لمن يفترض أن يمنح المواطنات والمواطنون أصواتهم في الانتخابات القادمة ؟
مرت أكثر من أربع سنوات على الانتخابات العامة الماضية حيث صوت غالبية الناخبين والناخبات في القسم العربي من العراق لصالح قوائم تدين بالولاء للمذاهب الدينية وعلى أسس طائفية سياسية. وقد جاءت هذه النتيجة لعدة أسباب نشير إليها فيما يلي :1. الأجواء السياسية السلبية العامة التي سادت البلاد ووقوع الحكم بأيدي القوى الإسلامية السياسية التي تحكمت بالكثير من المفاصل الأساسية وفي الإعلام والدعاية الانتخابية ومراكز الانتخابات.
2. الإرهاب الدموي والطائفي الذي شنته قوى الإرهاب الدموية ضد المجتمع وعلى أساس طائفي مقيت مما شدد من الشعور بالانتماء المذهبي والموقف الطائفي.
3. نشاط المليشيات الطائفية المسلحة التي كانت ترعب الناس وتسيطر على مناطق مختلفة من العراق, إذ لم تكن الجرائم التي ارتكبتها قليلة, بحيث وجد الناس أنفسهم أمام خيار النجاة بالنفس بدلاً من فقدانها بسبب الإدلاء بصوتها.
4. التثقيف الطائفي المتشدد لأتباع المذهبين الشيعي والسني ووقوف المرجعيات الدينية وشيوخ الدين المسلمين من شيعة وسنة إلى جانب الأحزاب السياسية الإسلامية التي تدعو للطائفية وتبشر بها وتعمق من التباعد بين بنات وأبناء المذاهب الإسلامية أو المواطنين والموطنات على أساس الدين أيضاً.
5. الأموال الطائلة والعطايا العينية التي كانت القوى الإسلامية السياسية تغدقها على الناخبات والناخبين المعوزين والفقراء الذين يشكلون الأكثرية الساحقة من السكان لشراء أصواتهم وفرض "الَقسم" عليهم في منح أصواتهم لهذا الحزب الإسلامي السياسي الطائفي أو ذاك.
6. القانون الانتخابي الذي وجدت فيه الكثير من النواقص والمضامين غير الديمقراطية التي تبتعد عن مضمون الدستور العراقي, رغم نواقص الأخير أيضاً.
7. التزوير المتعدد الوجوه الذي وقع على صناديق الانتخابات لصالح قوائم أحزاب وائتلافات قوى الإسلام السياسية.
8. يضاف إلى كل ذلك الجهود الإقليمية التي كانت تبذل لصالح هذا الفريق المذهبي أو ذاك وبشكل خاص من دول الجوار وقواها السياسية وأحزابها ومنظماتها , إضافة إلى حكومات البعض المهم منها.
وفي مقابل هذا لم تكن القوى الديمقراطية والعلمانية قادرة في إطار تلك الأجواء السياسية المناهضة للديمقراطية والعلمانية على مواجهة فعالة مع تلك القوى المهيمنة, إذ كانت مخاطر الموت قاب قوسين أو أدنى من الكثير من عناصر هذا التيار, إضافة إلى خلو اليد من الأموال التي امتلكتها تلك القوى والطريقة التي حصلت عليها من الداخل أو الخارج. وليسوا قلة أولئك الذين خسروا حياتهم على طريق النضال من أجل الحرية والديمقراطية قبل أو بعد الانتخابات.
فهل تغيرت الأوضاع في العراق بين 2005 و2010 ؟
الكثير من الدلائل التي تحت تصرفنا والتي رأيناها ولمسناه مباشرة في العراق تشير إلى عدة حقائق مهمة؟
1. إن قوى الإسلام السياسية الطائفية لا تمتلك نفس الرصيد السابق, كما إنها تعيش صراعاً شديداً على السلطة بحيث يسمح بعضها بالعمل لتدمير الآخر بشتى السبل الممكنة. وما حصل في كربلاء ومناطق أخرى يشير إلى طبيعة هذا الصراع.
2. ولكن هذا الواقع قد اقترن بسعي قوى الإسلام السياسية إلى تشديد الصراع الطائفي السياسي بين أحزاب المذهبين السني والشيعي بهدف تشديد الاستقطاب بين القوى المذهبية وأتباع المذهبين لصالح هذا المذهب أو ذاك, رغم أنها في دعايتها المكشوفة تتحدث ضد الطائفية وتدعو لمبدأ المواطنة, ولكن في عملها مع الناس مباشرة تدعو إلى التشدد في هذا الصدد. وما التحالفات التي نشأت وبالرغم من تشابك في المواقع, إلا أنها لم تختلف كثيراً عن الفترة السابقة.
3. كما أن استمرار وجود قوى الإسلام السياسية الطائفية بالسلطة يمنحها القوة والاندفاع لوضعها في خدمة قوائمها, وخاصة في المحافظات المختلفة في القسم العربي من العراق.
