Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

مأساة سميل وصمة عار في جبين الشوفينية والاستبداد


بالأمس كانت سميل صرخة مدوية تخاطب ضمير الساسة العراقيين وعقولهم للعيش بأمن وسلام في عراق متعدد القوميات والمذاهب …. وهذا ما يفعله شعبنا اليوم في صرخاته ومناشدته لجميع القوى العراقية لإنصاف قضيته وحقوقه وتاريخه ونضالاته ليعيش بحرية وأمان في بلده وبين اشقائه العراقيين.
في صبيحة السابع من أب نهضت سميل وهي محاطة بغيوم سوداء تبوح بسر لاقتراف جريمة بشعة بحق أبنائها البررة الآمنين والمسالمين ولم يغف بعد من غيبوبتهم نتيجة الأعمال الوحشية التي ارتكبت بحق آبائهم وتشريدهم من مناطق سكناهم، فها هي قوة الشر والاستبداد تحاط بها من جميع الجهات فسمع منذ الصباح الباكر دوي الانفجارات وجلجلة السلاح لتقتل وتشرد أبنائها بعد أن وقفوا في وجه الغطرسة والعنصرية للمطالبة بحقوقهم القومية والاستقرار والسكن في موطنهم التاريخي ، إلا أن المتطرفين والمشعوذين على راس الدولة العراقية المتشكلة حديثا وقادة العسكر خريجي الاستعمار العثماني العنصري ارتكبوا جريمة بشعة لم ير التاريخ الطويل للبشرية مثيلاً لها ،حيث بعد استقرار الكيان السياسي للعراق وتهيئته للانضمام إلى عصبة الأمم طالب الآشوريين بالحد الأدنى من الحقوق القومية والتي تمثلت في البيان الصادر عن القيادة المجتمعة في راس عمادية في شمال العراق عام 1932 وتضمنت المطالب التالية :-
1- الاعتراف بالآشوريين مقيمين في العراق وليسوا أقلية عنصرية أو طائفة دينية .
2- وجوب إعادة أوطانهم في تركيا إلى العراق ، أو إيجاد وطن للآشوريين في العراق يضم مناطقهم التاريخية في محافظة دهوك الحالية ويديره متصرف عربي ويعاونه مستشار بريطاني .
3- تشكيل هيئة لإيجاد أراضي مناسبة وكافية مع إيجاد المبالغ اللازمة على أن تسجل الأراضي بأسماء الأفراد الآشوريين .
4- على الحكومة العراقية أن تعترف بصورة رسمية بالسلطات الدينية والدنيوية للمار شمعون وان تمنحه وساماً عالياً وإيرادا سنوياً مجزياً .
5- أن يمثل الآشوريين نائبا في البرلمان العراقي .
وغيرها من المطالب الشرعية والمهمة لشعب يريد العيش برفاهية في موطنه وكجزء ضئيل من حقه في تقرير مصيره ضمن المفهوم الذي أفرزته مستجدات الظروف السياسية آنذاك.
غير انه رغم البساطة السياسية التي تحلت بها هذه المطالب والتي لم تكن تمس إطلاقا وحدة الدولة العراقية وسيادتها وأمنها، فان النخبة الحاكمة ومن خلفها الإنكليز اعتبروها مطالب خطيرة، فشنت ضدهم حملات تنكيلية فاشية تمثلت ذروتها في صيف عام 1933 في بلدة سميل، حيث ذبح فيها أكثر من 4 ألاف آشوري من رجال ونساء وشيوخ وأطفال ورجال الدين العزل قربانا لمبدأ حق تقرير المصير وفي غضون (20) ساعة فقط وتم تهجير الآلاف منهم إلى سوريا وبلدات وقصبات أخرى في العراق، و استمرت أعمال بشعة واسعة من الانتقام والتنكيل والقتل ودامت لأكثر من أسبوع، حيث كانت الضخامة والبشاعة بفزع القائمين بها وعلى رأسهم المجرم بكر صدقي (قائد الحملة ) بنفسه حيث بادر بإصدار أوامره إلى ضباطه وأفراد جيشه بالتزام الكتمان الشديد وهدد بأقصى العقوبات بحق كل من يسرب شيئا من أخبارها إلى ضباط الإنكليز، كما أفزعت هذه الأعمال الحكومة العراقية نفسها فسعت إلى كتمان أخبارها ومحو أثارها وإنكار حدوثها أو إنكار ضلوع الجيش بها وقصر مسؤوليتها على أفراد العشائر .
