ماذا استفدنا من دروس كارثة 11 سبتمبر?
-1-بالأمس كانت الذكرى السابعة لكارثة 11 سبتمبر 2001. وقد مرت سبع سنوات على هذه الكارثة، وما زلنا نقف منها ومن دروسها المواقف نفسها التي وقفناها قبل سبع سنوات.
أن كارثة 11 سبتمبر أبعد أثراً فينا نحن خاصة الذين كنا الفاعلين لها، من كارثة بيرل هاربر 1942، فقد حصلت تغيرات سياسية كثيرة في المنطقة كان أبرزها القضاء على نظام الحكم البعثي المستبد في العراق. ولكن ما زال أمامنا الكثير الذي يجب أن نفعله. فحتى هذه اللحظة لم نستفد الإفادة الكافية من دروس 11 سبتمبر 2001 كما استفادت اليابان من دروس القنبلة الذرية على هيروشيما ونجازاكي عام 1945.
2-
اليوم تحلُّ الذكرى السابعة لكارثة 11 سبتمبر 2001. وفي هذه المناسبة، نتذكر يوم 11 سبتمبر 2001 عندما قامت الجموع تتظاهر في الشوارع العربية أمام كاميرات التلفزيون، دون خجل أو عقل، وفرحاً بها، وانتصاراً بوقوعها. لقد كان هؤلاء هم جزء من العقل العربي السائد الآن، مهما حاولنا تبرير ذلك أو نفيه في بعض الأحيان. وكان لدى العقلاء الأمريكيين الحق عندما قالوا لنا: هل نبتهج في الشوارع عندما يُقتل الفلسطينيون أو غيرهم من المدنيين العرب، كلا. فلكم كل الحق أن تنتقدوا سياساتنا، لكن ابتهاجكم السمج، لا يساعدنا إطلاقاً على التخلص من السياسات التي تنتقدونها بقوة وبأعلى أصواتكم، كما قال إدوارد ووكر رئيس معهد الشرق الأوسط في واشنطن، في مقاله (رسالة مفتوحة إلى أصدقائي العرب، "الحياة"، 14/9/2001).
فهل أفلس العقل العربي في معالجة مشاكله السياسية، ولم يعد لديه من سلاح يستعمله إلا سلاح الفقراء وسلاح الضعفاء، وهو ما أُطلق عليه "إرهاب الفقراء" أو "إرهاب الضعفاء"، كمسوّغ زائف لهذه الكارثة ؟ ولكن الضعف هنا ليس القوة، ولا يمكن تحويل القوة إلى ضعف، أو الضعف إلى قوة من خلال عمليات إرهابية على نحو ما جرى في الحادي عشر من سبتمبر 2001. فالقوة لا تتحول إلى ضعف إلا بإزالة الأسباب التي صنعت القوة. والضعف لا يتحول إلى قوة إلا بالأخذ بالأسباب التي صنعت القوة.
3-
إن كثيراً من الحقائق الأولية لهذه الكارثة، قد قفز عليها كثير من الكُتّاب والمحللين العرب، ليقدموا لنا تحليلات قريبة من الخرافة. وأن جملة التحليلات العربية كان يتأرجح بين النـزعة العاطفية التي تحجب العقل من ناحية، وبين الخضوع لـ "نظرية المؤامرة" و "نظرية الفخ" و "نظرية صدام الحضارات" وغيرها من النظريات الهلامية من ناحية أخرى. "وتتحول المناقشات إلى مجادلات شخصية عقيمة، لا تحرم الجمهور من التنوير والوعي فحسب، بل تشحنه إلى الاتجاه المضاد للعقل والمنطق والفهم العلمي للأحداث" كما قال الباحث الكويتي محمد الرميحي في (الكارثة الأمريكية والإعلام العربي، "الحياة"، 3/10/2001).
إن العقل العربي مولع بـ "انتصارات البلاغة"، و "سحر البيان". بل إن معجزة العقل العربي الكبرى هي "سحر البيان". وهو لا يتوانى عن تشغيل هذه الآلية السحرية في كل مناسبة من المناسبات الكبرى، وفي كل حادثة من الحوادث الجسيمة، ومنها كارثة الحادي عشر من سبتمبر. فهو في هذه الحادثة خطب الخطابات النارية، واستعاد أمجاد العرب من هاشم بن عبد مناف إلى أسامة بن لادن. ودقَّ أجراس الحرب، وأعلن أن الصليبيين قادمون، وأنهم يطرقون أبواب مكة المكرمة والمدينة المنورة وبيت المقدس، إلى درجة أزعجت أصدقاء العرب من المفكرين والسياسيين الغربيين الذين قالوا للعرب : يا ناس ليس هكذا تورد الإبل! وقالوا: "نريد منكم التعبير عن شكواكم السياسية، ولكن ليس بالصياح. تجنبوا البلاغيات والروح السلبية. واقترحوا علينا السُبل البنّاءة لتناول قضاياكم" كما قال لنا مرة أخرى إدوارد ووكر (رسالة ثانية إلى أصدقائي العرب، "الحياة"، 16/10/2001).
