مؤتمر النهضة الكلدانية كلدانيٌ صِـرف ومَن لا يحـمل شعـوراً كـلدانياً صِرفاً لن يستـنهض حـتى نـفـسَه
(( إن الإنـتماءَ القـومي شـعـورٌ لا يـؤجَّـر ولا يُـستأجَـر وإنما هـو إعـتـزاز لـدى الإنسان الموقــَّـر ))منـذ طـفـولتـنا ونحـن نسمع في البـيت من أولياء أمورنا ، وفي المدرسة من أساتـذتـنا ، وفي الكـنيسة من آبائـنا وشمامستـنا ، وفي بلداتـنا من الأميّات من أمهاتـنا والكهول أصحاب الخـبرة من شعـبنا ، نسمع منهم بأنـنا كـلـدانيّـون وفـخـورون بكـلدانيتـنا ، وهـكـذا لما كـبرنا وتـَـعَـلـَّـمنا وبحـثـنا وناقـشـنا ، إزداد فـخـرنا بأجـدادنا وتـراثـنا وآثارنا وأصالة قـوميتـنا .
وإستـناداً إلى ذلك كـنا نسجـل بدون شـك أو تـمحـيصٍ بل بصورة عـفـوية ، في الإحـصاء العام إسمَ قـوميتـنا ( كـلـدانية ) ، دون أن يهمنا ما الذي سيكـتبه المأمورون من موظـفي الدولة في السجلات الرسمية للحـكـومات الدكـتاتورية ، ونحـن لم نكن نملك عـصا موسى السحـرية ( لا ، و إحـنا الكـلدان ﭽَـم نـفـر غــُـشـْـمة من أور الجـنوبـية ! وﭽْـمالة سَـحـَّـرﭽـِـيَّة ! بَسْ ما عـدنا عـصا سحـرية ! ولا عـدنا تـعاويذ فانوسية ! ولا طلاسم جـنـّـية ماركة شـُـبَّـيـك لـُـبَّـيـكـية ! ) كي نجابه السلطة ونـتمرّد عـليها ونـتحـدّاها بضربة واحـدة قاضية ، في عَـرض نهر الدماء الجارية ، ليقـف تـيّاره بصورة فـجائية ، من أجـل سواد عـيونـنا النـرجـسية ، حـتى نـمرَّ أرتالاً وفـصائلَ عـلى أرضه الذهـبـية ، وإلى الضفة الشرقـية أو الغـربـية ، فـنصيح قائلين : ناضلـْـنا وقاتـَـلـْـنا وإستــُـشهـِدَ منا حـتى رضخـتْ لنا الحـكـومة الهمجـية . ولكـنـنا في الحـقـيقة بقـينا وسنبقى كـلدانيّـون قـوميتـنا كـلدانية ، وحـبذا لو نقـرأ غـداً تعـليقَ أصحاب الأفـكار الإقـصائية ، فـرَدُّنا جاهـز بروحـنا الأخـوية ؟ .
وعـلى صعـيد آخـر ترجع بي ذاكـرتي إلى قـبل أو بعـد عام 1970 حـين رأيتُ كـتاب ( القـوميات العـراقـية ماضيها وحاضرها ) وصورة عـبد الكـريم قاسم عـلى صفـحـته الأولى ، والمطبوع في نهاية الخـمسينات قـبل تـقاعـد مؤلفه الكـلداني العـقـيد جـرجـيس جـبرائيل هـومي الساكـن في مدينة الضباط - بغـداد ، فـزرتــُه في حـينها مع صديق وطـلبتُ نسخاً من كـتابه المذكـور فـزوّدني إياها ووزعـتها بـين الأصدقاء بتحـفـظ . دارَ بـينـنا حـوار شـيِّـقٌ حـول الشأن القـومي ورأيته متـوقـداً حـباً لأمته الكـلـدانية تـحاكـيه في مشاعـره عـقـيلته الموقـرة ، وقـلتُ له أن الكـثيرين يرغـبون بإقـتـناء نسخة من هـذا الكـتاب ، فـقال : يمكـنـني أن أكـرّر طباعـته ، فـقـلت : كـيف وأنّ صورة عـبد الكـريم قاسم فـيه والمقـدمة كـلها إطـراء له ؟ قال : أكـيد ، ولكـنـني في حالة كهذه يجـب أن ألغي الصورة ونستعـيض عـنها بغـيرها وكـذلك المقـدمة .
