Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

لماذا مطالبة المالكي بالاستقالة؟

 

أنا متهم بالدفاع عن رئيس الحكومة العراقية، السيد نوري المالكي. وليس خافياً على أحد، أن هذه التهمة شنيعة في العرف العراقي، ترقى إلى الخيانة الوطنية معاذ الله، حتى وإن كان الرجل منتخباً من الشعب والبرلمان، ومازال يتمتع بشعبية أكثر من منافسيه في 8 محافظات بما فيها بغداد العاصمة. وقد أكدتُ مراراً وتكراراً بأن لا علاقة شخصية لي بالسيد المالكي، أو بحزبه أو كتلته، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وإنما موقفي منه ناتج عن التزامي بالمنطق السليم، وحرصي على مستقبل العراق، والديمقراطية التي أريد لها النجاح، ولعلمي بأن عراقاً لم يعرف الديمقراطية من قبل، لا يمكن أن يتحول إلى سويسرا بين عشية وضحاها، فلا بد وأن يمر بمخاض عسير. فخصوم المالكي يصورون الوضع العراقي المعقد وكأنه هو وحده المسؤول الأول والأخير عن كل مشاكل العراق بما فيه الانقسام العربي- الكردي، والصراع السني – الشيعي، والمحاصصة الطائفية، وحتى الإرهاب وفلول البعث والقاعدة. 

فمن يتابع مقالات صحيفة (المدى)، على سبيل المثال لا الحصر، وهي بالمناسبة تصدر من بغداد، وتكيل يومياً أخطر الاتهامات ضد المالكي وحكومته، وبالأخص مقالات السيد عدنان حسين، ومع ذلك يقولون أنه لا توجد في العراق ديمقراطية ولا حرية الصحافة. ففي  مقال له في (المدى) يوم 28/4/2013، بعنوان (تريدون الإنفصال...ليكون ودياً)، وهو عنوان يوعد بنصيحة حكمية موجهة إلى مكونات الشعب العراقي المتصارعة، أن كل من يريد الانفصال فبه، وليكن ذلك ودياً، ولا داعي للعنف المسلح. ولكن الشيطان في التفاصيل، كما يقولون. 

إذ يبدأ السيد حسين مقاله: «لا أظن أن أحداً يتمتع بكامل قواه العقلية لا يرى أن البلاد ماضية في اتجاه التقسيم الى ثلاث دويلات إذا ما بقيت الحال على ما هي عليه الآن: حكومة ضعيفة سياسياً تراهن على قوة عسكرية شبه موهومة في تركيع خصومها الذين لا تنقصهم القوة سياسياً وجغرافياً وعسكرياً.

التقسيم حاصل ما لم ينزل رئيس هذه الحكومة من بغلته ويجلس على الأرض ويتحسس ترابها وصخرها ليدرك انه ليس "سوبرمان" الخارق أو "باتمان" الذكي.» 

فالكاتب يصور للقراء بأن المالكي هو سبب جميع الأزمات وخاصة (ضعف الحكومة وقوة خصومها)، وبقاءه رئيساً للحكومة يهدد بتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات، وما أن "ينزل من بغلته" ويستقيل حتى ويتخلص العراق من جميع مشاكله. والكاتب هنا يعترف بأن مشاكل العراق لا يقدر على حلها حتى السوبرمان، وهذا اعتراف ضمني منه أن البديل القادم ليس سوبرمان، فيوجِد له العذر في عدم قدرته على حل مشاكل العراق إذا ما فشل، ولا بد وأن يفشل، لأن منظمي الاعتصامات في المنطقة الغربية، وقادة الإرهاب في العراق، لن يقبلوا بغير إعادة العراق إلى ما قبل 2003، ولكنه يريد من المالكي أن يحلها الآن الآن وليس غداً، وإلا فليستقيل لأنه ليس سوبرمان!.

لا شك أن عدنان حسين كصحفي محترف لعشرات السنين، يعرف كيف ينمق الكلام، ويدبج المقالات النارية التحريضية، ولكن للأسف الشديد، بدلاً من أن يوظف إمكانياته الكتابية لخدمة الحقيقة وشعبه، وتوضيح الأزمة العراقية وأسبابها، وبث الوعي الوطني الصحيح في القراء وتنويرهم ، وترسيخ الديمقراطية، وتهدئة الوضع، أقول، بدلاً من كل ذلك، انضم إلى جوقة فخري كريم لتضليل الرأي العام وتشويه الحقائق، وتمزيق شمل العراقيين، وصب الزيت على نار الفتنة الطائفية المشتعلة أصلاً والتي تفتك بشعب العراق. 