4. ولا تزال الأموال متوفرة بكميات كبيرة لدى القوائم الإسلامية السياسية التي تسعى لشراء أصوات الناخبات والناخبين. وحادثة توزيع البطانيات والصوپات و"الكلاوات" مثلا في انتخابات مجالس المحافظات تمنحنا وضوح الرؤية في ما يمكن أن يحصل في هذه الانتخابات.
5. ولا تزال دول الجوار تلعب دورها في التأثير على العملية السياسية وعلى مجرى التحضير والسیر فی المعركة الانتخابية القادمة.
6. ولا تزال الكثير من المليشيات الطائفية تلعب دورها, وكذلك قوى الإرهاب الدموية وأن تراجع دورها نسبياً في التأثير غير المباشر على هذه الانتخابات.
7. يضاف إلى كل ذلك واقع استمرار معاناة غالبية الشعب العراقي من نقص في الخدمات العامة والبطالة والحرمان واستمرار الفساد وتراجع في الوضع الأمني نسبياً, كما أن نسبة تزيد عن ثلث السكان تعيش تحت خط الفقر الدولي الخاص بدول العالم الثالث ومنها العراق, ووجود أكثر من ثلاثة ملايين إنسان عراقي يعيش في المهجر, وهو نفس الوضع الذي كنا نعيبه على نظام الدكتاتورية الغاشمة, نظام حزب البعث وصدام حسين.
وفي مقابل هذا استطاعت القوى الديمقراطية والعلمانية أن تفضح الكثير من ألألاعيب الانتخابية ونواقص القانون الجديد وتراجعه عن الوجهة الديمقراطية المنشودة في جوانب كثيرة منه, بما في ذلك الموقف من أتباع القوميات والديانات الأخرى غير العربية والكردية أو غير الإسلامية. كما تكشف يومياً عن النواقص الجدية البارزة في الوضع المعيشي وعموم الوضع الاقتصادي للعائلات الفقيرة والمعوزة والموقف من العنف ضد المرأة ومعاناة الطفولة واليتامى منهم بشكل خاص والنساء الأرامل..الخ.
إن السمعة النظيفة العامة للكثير من القوى الديمقراطية والعلمانية تعزز ثقة المواطنات والمواطنين بها, رغم أنها لا تزال تعاني من تبعثر القوى والتحاق البعض الديمقراطي لأسباب ضيقة بقوائم القوى الإسلامية السياسية, أو الانخراط بصورة منفردة بقوائم خاصة به.
لقد تشكلت قائمة اتحاد الشعب من ثلاثة قوائم هي قائمة الحزب الشيوعي العراقي وقائمة الحزب الوطني الديمقراطي الأول (بقيادة هديب الحاج حمود) وقائمة كلدو أشور الديمقراطية, وهي تخوض الانتخابات بقائمة موحدة في محافظات العراق وتضم فيها شخصيات وطنية شيوعية وديمقراطية ومستقلة ذات وجهة ومهمات ديمقراطية مدنية, وتطرح برنامجاً انتخابياً وطنياً وديمقراطياً موحداً يعبر بصدق وموضوعية عن مصالح الشعب العراقي بكل مكوناته القومية وبعيداً عن النزعات الدينية والمذهبية أو الطائفية أو النعرات القومية الشوفينية أو الضيقة. بالرغم من النواقص الجدية وغير الديمقراطية التي تضمنتها بعض بنود قانون الانتخابات الجديد.
إن قائمة اتحاد الشعب, وهي تخوض الانتخابات العامة القادمة وفق برنامجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي الديمقراطي, تدرك بأن الكثير من العوائق قد وضعت في طريقها وطريق القوى الديمقراطية عموماً, في ضوء الواقع الاقتصادي والوعي السياسي والاجتماعي من جهة, والمضامين غير الديمقراطية التي تضمنتها بعض مواد قانون الانتخابات الجديد وغياب قانون الأحزاب من جهة أخرى, وضعف الموارد المالية التي يمكن توجيهها لصالح الدعاية الانتخابية الضرورية للقائمة وللمرشحين, وهيمنة إعلام الحكومة على وسائل الإعلام لصالح القوى المتنفذة في الحكومة, من أجل منع فوز نسبة مهمة من المرشحين للانتخابات القادمة. إلا أن قوى قائمة اتحاد الشعب قررت خوض المعركة, وهو قرار سليم, بثقة عالية بالنفس تشير إليها حركة الكوادر والأعضاء والقوى المؤيدة لقائمة اتحاد الشعب في الوصول إلى الناخبات والناخبين من أجل دفعهم للمشاركة في الانتخابات أولاً, ومنح أصواتهم لقائمة اتحاد الشعب ثانياً, بهدف تمثيل أكبر عدد ممكن من مرشحي القائمة في المجلس النيابي الجديد ليكونوا, كما برهنا عليه ممثلا الحزب الشيوعي العراقي في المجلس النيابي الحالي من نظافة اليد والاستقامة والنزاهة والجدية والحضور الدائم دفاعاً عن مصالح الشعب وفئاته الكادحة. وهم ضمن نواب آخرين زكتهم لجنة النزاهة حين كشفوا عن أوضاعهم المالية أمام لجنة النزاهة في مجلس النواب وأمام الشعب.
