لطيف بولا ومصير نشيده القومي لشعبنا
بدايـة ، لا أقـدم لطيف بـولا كشـخص عـادي ، وإنـما مـن منظـور أنـه أحـد القـلائل الذيـن عـرفتـهم ويتـمتـعون بجـمع مواهـب عـدة فـي آن واحـد ويبـدعون فيـها كلـها ، فـهو أديـب باللغـتين السـريانية والعربيـة ، نثـرا وشعـرا ، وهـو فنـان يعـزف عـلى آلات موسـيقية تراثـية رئيسـية ، ويلحـن ويغـني مسـتوحيا الأنغـام الكنائسـية والشـعبية ذات الإصـالة والإرتبـاط بواقـع شـعبنا التـأريخي والقـومي والثـقافي والإجتماعـي . . وإضافـة إلـى كـل هـذا فـهو على الرغـم مـن عـدم إرتباطـه الحزبـي حاليـا مـع أي طـرف لشـعبنا وغيـره ، فهـو مـن المؤمنـين بوحـدة شـعبنا باسـم رسـمي مركب راهنـا ( كلداني آشـوري سـرياني ) مـن دون التخـلي عـن اعتـزازه الراسخ بالتـراث الآشـوري القومـي والتـأريخي ، ومـع كـل هـذا فـإن لطيـف يفتخـر بـأفكـاره اليسـارية التـي إلتـزمها منـذ طفولتـه .يكتـب لطيـف بـولا أغـانيه بنفسـه متـعمدا أن يختـار كلماتـها مـن المتـداول المرغـوب ومعـانيها مـن رمـوز الإعـتزاز بمـآثر الماضـي وسـبل الحاضـر نحـو ترسـيخ وحـدة شـعبه ( الكلداني السرياني الآشوري ) وضمـان الحيـاة الأفضـل لمستـقبله . . ويـؤدي الأغـاني وهـو ذلـك الولـهان بوديـان وروابـي وجـداول وأديـرة وكنائـس ومبـاني ديـار شـعبنا ، محـدقا إليـها بـارتباط أزلـي ومستـلهما عظمتـها ومتـنفسا شـذى نسـائمها العليـلة الباعثـة على فخامـة الإبـداع وسـعادة الحـياة ، ومرتـديا أزيـاء الآبـاء والأجـداد مـن خـلال التـراث الألـقوشي والمنطقـة المحيـطة بـها ، الممثلـة لعـراقـة شـعبنا وإصالتـه وأمجـادها الدائمـة فـي صـيانـة تـراث شـعبنا منـذ عـهوده الآشـورية الشـامخة ومـرورا بفتـرات السـراء ، والكفـاح الـذي صـان البقـاء فـي مقاومـة الضـراء .
هـذا ليس مديحـا للـذي يجسـده كـله في قصـيدة لـه ، يقـول فيـها :
سـلاما على الحقـل والجبـل والـوادي
فلقـاءنا ألقـوش مقـرون بميـعاد
أنـا المهاجـر الطـاو ومن حبـك زادي
إن لـم أوفيـك حيّـا أكيـد بـرقـادي
أجـل ليس مديحـا أبـدا ، وإنمـا صـورة للواقـع الذي يحيـط بالأديـب الفنـان الإنسـان لطيف بـولا ، الـذي كـان النجـم السـاطع في افتـتاح مؤتمـر عـنكاوا القـومي ( الكلدانـي السـرياني الآشـوري ) بنشـيد الأمـة ( سـوغيـثا د أومثـا ) الذي كتـب شـعره بالسـريانية ولحنـه بنفسـه وقـدمه مـع فرقـة كرمليـش الفنيـة الـتي قضـى شـهرا مرهـقا فـي تدريـبها المتـواصل عـلى إدائـه ( ننشـر النشـيد كامـلا بلغـته السـريانية وترجمتـه العربيـة ملحقـا بهـذا الموضـوع ) الـذي كـان حقـا نشـيد الأمـة الذي صـفق لـه المشـاركون فـي الجلسـة الإفتـتاحية مـرارا . . والـذي ـ أرى ـ أنـه ينبـغي أن يتـم تبنـيه نشـيدا قوميـا لشـعبنا .
وباختـصار التعريـف ، لطيف بولا من مواليـد ألقـوش عـام 1945 وحاصـل على البكالوريوس في اللغـة الأنكليـزية عـام 1971 ، ومـدرس اللغـة الإنكليـزية المتقاعـد حاليـا ، عرفتـه للمرة الأولى في 1973 عـندما كان يكتـب مواضيـع قوميـة في الصفحـة الآشـورية لجريـدة التـآخي ، وحيـث عمـل أيضـا محـررا سـياسيا للشـؤون الخارجية في جريـدة العراق ، وبـرز فـي كتابـة وتـقديم الأوبريتـات والمسرحيـات في نادي بـابل الكلـداني ببغداد ، وتوطـدت المعـرفة والصداقـة بينـنا منـذ ذلـك الوقـت وحتـى اليـوم .
