مَا الَّذِي تَهْدِمهُ المَحَبَّة ؟
الجمعة 16 ـ 4 ـ 1999/ السبت 9 ـ 1 ـ 2010
قَدْ يَكُونُ لِلمَحَبَّةِ تَعْرِيفاتٍ كَثِيرَةٍ تَصِفُها لَنْ أَبْحَث في شَأْنِها هُنا ......... لَكِنَّني سَأَكْتَفِي بِتَعْرِيفي الشَخْصِيِّ البَسِيطِ لَها والَّذِي لايَرْتَقِي في أَيِّ حَالٍ مِن الأَحْوالِ إِلى تَوْصِيفاتِ المُخْتَّصين لَها وتَنْتَفي المُقارَنَة فيهما .......
في تَعْرِيفي الشَخْصِيِّ إِنَّ المَحَبَّة شُعُورٌ صَالِحٌ وجَمِيلٌ ورَقِيقٌ غَايَتَهُ التَّواصُل مَعَ الآخَرِ ، هذا الشُعُور الصَالِح يَحْمِلُ الخَيْرَ لِلآخَرِ ويُكَلِّلُهُ بِغَارِ التَفَهُّمِ والعِنَايَةِ وقُبُولِ الاخْتِلافِ ويَسْعَى مَعَهُ لِضِفَةِ التَعَاضُدِ واحْتِرامِ حُرِّيَتِهِ بِصِفَتِها المُخْتَلِفَةِ فيَمْتَدُّ الخَيْر تَواصُلاً مُسْتَمِّراً لايَنْضُبُ مَعِينه ......
المَحَبَّة هي غَيْر الحُبّ فلِكُلٍّ خَصائِصهُ ومُميزاته .
****************************
المَحَبَّةُ لاتَهْدم
وأَنا أَقولُ : المَحَبَّة تَهْدم إِنْ مَالَت ولَوْ قَيْد شَعْرَة عَنْ خَصائِصِها وإِمْكانِياتها .
واحِدَةٌ مِنْ خَصائِص المَحَبَّة هي تَقَبُّل الكائن الآخَر كما هو بِزلاتِهِ وعيوبِهِ وحسناتِهِ مَعَ احْتِرامِ حُرِيتِهِ وإِرادتِهِ ........
فهَلْ نَرْتقي إِلى هذا ؟
قَدْ يَكونُ ذلِك صَعْباً إِنَّما لَيْسَ مُسْتَحيلاً ، فالمُحاولَةُ كرامةٌ قَدْ نَنالُها بِبَعْضِ جُهُودِنا ......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
...... نُحِبُّ الأَهْلَ ،الأَشِقاء ، الشَقِيقات ، الأَصْدِقاء ، الصَدِيقَات والأَقْرِباء ......... إلخ ؛ هذا الحُبُّ يَدْفَعُنا لِلحِرْصِ والقَلَقِ عَلَيْهم ، فنَفْعَلُ الكَثِيرَ مِنْ أَجْلِهِم ، الحِرْص يَتَجَلَّى في اهْتِمامِنا بِهِم وبِحَيَاتِهِم ، نَنْصَحُهُم ، نُعْطِيهُم الارْشادات ، نُقَدِّمُ لَهُم الهَدَايا بِمُناسَبَةٍ وبِدُوْنِ مُناسَبَة ، نُبَلِّغُهُم بِضَرُورَةِش الحِرْصِ في قِيادةِ السَّيَّارةِ ، أَوْ بِضَرُورَةِ الذِهابِ لِلطَبِيبِ إِنْ شَعِرُوا بِوَهْنٍ أَوْ ضُعْفٍ أَوْ وَعْكَة ، وأَيْضاً نُرافِقُهُم إِلى الطَبِيب زِيادَةً في الحِرْصِ ، نَشْرَحُ لَهُم أَهَمِّيَّة التَرْكِيزِ على مُسْتَقْبَلِهِم ودُرُوسِهِم ، نَقُولُ لَهُم بِضَرُورَةِ الانْتِباهِ عِنْدَ الذَهابِ والإِيابِ ، نُذَكِّرُهُم بِالعُطَلِ الرَسْمِيَّة وضَرُورَةِ التَهَيُّؤ لَها ، نرافِقُهُم في كُلِّ لَحْظَة ٍمِنْ لَحظَاتِ حَيَاتِهِم .......