فـنـقـول للإخـوان إنّ مشاعـرنا الكـلدانية هي أصيلة عـفـوية لا يمكـنـنا فـصلها عـن نسغ الدم الصاعـد والنازل في شرايـينـنا وأوردتـنا ، إنها نابعة من قـلبنا وفـكـرنا ، ورافـضة أية وسيلة خادعة لنا ، وتـرفـضُ فـرضَ الأسماء الغـريـبة الهجـينية عـلينا ، ومَن يتـقـبَّـلها ويقـبلها عـلى نـفـسه مِن أجـل مجـد زائل يأمله ، فـهـو حـرٌ وهـنيئاً له إنـقلابه عـلى أصالة ذاته . ولكن هـذا لا يمنع أن نـقـول أنّ لـنا إخـوة ، وكـلنا شعـب واحـد بأسماء تأريخـية مخـتـلفة وقـد فـسَّـرنا قـصدنا هـذا في أكـثر من مناسبة في مقالاتـنا السابقة .
أما عـراق ما بعـد 2003 وبفـضل الحـرية التي حـلت محـل الدكـتاتورية ، فـقـد تــَـمـَـيَّـزَتْ فـيه أنـشطة كـثيرة عـلى كافة الأصعـدة وكلها تهمنا ، ومن بـينها الجانب القـومي للشعـب الكـلداني الذي إنـتـفـضتْ مشاعـره كغاز كان مضغـوطاً في خـزّانٍ مغـلقٍ وفـجأة فــُـتِحَ صنبوره فإنـتـشر بسرعة إلى كل الإتجاهات ، فـبرزتْ مؤسساته بصورة واضحة ومتـنـوّعة والمعـبِّـرة عـن كِـيانه وماهـيَّـته ، وتأمَّـلـْـنا فـيها كل الخـير للعـراق وللشـعـب الكـلداني . فـكانـت لنا تـنـظيماتـنا الكـلدانية ( 1 ) الحـزب الديمقـراطي الكـلداني الذي بقي صامداً أصيلاً معـتـزاً بإسمه القـومي الكـلداني دون أيّ بديل آخـر مهما كان مغـرياً وحـتى اليوم ، و( 2 ) المنبر الديمقـراطي الكـلداني الذي أسسه في أميركا شبابُـنا الكـلداني الغـيورون عـلى أمتهم الكـلدانية ولكـنهم أخـطأوا في واحـدة حـين سـلـَّـموا أوليّاته وحـيثياته ومسؤولياته إلى مَن قال يوماً أن الدماء الآثورية تـجـري في عـروقه ( إنها مشاعـره الشـخـصية فهـنيئاً له عـروقه - وهـنا أؤكـد أنْ ليس لنا إعـتـراض عـلى أبناء شعـبنا الآثوري في هـذا الكلام عـلى الإطلاق ) ولمّا ذكـرتُ ذلك لأحـد أعـضاء المنبر في أميركا يوماً وعـلى الـﭙالتـوك والذي سألتـقـيه عـن قـريـب في سان ديـيـﮔـو ، لم يؤيّـدني في حـينها ولكن الأحـداث أثبتـتْ له صحة كلامي ، مما دفعهم أخـيراً إلى تأسيس منبر ديمقـراطي كـلداني موحّـد ليست له أية علاقة بالأول ، و ( 3 ) المجـلس القـومي الكـلداني ( الذي كـنا نـراقـبه عـن كـثب ونـؤازره في أستـراليا ) كان له مساره القـومي المستـقـيم ، إلاّ أنه إرتـضى لنـفـسه أن ينحـرف عـن خـط الأصالة وينـزلق عـنـد نـفايات مكـتب مؤثـث ليرتميَ بـين جـدرانه ويتـخـذ منه مقـراً له بالإضافة إلى بـيع الإسم الأصيل لأمتـنا الأصيلة بأبخـس الأثمان ـ لناكـريها والمخـطـطين لمحـوها ـ مِن مُـنـَحٍ ورواتبَ نظامية وسفـرات مجانية ومناصب كارتونية ، وعـليه فإن نخـبة من الشباب الكـلداني يطمحـون إلى تأسيس مجـلس بديل . و ( 4 ) أما الجـمعـيات والتـنـظيمات الإجـتماعـية والثـقافـية الكـلدانية فإن إسمها يدل عـليها ولكـن مغـريات الزمن ، تضع الإنسان عـلى المَحَـك عـند المحـن ، ولا يـبقى أمامها صامداً حـتى خـط النهاية إلاّ الواثـق من نـفـسه ، والأصيل في دواخـله ، فالكـثيرون مدعـوّون ولكن القلائلَ منـتـخـَـبون .