وبالتأكيد لم يجهل السيد عدنان حسين كيف يتم تعيين رئيس الحكومة في الأنظمة الديمقراطية، خاصة وأنه قد عاش أكثر من عشرين سنة في بريطانيا، قلعة الديمقراطية الحديثة، عندما كان يعمل في صحيفة الشرق الأوسط السعودية. فمطالبة السيد عدنان حسين للمالكي بـ"النزول عن بغلته" وليس عن طريق البرلمان بسحب الثقة عنه، لدليل واضح على علمه بأن أغلبية البرلمانيين لن يسحبوا الثقة من رئيس الحكومة، ولذلك يرفض السيد عدنان ومن على شاكلته، الأساليب الديمقراطية في إزاحة المالكي، فيطالبونه بالاستقالة وليس عن طريق البرلمان... ولكن السؤال: ماذا بعد الإستقالة، وأين هو "السوبرمان" الذي يحلم به عدنان حسين وأماثله؟ الجواب معروف، وهو أن قصدهم ليس إزاحة المالكي فحسب، بل تخريب العملية السياسية برمتها، وإغراق العراق في فوضى عارمة تلبية لأجندات خارجية وخدمة لأولياء النعمة خارج الحدود على حساب الشعب والوطن. إن سبب تركيز حملتهم التحريضية الشرسة ضد المالكي لأنه أثبت صموده العجيب أمام كل هذه العواصف السوداء خلال ما يقرب من سبع سنوات، وأثبت فشل محاولات خصومه. 

وقد جاء مقال السيد عدنان حسين في صحيفة (المدى) متزامناً مع مقال رئيسه السابق، طارق الحميد في صحيفة (الشرق الأوسط) بعنوان: (لماذا لا يرحل المالكي؟) وبنفس المضمون تقريباً ولو بعبارات مختلفة، وكأنه بينهما اتفاق مسبق، إذ يقول الحميد: « ها هو رئيس الوزراء العراقي يسير على خطى جاره وحليفه الطائفي بشار الأسد، حيث تقوم قواته بقتل المتظاهرين العراقيين ثم يطالب بالحوار، محذرا من الطائفية و«القاعدة»، ... والحقيقة أن لا فارق بين المالكي والأسد؛ فكلاهما وجهان لعملة واحدة، حيث يحاولان التذاكي سياسيا، وكلاهما حليف لإيران، ويلعبان على ورقة الطائفية، ويريدان الحكم ولو بإراقة الدماء وتخويف الآخرين من الطائفية و«القاعدة» والمخططات الخارجية، ... ».

وهذا يعني أن في العراق لا توجد صراعات طائفية، ولا «القاعدة» ولا المخططات الخارجية، ولا جيش "النقشبندية"، وإنما هذه كلها أكاذيب سياسية من صنع المالكي... وما أن يرحل المالكي على حد تعبير الحميد، أو "ينزل من بغلته" بتعبير عدنان حسين، حتى ويستقر العراق وكأن شيئاً لم يكن!!

نسي السيد طارق الحميد، أن المملكة العربية السعودية هي أكبر دولة مصدرة وحاضنة للإرهاب، وأكبر دولة طائفية في العالم، فالشيعة الذين يشكلون 20% من الشعب السعودي لا تُقبل منهم حتى شهادتهم في المحاكم، ويعاملون دون مستوى البشر لأنهم، وفق مذهب الدولة الوهابي، كفار أسوأ من اليهود والنصارى!! على حد تعبير مشايخ الوهابية. والحميد مازال يريد من العراق أن يكون "حارس البوابة الشرقية للأمة العربية" ضد إيران، كما كان في عهد المقبور صدام حسين، فلم تكفهم ثمان سنوات من الحروب العبثية الطاحنة، حين خاطب الملك فهد صداماً قائلاً له: "منك الرجال ومنا المال". وبعد سقوط صدام انتقموا من الشعب العراقي ثانية، باحتساب تلك المساعدات المالية ديوناً مع أرباحها المتراكمة التي فاقت حجم الديون الأصلية.