لَقَدْ اخْتَنَقْتُ وأَنا أُعَدِّدُ كُلَّ هذا ، فكَيْفَ لَهُم أَنْ لايَخْتَنِقُون حِيْنَ يُغْرِقَهُم الآخَرُون بِهَكذا اهْتِمام ؟
شُعُور المُحِبِّ المُهْتَمِّ هو إِنَّهُ يَفْعَلُ الصَحِيحَ والطَبِيعِيّ والوَاجِبَ الَّذِي تُمْلِيهِ عَلَيْهِ مَحَبَّتهُ لَهُم ، وهو يَرْجُو لَهُم الأَفْضَلَ دائماً فآلامَهُم آلامَهُ وافْرَاحَهُم سَعَادَتَهُ ........
هَلْ فَكَّرَ هذا الشَخْص الَّذِي يَغْدِقُ الآخَرِين بِمَحَبَّتِهِ واهْتِمامِهِ كَيْفَ يَشْعُرُون هُم ؟
زَلَّتَهُ إِنَّهُ لايَطْرَحُ سُؤَالاً كَهذا ، فهو غَارِقٌ في مَحَبَّتِهِ لَهُم واهْتِمامِهِ ويُرِيدُهم أَنْ يَتَقبَّلُوا هذا السَيْل والانْهِمار ويَغْرَقُوا فيه مُمْتَّنين لَهُ ......
غَالِباً ماتَكُونُ الحَقِيقَة صَادِمَة حِيْنَ يَتَبَيَّن إِنَّ هذا الاهْتِمام يُضايقُ الشَخْصَ الَّذِي يُصِيبهُ والَّذِي هو مَوْضِعَ الاهْتِمامِ ، ولايَتْرُكُ لَهُ فُسْحَةً لِلتَنَفُّسِ ، ويَخْنُقُهُ ويَشْعُرُ بِأَنَّ هذا كُلَّهُ تَدَّخُلٌ مُزْعِج وغَيْرُ مُرِيح ومَرْفُوضٌ في حَيَاتِهِ ، وإِنَّه يُعَامَلُ كَمُعامَلَةِ الطِفْلِ الرَضِيع أَوْ الَّذِي يَحْبُو ، وإِنَّهُ شَخْصٌ غَيْر بَالِغ أَوْ نَاضِجٍ في عُيُونِ المُهْتَمِّ بِهِ ......
نَتِيجَة هذا الشُعُور هو المُلاحَقَة والهُرُوب ، فالشَخْص الَّذِي يَحْظَى بِهذِهِ العِنايَة يَكُونُ في مُحاوَلَةٍ دَائِمَة لِلابْتِعادِ عَمَّنْ يَغْمُرهُ بِها ويَتَخَلَّصُ مِنْ مَبْدَأ الوِصايَةِ المُبَطَّنَةِ بِغِطاءِ المَحَبَّةِ والاهْتِمامِ ، يَرْكُضُ بَعِيداً عَن مَرْمَى الاهْتِمامِ لِيَبْنِي حَيَاتَهُ كَما تَشَاءُ إِرادَته ، فيَبْتَعِدُ ويَجْنَحُ نَحْوَ قَطْعِ العَلاقَاتِ وعَدَمِ إِفْساحِ المَجَالِ لِلمُقابِلِ وإِظْهارِ الجَفَاءِ والإِهْمالِ .
هذا الهُرُوب يَخْلُقُ الأَلَمَ في النَفْسِ العَامِرَةِ بِالمَحَبَّةِ والاهْتِمامِ اتجَاهَه ، وتَبْرُزُ لَدَيْهِ القَنَاعَة بِأَنَّهُ تَمَّ اسْتِغْلالَهُ ومُغَرَّر بِهِ ، وإِنَّ كُلَّ ما يُقَدِّمهُ لاقِيمَةَ لَهُ فهو لايُلاقِي غَيْرَ النُكْرَانِ والجُحُودِ .....
يُمْكِنُ مُلاحَظَةَ بَعْض حَالاتٍ قَرِيبَةِ الشَبْهِ بِما مَرَّ مَعَ الاحْتِفاظِ بِخُصُوصِيَّةِ هذهِ الحَالاتِ ( بَعِيداً عَن التَعْمِيمِ ) بَيْنَ شَخْصٍ مَرِيضٍ في العَائِلَةِ والشَخْصِ الَّذِي يَتَوَلَّى رِعايَتَهُ والاهْتِمامَ بِهِ ، فالمَرِيض يَكُونُ عَصَبيَّاً ، حَسَّاساً ، غَيْر سَهْل التَعامُلِ مَعَهُ ، نَتِيجَة لِشُعُورِهِ بِعَجْزِهِ فيُظْهِرُ كُلَّ غَيْظِهِ وغَضَبِهِ ويَصُبُّهُ على الشَخْصِ الَّذِي يَتَوَلَّى رِعايَتَهُ ......