لكـن مـا أكتـبه ليـس عـُربونا للصـداقة ، فصـداقتي التـي أعتـز بـها مـع كثيـرين هـي بمسـتواها مـع لطيـف بولا ، لكـنه الـواقع ، لأن لطيـف لايحتـاج المـديح والإطـراء الأجـوف لـرفع شـأنه لأنـه نتـاج نفسـه ، فقـد اكتـسب المعـرفة ذاتيـا بالمجـالات التي يبـدع بـها اليـوم ، فهـو تعـمق في السـريانية بمطالعـاته الخاصـة ، وزاد مـن معارفـه في العربيـة لغـة ونحـوا وأدبـا وشـعرا باهتماماتـه الذاتيـة ، وأجـاد العـزف على آلات النـاي والعـود والكمـان والبـزق بمتابعـاته وجهـوده المتواصلـة ، حتـى صـار لـه منشـورا اليـوم ستـة دواويـن ومجموعـات شـعريـة سـريانية وعربيـة ، ومتـداولا لـه كاسـيتات عـدة مـن عـزفه وغنـائه ، بيـنها ( ملحمـة الشـهداء بهنـام وسـارة ) وفيـديو كليـب ( مـزاميـر نيـنوى ) و ( أعـراس نيـنوى ) و( مـن بحـر التـراث ) وفيـلم عـن ( تـأريخ ألقـوش ) .
ومـا أحـوجنـا اليـوم ، أن نعتـز بنـهج لطيف بولا وكـل مـن على دربـه فـي الإلـتزام بـإصالة أمتـنا وإرث الآبـاء والأجـداد ، لأنـنا مـن دون الإفتخـار بذلـك نكـون فـقدنا كـل مقـوماتنا الذاتيـة ، وأصبحـنا نسـتحق مـاقالـه حكيمـنا أحيقـار منـذ نحـو ألفيـن و 700 سـنة ، وأخـذه عـن تجاربـه في الحياة ، ومـا أروع قـوله : ( مـن لا يفاخـر بـإسـم أبيـه وأمـه فـليـت الشـمس لـم تـشـرق عليـه ، لأنـه رجـل شـرير . . الإنـاء السـليم جميـل لـدى القلـب ، والإنـاء المكسـور يطـرح خـارجا ) .
ورائـع أيضـا أن نقـرأ هـذه الأبيـات مـن قصـيدة طويلـة للطيف بـولا ، عـنوانـها ( يا تـللسـقف صبـرا ًصبـرا ) :
قـد أثـقلَ نيـرُ الأمـسِ لقـرونٍ مَناكـبا
فـما لنـا ومـن دون الشـهادة ِمَناقِـبا
أو أن نحيـا كالأحـرارِ في وطـن ٍ مُحـرّر ِ
أو نمـوت في ثـراه ولـن أحيـا مُغتـربا
ولكـن . . ورغـم كـل مـاذكـرناه وغيـره كثيـر ، فإنـه لمـن عـجب العجـاب أن يكـون ظهـور لطيـف بـولا وأمثـاله مـن أصحـاب الإصـالة في فنـون وآداب شـعبنا ، نـادرا في محطاتـنا التلفزيـونية والإذاعيـة ، وأن لا يلتـفت إليـهم ذوو الشـأن فـي مجـالات شـعبنا الفنـية والأدبيـة والصحافيـة داخـل العراق ، في الوقـت الـذي نجـد هـذه المحطـات والمجـالات تعـج بمـن لا فـن ولا أدب ولا مواهـب ذات شـأن لـه سـوى إقحـام الدخيـل الممقـوت إلى وسـائلنا الإعـلامية ، وحتـى أن نشـيده القـومي لـم يجـد مـن يهتـم بـه منـذ إنتـهاء مؤتمـر قـاعة حديـاب فـي عـنكاوا ، ولـم يقـل أحـد مـن ذوي الشـأن للطيـف ولـو مجاملـة بعبـارة ( مرحبـا ) . . ومـا علـى الأوفيـاء لشـعبنا قوميـا واجتماعيـا وإصـالة وأخلاقـا إلاّ التـألـم . . ونقـولها بوضـوح (( إنـنا نخشـى يكـون حسـاد مؤثـرون يعمـلون على تحجيـم بـروز دور لطيف بـولا والإهتـمام بنشـيده القـومي وآدابـه وفنونـه الأخـرى . . وإن كنـا نتـمنى أن لا يكـون هـذا السـبب ، وإنـما أمـور عاديـة مـن قبيـل النسـيان واختـلاط الأوراق مـن دون قصـد وضيـاع الصـالح فـي خضـم ألاعيـب الطـالح . . )) .