إن أمام الناخبة والناخب حق الاختيار بين القوائم وبين المرشحين, ولكن عليه أن يحكّم ضميره لكي يختار هذه القائمة أو تلك التي تبتعد في نهجها عن الانتماء الديني والمذهبي والسلوك الطائفي السياسي أو القومي الشوفيني أو الضيق لصالح مبدأ المواطنة العراقية المتساوية والموحدة في العراق. إن قائمة اتحاد الشعب تضم في صفوفها شخصيات وطنية من كل القوميات ومن أتباع كل الأديان والمذاهب ومن اتجاهات فكرية وسياسية ديمقراطية وعلمانية ومدنية متعددة, وهي جديرة في الحصول على تأييد الناخبات والناخبين وثقتهم من أجل تكريس دولة القانون الديمقراطية, الدولة العراقية الديمقراطية الاتحادية الموحدة, من اجل تعزيز الاستقلال والسيادة الوطنية وإنهاء وجود القوات الأجنبية في العراق والقضاء على الإرهاب والطائفية السياسية والفساد والتخلف. إن ثقة قوى ومرشحي قائمة اتحاد الشعب بالنفس وبالشعب العراقي كبيرة وهي التي تدفع بهم إلى تحدي الأوضاع السلبية التي لا تزال تهيمن على الواقع السياسي العراقي الراهن وعلى المجرى الراهن للعملية الانتخابية والمشاركة بالانتخابات بكل طاقات أعضاء ومؤيدي وأصدقاء قوى قائمة اتحاد الشعب, قوى الشعب العراقي. إن المعركة الانتخابية القادمة تعتبر واحدة فقط من مجالات النضال في سبيل خدمة الشعب ودفع تقدمه إلى الأمام, وليس كلها. فهناك الكثير من المجالات الأخرى التي يجري النضال فيها على مستوى المحلات والمدن والمناطق والنقابات والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني الأخرى لصالح تحقيق أهداف الشعب وتأمين الخدمات العامة والضرورية له أو النضال في سبيل تغيير وجهة التعليم العام في المدارس والمعاهد والكليات والجامعات, أو في تغيير وجهة التنمية الاقتصادية أو الكفاح ضد البطالة ومن اجل تحسين مستوى حياة ومعيشة الفئات الفقيرة والكادحة من المجتمع أو ضد التمييز بمختلف أشكاله وأوجه بروزه وممارسته.
سأعالج موضوع الانتخابات العامة في إقليم كُردستان في مقال آخر, إذ أن الانتخابات هناك لا تجري على أساس طائفي, بل وفق مسائل أخرى تستوجب المعالجة الخاصة.
وقبل الانتهاء من هذا المقال أود أن أضيف ملاحظة مهمة لكل من يهتم بمطالعة مقالاتي لأقول له: حين أقرأ مقالاً أو مادة ما وأشعر بوجود أي خطأ فكري أو سياسي, وفق قناعتي الشخصية, في إطار عمل قوى التيار الديمقراطي أو حتى من غير هذا التيار, عندها أجد نفسي ملزماً بتوجيه الملاحظة أو النقد الذي يهدف إلى إصلاح الخلل, إذ أن السكوت عنه يقود, كما أرى, إلى تداعيات أخرى, وليس القصد من ذلك النقد توجيه أنظار الناس إلى موقع أخر غير الموقع الذي يفترض الاهتمام به أو الإساءة أو ينطلق من مواقع التربص. ومثل هذه الانتقادات لا تعني بأي حال التربص والترصد للآخر, الذي هو ليس آخر, كما يظن البعض, فمثل هذا الظن خطأ فادح يقود إلى ممارسة النقد بتجريح شخصي لا ينفع أحداً ولا يستطيع منع النقد عند الضرورة, كما لا يمكنه البتة إقناع الناس بمحاولة كاظم حبيب أو جاسم حلوائي الإساءة لقوى التيار الديمقراطي أو للحزب الشيوعي العراقي أو التربص والتعريض برفاق الحزب الشيوعي, إذ مثل هذا التصور وهم زائف ووجهة خاطئة. إذ أن مثل تلك المقالات التي تكررت في الآونة الأخيرة تجلب الضرر الشديد والإساءة الكبيرة على المحرك لكتابة مثل تلك المقالات المسيئة وعلى الأسماء, سواء أكانت حقيقية أم وهمية, التي تخط تلك المقالات. أملي الاستفادة من الملاحظات النقدية حتى في فترة المعركة الانتخابية, فهي كالنور الذي ينير درب النضال والمسيرة الديمقراطية ويفترض شجب تلك المقالات المسيئة للأشخاص وليس للأفكار والسياسات التي تمارس النقد الرصين.