ما بين رغبات المرأة ومحظورات الرجل
حياتنا تكون صعبة عندما نستصعّب الأشياء والأمور من حولنْا، وتكون سهلة ونستسهلهْا عندما نُفكر بالسهل والمُتوافق والمُرضي فيها، وهذا مُتوقف على كل فرد منْا والذي يحاول دائمًا بالبعض من تصرفاتهِ وأفعالهِ أن يضع لنفسهِ وفي طريقهِ عواقب وتحديات وموانع تجعلهُ هي من تسيرهُ وتسيطر عليهِ وعلى تفكيره، مُؤثرة فيهِ وفي الآخر من خلالهِ. والجلي والواضح أن الإنسان (ذكرٌ أو أنثى) كائن بشري وليس ملائكي لهُ أخطائهُ ونواقصهِ ويجب التعامل معهُ من هذا المُنطلق.وإنساننا اليوم في الألفية الثانية وليس في العصوّر القديمة التي كانت تركز على توسيع الفجوة بين الرجل والمرأة وتركز على الفوارق بينهما لدرجة إهمال روحيتها وعزة نفسها وكبريائها وإهدار كرامتها وأنوثتها وإنسانها. فإذا كانوا يريدون متعتهم عندها يتذكرون المرأة ويبحثون عنها، ولكن في أمور أخرى تُنسّى وتُؤخذ حقوقها وتُركنْ! فأين الإنصاف هنا؟!
ونحن لا ننْكر بأنهُ في وقتنْا الحالي نلمْس تقدم في مجال إكرام المرأة وإعطاءها البعض من الحقوق في بعض المجالات الحياتية المهنية والأجتماعية والأقتصادية والسياسية، ولكن بنسبة ضئيلة لا يستحقها شخصها كإنسان لهُ قدرة ومقدرة ولكن بفرص قليلة، ونعتقد أن المشكلة هي في ثقافتنا وتقييمنْا ونظرتنا لواقعنا وحياتنا وللآخر وتحجيمهِ ضمن حدود معينة لا يجوز أن يتخطاها أكثر، وبالتالي هذا ما يتربّى عليهِ الأجيال القادمة.
ممنوعات ومحظورات الرجل:
نلاحظ أن الثقة بالمرأة ما زالتْ شبه معدومة وخاصة من الرجل المُترقب لهْا بسبب تبنيه أفكار من صنع خيالهِ هو أو مُتأثراً بأفكار ومُمارسات غيرهِ! كما نلاحظ بأن هناك البعض من الرجال يحاول أن يتعامل مع المرأة أيًا كانت في حياتهِ من مُنطلق سياسة العصّا والجزرة، السياسة التي تتبعها الدول القوية مع الدول الضعيفة في مُحاولة للسيطرة والنفوذ، ولكن كل ما يبنّى على الانفرادية والتهميش فمصيرهُ بالتأكيد سيؤول إلى الفشل والضياع.
في مُجتمعاتنا، الأنثى حين مولدها تتطلع في أسرتها (بدون تعميم) على سلسلة ممنوعات ومحظورات وخطوط حمراء لا يجوز لها أن تخترقها أو تتخطاها، مثل:( لا تفعلي هذا، لا تتكلمي مع أبناء الجيران، أبتعدي عن فلانة، لا تخرجي كثيراً، لا ترتدي كذا، لا تنظري هناك.....ألخ). وبعد أنتقالها إلى بيت زوجها تنتقل هذه الأفكار والمحظورات وبنسبة إلى الزوج الذي يتولاها مُضيفًا إليها وبطريقتهِ سلسلة ممنوعات أخرى، قد تكون تعسفية أو قد يكون فيها أنتهاك لحقوقها، والتي تختلف بإختلاف كل واحدٍ وثقافتهِ وتفكيرهِ وتربيتهِ وبيئتهِ ومُجتمعهِ، مُبلغًا إياها مباشرة أو مُوحيًا إليها بتصرفاتهِ ونظراتهِ. ولكن هل جميع هذه المحظورّات تروّق للمرأة؟
بالطبع لا! فكثيرات لا تعجبها ولا تستسيغها، ولكن تقوم بتنفيذها أحيانًا أما بإقتناع ورضا ومُسايرة الواقع والمُجتمع أو مُجبرة في سبيل المُحافظة على بيتها وعائلتها من التفكك. فمثلا لو سُأل البعض من الرجال عن سبب هذه الممنوعات وسبب رغبتهِ فيها لسمعناهُ يقول: من حقي أن أمنع زوجتي من بعض التصرفات التي لا تعجبني ولا أرتاح إليها، وهي من واجبها أن تلتزم بها وتنفذها دون أعتراض أو مُناقشة. وآخر يقول: هناك خطوط حمراء المفروض على الزوجة أن لا تتخطاها أو تفكر مُجرد التفكير بها، لأنها وأن حاولت فأني لن أغفر لها مهما كانت دوافعها ومُبرراتها، والبعض الآخر يكون أكثر تفهمًا وأستيعابًا ويقول: من حقي أن أفرض على زوجتي رغباتي وأن أمنعها من القيام بأمور لا ترضيني أو لا تعجبني بشرط ألا أمحُّو شخصيتها أو أُلغي رأيها!
