لروح شهيد جامعة الموصل زيا توما ... لتستشهد ذكرياتي معك !!
إلى من نزح َ من بغداد إلى الموصل مُـرغماًإلى روح الشهيد المهندس زيا توما الذي استشهد في يوم 16-2-2010 في طريقه لجامعة الموصل التي لم يصلها فوصلت روحه الطاهرة إلى ربها..
أكتب هذه السطور ..
إني مثلك يا زيا كنت يوماً طالبا في جامعة الموصل ,مثلك ارتديت الزي الموحد ,مثلك كنت انهض كل صباح إلى موقف الباصات واركب باص الجامعة, مثلك كنت القي التحية كل صباح على بائع الخضار واستنسخ المحاضرات في الجهة المقابلة لجامعة الموصل .
اكتبها لروحك الطاهرة ولروح شهدائنا في الموصل والى كل من يقرا هذه السطور لأني أريد أن اخبرهم كيف كانت الموصل وجامعتها وطلابها وأهلها بالأمس وكيف هي اليوم ؟؟؟
العام الدراسي 1996 – 1997 شاء معدلي و نظام القبول المركزي أن أ ُقبل بجامعة الموصل- كلية العلوم (قسم الكيمياء) مع العلم أني من سكنة بغداد فلم يكن يازيا والدي صديقا للريس أو أي شيء أخر لكي اكتسب خمسة درجات أضافية على المعدل تبقيني في بغداد, بينما أنت تركت بغداد ونزحت للموصل بسبب الظروف الأمنية وليست المعدل, فمعدلك كبير أَهلك لدخول كلية الهندسة..تهدد مستقبلي الدراسي بالخطر وذلك للحالة الاقتصادية وأمور أخرى وأنت تهدد مستقبلك في بغداد بسب الأمن المفقود ..ألا أن وقفة أقاربي معي وأهل الموصل بكل مكوناتها وتنوعها كان لها الأثر الكبير في مواصلة المشوار . أربعة سنين قضيتها في مدينة الموصل كطالب محافظات ..مع مختلف الشرائح من طلاب محافظات الجنوب ,كركوك, ديالى ,الانبار ,وسهل نينوى,قره قوش , كرمليش وبرطلة ..مازلت أتذكر الأستاذ سعدالله في مادة الكيمياء الفيزياوية يبدأ محاضرته بالبسملة وعندما نصل لمحاضرة الجدار الفاصل في السوائل يذكرنا بأن هذه الظاهرة مذكورة في القران الكريم بظاهرة البرزخ ويذكر الآية وبعدها يدخل الأستاذ نبيل المسيحي لمادة الكيمياء اللاعضوية وبعدها الدكتور عماد ومادة الصناعية ويخبرنا عن مشروعه في حقل القيارة النفطي وكيف له براءة اختراع بتنقية النفط في هذا الحقل من الشائبة الكبريتية وهكذا في المختبرات وقاعات الدراسة والمركز الطلابي نلتقي بزميلنا في قسم الفيزياء ومراسل جريدة أم الربعين (مثنى) ومقالبه ومشاهده المضحكة..وفي نهاية الدوام يتجه طلاب قره قوش الى منتزه الجامعة لانتظار باصاتهم وطلاب سهل نينوى عند مدخل باب الصناعة ضمن مشروع الطلاب الذي كانت ترعاه الكاريتاس وفي يوم الأربعاء يتجه طلاب كركوك إلى باصاتهم التي تقلهم إلى كركوك عند باب رئاسة الجامعة..سكنت سنتين في منطقة باب جديد في شقة فيها مسلم ومسيحي وسنتين في المجموعة الثقافية وجيراننا طلاب من مختلف محافظات العراق كانوا كرد وعرب وتركمان وشبك وايزيدين ومسيحيين ..
بالأمس يازيا قام طلاب الجامعة بزيارة زميلهم الطالب عطاء بعد أن انفجر عليه لغم ارضي في القوش وفقد على أثرها ساقيه .زاره المسيحي والمسلم والايزيدي.... متوجهين من الموصل إلى القوش لزيارة زميلهم في مقاعد الدراسة فالألم كان ألم طلاب الجامعة بأسرها وليس ألم عطاء لوحده..أتذكر كيف كنا نجتمع في بيوت أهلنا في الموصل للدراسة ونأكل على طاولة واحدة وعندما يأتي وقت الصلاة نتوقف ويصلي زملائي ..
أتذكر في احد الأيام دق بابنا احد الطلاب من سكنة القسم الداخلي جاءنا ليلا طالبا بعض النقود والمساعدة,كانوا قد أقاموا شعائر عاشوراء وتم حجزهم في قسم الشرطة فوقفنا معهم..أتذكر كيف وقفنا مع امجد الطالب من كركوك الذي لم يستطع أن يكمل دراسته ..