والأشنع من ذلك، أنه في الوقت الذي شكل الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش وفداً برئاسة وزير الخارجية الأسبق، جيمس بيكر، للتفاوض مع الدول الدائنة متوسلاً منها بالتخلي عن ديونها أو بعضا منها على العراق، وحقق نجاحاً باهراً في مساعيه حيث أطفأ نحو 90% من تلك الديون البالغة 120 مليار دولار، راح عدنان حسين، يدبج المقالات في صحيفة (الشرق الأوسط) التي كان يعمل فيها آنذاك (عام 2003)، يطالب فيها السعودية والكويت وغيرهما من الدول الدائنة بعدم التنازل عن ديونها على العراق!! أما تبريره: كي لا يتجرأ الشعب العراقي ثانية فينجب دكتاتوراً أخر مثل صدام في المستقبل!! فرددتُ عليه معاتباً بمقال ودي بعنوان: (هل من الإنصاف معاقبة الشعب العراقي بجرائم صدام؟) مذكراً إياه: "وهل استلم صدام حكم العراق عن طريق الانتخابات الديمقراطية النزيهة، أو استفتى الشعب العراقي في حروبه لكي يتحمل هذا الشعب تبعات حروبه العبثية". فغير المحرر عنوان مقالي إلى (العراق غير قادر على دفع الديون والتعويضات؟)، وهذا لا يهم، ولكن رد عليَّ عدنان حسين وفي نفس العدد من صحيفة (الشرق الأوسط، يوم 21/11/2003) بمقال عنوانه: (وهل الإنصاف في معاقبة ضحايا صدام؟). أضع روابط المقالات المتبادلة أدناه ليطلع العراقيون على الحقائق ومدى "حرص" عدنان حسين على مصلحة العراق. (روابط في الهامش: 2، 3، 4). 

يقول السيد عدنان حسين في مداهنة واضحة للكرد والسنة: «الكرد أعادوا أنفسهم وإقليمهم الى الدولة بإرادتهم الحرة وقرارهم الحكيم، وكان يمكن لهم أن يمتطوا صهوة حصان التطرف القومي ويستغلوا انهيار الدولة وما فيها قبل عشر سنوات ليبقوا على كيانهم الذي تمتع باستقلال حقيقي. كان بإمكانهم أن يفعلوا ذلك لو خضعت قيادتهم لنزق، أو قصر نظر، بعض قومييهم.

«السنة (أو ما يطلق عليهم تسمية سكان المناطق الغربية)، كان في مستطاعهم هم أيضاً أن يدوّخوا الدولة الجديدة التي وُلدت كسيحة بفعل مرض المحاصصة الطائفية والقومية، فيواصلوا مقاطعة العملية السياسية وينضووا جميعاً تحت أعلام "القاعدة" وفلول النظام السابق، مستندين الى دعم فعال من وراء الحدود الغربية والجنوبية (1800 كيلو متر) المفتوحة على تضاريس صحراوية صعبة. لكنهم عادوا الى الرشد بعد حين قصير وانضموا الى العملية السياسية..»

لم يوضح لنا السيد عدنان لماذا «عادوا إلى الرشد بعد حين قصير وانضموا إلى العملية السياسية». إن سبب إنضمامهم إلى العملية السياسية يا سيد عدنان هو ليفجروها من الداخل، مع استثناء بعض الشرفاء العقلاء من أهل السنة الذين انضموا بنوايا وطنية شريفة، وهؤلاء الآن معزولون مع الأسف. وبالطبع إن ما يجري الآن من تظاهرات واعتصامات في الحويجة، والمناطق الغربية، وقتل الجنود العزل سببه المالكي في نظر عدنان حسين وزميله طارق الحميد ومن لف لفهما، إرضاءً لأسيادهم من أصحاب المخططات الخارجية. 

ويرد قارئ لبيب باسم (مدقق) في قسم التعليقات في (المدى) على مقال عدنان حسين قائلاً: «لقد فاتك سيدي الكويتب بان العراق كله يعيش من خيرات أهل الجنوب .. وأن الاكراد لو كانوا يستطيعون الانفصال لما تأخروا في اعلان دولتهم، ولكن الهراوة التركية والعصا الايرانية هي من ارجعتهم مرغمين وليس بإرادتهم الى العراق... اما المناطق الشمالية والغربية فلا يستطيعون اعلان دولتهم لأنهم معدمون اقتصاديا ولا موارد لهم. اما ما يتكلمون عنه من تشكيلهم جيشا فهو مجرد ميليشيات ارهابية تريد عودة السنة الى الحكم وهذا هو الهدف الحقيقي غير المعلن لكل التظاهرات ... فهؤلاء وانتم معهم لديكم عقدة الحق التاريخي لحكم السنة ولا تستطيعون التعايش في دولة يشارك فيها الشيعة في الحكم ولا تبقوا تنظروا وتتحدثوا بكلام مزيف .. ».