يَشْعُرُ المَرِيضُ بِأَنَّهُ عَاجِزٌ وعَالَة ، وهذا الشُعُور يُحَطِّمُ فيه إِحْسَاسَهُ بِقِيمَتِهِ وأَهَمِّيَّتِهِ ، فيَغْدُو شَخْصاً جَافَ الطِبَاعِ ، حَاداً ، غَلِيظاً في تَعامُلِهِ مَعَ الآخَرِين ومَعَ مَنْ يَرْعَاهُ بِالذَاتِ لأَنَّهُ يُذْكِّرهُ بِعَجْزِهِ وعَدَمِ قُدْرَتِهِ ......
في هكذا أَوْضاع مُتَشَابِكَة لابُدَّ مِنْ تَخْفِيفِ الاهْتِمامِ ووَضْعِ حُدُودٍ لَهُ حَتَّى يَشْعُرُ الشَّخْصُ المُقابِل بِالرَاحَةِ والثِقَةِ والقُدْرَةِ في الاعْتِمادِ على النَفْسِ ، قَدْ يَشْعُرُ الشَّخْصُ المُهْتَمُّ في هكذا وَضْع بِأَنَّهُ أَنانِيٌّ ولايُؤْدِي وَاجِبَهُ على أَكْمَلِ وَجْهٍ نَحْوَ مَنْ يُحِبّهُم ويَرْغَبُ في رِعَايَتِهم مِنْ كُلِّ قَلْبِهِ ، لَكِنْ لا بَأْس ، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الإِنْسَان أَنانِيَّاً بَعْضَ الشَيْءِ لِيُحِبَّ نَفْسهُ بِما يَكْفِي فلا يُزْعِجُ الآخَرِين ولا يُشْعِرَهمُ بِتَدَخُّلِهِ في حَيَاتِهِم ، بَلْ بِاحْتِرامِهِ لِحُرْيَّتِهِم وحَيَاتِهِم الشَخْصِيَّة .
كُلَّما تَناقَصَ حُبُّ الإِنْسَان لِذَاتِهِ كُلَّما زَادَتْ جُرْعَةُ المَحَبَّة نَحْوَ الآخَرِين حَتَّى أَغْرَقَتْهُم وأَفْقَدَتْهُم القُدْرَة على التَنَفُّسِ ، وهذهِ هي النُقْطَة بِالذَات الَّتِي نَرَاها سَائِدَة في العَلاقَاتِ البَشَرِيَّة ولانَسْتَطِيعُ فِهْمَها أَوْ تَفْسِيرَها بِغَيْرِ الحَظِّ ، حَيْثُ نَرَى أَشْخاصاً يُحاوِلُون تَقْوِيَة الأَواصِرِ بَيْنَهُم وبَيْنَ أَشْخاصٍ لايُبْدُون نَحْوَهُم أَيَّ اهْتِمام أَوْ القَلِيل مِنْهُ جِدَّاً ، بَيْنَما وفي الوَقْتِ ذَاتِهِ يَتَهَرَّبُون أَوْ يَرْسمون مَسافَة تَباعُدٍ بَيْنَهُم وبَيْنَ مَنْ يُحِبُّونَهم ويُبْدُون نَحْوَهُم كَبِيرَ الاهْتِمامِ ، إِنَّهُ الشُعُورُ بِفُسْحَةِ الحُرِيَّةِ وعَدَمِ التَدَخُّلِ في حَيَاتِهِم إِلاَّ بِقَدْرِ مايَسْمَحُون ويُقَرِّرُون .
أَحْياناً المَحَبَّة وعَن غَيْرِ عَمَدٍ تَهْدِمُ جُسُورَنا نَحْوَ الآخَرِين وتَبْعَثُ بِهم بَعِيداً عَنَّا ........
إِلى جَانِبِ المَحَبَّة لِمَنْ نُرِيدهُم ونَرْعَاهُم : إِخْوَة ، أَخوات ، أُمَّهات ، أَصْدِقاء ، آباء ، صَدِيقات ، أَعِزَّاء ..... إلخ ، يَجِبُ أَنْ تَبْقَى فُسْحَةً مِن الحُرِيَّةِ مَفْتُوحَة تَكُونُ مُتَنَفَّساً لِكُلِّ الأَطْرافِ ومِيزاناً لِلتَفَهُّمِ والعَدالَةِ والتَعاونِ واحْتِمالِ الآخَر مَهْمَا ثَقُل .
