لماذا تغرد حكوتنا خارج السرب ؟
الراصد للمشهد السياسي في العراق يبقى في حيرة من امره في كيفية تصرف الحكومة العراقية ومعها البرلمان العراقي . وليس هنالك تفسير معقول للسياسة التي تتبعها الحكومة .اجتمع السفيران الأمريكي والأيراني في بغداد وبحثا الوضع في العراق ، والعراق كان حاضراً بشخص ( رئيس الوزراء ) ويبدو انه كان مراقباً ، وشأنه شأن من يتفرج على لعبة الشطرنح لا يحق له التدخل في سير اللعب ، انه مشاهد ليس ألا .
والأنسان العراقي من حقه ان يتساءل ، إن كان حضور السفير الأمريكي له نوع من الشرعية في بحث مصير العراق باعتباره سفير دولة محتلة ، وهذا الوضع معترف به في الهيئات الدولية وقوات بلاده موجودة في العراق بموجب قرارات دولية ، فما هو المسوغ القانوني الذي يسمح للسفير الأيراني ببحث مصير العراق مع السفير الأمريكي ؟ وبحضور ( رئيس الوزراء مع السفيرين ) ، كيف نفسر هذه المعادلة الغريبة ؟
النقطة الأخرى التي جعلت الحكومة العراقية وكأنها تغرد خارج السرب ، هو الحدث الوطني العراقي الذي هز العراق بكل مدنه وقراه وكل تنوعاته الأجتماعية والعرقية والدينية ، وخرجت مظاهرات الفرح والأحتفالات ورفع العلم العراقي في كل أرجاء الدنيا يوم انتصر الفريق العراقي ببطولة آسيا في جاكارتا ، وسلطت الأضواء من كل جانب الى هذا الحدث التاريخي . لكن الحكومة العراقية كانت تسير في الممرات المعتمة بجدالاتها العقيمة ، إنها ماضية في متاهات الحروب الكلامية والتلاسن وتبادل التهم ومثلها أيضاً جلسات البرلمان العراقي الغارقة في مستنقع الجدالات العقيمة والتي لم تثمر لحد الآن أية منجزات للشعب العراقي .
لكن ويبدو ان البرلمان العراقي قد حقق انتصاراً على جبروت أميركا حينما لم تستطع ثنيه عن عزمه في التمتع بالأجازة الصيفية ، معتبرين انه لا قضية مهمة في العراق تستحق قطع هذه الأجازة .
ويبدو إن قتل وجرح العشرات من العراقيين لسبب بسيط هو احتفالهم بفوز الفريق العراقي يشكل للحكومة العراقية والبرلمان بانه أمراً بسيطاً وربما لا يستحق النشر ، أما انقطاع التيار الكهربائي في الصيف العراقي القائض ، ومن ثم قطع الماء في مناطق كثيرة من بغداد فهو أمر سهل لا يستحق النظر فيه وهو أمر اعتيادي بالنسبة للعراقيين فما هو المانع من تمتع اعضاء البرلمان بالأجازة السنوية ؟ لكنهم يستدركون فيقولون لو حدث حادث طارئ فإنهم مستعدين لقطع إجازاتهم والحضور للأجتماع الطارئ .
يا لها من مفارقة مضحكة مبكية ، كل ما يحدث في العراق لا يشكل نقطة مهمة تستحق الأجتماع الطارئ ، وفي هذه الأحداث اليومية المروعة ، وأنعدام كل الخدمات للشعب المنكوب ، كل هذه الأمور ليست مهمة .
أعلمونا رجاءً ما نوع الحدث الجلل الذي يدعو لانعقاد اجتماع طارئ للبرلمان العراقي ؟
كان على الحكومة العراقية ان تحتضن الفريق العراقي بالرعاية والتكريم واستثمار الحدث لضماد الجروح والتئامها ، ووقف نزيف الدم العراقي لكن بدلاً من ذلك يصرح الناطق الرسمي بلسان الحكومة العراقية ، بأن خشية كابتن الفريق على حياتهم ومستقبلهم ليست في محلها مستخفاً بما خطر ببال الكابتن من الخطورة على حياة أعضاء الفريق لو عاد الى العراق متهماً أياه بانه تجاوز حدود صلاحياته .
إن الحكومة حينما تقاعست في القيام بواجبها ، لكن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لم يتأخر من إداء واجبه كعربي أصيل وقام بتخصيص طائرة لنقل الفريق العراقي الى دبي والأحتفاء بهم بما يلائم ونصرهم المؤزر ، وفوق ذلك تبرع لهم بمبلغ عشرين مليون درهم . لكن في هذا المقام نستنكر استخدام النشيد الوطني السابق في حفل استقبال الفريق في دبي .
لكن يقال ان الحكومة العراقية فتحت باب التبرع للفريق ، ومعجم التساؤلات لا ينتهي ونقول :
من يستحق اكثر من الفريق العراقي بتخصيص طائرة لنقلهم ؟
ومن هو أحق منهم في الثروات العراقية ؟
إن ما نعرفه عن الأحزاب الطائفية التي تتاجر بالدين انهم يكرهون الرياضة والرياضيين ، لكن كيف مع حدث وطني مهم كهذا ؟
لقد قالت الأم الثكلى بابنها الذي استشهد في حادث تفجير سيارة مفخخة جريرته ان خرج ليحتفل بفوز العراق . قالت هذه المرأة سوف لا تقيم عزاءً إلا بعد ان يفوز الفريق العراقي .
كان هذا حافزاً قوياً للفريق بأن ينجح بالمهمة التي القتها هذه المرأة العراقية على عاتق الفريق ، لم يكن هناك دعم حكومي يذكر ، تلاحم الأغلبية الصامتة في العراق وارتفاع حناجرها بتشجيع الفريق ، وطلب المرأة العراقية العظيمة ، هذه العوامل كانت وراء خلق إرادة لا تلين لدى الفريق العراقي لينجز هذه المهمة الوطنية .
إن الحكومة العراقية إن أرادت الا تكون مغردة خارج سرب الشعب العراقي وعازفة على وتر الطائفية عليها القيام بواجبها إزاء الحدث وعليها إقامة تمثال للمرأة العراقية وابنها الشهيد ، لكي تذكر الأجيال كم هو الأنسان العراقي مخلص لوطنه العراق ، اما ان بقت تتماهي في التلاسن والجدال البيزنطي العقيم حول توزيع المستحقات الطائفية من جسد العراق ، وبالمنظور الطائفي المقيت فإنها ستبقى تغرد خارج السرب العراقي .
ونتمنى ان تصفى القلوب وأن تعمل الحكومة العراقية بقلب واحد كما لعب الفريق العراقي ومدربه البرازيلي والكادر التدريبي ، لقد عملوا جميعاً تحت راية العراق وهكذا على الحكومة ان تعمل تحت راية العراق الجامعة وأن تمسح عنها الوجه الكئيب للطائفية .
نتمنى ان يبزغ فجر العراق وينجلي الليل الطويل وتشرق الشمس في سماء العراق الصافية .
habeebtomi@yahoo.com