لماذا نقتل أحلام البنات
كانت ذكية جدا ومتفوقة في المدرسة ومرارا تم اختيارها لتكون قدوة الصف.علاماتها الدراسية كانت الأعلى بين علامات زميلاتها وغالبا ما ارتدت ملابس بيضاء وقلدت بحركاتها مايفعله الأطباء فهي كانت تحلم بأن تصبح طبيبة.هذه الكلمات قالتها إحدى زبوناتي القرويات عن ابنتها تماضر وهي تشعر بحزن عميق لان ابنتها الصغيرة لم تمنح الفرصة الكافية لتحقق على الأقل جزءا من أحلامها وكان أخر يوم تبصر فيه سبورة مدرسية هو اليوم الأخير لامتحانات الصف السادس الابتدائي حيث لم يسمح لها والدها وأخويها إكمال المتوسطة بحجة البلوغ. اجل بلغت اليوم تماضر سن الرشد وهي تحاول إن تبقي في حياتها على شيء من ذكريات المدرسة وتحافظ على ميولها الأدبية وتتنفس من خلال الكتابة فتملأ الدفاتر بعبارات بسيطة ورقيقة ولكن للأسف مازال المجتمع الذي تعيش فيه عاجزا عن رؤية اسمها منشورا في مجلة أو جريدة أو على الأقل استيعاب وقع كلماتها التي يطرق الأذهان ليطرح أمام العقول الجافة تساؤلا يقول. لماذا لم تمنحوني الفرصة لأحلم ولأحقق أحلامي.
وفي الحقيقة ليست تماضر وحيدة في تساؤلها فالكثيرات من بنات جنسها وبلدها يجدن في صرخاتها تعبيرا عن الماسي التي حلت بهن لا لشيء سوى لأنهن خلقن إناثا ولازالت في كل يوم تبكي وتحتج واحتجاجها هذا لا يعبر عن مشكلتها فحسب فهي تتكلم عوضا عن أخرى تدعى مريم كانت تلعب أمام البيت مع صديقاتها بالخرز (النمنم) عندما جاءها العريس ومعه الراقصون و الطبالون وهي لا تعلم شيئا ولم تشرح لها أمها بأنها مقبلة على مرحلة جديدة في الحياة وبالفعل تزوجت مريم وهي تبكي لأنها لم تشبع بعد من طفولتها وانتقلت إلى مرحلة أثقل وختمتها وخرجت منها أرملة مع عدة أطفال ومن ثم اقترنت دون إرادتها بأحد أشقاء زوجها السابق فأعرافنا وتقاليدنا الشرقية لا ترحم الرجال أحيانا فكيف ستسأل المرأة عن اختيارها وإرادتها. أما الكلام عن الأحلام والحب فهي جريمة عقابها الموت وهكذا تدور الرحى على تلك الأحلام لتجرد المرأة من أمور كثيرة وتحولها إلى مجرد آلة تحب عندما يطلب منها الحب فقط تنجب وتعمل وتفعل كل شيء وفي ذات الوقت هي لا شيء فالعنف ينعكس عليها و الفقر أما تكون ضحيته الأولى أو تتحول إلى وسيلة للتخلص منه ومع ما يشهده بلدنا اليوم من مصاعب أصبحت حتى الهجرة والهروب من هذه الأحداث تلقي بأوزارها على المرأة التي أصبحت جزءا من صفقات تقوم على أساس المصلحة والبحث عن منفذ فتساق الشابات مرغمات إلى زيجات غير موفقة ولا متناسقة بينهن كمراهقات في مقتبل العمر وبين مهاجرين قادمين من دول عديدة لم يبقى لهم في الحياة سوى مسك الختام وتغيرت المعايير في سبيل ذلك فالجمال أصبح لا يعني شيئا إذا ما قورن باسم دولة مرفهة و الشهادات والمستوى الثقافي للمرأة تعلق على رف الزمن فأما عليها انتظار قدرها المشئوم أو عليها استثمار فرصتها المتاحة مهما كانت للانطلاق في رحلة الأحلام إلى حيث الحرية الكاملة وحتى عند بلوغ البنات هذه النقطة الخيالية فالافتراض يبقى قائما بوجود تقاليد أقوى وسكاكين حادة أو طلقات مسدس سريع تجهز على كل شيء في ثوان معدودات.