لماذا تقطع الكهرباء بالعمد عن جامعة بغداد؟
اصبت بالذهول عند سماعي عن استمرار القطع المتعمد للتيار الكهربائي عن جامعة بغداد، والذي يعود كما تناقلته الاخبار الى تراكم الديون على الجامعة والتي يجب تسديدها لوزارة الكهرباء. لم اصدق هذا الخبر، لان تكرار انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة مشكلة معتادة تؤرق سكان بغداد في ظل الارتفاع الكبير لدرجات الحرارة، والتصاعد شبه يومي للغبار، ولكن عدد من اصدقائي في الجامعة اكدوا لي صحة ما يحدث باستمرار حيث تغرق الجامعة في ظلام متعمد ولساعات طوال، وبالرغم منان مجلس الوزراء قرر تسديد ديون الكهرباء المتراكمة على الجامعات في جلسته التي عقدها في محافظة نينوى.
ومهما اختلف المسؤولون في قطاع الكهرباء وسكان بغداد في تفسير أسباب انقطاع الكهرباء عن بيوت الناس وكثرت اسبابه ومسبباته، لا اعتقد بأن احدا يمكنه ان يقدم اي سبب معقول ومقبول لقطع الكهرباء المتعمد عن اكبر واعرق جامعة في الشرق الاوسط، وعن اهم معقل للفكر والادب والبحث العلمي، وعن اكبر مؤسسة تعليمية مسؤولة عن تأهيل الآلاف من المهندسين والاطباء والعلماء والمثقفين. أجل، من المذهل ان يكون السبب في اغراق قاعات الدراسة بظلام دامس هو الديون المتراكمة.
هل اصبحت ديون المؤسسات التربوية سببا في ايقافها عن اداء مهمتها؟ وهل من المعقول ان تكون طريقة استحصال الديون بحرمان شبابنا من حقهم في التعليم؟ ومتى كانت ديون المؤسسات الرسمية سببا لإيقافها عن العمل في بلد تعود ملكية الخدمات العامة للدولة؟ ومتى اصبحت وزارة الكهرباء تعامل المستهلك كشركة رأسمالية لا يهمها مصالح البلاد الحيوية؟ وهل سنرى ذلك اليوم الاسود عندما تقطع الوزارة الكهرباء عن المستشفيات والمراكز الصحية؟ وهل وجدت وزارة الكهرباء جامعة بغداد حملا وديعا لا تملك انيابا سياسية تستطيع غرسها في جلد المسؤولين، فلا يمكنها من ايقاف هذا الفعل الشنيع؟ ولماذا يترك مجلس الوزراء هذه المشكلة وهذا الصراع بين الجامعات ووزارة الكهرباء؟
يحدث هذا لأعرق مؤسسة تعليمية في العراق في الوقت الذي يستشري الفساد في الوزارة، وتعجز في توفير الكهرباء، وتحرم الشعب منها، وتصرف 27مليار دولار، دون ان تقدم الكهرباء لشعب طالما عانى من الظلم والقهر والحرمان. ما نعرفه انه حتى في البلدان الغربية التي يتم فيها تجهيز الكهرباء من قبل شركات رأسمالية ربحية، لا يمكن ان يمر مثل هذا العمل بدون فضيحة تهز اركان النظام السياسي والتربوي، ولا يمكن قطع الكهرباء حتى عن مواطن عادي، ناهيك عن مؤسسة علمية كبرى كجامعة اوكسفورد. هل تريد منا وزارة الكهرباء بدء حملة لجمع التبرعات لانقاذ الجامعة من ديونها مثلما يفعل اصحاب الخير في الدول الغربية عندما تقع احدى الجامعات او المستشفيات في ازمة مالية؟ او تفضل وزارة الكهرباء بيع الجامعة للقطاع الخاص لكي تتمكن من سد فواتيرها!
ارفعي أيديك يا وزارة الكهرباء عن جامعة بغداد، ودعي هذه المؤسسة العريقة تواصل ممارسة عملها التربوي والتعليمي. بدلا من قطع الكهرباء عنها بالعمد يتطلب الحس الوطني مساعدتها في اداء هذه المهمة، بتوفير الكهرباء بدون انقطاع 24 ساعة في اليوم وعلى مدار السنة، والتغاضي عن الديون المتراكمة، فليس لأحد منا الحق في مساءلة الجامعة لضمان سلامة المسيرة الجامعية وتحقيق جودة عالية في وضع لا تستطيع الجامعة من اداء عملها بصورة طبيعية.