بأننا لو فعلنا ما مطلوب منا بشجاعة, سوف يليق بنا جميعا ان يتفاخر الاخ بأخيه والجار بجاره،وبذلك نكون قد انقذنا القوشنا وهكذا بقية قرانا من الكثير من المخاطر المحدقة بها نتيجة مزاولتنا لحرفة المعارضة التي لا تكلفنا سوى جهد الكلام.
في مسك إختتام حلقات مقالي ألتي أعتبرها لقاء أخوي آخر مع أهلي عبر فضاء الإنترنيت , أتوجه بشكري الجزيل لكافة الأصدقاء والأحبة ألذين أتمنى لقاءهم ثانية عن قريب في القوش وتللسقف وعينكاوة ودمشق والقامشلي وأسطنبول للمزيد من الحوارات و لأرد لهم جميل عرفانهم حين منحوا لي من وقتهم وشرّفوني بزياراتهم و بدعواتهم الأخوية إلى بيوتهم وجلساتنا في أماسي التوأمين المشكورين جمعية القوش الثقافية و نادي ألقوش العائلي .
دمتم جميعا ودام لنا الوطن