والسؤال الذي أوجهه إلى السيدين عدنان حسين، وزميله السعودي طارق الحميد، هل مجرد "نزول المالكي من بغلته" سيحيل فلول البعث، وعلى رأسها عزت الدوري ومنظمته "النقشبندية" الإرهابية، وفصائل الموت الأخرى، و"دولة العراق الإسلامية" البعثية، والقاعدة في بلاد الرافدين، وجيش العز والكرامة بقيادة سعيد اللافي ومحمد خميس ابو ريشة، وقصي الزين وغيرهم من المتورطين بقتل الجنود الخمس... أقول : هل رحيل المالكي سيحيل هؤلاء إلى قوى ديمقراطية تقبل بصناديق الاقتراع؟ 

إذ كنت تعتقد ذلك فأنت في منتهى الجهل والسذاجة في أحسن الأحوال، أو أنك أحدهم في أسوئها.

نسي عدنان حسين أن المالكي استلم الحكومة وكانت المحاصصة الطائفية والأثنية والإرهاب والصراعات بين الكتل السياسية حقيقة قائمة على أرض الواقع منذ تشكيل مجلس الحكم بعيد سقوط الفاشية، ولم يكن بإمكانه ولا إمكان أي "سوبرمان" إلغاءها. لقد استلم المالكي رئاسة الحكومة بعد استقالة إبراهيم الجعفري القسرية عام 2006، التي فرضت عليه من قبل كتلة التحالف الكردستاني لأنه تجرأ كرئيس للوزراء فقام بزيارة إلى تركيا دون أن يأخذ موافقة السيد بارزاني. والمالكي لم يفرض نفسه، بل وقع عليه الاختيار من قبل زملائه في كتلة الإئتلاف الوطني آنذاك، وصوتت له الأغلبية البرلمانية، وبنفس الطريقة أعيد انتخابه للدورة الثانية عام 2010. لذلك فتحميل المالكي كل أمراض العراق الاجتماعية والسياسية موقف يجافي الحقيقة لا يخلو من خبث وسوء المقاصد.

وختاماً

 بتاريخ 30/8/2011، نشرت مقالاً على مواقع الإنترنت، بعنون: (أفضل طريقة لإسقاط حكومة المالكي!)(1) وجهت في ختامه نصيحة لخصوم المالكي الذين كانوا يطالبونه بالاستقالة، وأعيدها لهم اليوم عسى أن يستفيدوا منها، وهي كما يلي:

أننا نقدم للسادة المطالبين بإسقاط أو استقالة المالكي النصيحة التالية: إذا كنتم حقاً تؤمنون بالديمقراطية، والتداول السلمي للسلطة، وبما إن المالكي وكتلته (دولة القانون) حصلا على أعلى نسبة من الأصوات في الانتخابات العامة، ونال ثقة الأغلبية البرلمانية، لذلك يجب اتباع نفس الطريقة الديمقراطية لإزاحته عن المسؤولية، إذ توجد في النظام الديمقراطي آلية سهلة دستورية مشروعة لتغيير الحكومة، وذلك من خلال البرلمان بسحب الثقة من رئيس الوزراء وحكومته، وكفى الله المؤمنين شر الجدال والقتال. فإذا صوتت الأغلبية البرلمانية ضد المالكي وحكومته، فبها، أما إذا صوتت لصالحه وحكومته، فيجب أن تحترموا قرار البرلمان، وأن تعلموا بأن أسلوب التأليب والترهيب والتهديد وتهييج الشارع وإغراق البلاد في فوضى عارمة، هو سلاح تستخدمه الأقلية المفلسة سياسياً وأخلاقياً لفرض إرادتها على الأغلبية بالقوة والبلطجة، وهو أسلوب أثبت فشله طيلة السنوات السابقة ولن يكتب له النجاح، لا الآن ولا في المستقبل. 


abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  

http://www.abdulkhaliqhussein.nl/

ـــــــــــــــــــــــ

مقالات ذات صلة بالموضوع

1- عيدالخالق حسين: أفضل طريقة لإسقاط حكومة المالكي!  

http://abdulkhaliqhussein.nl/?news=476

2-عدنان حسين : من يرفع الصوت ضد مقتدى الصدر؟  (ملاحظة: عنوان المقال عن مقتدى الصدر، ولكن النصف الثاني منه يطالب الكاتب الدول الدائنة بعدم التخلي عن ديونها على العراق)

http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=197808&issueno=9087

 

3- عبد الخالق حسين العراق غير قادر على دفع الديون والتعويضات؟

http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=204105&issueno=9124

 

4- عدنان حسين .... وهل الإنصاف في معاقبة ضحايا صدام؟ http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=200375&issueno=9102

 

 

Opinions