وكان الجهاد قد أعلن رسميا في أوائل آب 1933 وقامت الحكومة العراقية عبر الصحف المحلية بتحريض رجال القبائل العربية للتطوع والتوجه نحو شمال العراق لمقاتلة الآشوريين ، فبدا التجار يزودون المتطوعين بالذخيرة والسلاح ، حيث قدمت الحكومة العراقية ثنائها لأعمالهم الوطنية وتدفقت الجمال بالمئات للإسهام في عمليات دعم الجيش لتمشيط مناطق الآشوريين، وكانت التعليمات الرسمية قد وجهت لرجال بعض القبائل العربية والكردية بتخصيص مبالغ مالية مقابل رأس كل آشوري وعدم مطالبة الحكومة بكل ما يستولوا عليه من المتاع واعتبرت كل من لم يشارك في الجهاد خائن لدينه وبلاده. هذا وحاول الآشوريين إيجاد مخرج لقضيتهم في العراق من خلال طرحها إلى عصبة الأمم، إلا أن ذلك لم يلق إذنا صاغية بسبب تعارض ذلك مع المصالح البريطانية واستراتيجيتها الاستعمارية الجديدة تجاه العراق والقاضية ببناء دولة مركزية تتربع على سلطتها حكومة مرتبطة بها تضمن مصالحها الاقتصادية والسياسية، هكذا تمكنت بريطانيا بفعل نفوذها وهيمنتها الدولية من خنق القضية الآشورية وإسكات صوتها المطالب بحق الآشوريين في تقرير مصيرهم وضمان حقوقهم القومية والدينية في العراق. هذا وخلفت أحداث تلك المرحلة نتائج مروعة على مستوى السياسة والوعي القومي والتي بدورها أثرت بشكل كبير على طبيعة أو مسار تطور الحركة السياسية والقومية للآشوريين ودفعتهم نحو التواري السياسي نسبيا، بينما في الفترات اللاحقة استطاع الآشوريين التعويض عن هذه الحالة بانتهاج أساليب أخرى تكيفت مع قسوة الاستبداد السياسي والفكري تجاه مسألتهم القومية في العراق . وفي تاريخ الشعوب والأمم هناك مواقف وأحداث يتم تسجيلها والتي من شأنها تغدو انعطافا ونقطة تحول في مسيرتها الإنسانية وتصبح فيما بعد رموزا تاريخية خالدة تفتخر بها وتستذكر من خلالها القيم والمفاهيم السامية في التضحية والفداء .
في تاريخ شعبنا تعد ثورة سميل التي اندلعت أحداثها في منتصف عام 1933 والتي وصلت ذروتها في السابع من آب والذي أصبح يوم الشهيد الآشوري أصبحت رمزا خالدا نحتفي بها كل عام وفي كل مكان، ونستذكر من خلالها شهداء الإنسانية والحرية في كل مكان وشهداء شعبنا الأبي في مسيرته النضالية الطويلة. وكانت ثورة شعبنا القومية والوطنية في سميل عام 1933 رغم أحداثها الدموية والتي راح ضحيتها آلاف الآشوريين انعطافة تاريخية وقومية كبيرة في مسيرة شعبنا النضالية من اجل تحقيق طموحاته الإنسانية المشروعة على أرضه التاريخية وكذلك شكلت صرخة مدوية في وجه القهر والاضطهاد والشوفينية وبداية لمسلسل الصهر القومي وترسيخ الذهنية العنصرية والعسكرتارية التي توالت وقادت العراق إلى ما يشهده اليوم من مآسي، حيث رفعت الأنظمة العراقية في ذلك الوقت شعارات كاذبة لإسكات صوت الحق للأقليات القومية والدينية بمطالبتهم بحقوقهم، وتم قمع ثوراتهم المختلفة بحجة حماية الوطن وسيادته من أطماع الغرباء وعملاء المستعمرين، وهي نفس الحجج التي تمسكت بها الأنظمة المتعاقبة على السلطة في العراق في معالجة المسالة الآشورية والقوميات والطوائف الأخرى ووصلت ذروتها في عهد نظام البعث البائد بتدمير آلاف القرى الآشورية والكردية في الشمال والاهوار في الجنوب وتشريد الآلاف من مناطقهم التاريخية وقتل مئات الآلاف بطرق وحشية وبربرية، ويتبين بان تلك الأحداث مشابهة إلى الأحداث الجارية في عراق اليوم والذي يُقتل الأبرياء وُيشرد العديد منهم من مناطق سكناهم وهضم حقوق القوميات الصغيرة والأقليات الدينية، وبعد كل تلك الأحداث المأساوية والتي عصفت بالشعب العراقي والتي لم يسلم منها احد وأملنا كبير بالنظام الوطني الحالي أن يأخذ من تلك الأحداث المأساوية الدروس والعبر وان لا ينجرف للحرب الأهلية الطائفية وان يقوم ببناء دولة عصرية حديثة قائمة على احترام حقوق الإنسان وتطبيق الديمقراطية بمفهومها العصري ليعيش الجميع بأمان واستقرار ورفاهية وبناء دولة قوية تضمن حقوق الجميع بمختلف أطيافه الدينية والقومية ، وإعادة العراق إلى حضن الأسرة الدولية وتبوأ مكانته اللائقة به ليخدم شعبه وشعوب العالم اجمع وليعود كما كان في العهود القديمة قويا شامخا ينير الدروب أمام الجميع ويخدمهم بعلومه ومعارفه.

المصادر:
• الخيانة البريطانية للآشوريين . يوسف مالك
• الآشوريون في الفكر العراقي المعاصر. ابرم شبيرا
• حقوق الآشوريين السياسية في العراق . ابرم شبيرا
• تاريخ القضية الاثورية في العراق في رؤية جديدة . عبد المجيد حسيب القيسي
• المسالة الآشورية. جوزيف يعقوب
Opinions