4-
فهل قدّم العقل العربي حيال هذه الكارثة موقفاً سياسياً أو فكرياً جديداً يختلف عن المواقف السياسية والفكرية التي اعتاد أن يقفها في الماضي، عندما يواجه مثل هذه الكوارث أو مثل هذه الأزمات السياسية الكبرى؟
وهل تغيّرت القناعات العربية القديمة وطريقة التفكير العربية القديمة القاصرة عن استبطان الحقيقة استبطاناً معرفياً وعقلانياً سليماً؟
فلا عجب إذن، وحال العقل العربي على هذا النحو من التردي والاستسلام للخرافات والأوهام واستنباط الحقائق من خلال سُحب البخور وسطور التمائم، أن نكتشف أن "تفكيرنا يصنع الفضائح والكوارث بقدر ما ينسج من الجهل والوهم والخداع"، كما قال المفكر اللبناني الليبرالي علي حرب في مقاله (سقوط "طالبان" أو الأكذوبة والفضيحة والكارثة، "السفير"، 18/11/2001).
5-
لقد سقطنا بعد كارثة 11 سبتمبر في بئر المكابرة بالمحسوس والواقع والاعتقاد بالخرافات السياسية، وكانت من مظاهر هذه المكابرة وهذه الخرافات السياسية التي صدّقها العقل العربي المعطوب، بعد هذه الكارثة ، القول أن "طالبان" ومَنْ معها مِن بعض "العُربان الأفغان"، قاموا بإنجازات لم تسبقها إليها الأنظمة الأفغانية السابقة. والقول أن "طالبان" ومَنْ معها مِن بعض "العُربان الأفغان" قد قاموا بتطبيق الشريعة الإسلامية النقية والصحيحة في أفغانستان كما لم يسبق لها أن طُبقت منذ نهاية عهد الخلفاء الراشدين إلى الآن. والقول أن "طالبان" ومَنْ معها مِن بعض "العُربان الأفغان" كانـوا من أطهر الأنظمة السياسية الإسلامية والعربية الموجودة على ساحة العالم العربي والإسلامي الآن. والقول أن "طالبان" ومَنْ معها مِن بعض "العُربان الأفغان"، قادرون على هزيمة أية إمبراطورية تقوم بقتالهم كما سبق وتمَّت هزيمة الإمبراطورية البريطانية والإمبراطورية السوفياتية من قبل. وكان رد العقلاء من العرب، ومنهم عبد الله المدني أن " الخرافة سقطت، لكن المكابرة قائمة" (جريدة "الخليج"،11/10/2001).
-6
لقد فتحت أمريكا أبوابها في القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين للعرب واليهود على السواء. وجاء المهاجرون العرب واليهود إلى أمريكا من كل فج عميق في القرنين التاسع عشر والعشرين. وكما جاء العرب إلى أمريكا فقراء ومطاردين من العثمانيين ومن حكامهم الطغاة، فكذلك جاء اليهود إلى أمريكا فقراء ومطارين ومضطهدين من النازية ومن الحكام الطغاة أيضاً. فلننظر ماذا فعل العرب في أمريكـا وماذا فعل اليهود في أمريكا. ولننظر كيف استطاع اليهود أن يكسبوا أمريكا بالعلم والمال والسلطة إلى جانب قضيتهم القومية. وكيف أننا بالجهل والتعصب والتعالي والمكابرة خسرنا أمريكا ووقوفها إلى جانب قضيتنا القومية. وجاءت هذه الكارثة، لكي تضع الفصل الختام لهذا الفشل الذريع والطلاق البائن بيننا وبين أمريكا كقوة عظمى أُحادية في هذا العالم، كان من المفروض أن تساعدنا على حلِّ مشاكلنا السياسية والاقتصاد الأولى. وكانت تلك واحدة من محن العقل العربي المعاصر.