مار ميخائيل رفيق الملائكة
ولد في قرية سوسنة من كورة آمد " ديار بكر " من والدين مسيحيين شريفي النسب أغنياء جداً. وكانت والدته قد رأت في الحلم ملاكاً يقول لها: " أنا هو ميخائيل الملاك القائم أمام الرب. أبشرك بابن ستلدينه ويكون عظيماً على الأرض. ويكون كالسراج لكل العالم. فتسميه أنت باسمي ". ولذتك دعي رفيق الملائكة. ومنذ نعومة أظفاره أنصرف إلى العلم وعقله مائلاً إلى أمور السماء والعبادة. وما أن بلغ الثلاثين من عمره فكر أن ينضم إلى مار أوجين مؤسس الحياة الرهبانية في المشرق، فترك أهله وانطلق إلى جبل إيزلا. وعندما التقى بمار أوجين طلب منه أن يقبله تلميذاً عنده ويلبسه الإسكيم الرهباني. فقبله بفرح بسبب دعته وتواضعه، وجعله في عدد تلاميذه. فشرع ميخائيل يعذب نفسه بالصوم والصلاة والسهر الطويل مواظباً على الحياة الروحية.
وكان يتوق للعمل على عودة الضالين إلى حظيرة الرب. فاستأذن معلمه وذهب إلى قريته كي يهدي أهلها إلى الإيمان. وكان المطر قد انقطع تلك السنة فيبست الينابيع، ولم يكن لهم ماء يشربوا هم وبهائهم. ولما شاهدهم على تلك الحالة جثا على ركبتيه وصلى وطلب من الرب أن يمنحهم من كنزه ليشربوا ويرووا ويمجدوا اسمه القدوس. وما أن أنهى صلاته حتى أرعدت السماء وهطلت الأمطار. فآمن أهل القرية وعمدهم جميعاً وبنى لهم كنيسة.
ثم مضى إلى قرية أخرى كان جميع سكانها من المجوس. وكان حاكم القرية جالساً في بلاطه وقد دخله روحاً شريرة. وكانت هذه الروح تعذبه عذاباً مراً. وكان المجوس عالمين بالآيات التي يعملها المسيحيين. فطلبوا من حطاباً مسيحياً يدعى غوشنازاد وتعني بالفارسية " المِقدام والمُجد " أن يأتي ويصلي على الحاكم. وفي الطريق لاقاه مار ميخائيل فقال له: " تشجع ولا تخف لأن الرب في هذا اليوم يصنع على يدك آية عظيمة ". ثم أعطاه حناناً مقدساً وأمره أن يرسم به على الحاكم علامة الصليب. ولما دخل على الحاكم رآه يرتفع من الأرض ويسقط ويصرخ ويزبد. حينئذٍ تراءى له مار ميخائيل واقفاً بجانبه، وإذ أبصره الشيطان صرخ قائلاً: " ما لي ولك يا ابن الله، أين أهرب منك ومن قديسيك، لماذا تعذبنا ". فطلب مار ميخائيل من غوشنازاد أن يرسم علامة الصليب على وجه الحاكم، وما أن رسمها حتى خرجت الروح الشريرة من الحاكم واضمحلت وصارت كالدخان. فآمن الحاكم وكل أهل بيته وانضم إلى مار ميخائيل وسلك في أثره.
وكان مار ميخائيل مثل مرآة جليلة بين القديسين، ومثل الشمس بين الكواكب. وكان مواظباً على الصوم ووجهه متجللاً بالبهاء مثل موسى بكر الأنبياء، ومحبوباً عند خالقه ومكرماً بين القديسين. وقد سكن سنين طويلة في القفر الخالي من الناس، معاشراً الأسود والنمور أنيساً مع الوحوش والبهائم، وهي تجثو أمامه مستأنساً بهم كمثل الأهل والأقارب. وكان طعامه البقول والحشائش مثل يوحنا المعمدان، ومواظباً على الصلاة والزهد مثل إيليا. وكانت تجري على يديه عجائب كثيرة.
