لقد فعلها أسود الرافدين
لم أفكر يوماً ان أهتم بنتيجة مباراة لكرة القدم مثل هذا اليوم ، لقد انجذبت نحو شاشة التلفاز وأنا أتطلع الى النتيجة بأعصاب متوترة ، كنت انفعل دون إرادتي ، وحين انتهاء المباراة بفوز العراق انهمرت الدموع الغزيرة من مقلتي ولم تفلح محاولاتي لكبحها وأيقافها . إن هذه الدموع لم تكن لنتيجة المباراة الكروية فحسب إنما لكونها جاءت كنصر حققه العراق الجريح .بجهود شباب ابطال أبوا إلا ان يعملون صفاً واحداً وفريقاً واحداً وقلباً واحداً ، واثبتوا ان الواحة العراقية ، لا يمكن ان تكون غابة موحشة يلعب فيها الأشرار . استطاع هؤلاء الشباب الأبطال ان يرسموا ابسامة على وجوه العراقين في الزمن العراقي الصعب .
( العراقي في الملاعب يلعب وأيده على جرحا )
نعم العراق الجريح يلعب في ظروف قاهرة ، ولهذا نستطيع ان نقول الفريق العراقي لم يأتي بنصر فحسب إنما اتى بمعجزة .
المباراة في كأس أمم آسيا التي اقيمت في العاصمة جاكارتا كانت عربية بين العربية السعودية والعراق ، لكن بصراحة نقول ان النصر كان عراقياً خالصاً لعباً ونتيجة . لقد كان تسجيل الهدف الغالي في المرمى السعودي في الدقيقة 71 من المباراة من نصيب اللاعب يونس محمود وهو قائد الفريق العراقي ومهاجمه .
المملكة العربية السعودية بلد الأمن والأستقرار ، تراعي فريقها بالعناية والأهتمام وتصرف ببذخ المبالغ الطائلة لتدريب وإعداد الفريق ، والفريق العراقي الذي لا يستطيع ان يعيش في بلده ، ويأتي من ناحية اهتمام الحكومة بالمركز الأخير في قائمتها . هذا الفريق تحدى الشتات السياسي العراقي ، وتحدى مخططات الأرهاب وكل الأشرار في تدمير العراق ، وصنع نصراً عراقياً .
لقد ظهرت تلك الوجوه الشابة على مسرح الملعب التي كانت تعمل بتخطيط المدرب ، واستطاع هؤلاء الشباب من ترسيخ أقدامهم على البساط الأخصر وتمكنوا من على ذلك المسرح الأخضر والتي كان يشاهده الملايين تمكنوا من عزف سمفونية عراقية موحدة رائعة ، وهم يثبتون أن الرياضة ليست مسرح للمبارة فحسب إنما هي ساحة للوحدة والمحبة وإنها تغسل كل امراض الحقد والكراهية والوحشية .
في الدقائق التسعين للمباراة كان الفريق العراقي هو المسيطر والمبادر ويجري الفريق السعودي ورائه لاهثاً متعباً لا يعرف كيف يحمي شباكه من الكرات العراقية الصاروخية .
لقد تجسد التصميم والأرادة في لعب الفريق العراقي ، وإن كانوا لا يستطيعون التدريب واللعب على أرضهم ، وإن الأرهاب والقتل قد نالا شريحة من الرياضيين العراقيين ، إنه الوطن ورايته يجب ان تبقى خفاقة ، ويقولون كما قال الشاعر العربي .
أحب بلادي على رغمها وإن لم تنلني سوى عارها
لقد اعطى لاعبونا درساً لشعب العراق ولحكومته وبرلمانه : بأننا إن عملنا فريقاً واحداً تحت راية العراق الخفاقة فنستطيع ان نحقق الفوز والأنتصارات ليس على البساط الأخضر فحسب ، إنما في كل مفاصل الحياة بشرط ان نرفع هويتنا العراقية في المقدمة . لقد جسد هؤلاء الشباب الوحدة العراقية بفريق عراقي واحد ، وعلى الحكومة العراقية والبرلمان العراقي ، أن ينتبهو لعراقيتهم وأن ينبذوا اوهام الأصطفاف الطائفي والمذهبي والديني . لنتعلم من هؤلاء الشباب قليلاً يا حكومتنا .
بقي من الأنصاف ان نقول : إن الأجراءات التي اتخذتها الحكومة العراقية بمنع مرور المركبات أثناء وبعد المباريات وإنزال قوات اضافية لحفظ الأمن ومنع العمليات الأرهابية بحق الناس الأبرياء ، كان إجراءاً حكيماً . ولا أدري ماذا كان يمنعها بالقيام بنفس الأجراءات في المباريات السابقة التي ذهب ضحيتها العشرات الأبرياء المحتفلين بفوز وطنهم العراق ؟
حبيب تومي / اوسلو