كَمْ مَرَّةٍ خْذُلكَ المُقَرَّبُون والأَحِبَّاء حِيْنَ فَسَّروا اهْتِمامك الكَثِير بِهم والنَابِع مِنْ عَمِيقَ مَحَبَّتك لَهُم إِلْحَاحاً ومُضايَقة ......
كَمْ تَوالَدَتْ عَن هذا الشُعُورِ بِالخِذْلانِ مَشَاعِر مُتَضَارِبَة حُزْناً ، ضِيقَاً ، هُمُوماً ، عَدَمَ الثِقَةِ بِالآخَرِين ، الرَغْبَة في الابْتِعادِ عَنْهُم ، الأَلَم ، الانْحِسارِ عَنْهُم ، إِبْداءَ اللامُبالاةِ ، الغَضَبِ ..... إلخ ، مَشَاعِرُ مُؤْلِمَة حَزَّتْ كَثِيرَاً في نَفْسِك وأَشْعَرَتْكَ كَمْ إِنَّ الإِنْسَانَ وَحِيدٌ في هذا العَالَمِ مَهْمَا تَعَدَّدَتْ صِلاتَهُ ومَهْمَا كَثُرَ الأَحِبَّاء والخِلان .
********************************
المَحَبَّة الغَزِيرَة الَّتِي تَنْدَلِقُ بِلاتَحَسُّبٍ وبِلا اعْتِناءٍ تُغْرِقُ ماحَوْلَها مِن الزرُوعِ وتَقْطَعُ عَن كُلِّ الشَتْلاتِ الأَنْفاس .
المَحَبَّة كي تَبْنِي يَجِبُ أَنْ تَكُونَ نَبْعاً يَتَقَطَّرُ بِهُدُوءٍ وتَروٍّ وأَنَاةٍ وبِقَدْرِ الحَاجَةِ ..... المَحَبَّة المُنْدَلِقَة تَفِيضُ بِلا انْضِباطٍ ، وتَتِيهُ عَن هَدَفِها ، وتُصِيبُ أَهْدَافاً أُخْرَى غَيْر مَرْغُوبٍ فيها ....
******************
كَوْن المَرْء خَالاً ، أَوْ عَماً ، أَوْ جِداً ، أَوْ أُمَّاً ، أَوْ أَباً ....... إلخ ، هذهِ الصِلَة أَبَداً لاتَمْنَحَهُ الحَقَّ في أَنْ يَمْلأَ حَيَاةَ الآخَر بِالانْتِقاداتِ واللَوْمِ في كُلِّ صَغِيرَةٍ وكَبِيرَة فهذا مَسْلَكٌ خَاطِئٌ لِلتَعْبِيرِ عَن الاهْتِمامِ بالآخَر ومَحَبَّتِهِ رَغْمَ إِنَّ هذا المَسْلَك يَنْبَعُ في جذُورِهِ لَدَى البَعْض مِنْ دَافِعِ المَحَبَّةِ العَمِيقِ لَهُم ، هو في أَفْضَلِ الأَحْوالِ سيُعْطِي صُورَةً مُعاكِسَة تَماماً ، صُورَة تُعَبِّرُ عَن عَدَمِ الاحْتِرامِ والاحْتِقارِ والتَصْغِيرِ والتَشْكِيكِ في القُدراتِ ، وهذا لَيْسَ حَقَّاً مَشْرُوعاً تَأْتِي بِهِ صِفَة القَرابَةِ تلْقائِياً فالآخَر هو كَيانٌ إِنْسَانِيٌّ مُماثِلٌ مُتساوٍ ، لَهُ حَيَاتَهُ خَاصَّتَهُ ولايُمْكِنُ مُطَالَبَتهِ بِأَنْ يَكُونَ نُسْخَة عَن أَحَد ، يَجِبُ الاعْتِراف بِحَقِّهِ في أَنْ يَعِيشَ ويُفَكِّرُ بِالطَرِيقَةِ الَّتِي يَخْتَارها ويَرْغَبُ فيها ، وأَنْ يُحْفَظَ حَقُّهُ كَامِلاً في أَنْ يُخْطِئَ ويَتَعلَّمُ مِنْ أَخْطائِهِ مَهْمَا عَظُمَتْ أَوْ أَثَارَتْ هذه الأَخْطاءُ الانْزِعاجَ والحَيْرَةَ والعَذَابَ ، صِلَةُ القَرابَةِ الَّتِي تُعْطِي هذه المَحَبَّة عَلَيْها أَنْ تَقُولَ لِمَنْ تُحِبَّهُم : إِنَّها هُنا ولأَجْلِهِم كُلَّما احْتَاجُوا ذلك دُوْنَ تَدَّخُلٍ صَارِخٍ وضَاغِطٍ في حَيَاتِهم .