وذات يوم وسوس الشيطان ثلاثة لصوص فظنوا أن لدى مار ميخائيل الكثير من المال. فذهبوا إلى المغارة التي كان يعيش فيها متظاهرين بالورع. لكن القديس عرف بمكرهم فتركهم في المغارة وخرج. وما أن خرج حتى أتى عند باب المغارة ثلاثة أسود ضارية تزار وتزمجر، فسقط اللصوص على الأرض من شدة فزعهم، ولم يستطيعوا الهرب. وبقوا على هذه الحال مدة ستة أيام دون طعام ولا شراب. أخيراً صرخوا: يا مار ميخائيل أخطأنا قدام الله وقدماك، هلم لمعونتنا وارحمنا. فرجع مار ميخائيل إلى مغارته ولما رأته الأسود خرت وسجدت أمامه. وعندما عاينوا ذلك ركعوا أمامه واعترفوا بذنبهم. فعمدهم مار ميخائيل وألبسهم الإسكيم الرهباني. فأخذوا يفلحون في كرم الرب ويرشدون الناس إلى طريق الحياة الأبدية.
وبعد أن قضى في البرية أربعين سنة انطلق إلى جبل قردو، فقصده جمع كبير يأتون بمرضاهم فيضع يده عليهم ويشفيهم. وذات يوم جاءوا بعشرة مجانين من أرض داسان، وقبل أن يصلوا عنده صرخت الشياطين: " ما لنا ولك يا مار ميخائيل عبد الله العلي، أتيت لتطردنا وتخرجنا من مسكننا ". وما أن سمع مار ميخائيل حتى ركع وصلى قائلاً: " اللهم خالق السماء والأرض والبحور وكل ما فيها، أشفق على هؤلاء البشر الذين هم على صورتك لئلا يكونوا مسكناً للشياطين ". وما أن أنهى صلاته حتى زجر الشياطين وأخرجهم. ولما عاين الحضور هذه الآية سبحوا الله.
وعندما شاخ وضعفت قوته أحب أن يصنع له بيتاً ليكون تذكاراً له وللشعب في حياته وموته. وكانت أرض التيمن قبل أن تبنى مدينة الموصل قد كثر فيها المسيحيين، ولهم فيها الكثير من الكنائس والمدارس. وكانوا قد عرضوا على مار ميخائيل أن يستقر عندهم. فلبى طلبهم وأمر أن يبنوا ديراً على نهر دجلة يكون في مكان منعزل وبعيد عن القرى. فاجتمع ألوف النصارى من شيوخ وشبان وصبيان وصبايا وبنوا الدير على اسم مار ميخائيل لكي يستعين بصلاته الملاحون وركاب السفن والصيادون والسالكون في البحار والأنهار واليابسة. وبعد أن انتهوا من البناء جمع مار ميخائيل تلاميذه ومضى إلى الدير. ثم وزع المهام على الرهبان فجعل منهم رؤساء ومدبرين وقارئين وشمامسة ومدرسين وبوابين وطباخين وخزان.
وبعد أن أقام في الدير نحو اثنتي عشرة سنة قرب زمن انتقاله من هذا العالم، فدعا الرهبان وأمرهم أن يكملوا نذورهم في الفقر والصبر والطاعة والعفة والصلاة. ثم باركهم كما بارك يعقوب الأسباط الاثني عشر. وما أن انتهى من صلاته رأى الرهبان ملاكين يهللان ويمجدان الرب بتراتيل روحية، فخرجت نفسه من جسده بفرح وسرور. وهكذا توفي بشيخوخة صالحة. فقام الرهبان والمؤمنين بدفنه بإكرام في قبر داخل الدير.
تحتفل كنيسة المشرق الكلدانية الآشوريه بتذكاره في الأحد السادس من سابوع الصوم.
--------------------------------------------------------------------------------