هذا الأخير كان أكثر تقديراً لزوجتهِ! ولكن نتسأل ما هي هذه المحظورات التي يسعّى الرجل إليها، ويسعّى لكي تُطبقها زوجتهِ سواء كان بإرادتها أو من دونها؟!
المحظورات تختلف من شخص لآخر، فبعضها قد يكون مُقنعًا والبعض الآخر ليس لهُ مُبررّ، فمثلاً البعض ينزعج من سؤال زوجتهِ لهُ، أين كنتَ؟ أو لمْا تأخرت كثيراً؟ لأنهُ يجد بأنهُ لا مُبرر من سؤالها، أو يشعر بينهُ وبين نفسهُ بما يُجيبها! والبعض الآخر يرّى أن على زوجتهِ أن تنفذ كل ما تريدهُ والدتهُ منها بدون تذمُّر أو تعنُّد، لأنها والدتهِ ولأن هذا هو المفروض من وجهة نظرهِ! وآخر يقول لا أريد من زوجتي أن تقاطعني بحديث عندما أكون أتابع برنامج تلفزيوني أو مباراة، لأني أرّى أن الكلام الذي تريد أن تقولهُ يمكن تأجيلهِ لمْا بعد إنتهائي من المُتابعة. وتكثر الأقوال بين من يقول:" لا أريدها أن تُملي عليَّ من أصادق... لا أريدها أن تتطلع على هاتفي النقال... لا أريدها أن تتدخل في عملي... أريدها أن تلبس على مزاجي... لا أريدها أن تتخطىّ القرارات الأسرية والخاصة بالأولاد... أريدها عند عودتي للبيت أن تكون مهتمة بمظهرها... لا أريدها عندما أعاقب أولادي أن تتدخل... أريدها أن تكون مُحافظة على قوامها ورشاقتها.......ألخ".
وبين أريدها ولا أريدها، هل سألت نفسك ماذا تريد هي؟! بماذا ترغب؟! بالتأكيد لمْ تضع هذا الشيء في بالك، أو ربمْا لم تفكر به أساسًا! لأنك أناني وأحببتَ نفسكَ أكثر من حبك لشريككَ! أنتَ أحجمتها ضمن رغباتك وقراراتك الفردية ولمْ تفكر بأنها إنسان مثلك لها قراراها ورأيها ورغبتها! فأنتَ بهذا تُلغّي شخصيتها وتخلق حاجزاً بينك وبينها وتُعاملها وكأنها غريبة في بيتك، وربما قد تخلق منها شخصية عنيفة! وهذا أكيد، ولو كان هناك مسافة من الحرية والاتفاق والحوار المُتبادل بينكما لوجدت أن حياتك تكون أسهل بكثير ممْا تستصعّبها أنت بأمور إذا أتفقتما أنتما الأثنين معًا عليها. لذلك نقول إذا لمْ تكنُ أنتَ كاملٌ ولا أنا كاملٌ لمْا نُطالب الآخر بأن يكون كاملاً ما دمنْا في النهاية جميعًا بشرٌ لنْا نواقصنا التي نكملُهْا ونهذبُهْا مع الآخر.
وأخيراً وليس آخراً نقول:
حياة البشر بالتأكيد لا تخلوّ من المشاكل والمصاعب، وكل واحد يُحاول بطريقتهِ وبقدر المُستطاع أن يتخطاها لكي يجدَ راحتهِ وسعادتهِ. ولكن هل يقبل ضمير أي أحدٍ أن يسعّى لراحتهِ على حساب الآخرين؟! وكما نعلم أن لكل إنسان منهجهُ وسلوكهُ في الحياة وتنشئتهِ الخاصة وثقافتهِ، والزواج هو شراكة حياة وتكامل وأتفاق وبذل من أجل الآخر، لذا لابدّ وأن يكون أساسهُ مبنيٌّ على أُسس متينةٍ وواضحةٍ ومتوافقةٍ للطرفين.
فلا تطالبوا أحدًا أن يكون كاملاً في الوقت الذي فيهِ أنتمُ ناقصين! وحياتك لن تكون الأفضل ولن تتغير وتجد الهناء الذي ترجوه عندما تغير من تصرفات الآخر وتفرض عليهِ رغباتك، فحياتك تتغير وتجد السعادة تلقائيًا تأتي إليك عندما تتغير أنت وداخلك وتقف عند حدود وضعتها أنت لنفسك وبنفسك. راقب تصرفاتك، شخصك، قدراتك، وقتك، حديثك، أحترامك، مُعاملتك للآخر، الأشياء من حولك، وسترّى على هذا الأساس الفرق في حياتك وتلمسهُ في أعماقك ومع الآخر. وحياتنا في هذا الكون، ليستْ بقدر عدد سنوات عمرنْا بلْ بمْا سنتركهُ من بصمات فيها وذكرى جميلة.
31/12/2011
ملاحظة: المقال منشور سابقا في مجلة السنبلة