بِاسْمِ المَحَبَّةِ يَتَدَخَّل الكَثِيرُون في حَيَاةِ الغَيْرِ دُوْنَ قَيدٍ أَوْ خَجَل ، بَلْ يَقْتَحِمُونَها اقْتِحاماً دُوْنَ اسْتِئْذانٍ .
باسْم المَحَبَّةِ يَحْتَقِرُ الكِبارُ الأَصْغَرَ مِنْهُم سِنَّاً ويَسْتَخِفُونَ بِهِم وبِكُلِّ مايَفْعَلُون ، ويُطالِبُونَهُم بِالكَثِيرِ ، دُوْنَ أَنْ يَعِنَّ لَهُم السُؤال : مِنْ أَيْنَ لِصِغارِ السِنِّ أَنْ يَتَعَلَّمُوا كُلَّ ما تَعَلَّمهُ الكِبار وهُم بِنِصْفِ أَعْمَارِهِم مثَلاً ؟
لَقَدْ وطَأَتْ أَقْدامُ الكَثِيرِين الشَيْخُوخَةِ ولا زَالُوا يَرْتَشِفُونَ مِن الحَيَاةِ بِخُطُواتٍ وئِيدَةٍ طَرِيقَةَ التَفْكِيرِ الصَحِيحِ والتَصَرُّفِ الصَحِيح ، فكَيْفَ لِمَنْ هُم في أَعْمارٍ أَصْغَر أَنْ يَتَصَرَّفُوا تَصَرُّفاتٍ مَدْرُوسَةٍ يُطَالَبُونَ بِها ، دُوْنَ أَخْطَاء ، لِماذَا تُتِيحُ صِلَةَ القَرابَةِ هذه تَصَيُّدَ أَخْطاءِ الآخَرِ ؟
لِماذَا يَتَغاضَى الكِبارُ مَرَّات عَن تَقْيِيمِ مايَكُنُّهُ لَهُم الصِغَار مِن مَحَبَّةٍ واحْتِرامٍ واهْتِمامٍ ولايَأْخُذُونَه بِعَيْنِ الاعْتِبارِ ؟
لِماذَا يَكُونُ الكِبار لِمَرَّاتٍ ومَرَّات مُنْتَقِدينَ مُشَكِّكِينَ مُعْتَرِضينَ على كُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوها الأَصْغَرُ سِنَّاً ؟
لِماذَا لايُدْرِكُ الكِبار سِوَى أَلَمَهُم ، فيُعَبِّرُونَ عَنْهُ بِقَسْوَةٍ تَجْرَحُ الآخَرِين ، وقَدْ يَصِلُ الأَمْرُ إِلى اسْتِعْمالِ كَلِماتٍ قَاسِيَة ، نَابِيَّة ، قَارِصَة ، لِلتَنْبِيهِ عَن الأَخْطاءِ ؟
لِماذَا يَتْرُكُ الكِبارُ الفُرْصَةَ لِمَحَبَّتِهِم العَارِمَةِ كي تَجُرُّهُم نَحْوَ الوَحْدَةِ والانْقِطاعِ عَن الآخَرِين ؟
لِماذَا وفي أَحْيانٍ كَثِيرَة يُثْقِلُ ذَوُو القُرْبَى خَيالاتَهم بِتَصَوُّراتٍ لاصَحِيحَةٍ عَن الغَيْر، حَتَّى تَجُرُّ هؤلاءِ الغَيْر لِلحَيْرَةِ في اخْتِيارِ طَرِيقَة التَعامُلِ مَعَهُم وغَالِباً ماتَكُونُ الابْتِعاد والتَجَنُّبِ ؟
المَحَبَّة حِيْنَ تَكُونُ مُفْرَطَة وسَائِبَة بِلاقَوائِم أَوْ حُدُود غَالِباً ما تَأْخُذُ شَكْلَ الوِصايَة الَّذِي يُزْعِجُ الآخَرِينَ مِمَّنْ هُم مَوْضِعَ المَحَبَّة وتَقْطَعُ جِسْرَ التَواصُلِ ......