إنَّ التـغـيُّـرات المناخـية من جـهة ، والإفـتـقار إلى خـبرة التجـذيف الصحـيح في هـذا اليم المتلاطمة أمواجه من جـهة أخـرى ، جـعـل تـنـظيمات شعـبنا الكـلداني تـتأثـر بالأمواج الهائجة عـند مراسي الموانىء الساحـلية من جانب ، والتيارات الدوّارة في أعـماق البحار المرجانية من جانب آخـر ، ناهـيك عـن تـراخي براغي وصامولات البعـض أمام الإغـراءات الفـلوسية من جانب ثالث ، فـمنهم مَن قاوم وتـَحَـمـَّـلَ وصـبـرَ ولم يَـبـِعْ نـفـسَه وهـو يواصل العـمل بأصالة حـتى اليوم وبسلام ، ومنهم مَن ركـب الموجة الآنية دون تـحَـسُّـبٍ لإرتـطاماتها المستـقـبلية ، فـقـذفـتْ به إلى ميناء ليس وجـْـهَـتـَه ، وقــُـدِّمَـتْ له أزياءٌ غـريـبة إرتـداها فـصار نشازاً بـين أبناء فـصيله من قـومه . نعـم إنّ هـذا التبعـثـر مؤلم فلابـدّ من حـل من أجـل تـوحـيد كـلمة ورأي وخـطاب جـميع الأبناء ذوي المشاعـر الكـلدانية الأصيلة والأحاسيس القـومية النـقـية الخالصة قـولاً وفـعلاً ، ولهـذا عُـقِـدَتْ النيات للقاء عام ، ووُجـِّـهَـتْ الدعـوة فـقـط إلى الذين يعـتـزون بقـوميتهم الكلدانية ، مِن تـنـظيمات وجـمعـيات وأشخاص مستـقـلين غـيورين عـلى أمتهم ، للحـضور إلى مؤتـمر كـلداني عام سًـمـِّيَ ( بمؤتـمر النهـضة الكـلـدانية ) يُعـقـد في سان ديـيـﮔـو كاليفـورنيا للفـتـرة 30 آذار – 1 نيسان 2011 ، حـيث الفـكر الحـر دون أن تـستـطيعَ أية جهة مهما كانت أن تـؤثـر عـلى قـرار الكـلدان الأحـرار ، وبالمقابل من ذلك لم توجَّه دعـوة إلى أي واحـد آخـر حـتى مِـمَّـن يرتـقي مقاماً عالياً في المجـتمع الكـنسي ، أو منـصَباً في العالـَم المدني الإجـتماعي أوالمالي .
إن مؤتمرنا هـذا هـو مؤتمر كـلداني صرف لا تشوبه شائبة من المتأثورين ، أو مِن بائعي أمتهم الأصيلة بطـقم كـراسي ومنـضدة وﭙَـردات نـوافـذ ، موضوعة في غـرفة مدفـوعة الإيجار طالما المُهـرّج يواصل أهازيجه في بـيع قِـيَـم أمته من تراث وتأريخ وأصالة الإسم القـومي ، مقابل ( ﭽـم فـليسات بالجـيـب وجـلسة أنيقة في مكـتب ) ، فإذا توقـف عـن دلاليته في المزادات ، سُـحِـبَـتْ منه الكـراسي والدواليـب والخـُـردَوات ، وتـصبح النوافـذ بلا ﭙَـردات ، إنّ مؤتمرنا هـو للأحـرار وليس لعـبـيد الآغـَـوات .
إن مؤتمرنا الكـلداني ليس ضـد أيّ شخـص أو تـنـظيم ، بل إنه مؤتمر لإستـنهاض الحـس القـومي لدى أبناء شعـبنا الكـلداني في أرض الآباء العـراق وفي المَهـْجـَـر عـلى حـدّ سـواء ، ولتحـفـيز مشاعـرهم القـومية والإعـتـزاز بهـويتهم الكـلدانية الأصيلة دون أن يقـبلوا بـبـديل لها ، ومَن يرى في نـفـسه ويشعـر في داخـل كـيانه أنه جـزء منها قـولاً وفعلاً وعـلى الملأ أمام الناس ، فهـو مدعـوٌ إليه لا محالة .
إن مؤتمرنا الكـلداني هـو للجـمْع والتـكاتـف والألفة ، وليس للبتر أو الإقـصاء أو التـفـرقة ، لـذا سـيجـتمع الأبناء الأصلاء الكـلـدان المنـتـشرون في الجـهات الأربع من أرض الله الواسعة ، لمناقـشة حاضر الأمة ومستـقـبلها ، ويواصلون الطـَّرقَ عـلى الأبواب الداخـلية والخارجـية حـتى يُـفـتح لهم ، فـيَسمع القائمون عـلى إدارة الـبلد صوتـَـهم ، ويعـرفـون ماذا يريده شـعـبُـنا الكـلـداني خـدمة للكـلدانيّـين والآثوريّـين أبناء شعـبنا ، والذي يهدف في نهاية المطاف إلى خـدمة وبناء عـراقـنا الشامل موطن الآباء والأجـداد .