سوغيثـا دأومثـا
النشـيد الوطني القومـي للشـعب
الكلداني السرياني الآشوري
شـعر ولحـن لطيف بـولا
( ملاحظـة : الترجمة حرفيـة مع بعض التصـرف البسـيط بالنسـبة للنـص السـرياني . . للعلم )
يـابرد نهرين بشينا وشلاما
نبوص دبانخ أثـرا خاثـا
دقـلث وبراث قاري كيبوخ
دمتخريلوخ بأواهاثا
( يـاأبن الرافدين مرحى مرحى
انهض لنبني وطنا جديدا
دجلة والفرات يناديك
لتـذكرك بعدها الأجيال )
قالوخ بايش أخ نقوشـا
دمزلـزلوا بكل بنياثـا
بايذوخ نقـشت شموخ لشمشا
مطل أوذلا كل أثواثـا
( ليصبح صوتـك ناقوسا
يزلزل الجهات الأربع
وبأناملك طرز اسمك على الشمس
لأنها أبدعت كل الحروف )
قـو بلطله يوما
لأذ زونا كومـا
هـم كـيبه قـملي
بباثـا دظالومـا
( هيـا طلع النهار
على أنقاض الظلام
حتى الصخور صرخـت
بوجـه الطغـاة )
نبوص يا أكـارا
دعمـن كبارا
أمـد بلاخـه
دمشـارخ دارا
( انهض يا فـلاح
شعـبنا العظيـم
مع العمـال
لنـبدأ عصرا جديـدا )
حشّـن عـتـيقه
بوساما سنـيقـه
حويـاذا دأومثـا
اسـيا ودرمانـا
( جروحنا العميقـة
تـنـتظر الشفاء
ووحدة شـعبنا
هي الأسـى والبلسـم )
برسـو لشـانا
بكـو كل عدانـا
لشانـا دأومثـا
ومارن خيلانـا
( لقـنوا لغـتنا
وفي كل الأوقـات
لغة الشـعب
والسـيد الجـبار )
واليايلا ألن كلن سـورايه
جونقـه وخماثا وقاشه وعلمايـه
هايـو دشـتايه تاو ياطورايـه
كو هيمانوثـا دمشارخ خايـه
ديامخ لحوياذن كـو دما دسهذن
أخ أواهاثن مريمه قـذمايه
( واجب علينا كلنا السورايـه
فتيان وفتيات وقسس وعلمانيـين
تعال ياابن السـهل ياابن الجـبل
لنـبدأ الحياة بايمان راسـخ
لنقسم على تـكاتـفنا بدماء شهدائـنا
وعلى طريقـة أجـدادنا العظـام )
درخشخ لقاما بكو حوبا وشلامـا
دلنـيشن راما بشـويلا دخايـه
كلن خا عما وكلن خا شـما
كلـدو سـريايه عـم أثـورايه
بطلا دحيروثـا مشارخ خيوثـا
دزاخخ لشوعباذا ونـيرا دنخرايـه
( لنمضي الى الأمام بمحبة وسلام
الى أهدافنا السامية عبر معتـرك الحياة
شـعب واحـد واسـم واحـد
كـلدان سـريان مع الآشـوريين
في ظلال الحريـة نزرع الحيـاة
لنـنتصر على العبودية ونـير الأجنبي )
مهيـرو بلاخه دأومتـا
دلا ربيوثـا ودلا شنـثا
مشـتخ كنـثا دمردوثـا
مذينايوثـن لاخومتـا
بسـومو ياشـوره
بدشـتاثا وطـوره
درو إيـذا بإيـذا
يا أنشـه وكـوره
من أديـو مشارخ قـيمتـا
( هـيا يا كادحي الشعب
دون كـلل وكسـل
لـنسقي جنـة الثـقافة
حضارتـنا خالـدة
ابشـروا يا أطـفال
في السـهول والجـبال
ضعـوا يـدا بيـد
يا نسـاء يا رجـال
من اليـوم نصنع القيامـة )
أثـروخ ووله بقـرايا
يا أبـرم كـبارا
أثـروخ ووله بسـبارا
يا نـرسي كـبارا
بلخلـوخ تا نخرايـه
دارا بثـر دارا
ماثـوخ قرمتا بخشـكا
لا شمشـا ولا سـهرا
ايمن برأشت من شنـثوخ
دخازنـوخ بـدأرا
( وطنـك يناديـك
يا أبـرم الجبـار
وطنـك ينـتظرك
يا نرسـي الجبـار
كدحـت للغربـاء
جيـل بعـد جيـل
ووطنـك غارق في الظلام
لا شمـس ولا قـمر
متى تستـيقظ من رقـادك
كـي أراك عائـدا )