المَحَبَّة بِشَكْلِ الوِصايَةِ فَخٌ مِن المُمْكِنِ أَنْ يَقْعَ فِيهِ أَيَّاً مِنَّا دُوْنَ انْتِباهٍ أَوْ تَحَسُّب ..........
نَرَى بَعْضاً مِنْ مَلامِحِ هذهِ المَحَبَّةِ الَّتِي تَأْخُذُ شَكْلَ الوِصايَة في الصُورَةِ المُقدَّمة عَنْ علاقِةِ الله بِالإِنْسَانِ ، حيْثُ الله وقَدْ أَحَبَّ الإِنْسَانَ مَحَبَّةً بِلاحُدُودٍ وهكذا فَإِنَّ كُلَّ مايُرِيدهُ الله لِلبَشَرِ وحَتَّى مَصَائِبَهُم وفَواجِعَهُم هي لَحِكْمَةٍ مِنْهُ لاتُدْرَك لأَنَّ البَشَر قَاصِرينَ عَن فِهْمِ إِرادَةِ الله وعُمْقِ مَحَبَّتِهِ لَهُم ، هذهِ المَحَبَّة تَمْنَحُ الله الحَقَّ بِأَنْ يَشُقَّ قُلُوبَ الأُمَّهاتِ ويُمَزِّقها تَمْزِيقاً حِيْنَ يَسْلُبَهُنَّ أَبْناءَهُنَّ بِالمَوْتِ ، كَما يُعانِي المَرْضَى مِنْ أَمْراضٍ آلامها لاتُحْتَمل ، وتَسْمَحُ بِوِلادَةِ المُشَوَّهين والمُعوَّقين الَّذِين يُعانُون مَعَ آبائِهِم كُلَّ المُعانَاةِ ، وتَسْمَحُ بِحِرْمانِ الكَثِيرِ مِن الرِجالِ والنِساءِ مِنْ حَقِّ الأُبُوَّةِ والأُمُومةِ ........ إلخ .
بِما أَنَّ الله يُحِبُّنا فعَلَيْنا أَنْ نَخْضَعَ لَهُ ولانَعْتَرِضُ على إِرادَتِهِ ، وأَيّ اعْتِراضٍ هو إِثْمٌ ومَلامَة سنُحاسَبُ عَلَيْها يَوْم القِيامَةِ إِذْ عَجِزْنا عَن فِهْمِ مَحَبَّتِهِ الوِصايَة .
كُلُّ الحُقُوق لله الَّذِي يُحِبُّنا فوِصايَتَهُ عَلَيْنا حَقٌّ ، فالإِنْسَان قَاصِرٌ ويَحْتَاجُ لِلوِصايَةِ ولاحُقُوقَ لِلإِنْسَانِ العَاقِ الجَاحِدِ لِمَحَبَّة الله وإِرادَتِهِ الصَالِحَة ، وعلى الإِنْسَانِ إِنْ يَسْمَعَ دائِماً لله ومايُرِيدهُ ، وأَنْ يُطابِقَ إِرادَتَهُ مَعَ إِرادَةِ الله وإِلاَّ فهو جَاهِلٌ وآثِمٌ .
البَعْضُ مِن البَشَرِ يَرُونَ في هذا غَايَةَ الحِكْمَة وآخَرُون سَاورَتْهُم الشُكُوك في كُلِّ ماقِيلَ عَنْها وأَثْقَلَتْ كَاهِلَهُم تلك الوِصايَة الرَبانِيَّة فانْقَطَعَ جِسرَ التَواصُلِ مَعَ هكذا إِلَه .
لَيْسَ غَرِيباً كُلّ هذا فالإِنْسَان أَخَذَ مِنْ صِفاتِ ذَاتِهِ وفَاضَها على صِفاتِ الله فَصَوَّرَ الله مُحِبَّاً حِيْناً وغَاضِباً حِيْناً آخَر ، رَحِيماً ذاتَ مَرَّة ومُنْتَقِماً مَرَّةً أُخْرَى ، مُتَأَلِّماً لِوَقْتٍ ما وسَعِيداً لِوَقْتٍ آخَر ......... إلخ .
سَلامٌ ومَحَبَّة لِلقَارِئاتِ والقُرَّاء .