يازيا مثلك في هذه الأيام كنا نعاني من انقطاع التيار الكهربائي فترانا نخرج للدراسة على أضواء أعمدة الإنارة بعد أن نفترش على حدائق مبنى محافظة الموصل بالقرب من الشرطة وحراس مبنى المحافظة الذين كانوا يطمئنون لوجودنا وليس كما اليوم الذي تستشهدون به أمام أعينهم ..أو نذهب إلى المنصة التي تقع بالقرب من الجامعة للدراسة مستصحبين كراساتنا الجامعية وإبريق الشاي ..لا أنسى كيف ساعدنا أصحاب محلات الخياط في منطقة باب جديد بان يمدونا بخط للتيار الكهربائي (مولدة )
شاركتُ يازيا بأسابيع الشباب الجامعي التي كانت تقام في كنيسة ماربولس في منطقة المجموعة الثقافية التي كان يرعاها الأب بولس فرج رحو في حينها والذي سبقك الشهادة بعد أن أصبح مطرانا وعضوا في مجلس أعيان الموصل ..و خلال المحاضرات والصلاة كنا نسمع أذان العصر والمغرب والعشاء (الله اكبر ...) من جامع هيبة خاتون القريب من الكنيسة ونحن جالسين في الكنيسة فتصل صلاتنا ل الله الباري بوقت واحد فكما تعلم يازيا أجراس الكنائس تعانق مآذن الجوامع في الموصل
هل يعلم قتلتك يازيا ماذا كتب وسطر شاعر العراق محمد مهدي ألجواهري حول هذه اللوحة الإلهية ,الذي جمع بين الكنائس والجوامع والمساجد وبـينَ وحدة المسلمين والمسيحيين في الشعر فيقول : -
لقد خبروني أن في الشرق وحدة كنائسه تدعو فتبكي الجوامع
هبوا أن هذا الشرق كان وديعة فلابد يومــــــاً أن ترد الودائع
كنا نقيم السفرات الطلابية إلى أديرتنا المسيحية دير ماربهنام ,دير السيدة ,دير الشيخ متي,دير ماركوركيس (في الحي العربي الذي استشهدت فيه) ..الخ ونلتقي عند جامع النبي يونس..كنا نعيش كاخوة المسيحي اليزيدي و المسلم فتذوب كل الفوارق الطائفية ,الدينية ,القومية والاجتماعية ونتوحد بملبس العلم والعراق والإخوة المشتركة .. ألا أن هذا الجزء اليسير من ذكرياتي يا زيا بدء بالاستشهاد والاحتراق اليوم في الحالة الغير طبيعة التي تعيشها مدينة الأنبياء يونس(يونان) وشيت...محاولات تفجير باصات طلاب قره قوش التي طالما ركبتها, مضايقات الطلاب المسيحيين
وأخرها استشهادك يا شهيد الجامعة زيا توما ,ذبحوا به حلمك وحلم اهلك وزملائك حلم التخرج الذي كنت به ستخدم قتلتك وأهل الموصل فهل يعلم قتلتك ما جنته أيديهم ألأثيمة بأنك كنت ستبني جسراً أو معملاً أو تكون مهندسا كهربائيا تغذي بيوتهم بالكهرباء أو مهندس للري والبزل فتسهم بترميم سد الموصل قبل أن ينهار ويغرق المدينة بعد انهيار أمنها الذي أنت من جملة حصاده .. ليكن دمك شهادة حية لكونك مسيحي وعراقي سعيت لتنهل من مناهل العراق العلمية لخدمة بلدك العراق ..كيف ستحتفل جامعة الموصل هذه السنة بيومها , في الأول من نيسان من كل عام !! هل ستقف بأسرها دقيقة صمت على روحك يا شهديها وعلى أرواح شهداء العراق ؟؟ قبل أن تمتزج الدبكة الكردية بالجوبي العربي والرقص الفلكوري التركماني بدبكات شعبنا المسيحي
معك لتستشهد ذكرياتي, لتكن ذكرياتي شهادة لاهل الموصل كيف كانت بالأمس وكيف هي اليوم ..لم يبقى لي يازيا سوى صورتين من ذكريات جامعة الموصل فتنقلاتي كثيرة و نزو حاتي لا تحصى فنزحت مثلك أكثر من مرة للموصل وسهلها في حرب الخليج 1991 وفي الحرب الأخيرة 2003 وألان إنا في المهجر أو المنفى مرغما مثلك أقدم هذين الصورتين للتاريخ لجامعة الموصل في الأمس . صلاتي رفعتها لروحك ودعواتي معها بأن تكون روحك الطاهرة نهاية لمسلسل قتل المسيحيين ؟؟؟
في الصورة الأولى أخذت في المرحلة الثالثة في المختبر يوجد في الصورة كاتب هذه السطور ومجموعة من الطلاب والطالبات (موصل وبغداد وكركوك ) متمنيا أن لا يتضايق ممن يتواجد في الصورة لعرضها للتاريخ وان تكون مساهمة منهم لعرض الحقائق لتاريخ مدينة الموصل بالأمس .
الصورة الثانية مع مجموعة من طلاب قره قوش وبرطلة وبغداد والموصل ونحن بالزي الجامعي .
سيزار ميخا هرمز – ستوكهولم
cesarhermez@yahoo.com